مصارعة الجنون بالجمال والموسيقى

محمد خير في روايته الجديدة «مرحلة النوم»

مصارعة الجنون بالجمال والموسيقى
TT

مصارعة الجنون بالجمال والموسيقى

مصارعة الجنون بالجمال والموسيقى

في رواية «مرحلة النوم» للروائي المصري محمد خير، تبدو تحوّلات المدينة امتداداً بصرياً وسريالياً لتحوّلات البطل الذهنية، حيث الجنون قد مسّ كل شيء في لحظة زمنية ونفسية لا قدرة لبطل على تحملها والتعايش معها.

منذ مطلع الرواية، الصادرة حديثاً عن دار «الكتب خان» للنشر بالقاهرة، يؤسس محمد خير خريطة إيهام فنية، مانحاً مسحة خيالية للشوارع التاريخية للعاصمة المصرية بمداخلها وتعاريجها، فيظهر شارع طلعت حرب، المعروف بصخبه المروري، وقد أُحيط بغابات الصنوبر والكستناء، في حين أن البطل يتعثر في السناجب، أثناء سيره في تقاطعاته، ويفتح شُرفته التي تُطل على سور مجرى العيون فيراه يموج باللون الأخضر، وفي وسطه مسرح موسيقي تصدح منه موسيقى فيفالدي، لتبدو المدينة وقد اصطبغت بسمت واقعي وغرائبي معاً.

هوية ملتبسة

يستنطق الكاتب من هُوية المدينة المُلتبسة أزمة بطله وارف شاهين الذي يظهر في مطلع الرواية، وكأنه غريب يبحث عن عنوان يقصده، وإن كان يبدو، في الوقت نفسه، على وعي كامل بالمكان وذاكرته، فيتعثر في غابة تحجب من ورائها العمارات الخديوية التي يعرفها جيداً. ويبدو هذا الاستهلال المشهدي للرواية؛ ليس مجرد وصف لموقف مرّ به البطل، بقدر ما يكشف عن حالة من التيه الشخصي والتاريخي لأجيال لم تصل قط إلى وجهتها ومقصدها. وارف شاهين، الذي يدرك ما يحمله اسمه من غرابة نسبية، والذي لا تشبه ملامحه المصريين بسبب أصوله الشامية، تورَّط لسبب عبثي في قضية دخل على أثرها السجن، فيتبدّل كل شيء في سنواته السبع داخل جدرانه، ويخرج منه ليرى المدينة بوجه غريب، فقد بات مألوفاً فيها انتشار «الوافدين» الذين يحملون ملامح أوروبا الشرقية، إنه يشعر وكأنه في «بلاد العجائب»، فنراه يتعثر بزهور التوليب التي لا تُزهر في مصر أساساً، ويبصر أرانب تختبئ في أفق خضرتها المفتوحة، وحين يقترب من غزالة يتذكر أن صوتها يُطلق عليه «السليل»، وهي لحظة تضيء هويته حينما كان يعمل قبل دخوله السجن في مجال الترجمة التي راكمت داخله كثيراً من المفردات، قبل أن تضيف سنوات السجن إلى قاموسه الجديد مفردات لغوية ونفسية أخرى كالخوف والهلع والجنون.

الجنون الطائر

يُغالب البطل للخروج من «الثقب الذي ابتلعه قبل السنوات السبع»، وتصبح خطواته منذ خروجه من السجن محض محاولات لاستعادة ما فاته، وكأن الزمن قد ذاب قبل وقت طويل، تاركاً إياه في «لا نهائية البداية»، رغم محاولاته الحثيثة للعودة إلى عمله من جديد، ومواصلة علاقته بسالي التي كان «حضورها أكبر مما تستطيع حياته أن تستوعب».

صارت حركة حياته حركة دائرية، تُسلّمه نقطة إلى أخرى أسبق، حتى تكاد تكون يومياته خارج السجن مشاهد مُكررة تجترح تجربة السجن الانفرادي، التي تجعله يجترّ علاقته بالجدران، وهي علاقة بدأت مع طفولته، إذ كان يرى دائماً في أي جدار أمامه مرآة لأحلام يقظته، في حين يخيِّل له جدار السجن أن رفيقاً له يُحادثه، يماثله تماماً كقرينه، وحتى منزله الذي عاد إليه يتخوف أن يبتلعه جداره. يحس بأنه غريب واقع في متاهة من المفارقات.

وفي أحد مشاهد الرواية المؤثرة، نراه واقفاً أمام عربة مثلجات زاهية على رصيف شجري، وهو يراقب الأطفال يشترون المثلجات، وسمع نفسه يقول: «ها هو الموت أخيراً، انتهى الأمر، سأموت الآن بين هؤلاء المجهولين، على الرصيف مثل أي كلب».

يسأل نفسه عما إذا كان أحد قد نجح من قبل في إصابة نفسه بالجنون، وهل يمكن استنطاق مجانين الشوارع والأوتوبيسات والسجون بهذا السؤال... هل يمكن تمييزهم عمن جُنوا رغماً عن أنفسهم؟ إنه يبدو جادّاً في سعيه وراء الجنون الكامل، مستعيناً بطاقات كامنة داخله من سنوات الحبس التي بدت كأنها تدريب على الجنون نفسه.

لكن رغم ما يُكابده من عذاب لاستعادة عالمه من جديد، تسكنه رؤى جمالية لا تكاد تُفارق ناظريه. فالجمال في الرواية هو الصلة القوية بين البطل وآلامه. إنه، كما يقول أفلاطون، الشيء الذي عندما يراه الإنسان يرتجف، ويسري الدفء في أوصاله، وتتفتح به مسامّ الجسد ليخرج منها ريش يتحوّل لجناحين تطير به إلى عالم الجمال. هذا الشعور بالجمال هو الذي أخرج البطل من عالمه الكابوسي، فنراه في المشهد الأخير وهو يُحلّق فوق المدينة، مغموراً بشعور غير مرئي يحمله برفق مثل كف هائلة، ناظراً لأشجار القبقب والحور، وقطيع الغزلان التي ترفع رؤوسها لتنظر إليه. كان كأنما يطير إلى مُنتهاه، في مشهد يستدعي صوت حبيبته سالي التي قالت له ذات مرة: «ولكن جنونك جميل... كل هذه الخضرة والموسيقى؟».


مقالات ذات صلة

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

ثقافة وفنون أليخاندرا بيثارنيك

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية

ماغنوس وليام أولسون باسم المرعبي (ترجمة)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية

«الشرق الأوسط» (الظهران)
ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».