«البابطين الثقافية» احتفلت بتوزيع جوائز مسابقة ديوان «شهداء العزة»

1246 شاعراً من 36 بلداً شاركوا... و3 شعراء من الجزائر واليمن والبحرين حققوا الفوز

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)
رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)
TT

«البابطين الثقافية» احتفلت بتوزيع جوائز مسابقة ديوان «شهداء العزة»

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)
رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)

احتفلت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، الأحد، على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي في الكويت، بتوزيع جوائز مسابقتها «ديوان شهداء العزة» للفائزين، بحضور شخصيات دبلوماسية وفكرية وثقافية وضيوف الجائزة.

وفاز بالجائزة، التي بلغ عدد المشاركات فيها 1410 قصائد، تقدم بها 1246 شاعراً وشاعرة، يمثلون 36 دولة عربية وأجنبية، كل من: الشاعر مُحَمَّد عِبُّو (من الجزائر) محققاً الجائزة الأولى، وقدرها 15 ألف دولار، عن قصيدتِهِ «حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح»، والشاعر وضَّاح عليّ حاسِر (من اليمن) بالجائزة الثانية، وقدرها 10 آلاف دولار، عن قصيدتِهِ «وَطَنٌ يُصَلِّي في الجَحيم»، والشاعر أحمد سيّد هاشِم (من مملكة البحرين) بالجائزة الثالثة، وقدرها 5 آلاف دولار، عن قصيدتِهِ «شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَرْدِ».

وقد أشادت لجنة التحكيم بجمال النصوص المقدمة من قبل المشاركين، الذين اختاروا «تجسيد روح شهداء العزة وتضحياتهم في قصائدهم المعبرة».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية» متحدثاً في الحفل (الشرق الأوسط)

وألقى رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» المنظمة للمسابقة، سعود عبد العزيز البابطين، كلمة أكد فيها أن «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» «شقّت طريقها بقوة في المجتمع الثقافي العربي والعالمي، وابتكرت لها هوية لا غبار حولها منذ تأسيسها عام 1989، وسنظل أمناء في التعبير عن الهدف الأسمى الذي أعلنه وتبناه والدي عبد العزيز سعود البابطين منذ البداية، وهو تشجيع الأدباء، والكتّاب، والمفكرين والباحثين، والعلماء العرب، وتكريمهم، اعتزازاً بدورهم في النهوض الفكري والعلمي في مجالات الثقافة والأدب والعلم في الوطن العربي».

وأشار البابطين إلى أن «المؤسسة تلقت مشاركة واسعة من مختلف أنحاء العالم، إذ بلغ عدد المشاركات 1410 قصائد، تقدم بها 1246 شاعراً وشاعرة، يمثلون 36 دولة عربية وأجنبية، وهذه المشاركة الواسعة والإقبال السريع من مشاركة الشعراء إن دلّت فتدل على ثقتنا وثقة والدنا (الراحل عبد العزيز البابطين) التي عهدناها في ضمائر شعراء الأمة العربية اليقظة والمتعايشة مع قضايا أمتها العربية، من خلال شعرهم، وهو الأسلوب المعبر ليكون دفاعاً عن عرينهم الوطني الذي يحتضنهم». وأضاف: «الشعر أحد أهم الفنون الأدبية التي يتم من خلالها الدفاع عن الوطن، ولقد لبى الشعراء النداء، وكانت استجابتهم للدعوة على قدر الحدث، بل إنها فاقت جميع التوقعات، فتحولت المسابقة بفضل مشاركاتهم المذهلة في عددها وفي نوعيتها إلى تظاهرة ثقافية عربية وإنسانية شاملة».

وأضاف البابطين: «شاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن يكون أول كتاب أقدّمه إلى المكتبة العربية بعد أن حُمِّلتُ أمانة رئاسة مجلس أمناء (مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية) هو ثمرة النداء الذي وجّهه والدي عبد العزيز سعود البابطين - رحمه الله - في 23 أكتوبر إلى شعراء العربية في كل بقاع الأرض، ألا وهو (ديوان شُهداء العزة) الذي يتضمن قصائد مختارة لـ712 شاعراً وشاعرة من مختلف أقطار الوطن العربي وبعض دول العالم الأخرى».

