مصائر حزينة وشخوص تراوح في المكان

حمدي الجزّار يقتفي أثرها في رواية «العروس»

مصائر حزينة وشخوص تراوح في المكان
TT

مصائر حزينة وشخوص تراوح في المكان

مصائر حزينة وشخوص تراوح في المكان

تنطلق رواية «العروس» للروائي المصري حمدي الجزار من مكان افتراضي يحمل اسمها، هو عبارة عن مطعم وملهى ليلي فاخر بوسط العاصمة القاهرة، يرتاده الأثرياء وصفوة المجتمع، وفي ليلة رأس السنة، حيث يحتفل المطعم بمرور 71 عاماً على إنشائه.

تحت رذاذ تلك الليلة تتعدد صور وطبيعة الصراع في الرواية، وتنعكس على زمنيها العام والخاص، ما بين مرايا الماضي والحاضر، من خلال عين الراوي (الكاتب) السارد العليم والذي يجيد لعبة الوصل والقطع ما بين الشخوص والمكان. ففي ظلال هذه اللعبة يبدو الصراع طبقياً، يتمثل سيرة شرائح فقيرة ومهمشة من المجتمع وخطواتها المثقلة بمفارقات الحياة وعبث المصادفات، كما يبدو صراع بشر مع المكان الوعاء الحاضن لهم، يتأقلمون معه أحياناً، ويتمردون عليه إلى حد الفرار أحياناً أخرى؛ بحثاً عن وعاء أكثر اتساعاً وبريقاً، لكنهم مع ذلك يهرعون إليه كملاذ من تناقضات وتوحش فضائهم البراق. ومن ثم، تتعدد صور المكان في الرواية، فثمة مكان عابر طارد يمثله مطعم «العروس» تبدو الحياة بداخله مثقلة بخفتها ولهوها، ويبدو المطعم وكأنه قناع مراوغ لها، ووكرٌ للدسائس والمؤامرات وصراعات القوة والنفوذ، خارج جدرانه تصفو الحياة لنفسها، تغتسل من وحل الشهوات وأوهام الأماني اللزجة. في المقابل ثمة مكان أصيل مقيم، يشكل بؤرة البراءة والحنين الأول، يمثله «حي السيدة زينب» الذي ينتمي إليه أغلب الشخوص، ثم «نزلة السمان» أسفل منطقة الأهرامات بالجيزة.

وسط كل هذا، يبدو جوهر الصراع وكأنه صراع الكاتب نفسه مع عالمه الروائي، حيث يقتفي أثر شخوصه ومصائرهم، ويقطرها قطرة تلو أخرى في وعاء المكان. ما يكشف عن وعي ثاقب وعين حكاءة تتمتع ببصيرة سردية لها مذاقها الخاص، تعرف كيف تغرس الشخصية كنبتة في تربة المكان الطبيعي، ابن طفولتها وشهوتها البكر، وتتابعها بحنو وهي تنمو وتورق في ظلاله الدافئة، ثم تعيد رسمها من جديد في قماشة سردية كلاسيكية تتقلب فيها الشخوص ما بين صراعات الذات مع هواجسها وأحلامها وواقع المكان نفسه... فعلى سبيل المثال، تطالعنا شخصية إبراهيم مطر «النحات» المرموق، الذي يتردد على المطعم كعابر يقضي وقتاً برفقة حبيبته، لكنه يظل مشدوداً لمسقط رأسه، وتخبرنا الرواية بأنه وُلد في إحدى قرى «نزلة السمان» بالهرم، هناك أسس حياته في بيئة صالحة لعالمة الفني، عاش في كنفها طفولته، وتفتحت موهبته في فضاء الأهرامات إحدى عجائب الدنيا السبع وتمثال أبو الهول الشامخ، وما يحتويه المكان من آثار فرعونية، لا تزال محط أنظار العالم. وكذلك حبيبته الدكتورة نانيس والتي تتمتع بميزة أنها أحد الشخوص الخمسة الذين يملكون أسهماً في المطعم الفاخر. تعيش نانيس في حي جاردن سيتي الرومانسي الهادئ والذي يناسب مزاجها كأستاذة للموسيقى ويجدد شغفها بها وبألحان والدها الموسيقار الراحل التي تترد نغماتها الحانية الراقصة في أرجاء «العروس». أيضاً خالد عبد الباري «المتروديتيل»، أحد أبطال الرواية البارزين، والذي عرف «العروس» وهو طفل بصحبة والده «البارمان». يتمتع خالد بشخصية سمحة تمتزج فيها بداهة الفطرة وألفة الروح وبساطتها والتي تبدو انعكاساً لطبيعة حي السيدة زينب مسقط رأسه ومرتع صباه، بطيبة ناسه وروائحه الشعبية العريقة. تعكس شخصية خالد المكافح، الذي يعمل صباحاً في مركز الحضارة، ومساءً في المطعم، الضمير المخفي أو الغائب في تلافيف المكان وبريقه الزاعق. علاوة على أنه عاشق محب مخلص لزوجته سامية بشندي، رفيقة عمره وأم طفليه، رغم غيرتها الشديدة عليه والتي تكاد تصبح إدماناً ومرضاً.

