«المهرجان اللبناني للكتاب» ينطلق الخميس متحدياً الأزمة المالية ومخاطر تمدّد الحرب

خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
TT

«المهرجان اللبناني للكتاب» ينطلق الخميس متحدياً الأزمة المالية ومخاطر تمدّد الحرب

خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)
خلال افتتاح «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 2020 بحضور وزير التربية اللبناني آنذاك طارق مجذوب (في الوسط إلى اليمين)... في بلدة أنطلياس بلبنان (الحركة الثقافية - أنطلياس)

ينطلق «المهرجان اللبناني للكتاب»، في دورته اﻟ41، الخميس المقبل 29 فبراير (شباط) 2024 في بلدة أنطلياس اللبنانية، ويستمرّ حتى 10 مارس (آذار). عام جديد تنظّم فيه «الحركة الثقافية - أنطلياس» معرضها الوطني السنوي، متحدية الظروف الاقتصادية الصعبة التي ما زال يعانيها لبنان ومخاطر تمدد الحرب الدائرة في جنوب البلاد.

يُفتتح المهرجان عند الساعة الرابعة بعد ظهر الخميس المقبل بتوقيت بيروت. ويفتح المعرض أبوابه كل يوم من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء ويستمر 11 يوماً. ويحتوي المهرجان على 3 محاور؛ «معرض (بيع) الكتب، وتكريم الشخصيات الثقافية، وتواقيع كتب صادرة حديثاً».

يتوقّع الدكتور عصام خليفة، أمين إعلام المهرجان، في حديثه ﻟ«الشرق الأوسط»، أن تكون دورة هذا العام واعدة، ويتحدّث عن أهمية استمرار تنظيم المناسبة الثقافية الوطنية في ظل الظروف الحالية، قائلاً:

«من خلال استمرارنا بالمهرجان السنوي والتكريم رغم المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، نحن نواجه مشروع انهيار الدولة اللبنانية والأزمة المالية، ونواجه الجريمة المنظّمة التي تواجهنا، ونظام الحرب الذي ما زال قائماً ضدنا، ونقف بوجه القمع. نقاوم كل هذا الوضع بالثقافة. هذه هي الرسالة التي نقدّمها».

صورة الدعوة للمشاركة ﺑ«المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (الحركة الثقافية - أنطلياس)

تشجيعاً للشباب على القراءة

في الجانب الخاص ببيع الكتب، تشارك دور نشر مختلفة بالمهرجان، وتبيع الكتب مع خصم بنسبة 30 في المائة. وفي المهرجان أيضاً معرض كتب للأطفال. ووفق د. عصام خليفة، «أقنعت الحركة الثقافية كثيراً من دور النشر بأن تنظم بازاراً بأسعار شبه مجانية لكتب تريد الدور تصريفها. نجحت تجربة البازار السنة الماضية، لذا سنعمل بازاراً هذه السنة أيضاً. عدد كبير من كتب البازار يبلغ سعره دولاراً واحداً فقط».

ويضيف خليفة: «يهم المهرجان من خلال هذه الحسومات أن يعيد التواصل بعد القطيعة بين الشباب والكتاب بفعل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي».

لا تقبل الحركة الثقافية مساعدات مالية من أي جهة، وتعتمد في تمويلها على الإيجارات التي تدفعها لها دور النشر لحجز مساحات لها في المعرض السنوي. هذه الإيجارات تؤمّن للحركة استقلاليتها، بحسب خليفة.

وتحدّث خليفة عن الصعوبات التي واجهها المهرجان اللبناني للكتاب في السنوات الأخيرة نتيجة جائحة «كورونا» (بدءاً من عام 2020)، التي تزامنت تقريباً مع الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان، وأشار إلى أنّ الجائحة أوقفت المهرجان السنوي سابقاً لعام ونصف عام. يقول: «السنة الأولى لـ(كورونا) بدأت بمهرجان الكتاب، لكن جاءت آنذاك الأوامر الحكومية بالإغلاق بسبب الوضع الصحي نتيجة الجائحة، فأغلقنا المعرض في منتصفه. السنة الماضية عدنا لتنظيم مهرجان الكتاب، وكانت العودة مشجعة. السنة تجربتنا أوسع. المساحة المتاحة للعرض أكبر».