السفير الفلسطيني في الكويت رامي طهبوب يلقي كلمته (الشرق الأوسط)

وشهد الحفل قراءات شعرية للشعراء الفائزين والمشاركين، قدّمت لمحات من معاناة وكفاح الشعب الفلسطيني.

كما شارك إلى جانب الشعراء الفائزين عدد من الشعراء العرب في أمسية شعرية حملت عنوان «شهداء ديوان العزة». وهم: الشاعر مُحَمَّد عِبُّو (الجزائر)، الشاعر أحمد سيّد هاشِم (مملكة البحرين)، الشاعر وليد الصراف (العراق)، الشاعر وليد القلاف (الكويت)، الشاعر عبد الله الفيلكاوي (الكويت)، الشاعرة بشرى أبو صبرة (الأردن)، الشاعرة حنان فرفور (لبنان)، الشاعرة سميا حسين صالح (سوريا)، الشاعر عبد الرحمن الطويل (مصر)، الشاعر محمد تركي حجازي (الأردن)، الشاعر نادي حافظ (مصر) مقيم بدولة الكويت.

وفي نهاية الحفل، كرّم سعود عبد العزيز البابطين، رئيس مجلس أمناء المؤسسة الفائزين بالجوائز...

«حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح»

مقتطفات من قصيدة «حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح»، للشاعر محمد عبو، الفائز بالمركز الأول:

مَرَّتْ بِخَاطِرَتِي أَطْيَافُ مَنْ عَبَرُوا

كَانُوا هُنَا شَجَرًا يَشْتَاقُهُ الْمَطَرُ

فِي الْأَرْضِ هَا دَمُهُمْ مَا زَالَ يَدْفَعُنَا

نَحْوَ الْمَجِيءِ وَدَمْعُ الرِّيحِ يَنْتَصِرُ

كَانُوا هُنَا كُتُبُ التَّارِيخِ تَعْرِفُهُمْ

حَتَّى لَتَنْطِقُ فِي أَوْرَاقِهَا الصُّوَرُ

كَانُوا هُنَا رِيحُهُمْ فِي الْقُدْسِ قَائِمَةٌ

تَتْلُو التَّسَابِيحَ، وَالْأَطْيَافُ تَنْتَشِرُ

مَا زَالَ مِنْ عَرْفِهِمْ شَيْءٌ يُلَازِمُنَا

يَا قَوْمُ جُدُّوا الْحُدَاء الْقَوْمُ قَدْ حَضَرُوا

شُدُّوا سُرُوجَ السَّمَا وَالْأَرْضِ وَانْتَبِهُوا

فَالْمُنْتَهَى وَاقِفٌ وَالْكُلُّ يَنْتَظِرُ

إِسْرَاءُ أوَّلِكُمْ مِعْرَاجُ آخِرِكُمْ

شُدُّوا الْوَثَاقَ، وَهَيَّا الْآنَ لَا وَزَرُ

إِنَّ الرُّؤَى غَزَّةٌ، وَالْأَرْضُ تَعْرِفُهَا

والأُفقُ يرْفَعُهَا وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ

والْقَلْبُ يَكْتُمُهَا حُبًّا، وَيَكْتُبُهَا

بِالنَّارِ يَا طِفْلَةً نَادَتْ بِهَا السُّوَرُ

ستُّونَ كَوْنًا، شُمُوعُ الْأَرْضِ تَقْرَأُهَا

تَأْتِي لِتُخْبِرَ مَا نَأْتِي وَمَا نَذَرُ

فِي الْمَاءِ جَرَّ الْمَدَى أَذْيَالَ عِفَّتِهَا

وَاخْتَالَ حَتَّى رَآهُ الْجِنُّ وَالْبَشَرُ

مَا زِلْتُ أَحْمِلُهَا فِي الرِّيحِ مَلْحَمَةً

تَنْأَى بِمَلْمَحِهَا، وَالشَّمْسُ تَعْتَجرُ

«وطن يُصلِّي في الجحيم»

