ختم ذو وجهين من فيلكا

تشكّل نقوشه قاموساً تشكيلياً لحضارة دلمون

ختم ذو وجهين من فيلكا محفوظ في «متحف الكويت الوطني»
ختم ذو وجهين من فيلكا محفوظ في «متحف الكويت الوطني»
TT

ختم ذو وجهين من فيلكا

ختم ذو وجهين من فيلكا محفوظ في «متحف الكويت الوطني»
ختم ذو وجهين من فيلكا محفوظ في «متحف الكويت الوطني»

يحتفظ «المتحف الوطني الكويتي» بمجموعة كبيرة من الأختام الأثرية؛ منها ختم دائري مميّز صُنع من الحجر الصابوني الأملس، يحمل نقشين متقنين يختزلان بشكل لافت الجمالية الخاصة بهذه القطع التي تُعرف اليوم بـ«الأختام الدلمونية»، نسبة إلى إقليم دلمون الذي جمع في الماضي بين مناطق عدة من ساحل الخليج العربي.

عُثر على مجموعة كبيرة من هذه الأختام في مواقع عدة من جزر البحرين، كما عُثر على مجموعة مشابهة في جزيرة فيلكا الكويتية حيث أعلنت البعثة الدنماركية؛ التي استكشفت هذا الموقع بين عامي 1958 و1963، العثور على نحو 400 ختم، وبدا يومها أن فيلكا تحوي «أكبر عدد من هذا النوع من الأختام في العالم»، كما جاء في تقرير هذه البعثة. في المقابل، بلغ عدد أختام البحرين نحو 150 حتى عام 1977، وأكثر من 200 في نهاية عام 1981. ومع استمرار عمل بعثات التنقيب المنتظمة، إلى يومنا هذا، تواصلت هذه الاكتشافات، وازداد عدد الأختام التي خرجت من فيلكا، وشكّلت هذه المجموعة الضخمة مادة رئيسية لدراسة هذه القطع الأثرية التي تشكّل نقوشها قاموساً تشكيلياً ثرياً، يعكس العالم التصويري الفني الخاص بحضارة دلمون على مر العهود التي عرفتها.

منذ ظهور هذه الأختام في نهاية خمسينات الماضي، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتأريخها، واختلفت الآراء وتباينت مع ظهور اكتشافات ودراسات متعددة في العقود الماضية. وفي الخلاصة، تبيّن أن هذه الأختام تعود إلى ثلاث حقب تاريخية متلاحقة بين 2050 و1500 قبل الميلاد، ظهر في كل منها طراز مميّز، وذلك ضمن الأسلوب الواحد الجامع الذي ساد على امتداد هذه العهود الثلاثة. يتجلى الطراز الأول في مرحلة تمتدّ من 2050 إلى 1900 قبل الميلاد، وفيه تتحدّد سمات جمالية الأختام الدلمونية. ويظهر الطراز الثاني في المرحلة التالية التي تمتد إلى 1700 قبل الميلاد، ويشكل امتداداً للطراز الأول، مع دخول عناصر جديدة إلى قاموسه التصويري.

يتحوّل هذا القاموس ويتطوّر بشكل كبير مع ظهور الطراز الثالث في المرحلة الثالثة التي تمتدّ حتى 1500 قبل الميلاد، وتتزامن مع سيطرة سلالة الكيشيين البابلية على دلمون بشكل كامل. يتمثّل هذا الطراز الأخير بشكل خاص في مجموعة من أختام جزيرة فيلكا تبدو أكثر إتقاناً من مثيلاتها البحرينية، ويظهر هذا الإتقان بشكل جلي في تكويناتها كما في صياغاتها التي تشهد لتطوّر كبير في المشهد التصويري الخاص بالأختام الدلمونية.

تتّضح ملامح هذا التطور بشكل لافت في مجموعة صغيرة من أختام فيلكا يحمل كل منها نقشين تصويريين. يحتل كل من هذين النقشين وجهاً من وجهي الختم الواحد، بخلاف التقليد السائد الذي يكتفي بنقش واحد يظهر على وجه الختم الدائري المسطح، بينما يحمل ظهر هذا الختم المدبب ثقباً لتثبيته على شكل زر. ضمن هذه المجموعة الخاصة بنتاج فيلكا، يبرز ختم ذو وجهين عُرض ضمن معرض خاص بهذه الجزيرة أُقيم في «متحف الفنون الجميلة» بمدينة ليون الفرنسية سنة 2005. صُنع هذا الختم الدائري من الحجر الصابوني الأملس، وفقاً للتقليد السائد، ويبلغ قطره 3 سنتيمترات، ويتميّز بحضور كتابة مسمارية على أحد وجهيه.

