نشيد الأناشيد وشعرية الحنين إلى الفردوس

جمع بين العشق الجسدي واندفاعة الروح للاتحاد بالآخر

جيمس فريزر
جيمس فريزر
TT
20

نشيد الأناشيد وشعرية الحنين إلى الفردوس

جيمس فريزر
جيمس فريزر

يتعذر الحديث عن الحب دون التوقف ملياً عند «نشيد الأناشيد»، بوصفه أحد أهم النصوص المؤسسة لشعرية العشق والافتتان التي عرفها الكوكب الأرضي على امتداد العصور. ذلك أن في ثنايا هذا النص المدهش من جماليات أسلوبية وفنية، ومن تباريح العشق الروحي والجسدي، ما جعله شديد الأثر على الكثير من قصائد الحب التي كُتبت من بعده، بقدر ما شكّل على الدوام مصدر حيرة الباحثين الذين تناولوه بالنقد والدراسة والتحليل. ولعل أكثر ما يستوقفنا بشأن هذا النشيد، وقبل الولوج إلى جمالياته ودلالاته الفنية والإنسانية، هو وروده كسفْر مستقل من أسفار «العهد القديم»، التي تركز في مجملها على سرديات دينية تتعلق بخلق العالم وتتبُّع أحداثه المفصلية، وبسيَر أنبيائه الكثر وما عانوه، في سياق الصراع الدائم بين الخير والشر، من آلام ومكابدات.

والملاحَظُ أن حرص القرآن الكريم على تنزيه الأنبياء عن ارتكاب المعاصي، لم يقتصر على الملك سليمان وحده، بل طال أباه داود، الذي اقتصرت صورته في القرآن على العبادة والعلم وطاعة الخالق، فيما ينقل عنه «سفر صموئيل الثاني»، بأنه الرجل النزق الذي لم يتوان عن قتل قائد جيشه، لمواقعة زوجته «بثشبع»، وقد شاهدها تغتسل عاريةً، قبل أن تحمل في وقت لاحق بابنه سليمان. ولا تختلف صورة الابن في «العهد القديم» عن صورة الأب. ففي «سفر الملوك الأول» يظهر سليمان بوصفه الذكَر الممتلئ شبقاً، الذي شغف بنساء من جميع الأعراق، وبينهن من نهاه الله عن الزواج منهن، ولكنه «التصق بهن لفرط محبته لهن، فكانت له سبعمائة زوجة وثلاثمائة محظية، انحرفن بقلبه عن الرب».

غلاف «نشيد الإنشاد» بترجمة أنسي الحاج
غلاف «نشيد الإنشاد» بترجمة أنسي الحاج

وسواء تعلق الأمر بالأب أو بالابن، فإن إلحاح الرواية التوراتية على قدرات الملكين الجسدية الفائقة يعكس في عمقه نفياً واضحاً لعصمة الأنبياء، بقدر ما يبدو تباهياً بفحولة الحاكم اليهودي مقابل «تأنيث» الآخرين، أفراداً كانوا أم شعوباً وجماعات. وإذ تركز السردية التوراتية على افتتان بلقيس بجمال سليمان وسعيها الحثيث للظفر به، تذهب السردية القرآنية بالمقابل إلى أن سليمان هو الذي بذل كل جهده للظفر ببلقيس. إلا أن اهتمامه بها لم يكن بدافع شغفه المفرط بجمالها الفاتن، بل بهدف إبعادها عن ديانتها الوثنية، وإعادتها إلى طريق الإيمان القويم. وهو الأمر الذي يؤكده ما جاء على لسان ملكة سبأ في الآية الكريمة «ربِّ إني ظلمتُ نفسي وأسلمتُ مع سليمانَ لله ربِّ العالمين».