هذه المقاربة الأولى تضعنا أمام الركيزة الأساس في هذه الرواية الصادرة حديثاً عن دار «ديوان»، بفصولها الاثنين والعشرين؛ وهي ما يمكن تسميته «المراوحة في المكان» فنحن أمام رواية شخوص تراوح في المكان، بعضها في القلب منه، وبعض الآخر في الهامش يتعلق بأهدابه من الخارج، متستراً بالتأقلم والخنوع، لكن عينه دائما مصوَّبةٌ للداخل، إلى حد التلصص. مثل كابتن «هراوي» رجل الأمن وموظف الاستقبال بالمطعم، فهو مجرد أداة لمراقبة الوافدين إليه، يتفحص ملامحهم وخطواتهم من خلال شاشة تليفزيونية كبيرة، يتسمر أمامها طيلة الوقت، ودائماً يتباهى بماضية كبطل سابق في كمال الأجسام، وأحد فتوات حي السيدة. أيضاً «شاهين» الشاب الأقصري الذي مسّته خرافة «عرق الصِّبا» التي روتها جدته، وأن من يحوز هذا العرق يتمتع بقوة خارقة، فينزل إلى قاع نهر النيل في فترة الجفاف، ويشرب من المياه المتناثرة في شقوق الطمي والطين ويرى النهر يشع ويتناثر في كفه كحبات اللؤلؤ. يتزوج شاهين، لكن لا ينجب، وبقوة اليأس يطلّق امرأته، يحررها منه، حتى تنعم بالأمومة من زوج آخر، ويغادر إلى القاهرة، وينتهي به الحال إلى مجرد بواب للعمارة الكائن بها المطعم.

تحت سقف «العروس» تتراءى شخصيات عدة، تتقلب في مرايا مصقولة بنزق الشهوة والجشع، وتتنوع أدوارها ما بين التواطؤ والغدر والخيانة، وبين الحرص على لقمة العيش بشرف وأمانة، شخوص شرهة ومآلات مصائر حزينة، تتسم خطواتها بالتوتر واللهاث عبر رقعة زمنية تتسع وتضيق في ثوب ليلة واحدة، وعلى مسرح مصادفة رخوة يتحول الخائن في ظلالها بطلاً وسيداً للمكان، بمنطق التحايل الذي يجيده ويروضه بمهارة لص، متخذاً منه قناعاً، ووسيلة للنفوذ والسيطرة على المكان والبطش بكل من يقف في طريقه، بلا مبالاة، أو مراعاة لعشرة أو ضمير... هكذا يطيح عمر عبد الظاهر الابن العاق لبائع الكيروسين المتجول بحي السيدة زينب كل من يقف في طريقه للاستحواذ على «العروس» والتحكم في كل صغيرة وكبيرة تخصه، يخون ويزوّر صكوك الأمانة التي حملها له وخصه بها الحاج مرزوق عشم الله، الرجل الورع التقي، أحد مشاهير حي السيدة زينب، الذي يحسن لفقرائها ومساكينها، ويدعوهم لوليمة عامرة كل أسبوع بقصره المنيف بحي المقطم، كما أنه الوحيد الباقي على قيد الحياة من ملاك «العروس»، أراد أن يزيح عن كاهله متاع الدنيا ويتفرغ للصلاة والعبادة. فيستدعي عمر عبد الظاهر الذي صنعه الحاج مرزوق وجعله «المدير المالي للعروس» وانتشله من وظيفته الفقيرة ومكتبه البائس للمحاسبة القانونية، ثم يمنحه وثيقة بموجبها يترك له مكانه، ليصبح رئيساً لمجلس إدارة العروس، ويضع رقم «صفر» أمام أسهم عمر فيه والتي اشتراها له بماله الخاص، ويذكّره بأن «من يحكم لا يملك».