يحيط بالوجه الأول إطار دائري ناتئ يخلو من أي عنصر زخرفي. داخل هذا الإطار، تستقر ستة خطوط عمودية تحد بين العناصر التصويرية والكتابة المسمارية المنقوشة التي تشكّل عناصر التأليف. تشكل هذه الخطوط ستّ مساحات متوازية، أكبرها حجماً تلك التي تحتل وسط التأليف، وفيها يظهر رجل يقف منتصباً في وضعية جانبية، رافعاً ذراعيه نحو الأعلى في حركة ابتهال. ينتصب هذا المبتهل في ثبات فوق منصة مستطيلة تظهر في الأسفل، تحت قدميه، رافعاً يده اليسرى نحو فمه، حاملاً بيده اليمنى سعفة نخيل حدّدت أوراقها بشكل هندسي مجرّد. قامته رفيعة وطويلة، وملامحها محددة بشكل جلي، ولباسها بسيط، ويتمثّل في إزار طويل ينسدل حتى الركبتين، تزيّنه شبكة من الخطوط الأفقية الصغيرة، إضافة إلى شق عمودي طويل في الوسط.

في مواجهة هذا المبتهل، في المساحة التي تحتل طرف الختم، تظهر سعفة أخرى مشابهة لتلك التي يرفعها، وترفع عمودياً في الفراغ، فوق مكعب صغير يحضر بشكل مستقل تحت جذعها. تحتل الكتابة المسمارية ثلاثاً من هذه المساحات العمودية الست، وتأتي على شكل تقدمة «إلى المعبودة الكبيرة... السيدة ريباكاتوم»، وتبدو هوية هذه المعبودة غامضة في غياب شواهد أثرية أخرى تسميها، وأغلب الظن أنها من أصول أكادية أو سامية، كما يشير جذر اسمها في رأي اللغويين المختصين.

أختام جزيرة فيلكا تبدو أعلى إتقاناً من أمثالها البحرينية... ويظهر هذا الإتقان بشكل جلي في تكويناتها كما في صياغاتها

يحيط بالوجه الثاني إطار دائري ناتئ تزينه شبكة من الخطوط العمودية المصطفّة على شكل مشط. يحتلّ وسط التأليف ثور كبير يعلو رأسه قرنان هائلان على شكل هلالين متقابلين في وجهة معاكسة. يقف هذا الثور بثبات على قوائمه الأربع، في وضعية جانبية، ويظهر من خلفه رجل في وضعية مشابهة، رافعاً يديه نحو الأعلى، ممسكاً بحبل طويل يتدلى طرفه نحو الأسفل ويلتف حول قائمة الثور الأمامية اليمنى.

تماثل قامة هذا الحارث في تأليفها قامة المبتهل الذي يحتل وسط الوجه الأول للختم، ويظهر من خلفها خط عمودي متعرج يرمز - ربّما - إلى أفعى. في الطرف المقابل، في مواجهة الثور، تتكرّر صورة سعفة النخيل المنتصبة، وتحضر من أمامها آنية على شكل مذبح، يعلوها مكعب مجرّد. في الأسفل، تحت قوائم الثور، تظهر منصّة تتألف من مساحتين مستطيلتين. وفوق ظهره، تظهر نجمة بسيطة تتكون من ثمانية خطوط متقاطعة. في الأعلى، بين هامة الحارث وقرني الثور، يحضر هلال كبير يحتضن نجماً له ثمانية رؤوس وثمانية أضلاع، ويشكّل هذا العنصر رمزاً كوكبياً من الرموز المعروفة في بلاد ما بين النهرين.

تتكرّر عناصر هذين المشهدين التصويريين على الأختام التي تمثّل الطراز الثالث، كما تتكرّر على كسر من أوانٍ عُثر عليها في فيلكا، تعود إلى الحقبة نفسها، ويشهد هذا التماثل لقاموس تشكيلي جامع انتشر في تلك الحقبة الأخيرة من تاريخ دلمون.


