تُولي الناقدة والمترجمة الأميركية مارسيا لينكس كوالي، اهتماماً واسعاً بالأدب العربي، منذ بدء دراستها اللغة العربية وآدابها في القاهرة منذ عام 2001، وإقامتها منذ ذلك الوقت بين القاهرة والعاصمة المغربية الرباط، وهي مؤسسة ومُحررة مجلة «Arablit» المُتخصصة في نشر وترجمة الأدب العربي للغة الإنجليزية، وتصدر عنها جائزة سنوية خاصة بترجمة القصص القصيرة من العربية إلى الإنجليزية، وفازت في دورتها الأخيرة، قبل أيام، المترجمة ديما المعلم عن ترجمتها قصة الكاتب الليبي إبراهيم الكوني «الصحراء حريصة أيضاً» للإنجليزية.
هنا حوار معها حول ترجمة الأعمال العربية، ومدى تعاطي الناشر الغربي معها، ورؤيتها لأثر المعايير الآيديولوجية على تطور فن الرواية.
> ما الذي جذبك في المقام الأول لدراسة الأدب العربي وترجمته؟
- كنت في البداية أدرس اللغة الروسية وآدابها، وكنت أخطط لأن أصبح مترجمة للأدب الروسي، ولكن كل شيء تغيّر بعدما وقعت في حب القاهرة، وانتقلت للإقامة بها في أغسطس (آب) عام 2001، وتطوّر عندي منذ ذلك الوقت الاهتمام بالأدب العربي ودراسة اللغة العربية.
> ما الذي استكشفته عن قضايا المترجمين والناشرين، من خلال إدارتك لموقع «Arablit» ومبادراته لدعم الأدب العربي؟
- أعتقد أنني تعلمت الكثير عن كيفية إدارة عملية الترجمة بطريقة عملية، حول كيفية اكتشاف الكتب، وكيفية انتقالها من المُترجمين إلى الناشرين، وكيف يتم تحرير الترجمات، وكيف يتم الترويج لها، أو العكس. لقد تعلمت أن الطريقة التي تعمل بها الأشياء مع الترجمة العربية تختلف عن الطريقة التي تعمل بها مع الألمانية أو الليتوانية أو التركية، على سبيل المثال.
الترجمة عملية مُكلفة، لذلك قد يفضل بعض الناشرين اقتناء رواية لبنانية مكتوبة باللغة الإنجليزية، على أن يقوم بترجمتها من العربية، وإذا كان الناشر مُتردداً بين رواية لبنانية مكتوبة باللغة الفرنسية وأخرى مكتوبة بالعربية، فستكون للرواية المكتوبة باللغة الفرنسية الأفضلية، لأن هناك منحاً كثيرة مُخصصة للترجمات من الفرنسية، في مقابل الترجمات من العربية.
> ماذا عن جائزة «آراب ليت» Arablit للقصة القصيرة؟
- هي جائزة أطلقناها في حب القصة القصيرة، وهذه هي السنة السادسة لها، وتهدف لتسليط الضوء على الابتكارات في شكل القصة القصيرة، التي لا تحظى بالتقدير عادة، كذلك تشجيع المترجمين الجدد. في كل عام يكون لدينا ثلاثة مُحكمين مستقلين يقرأون القصص المقدمة للمسابقة من جميع أنحاء العالم، بالنسبة لي فأنا لا يحق لي أن يكون لي رأي مُرجح لأي من القصص، أنا فقط أرتب اللقاءات بين الحُكام وأستمع إلى مناقشاتهم، ويظل من الممتع قراءة جميع القصص المقدمة كل عام والاحتفاء بالمؤلفين والمترجمين على حدٍ سواء.
> هل تعتقدين أن الجوائز الأدبية أصبح لها دور فعّال في النهوض بالمنافسة إلى الأفضل؟
- طالما لعبت الجوائز الأدبية دوراً كبيراً منذ آلاف السنين؛ فقد كان هناك جوائز للشعر في سوق «عكاظ» في القرنين السادس والسابع. أما في الوقت الحالي فإن الجوائز تساعد على أقل تقدير في فرز العديد من الكتاب والأعمال الأدبية الموجودة، بحثاً عن كتب مثيرة للاهتمام وجديدة وأصلية، كما أن باستطاعتها أيضاً المساعدة في دعم عمل أدبي مميز، قد لا يكون حقق نجاحاً في سوق المبيعات.