يرفد هذه المراوحة للمكان «تقنية الوصف» إحدى ركائز معمارها الفني المجدول بنسيج معرفي وفني فائق. فنحن أمام كاتب وصّاف بامتياز، يعرف أسرار وجماليات هذه التقنية، وكيف تمنح السرد والحكي مساراً خاصاً، يجعله حياً ومفتوحاً على قوسي البدايات والنهايات. ثمة وصف لكل شيء، يستبطن العواطف والمشاعر والانفعالات الداخلية للشخوص، ويحلّق في فضائها، ويرصد أثر وانعكاس المكان عليها... وصف للثياب والشموم والروائح والعطور وأنواع الطعام، والطاولات والمفارش والكؤوس، ومقابض الأبواب والمناضد والحوائط، ورائحة الطقس... يتحرك الوصف كفعل معايشة، وتوثيق لنثريات المكان، ويلعب دوراً مهماً في الإيهام بالواقع من داخله وفي الخارج أيضاً، وتخيله بصوره متنوعة ومنسجمة سردياً مع تماثلات الزمن وطبقات الحكي، وبلغة قادرة على التشخيص والإيحاء، والتنقل بتلقائية من حيز الواقع المؤطر لبراح التخييل المفتوح على أفق أوسع. فالكاتب الراوي يتقمص الشخوص ويسبر أغوارها، وبذكاء أدبي مشرّب بمسحة شاعرية ينثر الكلام فوق شفاهها، وكأنه يتحاور معها أولاً قبل أن يقذف بها إلى القارئ.

يقول في صفحة (164) رابطاً ما بين النحت وأوتار الفرقة الموسيقية التي أنهت دورها وتتأهب لمغادرة مسرح العروس: «أغلــق الموســيقيون حقائبهم على كنوزهم الثمينة، وأخفوها عن العيون، كأنهــم يخفون عرائس ساحرة يجب سترها وراء حجب مصمتة، بعد أن فتنت الجميع. حملوا حقائبهم على صدورهم، وعلقوها على أكتافهم وظهورهم، وانحنوا مبتسمين تحية للجميع، وغادروا المسرح تاركين الخشبة في ضوء خافت، وكان النحات يحدق في المساحة الفارغة التي خلفوها وراءهم».

لكن الاستغراق في الوصف، لم ينج أحياناً من الحشو، وأصبح مجرد وظيفة تزينية لمفردات المكان.

يبقى من الأشياء المهمة في هذه الرواية أنها تنتصر للمرأة، وتبرز قوتها وصلابتها حتى في لحظات الضعف الإنساني النبيل، كمصدر قوة وطاقة للحياة، مثال «نانيس» القبطية التي تحب مطر «النحات» المسلم، و«سماهر» الراقصة التي تدافع عن كرامتها وشرف المهنة كراقصة فنانة تمتهن فناً حراً، تراه معجزة الجسد الإنساني... وغيرها من الشخوص التي ينحتها الكاتب بإزميل حكّاء ذي بصيرة خاصة، يعرف كيف تصبح الرواية أنشودة للجمال والحرية.


مقالات ذات صلة

سعيد الطنيجي: «النشر الرقمي» يتصدر مستقبل توزيع الكتب

ثقافة وفنون سعيد الطنيجي: «النشر الرقمي» يتصدر مستقبل توزيع الكتب

سعيد الطنيجي: «النشر الرقمي» يتصدر مستقبل توزيع الكتب

في هذا الحوار، يتحدّث المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، سعيد حمدان الطنيجي لـ«الشرق الأوسط» عن مشروعات المركز، وخاصة في مجال الترجمة

ميرزا الخويلدي (أبو ظبي)
ثقافة وفنون «الحب الأول»... رواية ترسم صورة قاتمة للعواطف الجياشة

«الحب الأول»... رواية ترسم صورة قاتمة للعواطف الجياشة

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من رواية «الحب الأول» للكاتب الروسي الأشهر إيفان تورجنيف (1818 - 3 188) التي تعد رغم حجمها الصغير نسبياً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون عودة الراحلين في معرض القاهرة الدولي للكتاب

عودة الراحلين في معرض القاهرة الدولي للكتاب

يعيش المعرض الذي ينطلق غداً ظاهرة لافتة تتمثل بوجود كتب جديدة لن يتمكن مؤلفوها من رؤية أغلفتها وملامسة أوراقها.