ندوات تناقش القضايا الوطنية

بموازاة معرض الكتب، تنظّم الحركة الثقافية أنشطة كثيرة. تُقام ندوات وحفلات تكريم لأعلام الثقافة.

وكمثال عن الندوات التي تُقام في مهرجان الكتاب لهذا العام، يعطي خليفة مثالاً الندوة الأولى في المهرجان، وذلك يوم الافتتاح الخميس 29 فبراير، بعنوان «مراجع الشيعة وقضايا الوطن الجامعة» (الساعة السادسة مساء). يقول خليفة عن الندوة: «تشارك فيها شخصيات شيعية لبنانية بارزة، ستتحدّث عن الأفكار التي تستقطب الطائفة الشيعية اللبنانية في إطار الوطن اللبناني، وليس الخروج عليه بمشاريع (إقليمية) معروفة الخلفيّة».

الدكتور عصام خليفة الأمين السابق للحركة الثقافية وأمين الإعلام في الدورة الحالية ﻟ«المهرجان اللبناني للكتاب» (متداولة)

من أبرز اللقاءات أيضاً، ندوة بعنوان «لبنان بين النزوح واللجوء، والمخاطر الكيانية والسياسات الوقائية»، تُقام الخميس 7 مارس الساعة الرابعة بعد الظهر بتوقيت بيروت، وندوة أخرى بعنوان «حرب غزة وانعكاساتها على لبنان» الجمعة 8 مارس الساعة الرابعة بعد الظهر، وندوة حول كتاب السفير الأميركي السابق في لبنان دايفيد هيل، الذي صدر بعنوان «الدبلوماسية الأميركية تجاه لبنان 1943 – 2023». ويشارك في تنظيم هذه الندوات خبراء وأكاديميون وسياسيون وإعلاميون.

يقول خليفة عن الندوات التي ينظّمها المهرجان: «ننظّم ندوات حول قضايا الوطن، نستقبل فيها أطرافاً من جهات متنوّعة ليتناقشوا ويتحاوروا على أساس أنّ العنف لا يؤدّي إلى حلّ. أجرينا حواراً بين الأطراف المختلفة خلال الحرب. وعندما كانت الطرق مقفلة آنذاك، كنا نذهب إلى غرب العاصمة بيروت، ونأتي بشخصيات من بيروت الغربية للمشاركة في النشاطات الثقافية، كانوا يمرّون على الحواجز، وكنا نجري حواراً بين كلّ الطوائف. وأجرينا نشاط الهيئات الثقافية في كلّ المناطق اللبنانية، في (تجمّع الهيئات الثقافية)، وقدّمنا مذكّرات، ما أثار ريبة الوصاية السورية على لبنان التي نظرت بتخوّف إلى تحرّكاتنا».

تكريم 8 من أعلام الثقافة

يشارك 78 شخصاً في تكريم 8 من أعلام الثقافة لهذا العام، ويلقي المشاركون كلمات أو شهادات بالمكرّمين.

التكريم، بحسب خليفة، هو للذين أعطوا حياتهم للثقافة: «نقدّم لهم تحية بالمهرجان. المكرّمون لبنانيون من اختصاصات متعددة؛ علمية، تاريخية، أدبية، فنّيّة، موسيقية... إلخ. ونحرص دائماً على تحقيق توازن طائفي بين المسلمين والمسيحيين في عدد الشخصيات المكرّمة في المهرجان».