ومن المهم أن نسأل: من يمنح الجوائز، وما المعايير التي يستخدمونها؟ وكيف يتم الحُكم على الأعمال الأدبية؟ وما تأثير هذه الجوائز على المشهد الأدبي؟ إن أسوأ أنواع الجوائز الأدبية هي التي لا تشجع الكُتاب على التعبير والنقد.
> هل تعتقدين أن الأعمال العربية الفائزة بجوائز أدبية مرموقة تبدو جذابة للترجمة إلى الإنجليزية؟
- لا أعتقد أن الجوائز معيار رئيسي في خيارات الترجمة، معظم الناشرين باللغة الإنجليزية (والتركية والفرنسية والهندية وغيرها) لا يفهمون مشهد الجوائز الأدبية العربية، ولا يعرفون أياً منها يتمتع بسمعة طيبة وأيها ليس كذلك. من المؤكد أن الناشر الذي أخرج للنور كتاب «في أثر عنايات الزيات» لإيمان مرسال كان سعيداً بالحصول على دعم الترجمة من جائزة «الشيخ زايد للكتاب»، لكن في النهاية، لم يكن حصول الكتاب على تلك الجائزة هو العامل الحاسم، بل كان المهم هو الكتاب نفسه. الجائزة يمكنها أن تساعد في جذب اهتمام الناشر، ولكن كذلك هناك العديد من العوامل الأخرى.
> بماذا تصفين الاهتمام المُتزايد للأنواع الإبداعية غير الروائية في العالم العربي، مثل «في أثر عنايات الزيات» على سبيل المثال؟
- أعتقد أن كُتاباً مثل إيمان مرسال، وهيثم الورداني، وعمرو عزت، وشارل عقل على سبيل المثال يلعبون دوراً مهماً في هذا المشهد، وكذلك ناشرين مثل كرم يوسف، ومها مأمون، وعلاء يونس. فمع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت الأنواع الأدبية خانقة للغاية، خاصة في اللغة الإنجليزية. كان هناك الكثير من القواعد للتوافق حول نوع أدبي معين: ما الذي يجعل الكتاب خيالاً أدبياً، أو رواية بوليسية، وعدد الكلمات المناسبة للتعبير عنها، وهكذا. أصبح هناك هاجس مُطلق حول قالب الكتاب. وأعتقد أن اللغة العربية لم تمر بمثل هذه القواعد الخانقة، على الرغم من أن الجوائز رسّخت بشكل كبير فكرة الشكل الأدبي للكتاب.
على أية حال، من الطبيعي أن يرفض الكُتاب المبدعون هذه القواعد، خاصة عندما يلجأ الكتّاب إلى التاريخ بحثاً عن الإلهام، مثل التناص واستلهام إيمان مرسال من عنايات الزيات على سبيل المثال، فدائماً هناك استفادة من اختلاط الأنواع الأدبية.
> هل يهتم القارئ الغربي الحديث بالاطلاع على الأعمال العربية المترجمة، وهل لا يزال يُنظر إليها من وجهة نظر نمطية آيديولوجية وثقافية؟
- إحصائياً، على الأقل باللغة الإنجليزية، يهتم الشباب بالروايات المترجمة أكثر بكثير من اهتمام القراء في منتصف العمر وكبار السن. أعتقد أن هؤلاء القراء الشباب مهتمون بالسفر حول العالم عبر الكتب واكتشاف أماكن جديدة وكتابات جديدة وأفكار جديدة. على الرغم من أن معظم دور النشر بالطبع لا يديرها الشباب، ولا يزال العديد من العاملين في مجال النشر يركزون على الصور النمطية الثابتة.
بالنسبة لي، الاتجاه الأكثر سوءاً هو عندما يبحث الناشرون الغربيون عن كتابات تؤكد للقارئ الأوروبي والأميركي أنهم متفوقون ثقافياً وحضارياً، فيهتمون على سبيل المثال بكتاب يحمل عنوان «إنقاذ المرأة المسلمة»!
