الأدب الياباني... انصهار الموروث والحداثة

تانسمان يتتبع نشأته منذ 1500 عام وتطوره وأشكاله

كواباتا
كواباتا
TT

الأدب الياباني... انصهار الموروث والحداثة

كواباتا
كواباتا

قصائد في وصف الطبيعة وما تحفل به من جبال وبحار وبراكين وأزهار، قصائد عن الموت نظمها رهبان من طائفة «زن» البوذية، قصائد غرامية نظمتها سيدات في البلاط الإمبراطوري، اتجاهات حداثية وسيريالية ونسوية وماركسية، كتابات باللغة اليابانية كتبها كوريون، أدب جاء من مستعمرات يابانية سابقة مثل تايوان ومن جاليات يابانية هاجرت إلى لوس أنجليس والبرازيل وبيرو وألمانيا وإيران ولكنها لم تفقد صلتها بوطنها ولغتها. تلك كلها بعض الثروات التي يزخر بها الأدب الياباني على مر العصور. وهذا الأدب موضوع كتاب عنوانه «الأدب الياباني» (Japanese Literature )، صدر خلال العام الماضي (2023) عن مطبعة «جامعة أكسفورد» من تأليف آلان تانسمان (Alan Tansman)، أستاذ اللغة اليابانية وآدابها بجامعة كاليفورنيا.

يرتد الأدب الياباني المكتوب إلى 1500 عام مضت ويشمل شعراً وأعمالاً قصصية ومسرحيات ويوميات ورسائل في النقد ومقالات وكتباً مصورة. وإذ يطرح تانسمان سؤال «ما الأدب الياباني؟» يجيب بقوله إنه شفاء من خلال سحر الكلمات ودواء لجروح النفس. وهو يستخدم «لغة تتحرك وراء ذاتها إلى أماكن لا تستطيع الكلمات أن تصل إليها».

كان الأدب الياباني في مبدأ أمره يمتد ببصره إلى الصين مستوحياً تراثها، ولكنه فيما بعد - منذ أواخر القرن التاسع عشر - بدأ يولي وجهه شطر أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ظهر فيه شعراء يسيرون على نهج ت. س. إليوت، وروائيون يستوحون مونولوغات جيمس جويس الداخلية، ومفيدون من الواقعية السحرية لأدباء أمريكا الجنوبية.

ولنبدأ بالشعر بوصفه تاج كل فنون القول. إن أهم أشكاله في الأدب الياباني ثلاثة: الهايكو والتانكا والرنجا.

فالهايكو شكل من الشعر الغنائي يتألف من سبعة عشر مقطعاً، وقد ازدهر في الفترة ما بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، وما زال ثمة من يكتبونه اليوم.

إن قوته الرمزية تقوم على عراقة الموروث والمزج الثقافي بين تعاليم البوذية والطاوية والاعتقاد بأن لكل ما في الكون من أشياء روحاً. وأعظم ممارسيه الشاعر باشو (1644 - 1694) الذي درس بوذية «زن»، كما قرأ كلاسيات الشعر الياباني والصيني.

وهذا نموذج من شعره، قصيدة «هايكو» تتألف من ثلاثة أبيات:

بركة قديمة-

ضفدع يثب

صوت الماء.

وقد ترجم الروائي والمترجم المصري بدر الديب نماذج من هذا الشعر في كتابه «ربيع الهايكو».

و«التانكا» شكل تقليدي من أشكال الشعر الغنائي الياباني يتألف من واحد وثلاثين مقطعاً في ترتيب خاص.

أما «الرنجا»، فمتتابعة شعرية متصلة الحلقات، برع في كتابتها باشو وغيره، وقد أثر هذا الشكل الشعري في شعراء بريطانيين وأمريكيين مثل الشاعر الإنجليزي تشارلز توملنسون الذي اشترك مع الشاعر المكسيكي أوكتابيو باث وآخرين في إصدار ديوان عنوانه «رنجا: سلسلة من القصائد» (1979).

ميشيما

أما فن القصة، فقد بدأ يزدهر منذ القرن الحادي عشر، وبلغ أعلى نقطة له في «حكاية جنجي»، وهي رواية من تأليف الأديبة مورا ساكي شيكيبو (حوالي 973 - حوالي 1014)، أو هي من تأليفها جزئياً على الأقل. كانت المؤلفة تعيش في البلاط الإمبراطوري في كيوتو. وتدور روايتها حول الحياة الغرامية لجنجي، وهو ابن إمبراطور، جمع بين الوسامة والثقافة. يمر هذا الأمير الشاب بتقلبات عاطفية معقدة من بينها علاقة مع سيدة تكبره سناً، ومع مورا ساكي التي أصبحت حبه الصادق فيما بعد. وحين تموت هذه الأخيرة يلتمس جنجي العزلة في معبد. وتنتهي الرواية على نحو غامض لا نعرف معه إن كانت المؤلفة قد تركتها ناقصة، أم أنها آثرت ألا تنهيها نهاية قاطعة.