المكرّمون لهذا العام هم:

أنطوان سيف (مواليد 1944). هو من مؤسسي الحركة الثقافية. أستاذ فلسفة في الجامعة اللبنانية. كان أميناً عاماً وأمين نشاطات في الحركة الثقافية. ألّف ما يقارب 70 كتاباً، وترجم كتباً كثيرة فلسفية وأبحاثاً موسّعة ومقالات، عددها يزيد على مائتين. شارك في أكثر من 120 مؤتمراً وندوة في لبنان والخارج.

لمياء المبيّض بساط (مواليد 1967). بدأت حياتها المهنية لدى مؤسسات مهنية خاصة، ثم مديرة برامج لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا. في عام 2000، سمّتها وزارة المالية الفرنسية لتكون المديرة الوطنية للمعهد المالي والجمركي من الجانب الفرنسي. انتُخبت عام 2016 عضواً في مجلس إدارة الرابطة الدولية لمدارس ومعاهد الإدارة. ساهمت في إصلاح الموازنة العامة اللبنانية وشفافيتها. عززت مركز توثيق المكتبة المالية، ونشرت مجلة متخصصة في شؤون إدارة المال، وأشرفت على إنتاج كثير من الأوراق البحثية والتقارير الدورية.

خطّار أبو دياب (مواليد 1956). إعلامي لبناني في باريس. ينشط في راديو «مونتي كارلو»، وقناة «فرانس 24». كاتب بارز في مجلّة «المجلّة»، وله مؤلّفات كثيرة. صاحب شجاعة في عرض مواقفه. يقول عنه عصام خليفة: «لديه من فروسية أهل الجبل (اللبناني)».

الدكتور أنطوان سيف من الشخصيات الثقافية التي يكرّمها «المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (متداولة)

دياب يونس (مواليد 1943). رجل قانون ولغة وعمق وأناقة في الأدب والخطابة. كان مناضلاً طليعياً في الوسط الطلابي حيث تولى رئاسة رابطة الطلاب في كلية التربية بالجامعة اللبنانية سنة 1967. وتسلّم مهمات حساسة في الإدارة العامة. تميّز يونس كقائد شعبي بين الطلاب.

ربيعة أبي فاضل (مواليد 1950). أديب وناقد وأستاذ جامعي. صاحب ضمير مهني. حرص على الحفاظ على المستوى الأكاديمي المرموق في الجامعة. كتب في الصحافة الأدبية والنقد الأدبي، والقصة والشعر والتراث، والأدب الروحي والوجداني.

رفعت طربية (مواليد 1948). أحد أبرز الممثلين اللبنانيين. لعب دور بطولة في عدد كبير من المسرحيات. شارك بأنواع كثيرة من المسرح، وتميّز بأدائه. ورغم أنه لم يدرس المسرح، فإنه تميّز فيه عن طريق الممارسة. تتلمذ على يد منير أبو دبس وكبار المخرجين في فرنسا.

محمد جواد خليفة (مواليد 1961). طبيب، وشغل أيضاً منصب وزير صحة. أستاذ في الجامعة الأميركية، وهو أول من أجرى عملية زرع كبد في منطقة الشرق الأوسط. لديه أبحاث كثيرة. يقول عنه خليفة: «عندما تولى الوزارة، حاول محمد جواد خليفة أن يعمل ضماناً صحياً وعمل مكننة، وحاول ترخيص الدواء، لكنه أُقيل من قبل مرجعيات سياسية».

شربل روحانا (مواليد 1965). أستاذ ماهر على العود. نظم مهرجانات ومسابقات دولية، وحفلات موسيقية وندوات. عُني بمنهج لتجديد تعليم العزف على العود. اعتُمد منهجه بمعظم معاهد الموسيقى في لبنان. كون شربل روحانا من بلدة عمشيت اللبنانية، في قضاء جبيل بمحافظة جبل لبنان، يأتي تكريمه أيضاً تكريماً للبلدة، بما فيها من كفاءات وطاقات.