مقتطفات من قصيدة «وطن يُصلِّي في الجحيم» للشاعر وضاح علي حاسر، الفائز بالمركز الثاني:

كالنَّهرِ في خدَّيهِ رقْرَقَ عبرَتَهْ

طفلٌ أمامَ الكُوخِ يَمْضَغُ حسْرَتَهْ

طفلٌ على الأنقاضِ يسألُ كلَّما

طيفٌ بَدَا: من أينَ يدخلُ حُجْرَتَهْ؟

ويصيحُ طفلٌ تحتَ أنقاضِ الأسَى

أنفاسُهُ الحَرَّى تُعرِّي لهفَتَهْ

أبَتَاهُ واشْتَعَلَتْ جراحَاتُ اللَّظَى

في جوفِهِ الخاوِي تُرَمِّدُ بَهْجَتَهْ

أبَتَاهُ وانتفضَتْ بقايا صرخَةٍ

في صوتِهِ المخنوقِ تَنْفُخُ جمْرَتَهْ

أبَتَاهُ وانْكسرَتْ على شَفَةِ الرَّدَى

لغةُ الأبوَّةِ؛ كي تُيَتِّمَ صرخَتَهْ

أبَتَا وغابَ الصَّوتُ، ما ردَّ الصَّدَى

صوتًا، ولم يحْفَظْ ركامٌ نبْرَتَهْ

لا شَيْءَ أبْشَعُ في الوجودِ كمثلِما

أنْ يفقِدَ الإنسانُ إنسانيَّتَهْ

منذُ امتزاجِ الطِّينِ والإنسانُ مِنْ

زيتِ الفلسطينيِّ يُشْعلُ فكْرَتَهْ

مُذْ جاءَ «هابيلُ» انْبجاسةَ فطْرةٍ

كانت براءتُهُ تُشَكِّلُ رحلَتَهْ

كانَ النَّقاءُ يقودُهُ من قلبِهِ

وصفاؤهُ جسرٌ يُعدِّدُ خطْوَتَهْ

حتَّى أتَى «قابيلُ» لا قَلْبًا لَهُ

ودَنَا الغرابُ لكي يُوارِي سَوْءَتَهْ

ما كانَ للدَّمِ أيُّ لونٍ قبْلَ أنْ

يأتي ظلامٌ ما؛ ليجرَحَ جَذْوَتَهْ

واليومَ لا لغةٌ سوى لغةِ الوغَى

لغةِ المجازرِ، والضحايَا مُنْصِتَةْ

يتحدَّثُ البارودُ فينا – وَحْدَهُ

لغةً مُفَسْفَرَةَ الحروفِ، مُكَبْرَتَةْ

وتذودُ «غَزَّةُ» - وَحْدَها - عن قُدْسِها

و«القُدْسُ» منذُ القصفِ يبْكي غَزَّتَهْ

من أوَّلِ الغاراتِ والدَّمُ رحلةٌ

نهرٌ تَشَرَّبَت المَنايا ضفَّتَهْ

وطَنٌ تُوَضِّئُهُ القذائفُ كي يُؤَدْ

دِي في الجحيمِ صَلاتَهُ وفريضَتَهْ

تَكْسُوْ مَلامِحَهُ الجراحُ كأنَّها

شَفَقٌ كَسَا بِيضَ السَّحائبِ حُلَّتَهْ

«شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَردِ»

مقتطفات من قصيدة «شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَردِ» للشاعر أحمد سيد هاشم (البحرين) الفائز بالمركز الثالث:

أسْرَجُوا الحُلمَ في عُيونِ الصَّباحِ

ثُمَّ سَارُوا على جناحِ الرِّيَاحِ

حَيثُ مَرُّوا تورَّدَتْ أغْنِياتٌ

ونَمَتْ إِثرَ كُلِّ خَطْوٍ أقَاحِي

هَكَذا كانَ لِلْبنادِقِ لَونٌ

وصَدًى أحْمرٌ لِصَوتِ الجِرَاحِ

كَسَرُوا الصَّمتَ في فَمِ المَوتِ حتَّى

شَهَقَ الموتُ بالكلامِ المُباحِ

طلْقةً طلْقةً يَدُ اللَّهِ ترمي

ينزِفُ العِزُّ من ثُقُوبِ السِّلاحِ

فِتيةٌ كالسَّماءِ تُمطِرُ في الجَدْ

بِ فتخْضَرُّ سُمْرَةُ الفَلَّاحِ

فتيةٌ زيَّتُوا الظَّلامَ وجاؤُوا

مِن أقاصِي الغُيوبِ بالإِصْبَاحِ

لمْ تكُنْ قبلَهم مَسَافةُ ضوءٍ،

دمْعةٌ شمْعةٌ، بقايَا اقتِدَاحِ

نقشُوا في رقابِهم خُطَّةَ النَّصـ

ـرِ وَذادُوا بِرَوعةِ الأرواحِ

أغلَقُوا بابَ حُزنِهم، أيُّ مَجْدٍ

يفتحُ الخُلدَ دونَما مِفتَاحِ


مقالات ذات صلة

التويجري: السعودية تعتزم بلوغ أفضل مستويات حماية حقوق الإنسان

الخليج الدكتورة هلا التويجري لدى ترؤسها وفد السعودية المشارك في الجلسة (واس)

التويجري: السعودية تعتزم بلوغ أفضل مستويات حماية حقوق الإنسان

أكدت الدكتورة هلا التويجري رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية، أن بلادها عازمة على المضي قدماً نحو بلوغ أفضل المستويات العالمية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان.

غازي الحارثي (الرياض)
رياضة سعودية منافسات مونديال الرياضات الإلكترونية انطلقت ببطولتين (الشرق الأوسط)

مونديال الرياضات الإلكترونية: «كول أوف ديوتي» تشعل الانطلاقة

انطلقت «رسمياً» فعاليات وأنشطة النسخة الأولى من كأس العالم للرياضات الإلكترونية، الحدث العالمي الأكبر في تاريخ القطاع والذي يُقام في «بوليفارد رياض سيتي».

لولوة العنقري (الرياض ) هيثم الزاحم (الرياض )
الخليج كوكبة بارزة من المُبتكرين والعلماء حصلوا على الجنسية السعودية (واس)

الجنسية السعودية لمُبتكرين وعلماء مهتمين بأبحاث «صحة البشرية»

علمت «الشرق الأوسط» أن قائمة الأسماء التي منحت الجنسية السعودية إثر صدور الموافقة الملكية، ضمت كوكبة بارزة من المُبتكرين والعلماء المُهتمين بأبحاث صحة الإنسان.

جبير الأنصاري (الرياض) عمر البدوي (الرياض)
الخليج السعودية تمنح الجنسية لعدد من أصحاب الكفاءات والخبرات

السعودية تمنح الجنسية لعدد من أصحاب الكفاءات والخبرات

صدرت موافقة ملكية سعودية بمنح الجنسية لعدد من العلماء والأطباء والباحثين والمبتكرين ورواد الأعمال والمتميزين من أصحاب الكفاءات والخبرات والتخصصات النادرة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الملتقى يجمع شعراء ونقاداً ومهتمين من دول الخليج لتعزيز التواصل الثقافي وإعلاء قيم الشعر (هيئة الأدب)

انطلاق «ملتقى الشعر الخليجي» بالطائف الجمعة

تنطلق الجمعة فعاليات «ملتقى الشعر الخليجي 2024» الذي تنظمه «هيئة الأدب والنشر والترجمة» السعودية ليومين بمحافظة الطائف.

