في يومها العالمي... أي مستقبل للغة العربية؟

مشكلتها في أهلها ومستعمليها

في يومها العالمي... أي مستقبل للغة العربية؟
TT

في يومها العالمي... أي مستقبل للغة العربية؟

في يومها العالمي... أي مستقبل للغة العربية؟

 

يكمن كنز اللغة العربية الفصحى الأوّل في بنية أنظمتها الأساسية، فهي ترتكز على نظام صوتي متجانس، وعلى نظام صرفي ونحوي منطقي بتماسكه وتوازنه، وعلى نظام مفردات قابل للاشتقاق والتكيّف.

ويقوم كنزها الثاني على طاقات أنظمتها التعبيرية: من علم العروض الذي يعالج قياس القصائد من خلال الوزن والقافية والبحر، إلى البلاغة والبديع، وهما يؤدّيان إلى التعبير الإبداعي الجمالي. ويقوم كنزها الثالث على مكانة نتاجها الأدبي والفلسفي والعلمي، مما جعلها بامتياز لغة العلماء والفلاسفة والأدباء منذ العصور القديمة، كما أن العديد من المصطلحات العلمية والفلسفية والرياضية التي تبنتها لغات العالم وحضاراته أبصرت النور في رحابها.

ويتمثّل كنزها الرابع بالثقافة الغنية والعريقة التي يحملها نتاجها والتي تشكل رابطاً بين العالم العربي والعوالم الأخرى، وتعزز التفاهم والتواصل بين الثقافات العالمية المختلفة، وحضورها الوازن في جميع أنحاء العالم: فهي أوّلاً تحتل المركز الرابع أو الخامس من حيث اللغات الأكثر انتشاراً في العالم، يستعملها ما يقارب الخمسمائة مليون، في العالم العربي وفي المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا وإثيوبيا وجنوب السودان وإيران.

وهي ثانياً تعد واحدة من اللغات الرسمية الرئيسية في الأمم المتحدة، ومن اللغات الست الرسمية للاتحاد الأفريقي، كما تعدُّ لغة الدبلوماسية والتفاوض في العديد من المنظمات الدولية الأخرى. وهي ثالثاً تحتل المركز الثالث تبعاً لعدد الدول التي تعتمدها لغةً رسميةً وطنيةً، إذ تعترف بها 27 دولة لغةً رسميةً، والمركز الرابع من حيث عدد المستخدمين على الإنترنت. وهي رابعاً من أهم اللغات الدينية، لكونها لغة القرآن الكريم لجميع المسلمين، ولغة صلاتهم وعباداتهم وشعائرِهم، مهما تعددت أجناسهم ولغات تواصلهم الأساسية، فارتفعتْ، من جراء هالتها الدينية في تلك البلدان الإسلامية، مكانتها العامّة، إذ أصبحت لغة السياسة والعلم والأدب فيها قروناً طويلة، كما كان لها تأثير في لغاتها الأصلية كالتركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الأفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية والأمهرية والصومالية.

ومن العجب أن تؤول اللغة العربية الفصحى، بالرغم من كنوزها المميزة، إلى انحسار يحير الباحثين في مسارها التاريخي العريق الذي لم يأفل نجمه على مدى العصور.

وقد يعزو بعضهم انحسار استعمال اللغة العربية الفصحى الذي نشهده اليوم إلى تمايزها عن اللغات الأخرى بالازدواجية بينها وبين العاميات، وبهذا التعدد في مستويات استعمالها، ويعبّرون عن خشيتهم من الخطر على استمراريتها؛ غير أن هذا التمايز ليس جديداً عليها، ولم يبلغ حد التشكيك بصمودها منذ نشأتها إلى اليوم، وهي، كما سبق ذكره في سلسلة كنوزها، لا تزال وستبقى بألف خير، فهي لا تعاني من أي مشكلة ذاتيّة في التطوير والتغيير والتحديث.