120 إصداراً جديداً

يشهد المهرجان سنوياً تواقيع كتب جديدة. يستقبل المعرض هذا العام تواقيع ﻟ120 كتاباً جديداً، صادرة باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية. وتتنوّع أنواع الكتب الموقّعة لتشمل المواضيع السياسية والتاريخية والعلمية والأدبية.

يتم توقيع الكتب يومياً من الساعة الثالثة بعد الظهر (بتوقيت بيروت) حتى الساعة التاسعة طوال أيام المعرض، بمعدّل توقيع كتاب كلّ ساعتين. ومن المتوقّع أن يستقطب مجموع التواقيع هذه السنة، كالعادة، آلاف الزوار للمهرجان من الذين يزورون المعرض لشراء الكتب الصادرة.

ويوقّع الدكتور عصام خليفة كتابه الجمعة في 8 مارس من الساعة 5 إلى الساعة 9 مساء (توقيت بيروت)، وعنوانه «أبحاث في تاريخ لبنان وجواره في الفترة الحديثة والمعاصرة».

إصدارات خاصة بالمهرجان

تصدر الحركة الثقافية بين 3 و4 كتب سنوياً عن «المهرجان اللبناني للكتاب» وتوزّعها مجاناً. وتصدر كتاباً ضخماً عن المهرجان السنوي، وكتاباً خاصاً بالندوات السنوية التي تنظمها الحركة، وكتاب أعلام الثقافة، وهو الكتاب الذي تخصصه الحركة الثقافية للتعريف بالشخصيات التي تكرّمها في المهرجان السنوي، يتضمّن الكلمات التي قيلت في تكريم هذه الشخصيات.

وطبعت الحركة أجزاء ضخمة خاصة بأعلام الثقافة الذين كرّمتهم، ولا تزال تستكمل عملية الطبع، رغم المشكلة المالية. يقول خليفة عن هذه المسألة: «نطبع حسب توفّر الإمكانات. هذه الكتب توزّع مجاناً على زوّار المعرض وعلى كل من يحب القراءة ويطلب هذه الكتب. الحركة الثقافية هيئة لا تبغى الربح».

جانب من برنامج «المهرجان اللبناني للكتاب» لهذا العام (الحركة الثقافية - أنطلياس)

الثقافة في مواجهة العنف

انطلق «المهرجان اللبناني للكتاب» سنة 1980 خلال الحرب التي شهدها لبنان. يتحدّث خليفة عن دوافع انطلاق الحدث الثقافي السنوي: «كان الشباب اللبناني آنذاك من كل المناطق ومن مختلف الطوائف منشغلاً بالسلاح. لذا هدفنا أن نوجّه الشباب نحو المعرفة لا نحو السلاح. فالمعرفة هي القوة لا السلاح. نهدف للتخفيف من عنف الشباب. نحن مع السلم الأهلي، والوحدة الوطنية بين اللبنانيين. ينسجم المعرض مع هدفنا وميثاقنا، لأننا مع التغيير في الثقافة ومن خلال الثقافة. من خلال الثقافة نغيّر المجتمع، وجوهر الثقافة لا نبقيه نمطاً تقليدياً بل متجدداً علمانياً ديمقراطياً».

«هكذا وُلد المهرجان اللبناني للكتاب. لا يقتصر المهرجان على بيع الكتب، لنحبّب الشباب بالمعرفة، لكن أيضاً تكريماً لأعلام الثقافة بداية في لبنان ثم أيضاً في العالم العربي»، وفق خليفة.

مشروع اعتدال بوجه التطرّف

ينظر المجتمع اللبناني بمختلف طوائفه إلى مهرجان الكتاب باحترام، إذ يوضح خليفة أن ذلك يعود إلى أن المعرض كان يعكس في الحرب وجهة النظر المعتدلة بين الأطراف.