عمر شهريار (القاهرة)
ثقافة وفنون أربع مجامر موقع سمهرم في سلطنة عُمان

مجامر من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

كشفت أعمال المسح المستمرة في سلطنة عُمان عن سلسلة من المواقع الأثرية، من أبرزها موقع خور روري الذي ضمَّ في الماضي مدينة عُرفت باسم سمهرم

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون انفتاح على الأدب العربي ونوافذ خاصة على الثقافة العراقية

انفتاح على الأدب العربي ونوافذ خاصة على الثقافة العراقية

صدر حديثاً عن دار «سطور» ببغداد كتاب «أصوات في الأدب والفكر والاجتماع» للمؤلّف السعودي محمد رضا نصر الله

د. فاضل عبود التميمي

سعيد الطنيجي: «النشر الرقمي» يتصدر مستقبل توزيع الكتب

سعيد الطنيجي: «النشر الرقمي» يتصدر مستقبل توزيع الكتب
TT

سعيد الطنيجي: «النشر الرقمي» يتصدر مستقبل توزيع الكتب

سعيد الطنيجي: «النشر الرقمي» يتصدر مستقبل توزيع الكتب

في هذا الحوار، يتحدّث المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، سعيد حمدان الطنيجي لـ«الشرق الأوسط» عن مشروعات المركز، وخاصة في مجال الترجمة، التي يعتبر مشروع «كلمة» عموده الفقري، وأهم تحدياتها في ظل الثورة الرقمية، وكذلك عن المشروع الذي أطلقه المركز ويحمل اسم «سلسلة عيون الشعر العربي» لتعزيز السياق المعرفي والثقافي العربيّ، والعناية الخاصة بالتراث وإبراز ثَرائه شعراً ونثراً. وكان من بين أهم مبادراته إصدار مركز أبوظبي للغة العربية، بالتعاون مع دار المعارف في مصر طبعة خاصة من الأعمال الكاملة لعميد الأدب العربي د. طه حسين. وهنا نص الحوار:

سعيد حمدان الطنيجي (المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية)

> الترجمة وسيلة للتقارب الثقافي بين الشعوب، كيف يساهم مشروع «كلمة» في بناء جسور التواصل بين العالم العربي وبقية العالم؟

- لطالما كانت الترجمة حجر أساس في ازدهار الحضارات، وقد استفاد العرب من الترجمة وأفادوا بها، فكما كانت الترجمة بين العربية ولغات العالم الأخرى سبباً في نهوض الحضارة العربية، كانت سبباً بعد ذلك في نهوض القارة الأوروبية بأكملها.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية لتنويع مشاريعه ومبادراته في خدمة الترجمة وتعزيز دورها كونها صلة وصل بين الشعوب، تجسِّر المسافات وتقرب المفاهيم وتعزز قيم التسامح والإخاء والانفتاح، وهي القيم التي توليها دولة الإمارات موضع الأولوية في كل خططها التنموية. ويُعدُّ مشروع كلمة للترجمة، الذي يحظى بدعم رئيس الدولة، كونه أحدَ أبرز المشروعات المؤثرة في مسيرة الترجمة إلى العربية، من خلال ترجمته 100 كتاب سنوياً، وبلغ عدد ترجماته أكثر من 1300 كتاب من 24 لغة في 10 تصنيفات معرفية.

> كيف تساعد الشراكات مع دور نشر في العالم في تحسين نوعية الكتب المترجمة؟

- حرص مشروع كلمة منذ انطلاقته على تكوين شراكات مع دور النشر العالمية تجسيداً لاحترام حقوق الملكية الفكرية، والتزم المشروع بتوفير حقوق الترجمة والنشر لجميع الكتب التي يتم ترجمتها. وقد أدى هذا إلى تأسيس علاقات قوية مع مؤلفين عالميين، ومع أكثر من 300 دار نشر عالمية مبنية على الثقة والتفاهم باعتبارهم شركاء في صناعة النشر مثل: أكسفورد، كامبريدج، غاليمار، بنجوين، زوركامب، كارلسن، آكت سود، هارفارد وغيرها.

> كيف يمكن التعامل مع التحديات الثقافية للترجمة، خاصة فيما يتعلق بتقديم محتوى يعبّر عن الهوية العربية؟

- من المهم أن يكون المترجم على دراية بالثقافات المختلفة المعنية، وأن يتعرف على دلالات الكلمات في كل من اللغتين المصدر، والهدف، فهذا يساعده على أن يتفاعل مع النص وينتقي الكلمات المناسبة التي تنقل المعنى وتحافظ عليه من دون تشويه. كما أن تقديم التفسيرات والشروحات من خلال المقدمات والهوامش عند الحاجة سوف يساعد الجمهور المستهدف على أن يفهم السياق الكامل للنص. كما يتم انتقاء المترجمين بناء على المعايير التي ذكرناها سابقاً، وبما ينسجم مع خبرتهم في مجالات الترجمة المتنوعة والمتخصصة.