وإذ يحرص «النشيد» على إظهار سليمان في صورة الملك الشاعر الذي تيمه العشق، يبدو هذا الحرص بمثابة تصحيح متأخر للصورة النمطية التي رسمتها له أسفار «العهد القديم» الأخرى. ولعل التناقض الواضح بين صورة سليمان في «سفر الملوك» وصورته في «نشيد الأناشيد» هو الذي حدا ببعض الدارسين إلى الاستنتاج بأن سليمان قد يكون نظم «النشيد» في فترة كهولته، أي بعد تراجع تطلُّبه الجسدي، وتقدُّم الروح لكي تحتل مكانها اللائق على ساحة الهيام والوجد. ومن الباحثين من ذهب إلى مسالك ومقاربات أخرى؛ حيث تساءل أنسي الحاج في تقديمه لـ«النشيد» الذي أعاد ترجمته بلغة عالية، عما إذا كان هذا الأثر الاستثنائي من كتابة سليمان نفسه، أم هو «مجموعة أشعار بابلية المصدر في غناء حب عشتار وتموز؟ وهل كتبه كتّابه تحت الروح الهيليني، أم لملموه من الأدب الإسكندراني ونقلوه إلى العبرية؟». كما ذهب البعض إلى قراءات أخرى، فرأوا فيه رمزاً لاتحاد يهوه بإسرائيل أو المسيح بكنيسته.

والواقع أن في النشيد ما يترك الباب موارباً إزاء أي جواب حاسم بشأن مؤلفه أو مؤلفيه الحقيقيين. ومع أن اسم سليمان يتكرر غير مرة في فصوله، مثل «أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كشقق سليمان»، أو «الملك سليمان عمل لنفسه تختاً من خشب لبنان»، أو «كان لسليمان كرْم في بعل هامون»، فإن في ذلك ما يرجح كونه بطل «النشيد»، وليس كاتبه بالضرورة. كما أن الأصوات الثلاثة التي تتعاقب على الكلام، وهي الرجل والمرأة والجوقة، يمكن أن تقودنا إلى الاستنتاج بأن النص أقرب إلى طقس عشقي ذي طبيعة دينية، كتبه شاعر أو أكثر، وتم تقديمه في الهيكل الذي بناه سليمان من خشب الأرز، تمجيداً له وتعظيماً لشأنه.

وقد يكون التداخل الملغز بين صورتي الملك والراعي في فصول «النشيد» المختلفة، واحداً من العناصر الإضافية التي تترك في ذهن القارئ المزيد من البلبلة واللبس حول هوية كاتبه. إذ ثمة ما يشير إلى أن العاشقين كانا راعيين من عامة الشعب، مثل «يا من تحبه نفسي، أين ترعى أين تربض عند الظهيرة؟»، أو «أيتها الجميلة بين النساء، أبرزي في أثر الغنم، وارعي جداءك عند مساكن الرعاة». كما أن حث المرأة حبيبها على الهرب، بقولها في المقطع الختامي «اهرب يا حبيبي وكن كالظبي أو كغفر الأيّلة على جبال الأطياب»، لا يستقيم مع مقام الملك الذي كانت تهابه الشعوب والكائنات كلها، بل يبدو فعل الطلب موجهاً إلى الراعي، الذي قد يكون دخوله على خط العلاقة، تجسيداً لحنين المرأة إلى سليمان نفسه في صورته الرعوية الريفية، بعيداً عن سطوة الحكم وأبهة السلطة المدينية.

وإذا كان من المتعذر فصل النشيد عما سبقه من مؤثرات وروافد مختلفة، بخاصة حوارات «إنانا» و«ديموزي» ذات الطابع الإيروتيكي، التي تقيم تماهياً واضحاً بين طقوس الزراعة والخصب والفعل الجنسي، كما بيّن جيمس فريزر في «الغصن الذهبي»، وصموئيل كريمر في «طقوس الجنس المقدس»، فإن «النشيد» يكتسب أهميته من جمالياته الفنية والدلالية، ومن مناخاته المدهشة التي تجمع بين الشغف المحموم ورغبة الانصهار بالآخر:

اجعلني كخاتم على قلبك

كخاتم على ذراعك

لأن الحب قوي كالموت

والغيرة قاسية كالهاوية

مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ الحب

والأنهار لا تغمره

كما تتضافر في النشيد، الذي يعده زنون كوسيدوفسكي «واحداً من أروع وأندر القصائد الشعرية الشهوانية في الأدب العالمي كله»، الحواس الخمس مجتمعة، لتمنح العلاقة العاطفية ما يلزمها من أسباب النشوة الجسدية والثمل الروحي. فهو يحتشد بشتى الألوان التي يضيء كل منها جانباً خاصاً من جوانب الكرنفال العشقي. فالمرأة في «النشيد» يبدو شَعرها شبيهاً بقطيع ماعز على جبل جلعاد، وشفتاها كسمط من القرمز، وعنقها كبرج من العاج. أما الرجل من جهته، فهو لحبيبته عنقود حناء، وغدائره كسعف النخل حالكة كالغراب، ويداه حلقتان من ذهب، وجسمه مغشّى بالياقوت الأزرق.

وفي هذا العالم البدئي للعناصر والكائنات، لا يتبقى من فاصل يُذكر بين الإنسان والطبيعة، بحيث تصبح النباتات حالة من أحوال الجسد الإنساني، ويصبح البشر بدورهم امتداداً للأشجار والنباتات. وحيث يبدو الخريف والشتاء رديفين رمزيين للشيخوخة والموت، يتقمص الربيع بالمقابل صورة القيامة، متكفلاً بإعادة الحياة إلى نصابها، وبضخ الدماء الحارة في العروق التي جمدها الصقيع. ولعل أكثر ما يجسد هذه التوأمة بين طرفي الخلق هو قول الرجل العاشق منادياً امرأته المعشوقة:

قومي يا خليلتي يا جميلتي وتعالي

فإن الشتاء قد مضى والمطر مرَّ وزال

الزهور ظهرت في الأرض

والتينة أخرجت فجّها

والكروم أزهرتْ وفاح عَرْفُها

ومع عزف النشيد على وتر العلاقة المتداخلة بين الجسد والروح، كما بين الديني والدنيوي، يظهر الاحتفاء بحاسة الشم وكأنه ضربٌ من ضروب اللعب المقصود على وتر الانجذاب الجسدي، وتنسُّمٌ لهبوب الأزمنة المنقضية على حدائق الرغبات. وإذ تتكرر في النص عبارات من مثل «مَن هذه الطالعة من القفر مطيبة بالمرّ واللبان» و«خدّاه كخميلة الطيب» و«حلْقكِ كخمر طيبة»، نلاحظ في الوقت نفسه تركيزاً على التفاح ومذاقاته وروائحه المشتهاة، كما في عبارات «عَرْف أنفكَ كالتفاح» و«تحت شجر التفاح نبهتك» و«قوُّوني بالتفاح فقد أسقمني الحب». وإذا كان من البديهي أن نستعيد مع التفاح شجرة الخطيئة الأصلية وثمار الإغواء الشهواني، فإن الاستدعاء المماثل للرمان والكرمة والنخيل وغيرها، يعكس في عمقه الأخير حنيناً موازياً للعودة إلى الفردوس. فبمثل تلك العودة أمكن للعري أن يكتسي ثوبه الطهور، وللشهوة أن تنبثق عن أكثر المشاعر صلة بالعفة، وللمدنس أن يدخل في عباءة المقدس. وفي ظل ذلك الانصهار الكلي بين العناصر والكلمات، أمكن للعاشقين المدنفين أن يتحولا إلى نسخة ثانية عن آدم وحواء، سابقة على ارتكاب الخطيئة، وأمكن للجوقة الشبيهة بالكورس في المسرح الديني أن تسأل المرأة الوالهة «ما فضل حبيبك على الأحباء، أيتها الجميلة؟»، لتجيب الأخيرة بلا تردد:

حبيبي أحمر ونضر

غدائره كسعف النخل حالكة كالغراب

عيناه كحمامتين على أنهار المياه

وجسمه عاجٌ يغطيه اللازورد

ساقاه عمودا رخام على قاعدتين من إبريز

وطلعته كلبنان.