ومن أهم الروائيين اليابانيين في القرن العشرين ياسونارى كواباتا (1899 - 1972) الحاصل على جائزة «نوبل للأدب» في 1968. وجاء في تقرير الأكاديمية السويدية عند منحه الجائزة إنه يمتاز بـ«تمكنه من السرد القصصي الذي يعبر بحساسية كبيرة عن جوهر الذهن الياباني، وقد أثر ذلك بعمق في شعوب العالم». ومن أهم رواياته «أرض الجليد»، وهي تجسد الحنين إلى اليابان القديمة وطقوسها وتقاليدها، وذلك من خلال علاقة بين رجل من طوكيو وفتاة من فتيات «الجيشا» في منتجع شتوى.

وثمة روائي آخر فاز بجائزة «نوبل» في 1994 هو كنزابورو أوى (1935 - 1994) الناطق بلسان أول جيل من اليابانيين بلغ مرحلة النضج بعد هزيمة اليابان أمام الولايات المتحدة الأميركية في حرب المحيط الهادئ عام 1945. وقد تحول إلى كاتب أخلاقي بعد زيارته لهيروشيما في مطلع ستينات القرن الماضي ووقوفه على ما أحدثته القنبلة الذرية من دمار.

فإذا جئنا إلى فن المسرح وجدنا أن اليابان قد انفردت بما يعرف باسم مسرحيات «النو»، وهي شكل تقليدي من أشكال المسرح الياباني ذي طابع شعائري في الإلقاء والغناء والإيماء (قد تكون لحركة صغيرة من مروحة دلالة نفسية مهمة). ويرتدي ممثلو «النو» أقنعةً، وتجمع المسرحيات بين الموسيقى والرقص والكلام نثراً ونظماً.

ومسرحيات «النو» بطيئة الإيقاع، رمزية الدلالة، روحانية الطابع، ازدهرت في القرن السابع عشر، وهي قصيرة (فصل أو فصلان) تشبه من بعض النواحي الدراما الإغريقية القديمة. وممن تأثروا بها الشاعر الآيرلندي و. ب. ييتس، والأميركي إزرا باوند، والألماني برتولد برخت.

كذلك تنفرد اليابان بمسرح «الكابوكى» وهو شكل من العروض المسرحية المسلية أقرب إلى الطابع الشعبي من مسرحيات «النو» الأرستقراطية الوقور. وتجمع «الكابوكى» بين الغناء والرقص والإيماءات على خشبة المسرح (خشبة واطئة عادة) وتحفل بالمناظر والأزياء، وكل أدوار النساء يلعبها رجال. وممثل «الكابوكى»، بخلاف ممثل «النو»، لا يرتدي أقنعة وإنما يتجمل بمساحيق زينة كثيفة. وتستوحي مسرحيات «الكابوكى» أساطير أو خرافات معروفة مسبقاً لدى جمهور النظارة.

كنزابورو

ويختم آلان تانسمان كتابه بقوله إن عبقرية الأدب الياباني تكمن في إيمانه بأن الكلمات تستطيع أن تصل إلى ما هو استشرافي متعالٍ، وذلك بمعالجة ما هو عيني مادي مجسد. فهو في آن أدب ينتمي إلى هذا العالم وأدب يرتفع بمؤلفيه وقرائه عن المستوى الأرضي واليومي إلى أفق أعلى.

أدب ينتمي إلى هذا العالم لكنه يرتفع بقرائه عن المستوى الأرضي واليومي إلى أفق أعلى

وثمة إقبال مزداد اليوم على ترجمة الأدب الياباني إلى مختلف اللغات الأجنبية يفسره ما تمثله اليابان اليوم من تقدم تكنولوجي ورخاء اقتصادي وحضور على الساحة العالمية واندفاع حضاري نحو المستقبل على نحو يكاد يسبق ما نجده في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية. ونذكر في هذا الصدد ترجمة ثلاثة أعمال للروائي والكاتب المسرحي الياباني يوكيو ميشيما إلى اللغة العربية: رواية «اعترافات قناع»، ورواية «صوت الأمواج»، ومسرحية «السيدة دى ساد» (ترجمة وتقديم كامل يوسف حسين، سلسلة من المسرح العالمي، الكويت، أول فبراير 1988)، وترجمة رواية كنزا بورو آوى «هموم شخصية» (ترجمة صبري الفضل، سلسلة روايات الهلال، القاهرة)، فضلاً عن الترجمات التي بدأت تظهر عن اللغة اليابانية مباشرة، وليس من خلال لغة وسيطة، وذلك بعد افتتاح أقسام للغة اليابانية وآدابها في أكثر من جامعة عربية.


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطعاً لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك» اليوم (السبت): «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي ل اهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».