ونحن من المقتنعين بأن مشكلتها في أهلها ومستعمليها وفي غياب التزامهم بالمشاركة في مشروعات البحث، بغية الإبداع والريادة والإنتاج فيها، وما بروز المفاهيم الجديدة التي تولد مع كل طلعة شمس في العالم، والتي تتم تسميتها بمصطلحات مختارة من اللغات الحيّة العالمية الأخرى التي تولد فيها، في غياب اللغة العربية، إلا دليل على تأخر الإنتاج العلمي العفوي المعترف به عالميّاً، بل غيابه كليّاً عن البحث والإنتاج والإبداع في اللغة العربيّة، والاستعاضة عنه بترجمة المصطلحات الجديدة وتعريبها، بانتظار نضجها ودمجها باللغة العربية فتصبح فعلاً من «أهل البيت» في نصوص عربية لا تفوح منها رائحة الدخيل، وذلك يتطلّب وقتاً طويلاً ضائعاً يبعد اللغة العربية عن حلبة الإنتاج العلمي العالمي الذي لا ينتظر لا المتأخرين ولا الغائبين.

ولا تنجح مشروعات البحث، بغية الإبداع والريادة والإنتاج، إلّا بتأمين البيئة العلميّة الحاضنة. ولا تستطيع اللغة العربية الفصحى اللحاق بالحركة البحثيّة الإنتاجيّة العلميّة العالميّة، إلّا إذا توافرت لها تلك البيئة الحاضنة التي تؤمنها سياسات التخطيط اللغوي الوطنية منها والإقليمية والدولية، والتي لا تزال إلى اليوم إما غائبةً، وإما جزئيّةً، خجولةً، وغير فعالة في البلدان العربية. ويجمع الباحثون على أن انحسار استعمال العربية عائدٌ كذلك، وبنسبة عالية، إلى واقع تعليمها ومنهجه ومقارباته النظرية والتطبيقية، إذ يلاحظون سلسلة من الوقائع التي تظهر لا مبالاةً واضحةً إزاء اللغة العربية الفصحى: من عدم تهافت التلاميذ والطلاب عليها والشغف بها، إلى شكِّهِم في تأمينها جواز سفر آمناً لهم إلى سوق العمل، مروراً بعدم اكتراث ذويهم لها، وبغياب التزام معلميهم وأساتذتهم بها وتشويقهم إليها.

ويُجْمعون كذلك على أن الحاجة ملحّة إلى طرائق ومقاربات متجددة وحديثة تعمل على تسهيل اكتساب التواصل باللغة العربية الفصحى الحية الأصيلة المستعملة في العصر الحاضر مُطعَّمةً بالآتي إليها عن طريق اللغات الحيّة العالمية الأخرى.

وفي سبيل تغيير هذا الواقع، لا بد من إعداد برنامج نهضوي تنموي لغوي شامل يملي على المتخصصين من أفراد وجمعيات تطوير برامج التدريس الكفيلة بتوثيق العلاقة بين اللغة العربية الفصحى ومستعمليها، عن طريق إتقانها وجعلها لغة يتواصلون فيها في مجالات حياتهم كافة، التربوية منها والمهنيّة والاجتماعية والثقافية.

ونكتفي، في إطار هذا المقال، بالإضاءة على بعض الحلول العملية التي تندرج في سياق البرنامج النهضوي الشامل، ونحصرها في بعض المسارات التي نعدّها في متناول التنفيذ السريع:

يجمع الباحثون على أن انحسار استعمال العربية عائدٌ كذلك، وبنسبة عالية، إلى واقع تعليمها ومنهجه ومقارباته النظرية والتطبيقية

من شروط نجاح هذه المسارات المقترحة لتغيير الواقع الذي تمر فيه اللغة العربية الفصحى، التي يغلب عليها الطابع الاجتماعي، ربطها بالأبعاد الثقافية والتاريخية والدينية من جهة، وبالتطورات الاجتماعية والتكنولوجية من جهة أخرى:

> المسار الأدبي، وهو يركز على استخدام اللغة العربية الفصحى في الأعمال الأدبية والشعرية ويهدف إلى تمتين الإبداع الأدبي والشعري ونشره وجعله في متناول جميع مستعملي العربية الفصحى، وعدم حصره بالشعراء والأدباء المحترفين، وقد خبر مجمع اللغة العربية في لبنان نجاح هذا المنحى في جائزته السنوية، لما فتحها على المساجين والأيتام والعجزة.

> المسار الديني، وهو يركز على المحافظة على الشعائر الدينية بوجهها التقليدي وتنويع القيام بها باستخدام الوسائل التواصلية الحديثة.

> المسار الإعلامي والإعلاني، وهو يركّز على استخدام اللغة العربية في وسائل الإعلام المختلفة، مثل الجرائد، والمجلات، والتلفزيون، والإنترنت، كما يسعى إلى تبسيط اللغة وتوجيهها لتصبح مفهومة لجميع شرائح المجتمع.