يقول خليفة في هذا الإطار: «نحن واجهنا كل الأطراف المتشنّجة والمتعصّبة بغضّ النظر عن انتماءاتها. كان مقترحنا وطنياً، يجمع بين استقلال لبنان وسيادته من جهة، والانفتاح على العالم العربي من موقع السيادة والاستقلال، والالتزام بالقضية الفلسطينية والعدالة للشعب الفلسطيني في أن تكون له دولته، ولكن ليس على حساب الشعب اللبناني، وضد أن يعمل الفلسطينيون قتلاً واستيطاناً في لبنان».

ويضيف خليفة: «توجُّه حركتنا الثقافية هو التحالف مع العالم العربي، ولكن ضمن سيادة الدولة اللبنانية واستقلالها. لذا تعاطفت معنا كل الفئات اللبنانية. اعتبرتنا الفئات التي لم تدخل في الحرب والأحزاب أننا سند لها. فحركتنا لم تكن لها أهداف سياسية مباشرة، بل سياستنا وطنية عليا، للدفاع عن حقوق الإنسان اللبناني والعربي».


مقالات ذات صلة

معرض الرياض الدولي للكتاب يختتم 10 أيام من الاحتفاء بالكتاب والثقافة

يوميات الشرق جذبت فعاليات المعرض وأنشطته الثرية والمتنوعة أكثر من مليون زائر (هيئة الأدب)

معرض الرياض الدولي للكتاب يختتم 10 أيام من الاحتفاء بالكتاب والثقافة

بحلول مساء يوم (السبت) انقضت الأيام العشرة من فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، وتم إسدال الستار على المعرض الذي انطلق تحت شعار «الرياض تقرأ».

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق على باب الله (الشرق الأوسط)

لُجين نعمة تلتقط الأمل المولود من رحم الخراب

تجسّد كلّ صورة من صور لُجين نعمة تجربتها الحياتية وتعكس التحديات التي واجهتها هي وكثيراً من العراقيين الذين اضطروا لسلوك دروب الهجرات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)

الوجوه الأربعون للمهاتما غاندي احتفالاً بـ155 عاماً على ميلاده

قرّرت منظمة الأمم المتحدة تخصيص يوم ميلاد غاندي في 2 أكتوبر، ليكون يوماً عالمياً لنبذ العنف والعمل على نشر هذه الثقافة عبر العالم.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق «ليلة مرصعة بالنجوم» في معرض «شعراء وعشاق» (غيتي)

فان جوخ... شعراء وعشاق... سيمفونية الألوان والمشاعر

اختار المعرض الحالي الذي يقيمه ناشونال غاليري بلندن عنوان «فان جوخ... شعراء وعشاق» ليعيد قراءة فترة مهمة في حياة الفنان الهولندي من فبراير 1888 إلى مايو 1890.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق على مدى عشرة أيام تزين فعاليات معرض الكتاب العاصمة السعودية (هيئة الأدب)

علوان: معرض الرياض للكتاب أيقونة ثقافية وأكبر المعارض العربية في مبيعات الكتب

بات معرض الرياض الدولي للكتاب عنواناً للريادة الثقافية للسعودية منذ انطلاقه قبل خمسة عقود وتحقيقه سنوياً لأعلى عوائد مبيعات الكتب بين المعارض العربية.

عمر البدوي (الرياض)

متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
TT

متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

أكدت الأكاديمية السعودية، الدكتورة ميساء خواجا، أن الكتابة التاريخية لها حدودها ومداخلها وآلياتها التي تبنى على التوثيق والمطابقة، أما الكتابة الروائية فهي ذاكرة مفتوحة تقوم على التخييل، والغوص في مناطق قد لا يلتفت المؤرخ إليها أو لا يهتم بها.

وكانت الخواجا، تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية»، ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، أقيمت مساء أمس الخميس. وتحدثت عن طبيعة التعامل مع الشخصيات والمكان والزمان في الرواية التاريخية.