مقالات ذات صلة

أنوار البابا الطيب

ثقافة وفنون البابا في العراق (أ.ب)

أنوار البابا الطيب

لماذا ننعته بـ«الطيب»؟ لأنه جعل من الانفتاح على الإسلام والمسلمين أحد المحاور الأساسية لعهدته البابوية. وقد لقيتْ مبادراته أصداء واسعة

هاشم صالح
ثقافة وفنون محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

كل قراءة أو «إعادة» قراءة لشاعر هي قراءة جديدة. ما مِن إعادة بمعنى التكرار إزاء النصوص المخترقة لزمنها، المتقدمة عليه.

باسم المرعبي
ثقافة وفنون متاهة سردية وبطل يعاني من التهميش

متاهة سردية وبطل يعاني من التهميش

يهدي محمد فرج مجموعته القصصية «شيء ما أصابه الخلل» - دار «المرايا» بالقاهرة - «الكازّين على أسنانهم أثناء النوم»، في تهيئة مُبكرة لما يواكب عالم المجموعة

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون هدى بركات

هدى بركات: عنف الحرب الأهلية اللبنانية أعاد تربيتي

لم تتأقلم الكاتبة الروائية هدى بركات مع باريس وغيومها الرمادية وأجوائها الباردة، برغم إقامتها فيها ما يزيد على ثلاثة عقود،

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون مجسم أنثوي من محفوظات متحف قلعة البحرين

وجه أنثوي من قلعة البحرين

تُعد قلعة البحرين من أشهر الحصون التاريخية في الخليج العربي، وتشكّل جزءاً من موقع أثري شُيّد منذ أكثر من 4000 سنة، أُدرج على قائمة التراث العالمي

محمود الزيباوي

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم
TT
20

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

كل قراءة أو «إعادة» قراءة لشاعر هي قراءة جديدة. ما مِن إعادة بمعنى التكرار إزاء النصوص المخترقة لزمنها، المتقدمة عليه. الشعر هو خطوة في المستقبل، والقراءة أياً كانت، هي ملاحقة له، بدواعي الاكتشاف. توصيف كهذا هو ألصق بشعر محمود البريكان أكثر من شعر أي شاعر آخر، بسبب طبيعة موضوعاته، بالدرجة الأساس، المتجهة إلى الإنسان وإلى ما هو كوني، وكذلك بسبب عمق رؤية الشاعر، وطبيعة التقنية الخاصة المجتهدة التي أملتها تلك الموضوعات أو تفتّقت عنها، فهُما عند البريكان لا ينفصلان. ويخيّل لي أن أكثر الشعر العربي، إذا ما قورن بشعر البريكان، المصمَّم بفكر، يتبدّى احتفالاً رومانسياً بالأشياء. لكن «فكرية» البريكان لا تعني الذهنية المجرّدة؛ فهو كما وصف نفسه، بحق، في إحدى قصائده المبكّرة «قلبٌ مفكّر». وشعر البريكان - وقلما يحدث ذلك مع شاعر آخر - يُقرأ في ضوء متغيّرات العالم، في جوهره وليس في أعراضه، كما في قصيدة «التصحّر»، مثلاً، وفي ضوء المتغيّرات الثقافية. فهذا الشعر يبدو ناشباً جذوره في المستقبل انتماءً وقراءةً (للمستقبل) حتى ليغدو شيئاً منه. ولم يجانب الشاعر الحقيقة حين قال إن قصائدي لن تُفهم إلا بعد عشرين سنة، كما يُنقَل عنه ذلك. إنه يتحدث عن المستقبل بغضّ النظر عن الرقم الذي ارتأى. وهو شيء جدير بكل فن حقيقي، ليس بالضرورة باستعصاء فهمه في لحظته، بل بمعنى سرَيانه في الزمن ومعه. من هنا، فإن في استعادة شعر البريكان استعادة للدهشة البكر المزامنة لكل قراءة. وهو شأن كل شعر وفن عظيم يحمل صفة خلوده معه. ولا تكتمل أي قراءة للشاعر البريكان بمعزل عن رياديته؛ فدور البريكان الريادي أساسيّ لا يقلّل من أثره وخطورته أن سطحية النقد السائد لم تعره اهتماماً يُذكر، على حد تعبير الشاعر رشيد ياسين، أو أن مجمل الموقف من الشاعر وشعره مناوَأةً أو - في أحسن الأحوال - صمتاً، قد يُترجم إلى ما يجافي ما هو شعري وثقافي، وإلّا فإن شعر البريكان على ما عُرف منه - حتى الآن - وهو ليس بالقليل، جدير بأن يضعه في مصاف كبار الشعراء الذين عرفتهم الإنسانية في مختلف العصور. ولمعدّ هذا الكتاب الفخر بأن جعل صورة الشاعر البريكان الشعرية أقرب إلى الصفاء بعد سُحب الضباب التي حجبتها طويلاً. فكم من الأصداء المهمة حققتها مجموعات/ مختارات «متاهة الفراشة»، في طبعتَيها السابقتين، بل يمكن القول إن «متاهة الفراشة» هي التي قدمت البريكان عربياً، ورسّخت صورته، وحققت لشعره انتشاراً حتى على صعيد اللغات الأُخرى، كما في ترجمة سركون بولص لعدد من قصائده إلى الإنجليزية، أو ترجمة جاسم محمد الذي عمل منذ سنوات على ترجمة كامل «الديوان» إلى السويدية، على أمل أن يرى مشروعه النور، يوماً. فضلاً عن ترجمات متفرقة هنا وهناك، ودراسات ومراجعات رصينة كثيرة لشعر وشعرية البريكان، على النطاقين العربي الواسع والعراقي المحلي، لا يمكن حصرها، ما كان لها أن تحدث لولا صدور المجموعات/ المختارات التي بين يدَي القارئ، دون نسيان البحوث والرسائل الجامعية التي اعتمدتها مصدراً لشعر البريكان.

