«وكسة الشاويش»... آخر روايات الكاتب الراحل كمال رُحيِّم

«وكسة الشاويش»... آخر روايات الكاتب الراحل كمال رُحيِّم
TT

«وكسة الشاويش»... آخر روايات الكاتب الراحل كمال رُحيِّم

«وكسة الشاويش»... آخر روايات الكاتب الراحل كمال رُحيِّم

تعد رواية «وكسة الشاويش» الصادرة عن دار «الشروق» بالقاهرة آخر الأعمال المنشورة للروائي المصري كمال رُحيّم الذي رحل عن عمر يناهز 76 عاماً خلال هذا العام. ويكشف النص عن تفاعلات نفسية وتشابكات مجتمعية ينسجها المؤلف عبر لعبة سرد مثيرة مشغولة بأناقة مخيلة.

تدور أحداث الرواية في «حي العرب» الشعبي الشهير بمدينة بورسعيد الساحلية إبان حقبة الستينات حيث الأم «وداد»، سيدة ليست فوق مستوى الشبهات؛ ما يسبب عقدة نفسية لابنها «عادل» الذي يلاحظ أنها على علاقة بأحد الجيران في المنطقة. وهو «شاويش» بمديرية الأمن بالمدينة، ضعيف الشخصية، تتحكم فيه زوجته. يقوم الابن بمحاولة قتل أمه وشريكها في العلاقة الآثمة لكنه يفشل، ويحاكم بتهمة الشروع في القتل. تبدأ الرواية بمشهد المحاكمة، وتنتهي به حيث تؤجل القضية إلى جلسة مقبلة.

وعبْر 140 صفحة من الحجم المتوسط تنسج الرواية عالمها بلغة رشيقة وإيقاع درامي سريع، تتكشف في ظلاله أبعاد الصراع النفسي الحارق بين مشاعر الغضب ومشاعر البنوة داخل نفس الراوي الذي لا يشعر بأي ندم جراء الجريمة التي قام بارتكابها، مستفيداً من خلفيته بوصفه ضابط شرطة، خصوصاً في تصوير دوافع الجريمة.

وحصل كمال رحيِّم على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة القاهرة، وصدرت له 5 مؤلفات قانونية و11 رواية منها: «ثلاثية اليهود» التي تتكون من «المسلم اليهودي»، و«أيام الشتات»، و«أحلام العودة» التي تُرجمت إلى الإنجليزية والألمانية والأرمينية». حصل رحيم على عدد من الجوائز، منها جائزة نادي القصة 4 مرات عن قصصه القصيرة، وجائزة الدولة التشجيعية في الأدب 2005، وجائزة اتحاد الكتاب في الرواية 2021، ثم جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة 2022 عن مجمل أعماله.

من أجواء الرواية نقرأ:

«وها أنا أقف ببنطال وقميص ولحية، فلم أحلق ذقني أو حتى شذبت شعراتها منذ أشهر، وبقميص أكبر من مقاسي وجورب جديد، الجورب والقميص لا يخصانني، امرأة طيبة من الجيران ابتاعت لي الجورب، وأتت به إليَّ في السجن قبل أيام ومعه قميص ابنها الذي يكبرني قليلاً في الجسد، وفوقهما ابتسامة تأثر وكلمة: شد حيلك يا حبيبي.

أقف ووجهي خالٍ من التعبير كتمثال من تماثيل الشمع، رغم ما بداخلي من ألم وحسرة، ليس على من اعتديت عليهما فهما يستحقان، على نفسي والدنيا التي عاشتها وأوقفتها هذه الوقفة، اللافت أنه كانت تنتابني أحياناً رغبة في الابتسام، ولحظات أود فيها لو أنفجر في البكاء، وضحكت مرة دون سبب، ومن يراني يحتار في أمري: فهل أنا غير آبه إلى هذا الحد بالفعلة التي فعلتها؟ أم عبيط؟ أم فاجر مستهتر؟ وخذ عندك من الأوصاف حتى منتهاها.

وامتلأت القاعة بالجيران، أغلبهم نسوة، جارات كن لي بمثابة الخالات والعمات، عيونهن لم تدعني، فيها تساؤلات ورغبة في استكمال إجابات لديهن من قبل، فيها أيضاً شفقة، وكأنهن يشفقن عليّ أكثر كثيراً من (زعلهم) على ما جرى لأمي، لم يكن يرتحن لها، وبالذات الست التي تقطن بالشقة المقابلة لشقتنا، وأتت لي بالجورب والقميص، نظراتها لي كلها دعم وتشجيع، وليست مجرد شفقة، وفي المجمل كنّ كلهن يصنفن أمي على أنها واحدة من المعجبات بأنفسهن ولا يعرفن الحياء، وهذا قول المؤدبات منهن ذوات الألسنة المتحفظة، أما الباقيات فما كن يقلنه مع بعضهن ليس من النوع الذي يكتب على الورق».


مقالات ذات صلة

مصر لتطوير منظومة الطيران المدني

الاقتصاد الرئيس المصري خلال اجتماع حكومي لتطوير منظومة الطيران المدني (الرئاسة المصرية)

مصر لتطوير منظومة الطيران المدني

بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في اجتماع حكومي، مساء الأحد، «موقف تطوير منظومة الطيران المدني بجميع مكوناتها».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا يوسف ندا (متداولة على حسابات موالية للإخوان)

رحيل الإخواني يوسف ندا يطرح تساؤلات عن مصير «أموال الجماعة»

أثار رحيل القيادي في جماعة «الإخوان»، يوسف ندا، الأحد، تساؤلات حول مصير «أموال الجماعة»، ومدى تأثرهم اقتصادياً بوفاته.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الدفاع المصري خلال زيارة لإحدى القواعد الجوية (المتحدث العسكري المصري)

الجيش المصري يؤكد حرصه على اقتناء أحدث نظم الطائرات

أكد الجيش المصري حرصه على «تزويد القوات الجوية بأحدث نظم وأنظمة الطائرات الحديثة وفقاً لرؤية استراتيجية للتعامل مع التحديات كافة ومواكبة التطور التكنولوجي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت» في القاهرة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

بعض التصريحات التي تدلي بها الفنانات المصريات لا تتوقف عن تجديد الجدل حولهن، وإثارة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بتفاصيل حياتهن الشخصية.

أحمد عدلي (القاهرة )

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.