«الشرق الأوسط» (الطائف)

جيرار دو نيرفال... عبقري على حافة الجنون

جيرار دو نيرفال
جيرار دو نيرفال
TT

جيرار دو نيرفال... عبقري على حافة الجنون

جيرار دو نيرفال
جيرار دو نيرفال

تقول لنا النظرية الحديثة في علم النفس والتحليل النفسي: العُصاب الجنوني هو الذي يصنع الكتاب الكبار والإبداع العبقري هو الذي يشفيه. العبقرية بهذا المعنى تعني الانتصار على الجنون الداخلي، أو ترويضه، أو تحجيمه. كان دوستيوفسكي قد قال لأخيه في رسالة مبكرة: عندي مشروع كبير؛ أن أصبح مجنوناً (أي عبقرياً). وبالفعل لو لم يستطع تأليف رواياته الهائلة كـ«الجريمة والعقاب» و«الإخوة كرامازوف» لكان قد جُنَّ نهائياً. وقل الأمر ذاته عن سلفادور دالي الذي أنقذته لوحاته الخارقة من الجنون. وقِسْ على ذلك... هذه هي المعادلة الجدلية، أو المعادلة الديالكتيكية، التي تربط بين العبقرية والجنون. معظم العباقرة الذين نسمع بأسمائهم ونُبجّلهم ونعظّمهم كانوا يعانون معاناة سيكولوجية هائلة تصل أحياناً إلى حافة الجنون. ولكن بضربة عبقرية خارقة كتأليف قصيدة، أو رواية، أو كتاب فلسفي نادر، استطاعوا التغلب عليها. بهذا المعنى كل عبقري مجنون بشكل من الأشكال ولكن ليس كل مجنون عبقرياً. فجنون المجانين لا يؤدي إلا إلى الهذيان الكامل ولا ينتج عنه أي شيء. إنه لا يؤدي إلى تأليف روائع أدبية كبرى كتلك التي أتحفنا بها شكسبير أو المتنبي أو جان جاك روسو الذي أوصلوه إلى حافة الجنون في أواخر حياته من كثرة الملاحقات والاضطهاد. كنت قد كرست فصلاً كاملاً لمعالجة هذه الإشكالية الكبرى في كتابي الأخير الصادر عن «دار المدى» بعنوان: «العباقرة وتنوير الشعوب».

والآن ماذا عن جيرار دو نيرفال الذي جُنَّ وانتحر في نهاية المطاف بعد أن أتحفنا بروائع أدبية خالدة؟ لم يستطع حتى الإبداع الخارق أن يحميه من السقوط في حمأة الجنون وجحيمه البهيم. وبالتالي فهو استثناء على القاعدة. ولكنه ليس الوحيد. هناك نيتشه أيضاً وهولدرلين وبعض الآخرين. نيرفال، هذا الرجل المسكين الطيب الذي احتقره عصره في القرن التاسع عشر بسبب متاعبه النفسية وفقره، راح القرن العشرون يرفعه إلى مصافِّ الكبار، بل كبار الكبار من أمثال بودلير، وفلوبير، وبلزاك، وفيكتور هيغو، وسواهم من المشاهير. بل إن بودلير ذاته كان مجهولاً في عصره إلى حد كبير ولم تنفجر شهرته كالقنبلة الموقوتة إلا بعد موته. وقد استشعر ذلك هو شخصياً عندما قال هذه العبارة الرائعة: شهرة ما بعد الموت تعنيني! ولكن على الأقل شهرة بودلير لم تتأخر نصف قرن أو قرناً كما حصل لجيرار دو نيرفال. هل نعلم مثلاً أن غوستاف لانسون، أستاذ طه حسين في السوربون وأشهر ناقد أدبي فرنسي في مطلع القرن العشرين، لم يذكره إلا في هامش صغير في أسفل الصفحة؟ كان مارسيل بروست أحد الأوائل -والقلائل- الذين عرفوا أهمية جيرار دو نيرفال. كان أول من أدرك قيمته داخل الأدب الفرنسي وربما العالمي. وكان أول من أطلق عليه لقب: عبقري! كان ذلك في بدايات القرن العشرين. ولكن لم يستمع أحد لصوت مارسيل بروست صاحب الرواية الخالدة: بحثاً عن الزمن الضائع. لم يكن قد آن الأوان لكي يعرف الناس من هو جيرار دو نيرفال...