مقالات ذات صلة

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

يوميات الشرق الروائيّ اللبناني جبّور الدويهي (فيسبوك)

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

عشيّة الذكرى الثالثة لرحيله، تتحدّث عائلة الروائيّ اللبنانيّ جبّور الدويهي عن سنواته الأخيرة، وعن تفاصيل يوميّاته، وعن إحياء أدبِه من خلال أنشطة متنوّعة.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي

فاضل ثامر
ثقافة وفنون شاهد قبر من البحرين، يقابله شاهدان من تدمر

الفتى حامل الطير وعنقود العنب

يحتفظ متحف البحرين الوطني في المنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور الأثرية المزينة بنقوش تصويرية آدمية، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفوراً وعنقوداً من العنب

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون غلاف الكتاب

الرواية الفلسطينية... ممارسات الاحتلال وآليات المقاومة

«أسئلة الرواية الفلسطينية» هو الكتاب الحادي عشر في النقد الروائي للشاعر والناقد سلمان زين الدين، وقد صدر مؤخّراً عن «مركز ليفانت للدراسات والنشر» في الإسكندرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون ريما بالي

الكاتبة السورية ريما بالي: أُواجه الحرب بالخيال وقصص الحب

تهتم الكاتبة الروائية السورية ريما بالي بسردية بلادها ما بعد الحرب، وتوليها عناية خاصة من خلال أعمالها التي تتحدث فيها عادة عن مسقط رأسها «حلب» في سياقات مختلفة

منى أبو النصر (القاهرة)

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي
TT

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي

تتميز التجربة الإبداعية للكاتبة القطرية هدى النعيمي بالصدق مع الذات والآخر، وتصوير تحوّلات الإنسان العربي في منعطفات تاريخية مهمة منذ التسعينات وحتى الآن، ورغم أنها كثيراً ما تجعل هواجس المرأة وأسئلتها الحائرة همَّها الأول وخيارها الرئيسي، فإنها تصنع ذلك في إطار إنساني عريض، وليس تعصباً للنوع، أو انتصاراً أعمى للمرأة في مواجهة الرجل.

يتنوع إنتاجها ما بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة ومسرح الطفل، ومن أبرز أعمالها «المكحلة»، «أنثى»، «عين ترى»، «عندما يبوح النخيل»، و«زعفرانة»... وبموازاة أدبها، واصلت هدى النعيمي مسيرتها على المستوى العلمي، فحصلت على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وهي تشغل حالياً مديرة إدارة الصحة والسلامة في مؤسسة «حمد» الطبية بقطر.

هنا حوار معها حول روايتها الجديدة وتجربتها الأدبية:

*في روايتك الجديدة «زعفرانة» تعودين للتاريخ من باب الحرب في «ظفار»، عبر حقبة زمنية تكاد تغطي قرناً من الزمان، وتتنوع مكانياً ما بين الخليج ودول أخرى، ما مبرّرات هذه العودة؟

- التاريخ مغلّف بالأسرار والغموض، وإذا تحدثنا عن «حرب ظفار»، سنجد أنه كان من شبه المحرّمات الحديث عنها، أو تناولها في أي مرجع لسنوات طويلة، فقد غابت عن كُتب التاريخ في المنطقة، فخرج جيلي، وجيل بعدي لا يعرف عنها شيئاً، رغم أنها استمرت أكثر من عقد من الزمان.

في السنوات الأخيرة فقط خرجت بعض المراجع الجادّة لتؤرّخ لتلك الفترة، كما خرجت روايات عُمانية تتحدث عن «حرب ظفار» أيضاً. وجاءت روايتي «زعفرانة» لتطرح بعض الإجابات، والكثير من الأسئلة أمام القارئ، الذي يجب أن يعرف ما حدث في تاريخ منطقته، وإذا أراد أن يعرف أكثر فليبحث عن المزيد من القراءات.