> لديك عدة ترجمات من العربية إلى الإنجليزية، منهم رواية «رغوة سوداء» للإريتري حجي جابر، وكتاب للفلسطينية سونيا نمر، كيف يمكنك وصف تلك التجارب؟
- بالنسبة لرواية حجي جابر «رغوة سوداء»، فقد طلبت مني صديقتي المترجمة سواد حسين أن أنضم إليها في ترجمتها، وكانت عملية ممتعة للقيام بها معاً. لقد قمت بتحرير الكثير من المسودة الأولى، ثم قامت هي بصياغة مسودة ثانية، ثم قمت بصياغة مسودة ثالثة، ثم تبادلنا الرواية، ذهاباً وإياباً، وتبادلنا الأفكار والرؤى حولها.
بالنسبة لعمل سونيا نمر، فقد اقتنيت كتابها «رحلات عجيبة في البلاد الغريبة» في معرض للكتاب ووقعت في حبه بشدة، أعتقد أنه يشبه الطريقة التي وقعت بها في حب القاهرة عندما زرتها عام 2001. لقد ترجمته بسبب حبي لهذا العمل، ولأتمكن من قضاء المزيد من الوقت مع هذا الكتاب، وعندما أرسلته إلى الناشرين، قالوا إنهم أحبوه أيضاً، لكنه لا يتوافق مع قواعد أدب اليافعين باللغة الإنجليزية، لأن بطل «رحلة عجيبة» يكبر في النهاية. كان هذا محبطاً للغاية بالنسبة لي، لكنني ظللت أرسله حتى تمكن أخيراً من لفت انتباه ميشال مشبك؛ وهو ناشر فلسطيني في الولايات المتحدة.
> فقدنا هذا العام اسمين من أبرز الأدباء العرب المعاصرين، خالد خليفة وحمدي أبو جليل، اللذين ترجمت أعمالهما إلى اللغة الإنجليزية. كيف يمكنكِ وصف ما يميز أسلوبهم السردي؟
- إنهما مختلفان تماماً، لكنني أحببتهما كأشخاص وككتاب. بالإضافة إلى ذلك، كلاهما مات مبكراً جداً. كان لدى حمدي أبو جليل هذا الأسلوب الملحمي الجامح والمرح، الذي يدعمه فهمه العميق للسرد الشفاهي، أما خالد خليفة، فقد نهضت تلك الرحلات المذهلة لشخصياته بناءً على ارتباطه العميق بالتاريخ السوري. أعتقد أن كليهما كان لا يزال لديه الكثير ليقدمه، ويُحزنني التفكير في الروايات التي لم ينتهوا منها بعد.
> كيف تلقيتِ خبر إلغاء فعالية عدنية شبلي مؤخراً في «فرانكفورت» بعد الإشادة بها على روايتها «تفصيل ثانوي»، التي وصلت ترجمتها إلى القائمة الطويلة لجائزة «مان بوكر»؟
- ما زلت غاضبة من معرض فرانكفورت للكتاب بسبب إلغاء تكريم عدنية شبلي، ولا يزال المعرض مديناً لتلك الكاتبة الفلسطينية، وكل من يعمل في مجال النشر، باعتذار حقيقي. وهذا لم يقتصر فقط على ألمانيا، بل أيضاً في فرنسا وغيرها، لقد تم حذف كتاب وفنانين من الظهور على منصات، وإلغاء فعالياتهم لانتقاداتهم البسيطة لإسرائيل. ولا يسعني إلا أن أرجو أن يؤدي هذا إلى إثارة تفكير جاد حول علاقة الحكومات الأوروبية بالتعبير، والتمويل، والجوائز.
حاولنا من خلال موقع «Arablit» خلال الشهرين الأخيرين تكثيف النشر للكُتاب الفلسطينيين، كنوع من إعلان موقف ضد الإبادة الجماعية والعنف والمحو والإسكات، نحاول دائماً التفكير في لغة جديدة للتضامن، وطرق للعمل نحو مستقبل أكثر عدلاً.
> من القاهرة للرباط، كيف تصفين تجربة العيش في العاصمتين؟
- إنهما مختلفتان فعلاً... الرباط مدينة جميلة ومكان جيد للإنتاج، لكنني أفتقد مفاجآت الحياة في القاهرة.