والحقيقة هي أن الفضل في اكتشافه وإعطائه المكانة التي يستحقها على قمة الأدب الفرنسي تعود إلى السرياليين. ولو لم يكن لهم إلا هذه الميزة لكفاهم ذلك فخراً. صحيح أن الشاعر أبولينير قال عنه عام 1911 هذه العبارة اللافتة: «إنسان رائع. لو تعرفت عليه لأحببته كأخ، كشقيق»... ولكنّ أندريه بريتون، زعيم السرياليين، هو الذي خطا الخطوة الحاسمة في اتجاه الاعتراف بأهمية جيرار دو نيرفال. يقول عنه عام 1924 في المانيفست الشهير للحركة السريالية:

«كان بإمكاننا أن نستعمل مصطلح ما فوق الطبيعية بدلاً من مصطلح ما فوق الواقعية: أي السريالية في اللغة الفرنسية. والمعنى واحد في نهاية المطاف. لقد سبقنا جيرار دو نيرفال إلى اختراع السريالية الواردة في كتابه: بنات النار.

ينبغي أن نعترف بذلك. إنه الرائد الأول بالنسبة لنا. فالواقع أن نيرفال كان يمتلك الروح التي تهمنا والتي ننسب أنفسنا إليها: عنيت الروح الهذيانية السريالية، أو روح ما فوق الواقع، ما فوق الطبيعة والطبيعية. هناك عالم آخر فوق هذا العالم التافه البليد الذي نعيشه: إنه العالم السريالي الرائع. إنه أجمل وأبهى بألف مرة من جحيم الواقع الأرضي». بهذا المعنى...

يقول الناقد ريمون جان إن موقف السرياليين من جيرار دو نيرفال كان معقداً. فهو يتراوح بين الإعجاب العقائدي به، والانبهار بالتجربة المعيشة للجنون. السرياليون كانوا مهووسين بالجنون، كانوا يحبونه، يقدسونه. كانوا يعدّونه مرادفاً للإبداع العبقري. لا إبداع بلا جنون خارق. نقول ذلك ونحن نعلم أن جيرار دو نيرفال قد عرف هذه التجربة الجنونية واكتوى بحرِّ نارها. والدليل على ذلك أنه دخل المصحَّ العقلي أكثر من مرة. وبين كل إقامتين في مستشفى المجانين كان يُنتج رائعة أدبية، عبقرية. وربما لم يكن انتحاره وهو في الثامنة والأربعين إلا تتويجاً لتجربة الجنون. فقد وصل به التأزم النفسي إلى درجة لا تُحتمل ولا تُطاق فقرر أن يضع حداً لحياته. وشنق نفسه على عمود كهرباء في ساحة الشاتليه وسط العاصمة الفرنسية. مهما يكن من أمر فإن السرياليين أعطوا نقطة الانطلاق للاعتراف بجيرار دو نيرفال بوصفه كاتباً كبيراً. وقد وصل الأمر ببول إيلوار إلى حد الانبهار بعبارته التي تقول: «الطقس رائع إلى درجة أننا لا نستطيع أن نلتقي أو يقبِّل بعضنا بعضاً في البيوت. لنخرج فوراً»!