وأكدت الدكتورة الخواجا أن التاريخ – كما يرى أرسطو – يتعلق بالحقائق العامة لا بالجزئي والهامشي. من هنا يختلف حقل التأريخ عن حقل التخيل، من دون أن ينفيه. فالمؤرخ يهتم بصياغة المادة التاريخية بالاستناد إلى وقائع تاريخية محددة وربما قراءتها في إطار الحاضر. أمّا المتخيّل فيقدم مادة سردية ينجزها الروائي من خلال علاقة إبداعية مع أحداث الماضي بصفتها ممتدة في الزمان والمكان. (...) وفي ذلك يصير التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي، «ميتا نص» يعود إليه ويتحاور معه في كتابة قد لا تطابق المرجعية التاريخية، أو لا تكتفي بذكر وقائع التاريخ والحرص على مطابقتها، بل تبحث في طياته عن العبر المتناظرة بين الماضي والحاضر، وعن التماثلات الرمزية بينهما، فيتداخل التاريخ الحقيقي مع المتخيل التاريخي.

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة العمل بمعرض الرياض الدولي للكتاب

الرواية والتاريخ

وقالت الدكتورة الخواجا، إن عدداً من الدارسين التفتوا إلى وجود صلة ما بين الرواية والتاريخ على اختلاف بينهما، إذ يثير مصطلح «الرواية والتاريخ» عدداً من الإشكالات التي يقف في مطلعها الإشكال الأجناسي على اعتبار أن التاريخ خطاب نفعي يسرد الحقيقة في حين أن الرواية خطاب جمالي تخييلي في المقام الأول. والرواية التي هي «خطاب جمالي تقدم فيه الوظيف الإنشائية على الوظيفة المرجعية».

ورغم ربط التاريخ بفكرة النفعية وبفكرة الحقيقة وتناول ما هو حاصل عند عدد من الدارسين، فإن هناك عدداً آخر منهم يربط بين التاريخ والمتخيل، ويلتفت إلى ما يمكن تسميته «سردية التاريخ».

التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي أشارت أيضاً إلى أن التاريخ يرتبط في أذهان الكثيرين بالحقيقة في مقابل الخيال الذي تتسم به الرواية، لكن ذلك الربط يتعرض إلى شيء من التشويش عندما يمتلئ التاريخ بأخبار وحكايات قد تبدو متخيلة، لا سيما عندما يتناول الأزمنة السحيقة، وعندما تستند الرواية إلى التاريخ أي إلى ما هو حقيقي.

وتقول: بين التاريخ والرواية صلة ما خفية أو ظاهرة، ويمكن للباحث إقامة عدد من الصلات بينهما، وعلى رأسها أن كليهما خطاب في المقام الأول، ويلي ذلك أنهما خطاب سردي أو يمكن أن يوضع في خانة السرد.

وانطلاقاً مما سبق يمكن للباحث أن يقيم الصلة بين الرواية والتاريخ، وقد عدّ المؤرخ مارك بلوخ أن المؤرخ أقرب ما يكون إلى «روائي ملتزم» بنوع خاص من الحكي، يستمد حكاياته مما يحتمل وقوعه حقيقة، في مقابل روائي يستمدها مما يحتمل وقوعه مجرداً. وبهذا يكتفي المؤرخ بصناعة حكاياته، مستمداً شخوصها وزمانها وفضاءها من مصادر ووثائق تسجيلية، وأما حبكها فمتروك لمقدرة المؤرخ وحذقه على اعتبار أنه لا يصادف حزمة من الوقائع المتراصة في شكل خبر أو حكاية تعكس حدثاً سابقاً. وبذلك تتحقق للتاريخ سماته السردية المرتبطة بمحور الاختيار أولاً وبالحبك والصياغة ثانياً.