* تنتمي روايتك «زعفرانة» لما يسمى «رواية الأجيال»... كيف ترين الرأي القائل بأن هذا الشكل الأدبي بات مستهلَكاً؟

-لا أتفق بالطبع مع هذا الرأي، ستظل رواية الأجيال شكلاً أدبياً جاذباً للقراء، لكن على الكاتب أن يُحسن قراءة تاريخ روايته، ويُحسن رصد التغيرات التي مرّت بها أجيال عمله الروائي، فلكل حقبة تاريخية خصوصية في جوانبها السياسية والاجتماعية، وتتطوّر الشخصيات وتتشعّب اهتماماتها، بل تتغيّر جذرياً أحياناً من جيل إلى جيل، وعلى من يتصدى لرواية الأجيال أن يدرك هذا، وأن يطوّر تصوير شخصياته من جيل إلى جيل.

* ما تفسيرك لظاهرة اتجاه أدباء الخليج إلى الغوص في تاريخ المنطقة، وطرح أسئلة الهوية والمستقبل من خلال هذا الشكل الأدبي؟

-أشُدّ على يد هؤلاء الذين يتصدّون للغوص في تاريخ المنطقة، فالتاريخ لدينا لم يوثّق بشكل قوي، نعم هناك كتابات، ولكن الأديب أو المبدع قادر على قول ما لا يجرؤ الباحث أو المؤرّخ على أن يقوله، لكن الرواية في صورتها الأدبية تحكي ما لم يُحكَ، وهذا لا ينطبق على الخليج فقط، بل على عوالم عربية وغير عربية حول العالم.

* البعض ينتقد ما يسمى بـ«الرواية التاريخية» في تجلياتها العربية عموماً، ويقول إنها تعكس الرغبة في البحث عن مساحة إبداعية «آمنة»، من خلال العودة للماضي الذي تتوفر فيه الأحداث والتفاصيل والشخصيات بكثافة، كيف ترين الأمر؟

- أختلف مع هذا الاتجاه في النقد، فالتاريخ منطقة شائكة، وليست آمنة للكاتب كما يعتقد بعض النقاد، بل هو حقل ألغام يجب التحرك خلاله بحذر شديد؛ لأن الماضي لا بد أن يكون موصولاً بطريقة ما مع الحاضر. وتستدعي الرواية التاريخية الكثير من القراءات والبحث والمراجعات، وعند استدعاء شخصية تاريخية، فإن ذلك يحتاج إلى شجاعة، فأغلب الشخصيات التاريخية شخصيات جدلية تحوم حولها الأساطير، والحكايات المتناقضة، فكيف تكون مساحة آمنة؟

* أثار قرارك بكتابة سيرتك الذاتية «حين يبوح النخيل» وأنت في هذه السن المبكرة استغراب كثيرين ممن اعتادوا على قراءة السير الذاتية، حين يكون صاحبها شارَف محطته العمرية الأخيرة، ماذا كانت مبرّراتك؟

- سيرتي هي سيرة بلد فتيّ هو بلدي قطر، لقد سجّلت في كتابي هذا انعكاس تطور البلاد على سيرة امرأة مثلي، وأوجدت بلادي لنفسها مكانة دولية في خلال سِنِي عمري، وأوجدت لنفسي بحمد الله مكانة عربية ودولية في مجال العلوم الذي تخصصت به، والكتاب لا يتحدث عن شخصي فقط، لكنه يتحدث عن دولة حصلت على استقلالها حديثاً عام 1971، ثم صارت اسماً عالمياً خلال 50 عاماً فقط، ولي أن أفخر أن أكون ابنة هذه البلاد، فسجّلت سيرة تنهض على التماس بيني وبين بلدي.

* لماذا لم تلجئي إلى الحل الأسهل، وهو أن تكتبي سيرتك من خلف قناع شخصية رئيسية في رواية، وتتجنّبي المواجهة الصريحة المباشرة مع القارئ، كما تفعل معظم الكاتبات العربيات حالياً؟

- لم أحتَج إلى قناع في كتابة سيرتي الذاتية، نعم هذا يحدث كثيراً مع كاتبات وكُتّاب عرب أيضاً، بخاصة عند الخوض في مناطق المحرّمات السائدة أو «التابوهات»، أو عند تصوير علاقات إنسانية يشوبها الاختلال. يرفع الكاتب أو الكاتبة نفسه عن الأحداث التي عاشها وينسبها إلى شخصيات روائية، ولا ضيرَ في ذلك، ولكنني بالفعل لم أحتَج إلى التخفّي أو إلى الأقنعة وأنا أكتب «حين يبوح النخيل».