ينبغي في هذا الصدد أن نطَّلع على ما كتبه عنه الناقد الكبير شارل مورون في كتابه المرجعي الأساسي: «من المجازات الهلوسية إلى الأسطورة الشخصية- مدخل إلى النقد التحليلي النفسي». فهذا الناقد المهمَل عندنا لأننا لا نعرف غير رولان بارت الذي بلور نظرية كاملة متكاملة عن الإبداع الأدبي العبقري. وإذا كنت قد فهمته جيداً فإنه يريد أن يقول ما يلي: كل شاعر كبير يكون مهووساً حتماً ببعض العُقد النفسية. وينعكس هوسه هذا على كتاباته الإبداعية بطبيعة الحال. ويتجلى هذا الهوس في نوعية المجازات الإبداعية الرائعة التي يبتكرها والتي تتكرر بأشكال مختلفة على مدار أعماله. وبالتالي فلكي نفهم هذا الشاعر، لكي ننْفذ إلى عالمه الحقيقي، ينبغي أن نستخلص هذه المجازات اللغوية الإبداعية الخارقة من كل مؤلفاته من أولها إلى آخرها. ينبغي أن نفرزها فرزاً وأن ندرسها عن كثب لكي نتوصل إلى معرفة الأسطورة الشخصية التي تكمن وراءها، أي لكي نتعرف على شخصيته الحقيقية العميقة. فبودلير مثلاً كان مهووساً بأشياء محددة، وقد انعكس هذا الهوس على موضوعاته الشِّعرية ومجازاته اللغوية وصياغاته التعبيرية التي تسحرنا حتى اللحظة. وشكَّل هذا الهوس عالماً بأسره هو عالم شارل بودلير. وهو يختلف عن عوالم كل الشعراء الآخرين. ورامبو أيضاً كان مهووساً بأشياء أخرى، وقِسْ على ذلك... الشاعر الكبير هو وحده القادر على اختراع مجازات وعلاقات لغوية خارقة لم يعرفها تاريخ الشِّعر من قبل. من هنا جاذبيته التي لا تقاوم.

لكنَّ هوس نيرفال كان من النوع الثقيل جداً من الناحية النفسية وكان يضغط عليه أحياناً إلى حد الشلل. وقد سخر بعض الأصدقاء منه ومن جنونه بشكل ودود ومحب فتأثر كثيراً وقال ما معناه: يصعب عليَّ أن تروني مجنوناً. لم أعد أستطيع تقديم نفسي إلى أي مجلس. لم أعد أستطيع أن أتزوج أو أن أجد امرأة تقبل بي. بل لم أعد أستطيع أن أُقنع الآخرين بأن يُصغوا إليَّ بشكل جدي عندما أتحدث. مَن يستمع إلى مجنون؟ لقد فقدت هيبتي واحترامي في أعين الناس. وربما تخليت عن هذه المهنة التعيسة: مهنة الكتابة. لم يعد لي أمل بأي شيء. لقد انتهيت أنا، انتهيت...».

هذا القلق المرعب الذي كان يكتسحه من الداخل اكتساحاً هو الذي زعزع شخصيته وأفقده هيبته وأدى به إلى الانتحار في نهاية المطاف. ولكن قبل أن ينتحر كتب هذه القصيدة:

شاهدة على قبر

لقد عاش أحياناً فرحاً مرحاً كزرزور

أحياناً عاشقاً خليَّ البال حنوناً

وأحياناً مكفهراً حالماً كطائر حزين

حتى سمع في يوم من الأيام دقاً على الباب

×××

إنه الموت! لقد جاء ملاك الموت. فترجاه أن ينتظر قليلاً

حتى يكون قد وضع اللمسة النهائية على قصيدته الأخيرة

ثم من دون أي تأثر أو انفعال راح يتمدد

في أعماق الصندوق البارد حيث يرتجف جسده

×××لقد كان كسولاً حسبما تقول الرواية

كان يترك الحبر ينشف كثيراً في المحبرة

كان يريد أن يعرف كل شيء

ولكنه جاء وراح ولم يعرف شيئاً

×××وعندما حانت اللحظة حيث متعباً من هذه الحياة

قُبضت روحه في أمسية شتائية

رحل وهو يقول: لماذا جئت إلى هذا العالم؟ الشاعر الكبير هو وحده القادر على اختراع مجازات وعلاقات لغوية خارقة لم يعرفها تاريخ الشِّعر من قبل