ممارسات نقدية عربية أمست أسيرة هويتها الضيقة

قلما تجد ناقداً عربياً مهموماً بمتابعة ما يصدر خارج محيطه الوطني

د. شيرين أبو النجا
د. شيرين أبو النجا
TT

ممارسات نقدية عربية أمست أسيرة هويتها الضيقة

د. شيرين أبو النجا
د. شيرين أبو النجا

لعل من أكثر الظواهر لفتاً للانتباه اليوم بصدد الممارسة النقدية العربية أنها أمسَتْ أسيرة هويتها الضيقة، بحيث صار من النادر أن تجد ناقداً عربياً مهموماً بمتابعة ما يصدر خارج محيطه الوطني، بالغزارة التي كانت قبل 3 عقود على الأقل، إلا في سياق المؤتمرات والندوات ذات الصبغة العربية. ولم يعد بالإمكان الحديث عن نقد متصل بأجناس بذاتها بصيغة التعميم، من مثل «الرواية العربية» و«المسرح العربي» و«التشكيل العربي»، أضحى الاستعمال الصحيح والمقبول هو المتصل بأقطار بعينها، هل هي نهاية مدوَّنة الوعي النقدي الحديث الآتي من الفكر العروبي؟ أم تراجع للعقائد النقدية ذات العمق الإنساني المفتوح؟ ربما هما معاً، لكن الشيء الأكيد أن نظرتنا للأدب والفن محكوم عليها بمسايرة انجرار العالم إلى عقيدة الانعزالية والانغلاق. هكذا ستتكوَّن تدريجياً مواصفات «انعزالية نقدية» اتخذت لها تسميات وتجليات متباينة، ما بين الانغلاق في حدود الجنس التعبيري، أو البلد، أو العقيدة، أو اللغة. لكن هل يحتاج الناقد والباحث في الأساليب الأدبية والفنية لأن يكون أسود ليكتب بصدق وعمق عن الأدب الأفرو - أميركي مثلا؟ أو موسيقى الزنوج في المغرب خلال القرن التاسع عشر؟ أو معتقَلاً سياسياً سابقاً ليكتب عن روايات السجن السياسي؟ أسئلة من المفترض أن الخيال النقدي العالمي قد تجاوزها بعد نشوء حقول معرفية بذاتها تتناول نظائر لتلك الأسئلة في سياقات ثقافية متنوعة، وأثر التخفف من هيمنة النزوع الذاتي المرتبط بالهويات الصغرى، في الدراسات الأدبية المعاصرة.

أحد أغلفة مجلة «دايبتك»

في دراسة للناقدة المصرية شيرين أبو النجا، عن راهن النقد العربي، استحضرت واقعة تحكيمها لعدد من الأبحاث النقدية، لتقف على ما سمَّته هيمنة «النقد التطبيقي»، المفرغ من الأسئلة الفكرية، وتسرد في هذا السياق الواقعة التالية: «أرسلت لي مؤسسة ثقافية مصرية ثلاثة كتب وأوراقاً أُلقيت في مؤتمر إقليمي بمصر، وطُلِب مني أن أنتقي أفضل هذه الأبحاث... الغريب أن معظم هذه الأبحاث لم تكن سوى قراءات شخصية بحتة، مستندة إلى انطباعات، بحيث يخلص كل بحث إلى استنتاجات تنهل من البلاغة الإنشائية، أكثر من الأفكار والقرائن. عندما أعدت التدقيق في الأمر في محاولة لاكتشاف هوية هؤلاء النقاد أدركت أنهم كُتّاب الأقاليم، الذين يكتب بعضهم عن بعض، ويعرضون أبحاثهم في حضور بعض الضيوف».