* ما الذي يجمع بينك وبين «النخيل» الذي تصدّر غلاف سيرتك؟

- النخلة شجرة معطاءة، كريمة وفياضة العطاء، وهي تأخذ القليل، ويُسعدها العطاء أكثر من الأخذ، النخلة تهب السعف وتهبنا رُطَباً ندياً. وحين أردت أن أكتب سيرتي، وجدت أني أشبه النخلة في الرضا والعطاء، أو أحاول أن أتشبّه بها في رضاها وفي عطائها. أما الشموخ الذي تتمتع به النخلة فهذه حكاية أعشقها وأدور حولها، نعم أعشق شموخ النخيل، الذي يصعد بسعفه إلى السماء، وأتشبّه به في غَرس جذوره بالأرض الطيبة.

* حصلتِ على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وتعملين في تخصصات علمية دقيقة، كيف يتقاطع عملك سلباً أو إيجاباً مع عوالمك الإبداعية؟

-العمل في المجال العلمي شاقّ، ويحتاج إلى تركيز ورعاية دقيقة، والإبداع أو الكتابة الإبداعية أيضاً عمل جميل وشيق، لكنه يحتاج من المبدع التدقيق في كتاباته والعناية بها، وعدم التصريح أو الإفراج عن الكتابة للقراءة إلا بعد الكثير من التدقيق، والحرص على جماليات اللغة والمعني.

أما التقاطع فهذا صحيح، لقد أخذ العمل مني الكثير من الزمن، الذي ربما كنت قد أنتجت خلاله أعمالاً أدبية كثيرة، لكن إدارة الوقت لم تكن تسمح بأكثر مما كان، في ذات التوقيت قد زادت خبرتي في الحياة، من خلال الانخراط في العمل مع عالم متنوع من البشر، والكثير من التضاربات بينهم، وهذا ينعكس على أعمال إبداعية قد تصدر يوماً بإذن الله، خصوصاً أنني تفرغت حالياً للقراءة والكتابة.

* كيف تنظرين إلى الإسهام النسائي في الرواية على الساحة الخليجية؟ وهل رفعت المرأة المبدعة أخيراً شعار «لن أعيش في جلباب الوصاية أياً كان مصدرها؟».

- حققت الكاتبة الخليجية في السنوات الأخيرة الكثير من الأهداف، دون أن أقارن بين الكاتب والكاتبة في الخليج، لكن المرأة التي عاشت لوقت طويل خاضعةً لوصاية الرجل، ممثَّلاً في الأب أو الأخ أو الزوج أو المجتمع بأسره، استطاعت في سنوات قليلة أن تخرج بالفعل من ثوب الوصاية، وتمثّل نفسها وبنات جيلها بحرية تامة، أيضاً جيل ما قبلها.

استطاعت أن تعبّر عن قضايا عامة على عكس الوصاية، ورفضت إحكام القبضة على حياتها، كما حدث مع كتابات كثيرة في السابق. الكاتبة الخليجية اليوم تخوض في إبداعها عوالم كانت مظلِمة، فتكتب عما حولها كما يكتب الرجل، وربما أفضل كأيّ كاتب حر.

* أخيراً، برأيك ما سر ظهور فن الرواية على الساحة القطرية متأخِّراً مقارنةً ببقية بلدان الخليج العربي؟

- ربما يعود السبب إلى عدم وجود دُور نشر في قطر لتشجّع على نشر الرواية، فقد غابت هذه الدُّور لوقت طويل، الأختان دلال وشعاع خليفة قامتا بطباعة أول روايتين قطريتين لهما في بيروت مطلع التسعينات، وهذا عمل شاقّ، ليس بمقدور الكثيرين القيام به، واكتفى الكاتب والكاتبة القطريَّين بنشر القصص القصيرة والشعر في المجلات المحلية التي تستقبل الإنتاج الأدبي، مثل «العهد» و«العروبة» و«الدوحة»، ولكن ما إن نُشرت روايات دلال وشعاع حتى فتح المجال واسعاً للكُتّاب الروائيين، وبدأ نشر الرواية القطرية خجولاً، ثم ازدهر بعد ذلك بوجود عدد من دُور النشر المحلية في قطر حالياً، ومنها دار «الوتد» التي أصدرت رواية «زعفرانة».