3 وجوه أنثوية من جزيرة فيلكا الكويتية

تنتمي إلى الطرازَين اليوناني والبابلي الهلنستي

3 وجوه من موقع تل الخزنة في جزيرة فيلكا يقابلها وجه من موقع قلعة البحرين
3 وجوه من موقع تل الخزنة في جزيرة فيلكا يقابلها وجه من موقع قلعة البحرين
TT

3 وجوه أنثوية من جزيرة فيلكا الكويتية

3 وجوه من موقع تل الخزنة في جزيرة فيلكا يقابلها وجه من موقع قلعة البحرين
3 وجوه من موقع تل الخزنة في جزيرة فيلكا يقابلها وجه من موقع قلعة البحرين

من جزيرة فيلكا الكويتية، خرج عدد كبير من التماثيل الأثرية المتعددة الأساليب، منها مجموعة من المجسمات الطينيّة الصغيرة، عثرت عليها البعثة الفرنسية في موقع يُعرف بـ«تل الخزنة»، خلال حملة التنقيب الواسعة التي أجرتها في عام 1984. تعود هذه المجموعة إلى الفترة الممتدة من القرن الخامس إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وتضم أكثر مائتين وثمانين قطعة وصل أغلبها على شكل كسور مجتزأة، منها ثلاثة وجوه أنثوية حافظت على ملامحها بشكل كامل.

تقع أهم مواقع فيلكا الأثرية في أقصى الجنوب الغربي من ساحة الجزيرة، وأشهرها موقع يُعرف بمنطقة تل سعد وتل سعيد، يضمّ قبرين، أحدهما يدعى قبر سعد والآخر قبر سعيد. على الشريط الساحلي، إلى الشمال من منطقة سعد وسعيد، يقع تل الخزنة، وتعود هذه التسمية إلى أسطورة قديمة يرددها أهالي الجزيرة القدماء، تقول إن هذا التل يحوي في عمقه خزنة من الذهب يحرسه ثعبان مخيف يمنع أي إنسان من حفره. في خريف 1976، شرعت بعثة إيطالية من جامعة البندقية في استكشاف هذا التل لمدة بضعة أيام، وعثرت على مجموعة محدودة من اللقى. خلص هذا الاستكشاف الأوّلي إلى القول بوجود موقع ديني في هذا التل، وتوقّف عند هذا الحدّ.

في خريف 1984، واصلت بعثة فرنسية تابعة لـ«مؤسسة الشرق والبحر الأبيض المتوسط» هذا العمل على مدى شهر تحت إدارة العالِمَين إيف كالفي وجان فرنسوا كالفي، وعادت في العام التالي لاستكماله، وتبيّن أن التل فقد مع الزمن أسس مبانيه الأثرية بشكل شبه كامل. في المقابل، جمعت البعثة خلال أعمال التنقيب مجموعة من الكسور الفخارية تحمل سمات الطرازين الأشوري والأخميني، ومجموعة ضخمة من كسور طينية مبعثرة تعود إلى مجسمات طينية صغيرة، وسمحت هذه اللقى بتحديد التاريخ الخاص بهذا التل.

بحسب دراسة نشرها جان فرنسوا كالفي في سنة 1986، إثر انتهاء أعمال البعثة التي شارك في إدارتها، تشكّل المجسمات الطينية نحو 28 في المائة من مجمل اللقى التي تمّ تسجيلها، وتتميز بتنوّع مواضيعها، فمنها التماثيل الآدمية الذكورية والأنثوية، ومنها الحيوانية المتعددة الأجناس، ومنها تلك التي تمثل عناصر جامدة. ويوحي عدد هذه التماثيل الكبير بأنها تعود على ما يبدو إلى مزار لتقديم النزور يتصل بمعبد اندثر، بقيت منه كتابة يتيمة نُقشت باللغة الآرامية تشير إلى معبود ضاع اسمه. ويرى بعض البحاثة المختصين أن هذا المعبود هو نابو، سيد الكتابة والحكمة في الميراث البابلي، في حين يرى البعض الآخر أنه شماش، سيد الشمس في هذا الميراث.