> المسار التعليمي: وهو يركز على حصر تعليم المواد اللغوية، وغير اللغوية التي تعتمد فيها العربية لغةَ تواصل، باستخدام اللغة العربية الفصحى في المدارس والجامعات، دون اللجوء إلى العاميات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدروس المخصصة لغير الناطقين بها.

الخاتمة: خلاصة القول إنّ في بنية اللغة العربية الفصحى، وقابليتها للإبداع وللتكيف مع الجديد، وغنى تراثها، ووظيفتها التوحيدية للناطقين بها، وإقبال عبر الناطقين بها على تعلمها، واحتلالها مكاناً متقدّماً بين اللغات العلمية، كنوزاً تؤهلها للاستمرار والنمو والتطوّر، شرط أن يعي أهلها والمسؤولون بينهم أن استثمار تلك الكنوز متوقفٌ على التزامهم وإبداعهم وعدم تضييع فرص العصرنة المتاحة لهم.



إطلاق «جائزة القلم الذهبي للرواية» في السعودية

المستشار تركي آل الشيخ أطلق «جائزة القلم الذهبي للرواية» بمجموع جوائز 690 ألف دولار (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ أطلق «جائزة القلم الذهبي للرواية» بمجموع جوائز 690 ألف دولار (الشرق الأوسط)
TT

إطلاق «جائزة القلم الذهبي للرواية» في السعودية

المستشار تركي آل الشيخ أطلق «جائزة القلم الذهبي للرواية» بمجموع جوائز 690 ألف دولار (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ أطلق «جائزة القلم الذهبي للرواية» بمجموع جوائز 690 ألف دولار (الشرق الأوسط)

في خطوة تهدف إلى إثراء صناعة السينما في المنطقة، ودعم المواهب الإبداعية في كتابة الرواية من جميع الجنسيات والأعمار، أطلق المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية، «جائزة القلم الذهبي للرواية»، التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر شعبية وقابلية للتحويل إلى أعمال سينمائية بمجموع جوائز يقدَّر بـ690 ألف دولار.

وأوضح آل الشيخ، عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»، أن الجائزة الكبرى ستكون مقسمة على النحو التالي: 100 ألف دولار لصاحب المركز الأول، و50 ألف دولار لصاحب المركز الثاني، مع تحويل العمل إلى فيلمين سينمائيين من إنتاج هيئة الترفيه، في حين سيحصل صاحب المركز الثالث على 30 ألف دولار.

وبيَّن رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية أن جوائز مسارات الرواية ستكون بقيمة 25 ألف دولار لكل مسار، وتتضمن أفضل رواية رومانسية، وأفضل رواية إثارة وغموض، وأفضل رواية كوميدية، وأفضل رواية حركة، وأفضل رواية فانتازيا، وأفضل رواية بوليسية، وأفضل رواية رعب، وأفضل رواية تاريخية.

كما أشار إلى أن جوائز أفضل سيناريو مقدَّم من عمل أدبي ستكون بواقع: 100 ألف دولار للمركز الأول، و50 ألف دولار للمركز الثاني، و30 ألف دولار للمركز الثالث؛ بشرط تقديم السيناريو والحوار كاملين، بالإضافة إلى «تريتمنت» احترافي من 10 صفحات. بينما حدد لمسار الجوائز الإضافية 100 ألف دولار لأفضل عمل روائي مترجم، و30 ألف دولار جائزة للجمهور تكون بالتصويت على منصة إلكترونية مخصصة.

وأكد آل الشيخ أن لجنة التحكيم الرئيسية ستتكون من 3 روائيين، و3 كُتاب سيناريو، و3 منتجين من العالم العربي، بالإضافة إلى لجنة إضافية لمرحلة الفرز الأولي، مشيراً إلى أن هناك حفلاً كبيراً سيُقام للإعلان عن الفائزين في المسابقة، وسيكون منقولاً تلفزيونياً وعلى منصات مختلفة.

ولفت رئيس الهيئة العامة للترفيه إلى أن المشاركة في المسابقة ستكون مفتوحة للأعمال الأصلية من غير اقتباس باللغة العربية، ولجميع الجنسيات والأعمار، مشيراً إلى أنه سيجري الإعلان عن جميع شروط المسابقة لاحقاً، مُعرباً عن حماسه لهذه الخطوة الكبيرة التي قال إنها «ستفيد الروائيين العرب وصناعة السينما في المنطقة».