عند كتابة هذه السطور يكون قد مضى ما يقارب اثنين وعشرين عاماً على الطبعتين الأولى والثانية من «متاهة الفراشة» التي لاقت رواجاً واستقبالاً متعطشاً لشعر البريكان وجهده، أحسب أنهما يتجددان تجدّد شعر البريكان؛ ما يعني ضرورة صدور طبعة جديدة، ولا سيما أنّ هذه اجتهدت لأن تخلو من الأخطاء الطباعية، كما - وهذا هو الأهم - قد ضمّت عدداً من القصائد لم تقف عليها الطبعتان الأولى والثانية، والقصائد المُضافة هي: «العربي التائه»، و«سمفونية الأحجار»، و«دراسات في عمى الألوان»، و«الوصية». وهي في صميم تجربة البريكان المتنامية، ومشروعه التحديثي في القصيدة العربية. وعلى الرغم من إيماني الشخصي بأنّ ما تمّ تقديمه من قبل من شعره يكفي لأن يرسم صورة واضحة المعالم ووافية عن طبيعة الاشتغال والهمّ الشعري الذي انطوى عليه الشاعر، والمديات التي بلغتها قصيدته وشاعريته؛ من هنا فإنّ القصائد المُضافة المذكورة تأتي تعزيزاً للانطباع القوي الذي يتركه مجمل شعر البريكان لدى قارئه، وإلّا فإن أية إضافة جديدة هي من باب النوافل، حتى مع أهميتها النوعية، دون التقليل من أي جهد استكشافي يحاول الوصول إلى كامل نتاج الشاعر - لو أُتيح ذلك - وتقديمه إلى القراء المتطلعين إلى الإلمام بالمزيد من هذا النتاج، حتى لو من باب الفضول.

* مقدمة الطبعة الجديدة من «متاهة الفراشة»: قصائد - حوارات - شهادات... التي ستصدر هذه الأيام عن دار «جبرا للنشر والتوزيع» في الأردن