بلغ عدد قطع هذه المجموعة أكثر من مائتين وثمانين قطعة لم يصل أي منها بشكل كامل للأسف، منها ثلاثة وجوه أنثوية حافظت على ملامحها بشكل كامل. تتشابه هذه الوجوه في الظاهر، غير أنها لا تتماثل، ويتجلّى هذا التباين في تبني أسلوبين فنيّين مختلفين. يبلغ طول الوجه الأول 2.5 سنتمتر، وعرضه 1.4 سنتمتر، وهو بيضاوي طويل، ويتميز بأنف معقوف وثغر صغير، ويحمل سمات الطراز اليوناني الكلاسيكي المعروف بطراز تاناغارا، وهذا الاسم يعود إلى بلدة في مقاطعة بيوتي التابعة في إقليم وسط اليونان. في مقبرة أثرية تقع في هذه البلدة، تم العثور على مئات من التماثيل اليونانية في 1870، وعُرف هذا الطراز باسم هذه البلدة، وتبيّن لاحقاً أن مدينة أثينا شكّلت أساساً له منذ منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، غير أن التسمية ظلت شائعة ومعتمدة حتى يومنا هذا. يعلو هذا الوجه ما يشبه الخوذة؛ ممّا يوحي بأن صاحبته هي المعبودة أثينا، سيدة القوة وحامية المدينة، غير أن هذا العنصر لا يكفي لتأكيد هذه الهوية.

أطلق اليونانيون على فيلكا اسم إيكاروس وأطلقوا على البحرين اسم تيلوس

يبلغ طول الوجه الثاني 3.4 سنتمتر، وعرضه 2.4 سنتمتر، وهو دائري، ويتميز بوجنتين مكتنزتين، وعينين لوزيتين، ويعلوه منديل يحجب الشعر، مع شريط يلتف حول أعلى الجبين. من حيث التأليف، يتبنّى هذا الوجه طرازاً شاع في بلاد ما بين النهرين، ويعكس من حيث الأسلوب أثراً هيلّينياً يظهر في تجسيم عناصر الوجه. يتبع الوجه الثالث هذا النسق، وحجمه مماثل تقريباً لحجم الوجه الثاني، ويتميز كذلك بعينين واسعتين، وبثغر حُدّدت شفتاه الصغيرتان بدقّة، وتشهد هذه السمات لغلبة الأسس الشرقية على اللمسة الهيلينية بشكل جليّ. في الخلاصة، تشهد هذه الوجوه الثلاثة على أسلوبين فنيين، وتظهر هذه الثنائية في الكسور الأنثوية الأخرى التي تمثل أجزاء من قامات، منها تلك التي ظهرت عارية، ومنها تلك التي ظهرت تحت ثنايا ألبسة تمثّل طرازات متنوّعة.

ينتمي الوجه الأول إلى الطراز اليوناني الكلاسيكي، وينتمي الوجهان الآخران إلى طراز يُعرف بالطراز البابلي الهلنستي، وهو طراز ظهر في بلاد ما بين النهرين في القرن الرابع قبل الميلاد، وعكس أثر الجمالية اليونانية على الميراث المحلّي. شاع هذا الطراز بشكل واسع، وأشهر شواهده تلك التي تعود إلى مقاطعة سلوقية على ضفة نهر دجلة، وتتمثّل بنتاج متعدّد الأشكال برز في عهد الإمبراطورية السلوقية، واستمر في عهدي الإمبراطوريتين اللتين تبعتاها، أي الفرثية والساسانية.

يظهر هذا الطراز في جزيرة فيلكا، كما يظهر في جزيرة البحرين، كما يشهد وجه أنثوي منمنم عُثر عليه بشكل مجتزأ في موقع قلعة البحرين. يماثل هذا الوجه البحريني في تكوينه وجهي تل الخزنة، وهو على الأرجح معاصر لهما، ويعود إلى الفترة الممتدة من نهاية القرن الرابع إلى العقود الأولى من القرن الثالث قبل المسيح، وهي الفترة التي امتدت فيها سلطة سلالة الأخمينيين من غرب آسيا إلى وادي السند في الشرق، وشملت ساحل الخليج.

في نهاية تلك الحقبة، أطلق اليونانيون على فيلكا اسم إيكاروس، وأطلقوا على البحرين اسم تيلوس، وخلّفوا في هاتين الجزيرتين ميراثاً فنياً كبيراً يشهد لحضورهم الساطع فيهما.


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.