> لديكم مشروع لطباعة الأعمال الكاملة لعميد الأدب العربي طه حسين وعدد من رواد الأدب العرب... ماذا بشأنه؟

- نعم، بمناسبة اختيار عميد الأدب العربي د. طه حسين الشخصية المحورية في الدورة 31 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، أصدر مركز أبوظبي للغة العربية، بالتعاون مع دار المعارف في مصر طبعة خاصة من أعماله الكاملة ووزِّعت على القراء. كما تعاون المركز مع دار المعارف في إصدار المجموعة الكاملة للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، الشخصية المحورية في الدورة 33 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

كما أطلق المركز «سلسلة عيون الشعر العربي» احتفاءً بالشعر العربي (ديوان العرب) ولإعادة إحياء تراثنا العربي؛ وهو من ضمن المشروعات الرّائدة التي أطلقها المركز لتعزيز السياق المعرفي والثقافي العربيّ، والعناية الخاصة بالتراث وإبراز ثَرائه شعراً ونثراً.

وتقدّم السلسلة مختاراتها الشعرية ضمن مجالات تعتمد أساساً على مجموعة واسعة من المواضيع والقضايا التي يزخر بها التراث الشعري العربي، بما يُظهر تطوّرها وتحوّلاتها من حيث الرؤية الفكرية والبنية الفنيّة، ويعكس الظروف والتصوّرات الحضاريّة للعصور التي ظهرت فيها.

وتضمُّ السلسلة مائة عنوان أعدها نخبة من الباحثين المتخصّصين في الشّعر العربيّ، جمعوها من بطون الكتب وأمهات المصادر. ويتضمن كل كتاب مختارات شعرية تتناول موضوعاً محدداً مع مقدمة وشروح للمفردات الصعبة، وتتوجه إلى شرائح واسعة من القراء لاطلاع القارئ على عيون الشعر، وما رافق هذا الشعر من تغيّرات لغوية وأسلوبية. وتغطي المختارات الشعر العربي عبر العصور منذ ما قبل الإسلام وحتى القرن الثامن عشر، مرتبة تاريخياً من الأقدم إلى الأحدث.

النشر الرقمي

> ساهمتم في تعزيز النشر الإلكتروني؛ كيف يمكن أن يعزز النشر الرقمي توزيع الكتاب العربي بما يوسع انتشاره ويحافظ على الحقوق الفكرية للمؤلف والناشر؟

- يسمح النشر الرقمي بوصول الكتب العربية إلى جمهور عالمي بكبسة زر، مما يسهم في نشر الكتاب العربي لجميع دول العالم، كما يقلل النشر الرقمي من تكاليف الطباعة والتوزيع، مما يجعل الكتب متاحة بأسعار أقل وعلى نطاق أوسع عبر منصات مثل «غوغل»، و«أمازون كيندل»، و«اقرأ لي» وغيرها. كما يضمن الكتاب الإلكتروني حماية فعالة لحقوق الملكية الفكرية، عبر استخدام تقنيات مثل ملفات النشر الإلكتروني (Epub) المستخدمة في الكتاب الإلكتروني ورفع المحتوى على منصات توفر حماية كاملة للكتب، مما يساعد في حماية حقوق المؤلف والناشر من النسخ غير القانوني.

وتشكّل نتائج الإيرادات الخاصة بالمركز دليلاً واضحاً على كفاءة الآليات والمنهجيات التي يعتمدها للوصول إلى الأهداف المطلوبة، وتحقيق الانتشار المنشود، مما يعزّز مكانة المركز وحضوره في قطاع النشر، ويحقق استراتيجيته في دعم ثقافة القراءة، وتوسيع انتشار اللغة العربية.

وشهدت إيرادات مبيعات الكتب الرقمية، حتى شهر أغسطس (آب) 2024، زيادة قدرها 644 في المائة عن عام 2023، كما بلغ عدد النسخ الرقمية المبيعة ارتفاعاً مقداره 144 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك من خلال الوكلاء الداخليين، والفعّاليات، والاتفاقيات، وموقع «كلمة»، ونقاط البيع الخاصة بالمركز.