المرجعية والتاريخية

المحور الثاني، في ورشة العمل التي أقامتها الدكتورة ميساء الخواجا، حمل عنوان: الشخصية المرجعية والتاريخية، حيث أوضحت أن التاريخ والأدب خطابان سرديان، ويطالب الروائي في الرواية التاريخية بأن ينزل الشخصيات والأحداث في إطار المشاكلة وليس مجرد المطابقة، وبذلك يتيح للقارئ أن يدرك أسباب ما وقع ماضياً وما يترتب عليه من نتائج، لكنه يحتاج أيضاً إلى الأمانة التاريخية وإلى الخضوع لمقتضيات الفن الروائي من قبيل نمط القص والتبئير على شخصية أو أكثر، وإدراج العناصر في منظور واحد مما يحقق للرواية التاريخية شرط الانسجام الداخلي.

وقالت إن المؤرخ يسعى إلى بناء صورة متماسكة ذات معنى وبناء دال للأشياء كما كانت واقعياً، والوقائع كما حدثت فعلاً، أي وضع السرد التاريخي في الزمان والمكان المطابقين، وجعل فكرة الماضي تتفق مع الوثائق، كما هي حالتها المعروفة، أو كما كشف المؤرخون النقاب عنها. الروائي يضعها في إطار الحدث والزمان المتخيلين، غير منضبط بوجود ثابت ومحدد بصورة نهائية، ويعيد تشكيل الأحداث والشخصيات بآلة التخييل وفق منطق اتساق الأحداث ومكوناتها.

ويمكن أن تضمر الأحداث في بعض الروايات التاريخية وتأتي فقط خلفية لتفسر سلوك الشخصيات ومواقفها (مثلاً ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور، الباغ لبشرى خلفان)، ويمكن أن تأتي الشخصية التاريخية لتقوم بدور مرجعي يسند الأحداث والشخصيات المتخيلة ويؤطرها ويوحي بمنطلقاتها ونتائجها.

وأوضحت أنه يمكن للرواية التاريخية أن تزاوج بين الشخصيات التاريخية والشخصيات المتخيلة، ويمكن استحضار شخصيات تاريخية لتساهم في الفعل وفي تحريك المتخيل، أو يخلق الكاتب شخصيات متخيلة من وحي الشخصيات التاريخية لتقوم بعبء حمل المتخيل والتاريخي في الوقت نفسه. كما يمكن أن يسند الروائي أعمالاً غير تاريخية إلى الشخصيات التاريخية، وأعمالاً تاريخية للشخصيات المتخيلة.

ركزّت ورشة عمل على دور التاريخ في الكتابة الروائية

التاريخ والهوية السردية

حمل المحور الثالث عنوان: وظيفة التاريخ وبناء الهوية السردية، وقالت الخواجا إن ما يفعله الروائي في كتابة الرواية التاريخية أن يستحضر روح العصر الذي اختاره لزمن حكايته، وما يهمه ليس ما حدث في ذلك العصر لكن كيف أثر ذلك على ثقافة الناس وحياتهم الاجتماعية التي تمثلها شخصياته، وكيف أثرت الأحداث التاريخية المفصلية على تلك الشخصيات. أي أنه يسعى إلى دفع الظروف التاريخية إلى خلق وضع وجودي جديد للشخصيات يمكّن من فهم التاريخ في حد ذاته وتحليله بوصفه وضعاً إنسانياً ذا مدلول وجودي كي لا يتحول الروائي إلى مؤرخ.

وقالت: يبني الكاتب شخصياته (تاريخية أو متخيلة) ويصنع لها «هوية سردية»، تتطور وتخضع للتحولات، فلا نكاد نجد شخصية روائية مكتملة البناء، بل تنمو وتتطور هويتها وتتكشف تدريجياً، وقد لا تكتمل مع اكتمال الرواية فيلعب الخيال دوراً حاسماً في بلورة صورتها. إن الهوية ضمن الخطاب السردي هي تخييل، وهي ما نتخيله وليست مجرد ما نسترجعه. وما نراه في الرواية عامة والرواية التاريخية هو بناء هوية سردية أي عبارة قصة حياة الشخص الداخلية والمتطورة التي تدمج الماضي المعاد بناؤه والمستقبل المتخيل لتزويد الحياة ببعض الإحساس بالوحدة والهدف.