> حظيت الأعمال الأدبية بمترجمين عرب ذوي كفاءة عالية، بعضهم غادر المشهد، هل هناك خطط لتأهيل جيل جديد من المترجمين الذين يتمتعون بالكفاءة اللغوية والأدبية؟

- اهتم مشروع كلمة منذ بدايته بتطوير مهارات المترجمين ومساعدتهم على إيجاد الحلول للتحديات التي تواجههم في الترجمة، وذلك من خلال تنظيم مؤتمر أبوظبي للترجمة الذي يناقش أهم القضايا المتعلقة بالترجمة، وترافقه ورشات ترجمة يشارك فيها المترجمون الشبان ويشرف عليها أساتذة متخصصون ومحترفون.

كما اهتم المشروع بإتاحة الفرصة للمترجمين الجدد بخوض غمار تجربة الترجمة من خلال توفير حقوق كتب للناشئة والأطفال وتكليفهم بترجمتها، ويتم توزيع هؤلاء المترجمين على مجموعات يشرف عليها أساتذة متخصصون يرافقون المترجمين خلال عملية الترجمة ويساعدونهم على فهم النص ونقله إلى اللغة العربية بسلاسة ويسر.

مجلّة «المركز» للدراسات العربية... قضايا تاريخيّة ونقديّة ومراجعات للكتب

يُعَدّ مشروع مجلّة «المركز: مجلة الدراسات العربية» واحداً من أهم المشروعات لدى مركز أبوظبي للغة العربيّة، ويتماشى مع استراتيجيّاته لتجديد الخطاب باللغة من خلال نشر دراسات وبحوث عن قضاياها الأدبيّة والثقافيّة والفنّيّة بالتعاون مع مؤسسة بريل العالمية.

والمجلة منضبطة وفق أرقى معايير المجلات المحكمة، ومنفتحة لتناسب كافة الطلاب والباحثين والأساتذة المختصين.

تُصدِر المجلّة عددينِ في السنة في كلٍّ منهما 6 - 8 أبحاث و4 - 6 مراجعات لكتب. وتضم الهيئة الاستشارية للمشروع مجموعة من القامات الثقافية والمتخصصين من أنحاء العالم، وقد صدر من المجلة حتى الآن خمسة أعداد، ومن المقرر صدور العدد السادس في نهاية هذا العام.

وتهدف المجلة إلى زيادة حجم البحث العلمي الرصين المكتوب باللغة العربية، وتشجيع الباحثين على الكتابة باللغة العربية، لتكون لغة للبحث العلمي كما هي لغة للإبداع.

وعززت المنهجية والحوكمة التي تتميز بها المجلة من خلال دقة الموضوعات والبحوث التي تعرضها، ونزاهتها وشفافيتها، من مصداقية المجلة عربياً وعالمياً، وأصبحت اليوم مرجعية أساسية لأرفع مراكز الدراسات والجامعات على المستوى العالمي، مما يعزز موقع إمارة أبوظبي بوصفها منارة حضارية وثقافية عالمية، ودورها العالمي في تعزيز انتشار اللغة العربية والثقافة العربية وإحياء مكانتها في العالم.

وتنسجم المجلة في مضمونها مع استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية في تجديد الخطاب باللغة العربية من خلال نشر دراسات وبحوث تتناول القضايا الأدبيّة والثقافيّة والفنّيّة، وارتفع عدد طلبات المقالات التي نشرتها المجلة إلى 13400 طلب في نهاية عام 2023، مقارنة بنحو 2530 طلباً في عام 2022. وبنسبة نمو 430 في المائة، كما حقق الإصدار الأول لعام 2024 نحو 6835 طلباً.

وتصدرت مكتبة جامعة إنديانا في الولايات المتحدة قائمة المؤسسات التي قامت بطلب المقالات، بالتساوي مع جامعة أليثيا في تايوان بعدد 30 طلباً في عام 2023. بينما تصدرت جامعة كامبريدج قائمة أعلى المؤسسات طلباً لمقالات المجلة في عام 2024. حيث قامت بطلب 70 مقالة تليها جامعة الإمارات بعدد 30 طلباً، تليهما جامعة السلطان قابوس في عمان، والجامعة الأميركية في بيروت بعدد 10 طلبات، مما يؤكد مكانة المجلة وحضورها بوصفها مساحة مشرقة للتعبير عن القضايا البحثية بموضوعية تامة، مع إثراء التجربة الإنسانية العربية والعالمية.