يكاد يختصر هذا المقتطف أحد الملامح الأساسية لصورة الناقد العربي الهاوي، أي تقديم نصوص باختزال، والتعريف بمضامينها، خارج أي منظومة إشكالية، يخطط عبرها لاختياراته، ثم إسداء أكبر قدر من الخدمات «النقدية»، في دوائر انتماء متراكبة: المدينة، فالبلد، فالإقليم العربي، وهي دوائر انتماء أُحلت محل الانتساب الحزبي والعقائدي الذي شاع في النصف الثاني من القرن الماضي، بحيث إن الناقد المغربي (أو التونسي أو الجزائري) يكتب عن نصوص الأصدقاء، ثم مَن يقتسم معهم المواطنة، ثم كتّاب شمال أفريقيا، ثم تتدرج بعد ذلك دوائر الاختيار من الأفق العربي الممتد. من هنا يمكن أن نستوعب قصور مفهوم «الحلقية» (ذات الجوهر الفكري والثقافي) في استيعاب السلوك الطاغي على اشتغال الناقد في شتى الأقطار العربية، بحيث يمثل فهماً مبتسراً للظاهرة، إذ يمكن أن نتحدث بالأحرى عن «نزوع انعزالي» بتجليات شتى لتكوين الانحياز، تتمركز في مجملها على عقيدة الانتصار لذوات بذاتها، ثم لممارسات أدبية أو فينة مخصوصة.

ولقد شاءت صدف تاريخية عديدة أن يقترن الاشتغال على أسئلة الفن في العالم العربي بدوائر مُفرنسة أو أنجلوفونية، وهو الاقتران الذي يمكن قراءته في مستويين: الأول ينطلق من افتراض أن الفن الحديث والمعاصر نتاج غربي، ومن ثم فالكتابة عنه يجب أن تصب في المجرى العام للنقاش العالمي حوله، مع اعتماد الإنجليزية أو الفرنسية بما هي امتداد لتقاليد وافدة من مرحلة الاستعمار، حيث كان الفن اختصاصاً أوروبياً. أما المستوى الثاني، فهو المتصل بقناعة المؤسسات المرتبطة بالإبداع الفني، من المعارض إلى الإقامات الفنية وأسواق الفن، القناعة التي ترى أن اللوحة والمنحوتة والمنشأة الفنية منتج موجَّه إلى شريحة خاصة من المتلقين هي الطبقة الثرية والمتوسطة العليا ممن تمتلك القدرة على اقتناء التحف، وتجد نفسها في الفرنسية والإنجليزية، لهذا تُكتب نصوص الكاتالوغات في الغالب بإحدى هاتين اللغتين. وبصرف النظر عن النزعة «الانعزالية» لهذا الاختيار النقدي، فإن ما يبدو جلياً أن هذا الاعتقاد أنتج تمركزاً لغوياً مناهضاً للانفتاح وجد تجلياته في مئات الكتب والدراسات وأعمال الندوات، والمجلات النقدية، والمحاضرات المخصصة للفن المعاصر من المحيط إلى الخليج، وجدير بالذكر في هذا السياق أن أهم مجلة مختصة في الفن المعاصر بالمغرب (وهي «Dyptik Magazine») تعتمد اللغة الفرنسية.

أضحى الاستعمال الصحيح والمقبول هو المتصل بأقطار بعينها... هل هي نهاية مدونة الوعي النقدي الحديث القادم من الفكر العروبي؟

ولعل من أكثر الأسئلة التي يستثيرها هذا الواقع «الانعزالي» جوهرية، ذلك الذي مفاده: هل تقبل الكتابات النقدية اليوم المساواة؟ فالكتابة النقدية بمعنى ما، قبل أن تتصل بالمعارف والمفاهيم، هي قدرة على استعمال الكفاءات الوصفية والتحليلية والجمالية للغة، فبمتابعة بسيطة للخطاب النقدي، في الحقول الإبداعية المختلفة يمكن وضع اليد على حجم التفاوت الحاصل بين الأصوات النقدية، ونوعية الخطابات الوصفية، استناداً إلى قاعدة «اللغة» (أمست الفوارق تتسع يوماً عن يوم بين ما يُكتب بالعربية أو بالفرنسية والإنجليزية). وهو تفاوت بدأت تتضح ملامحه بعد إدراك الخطورة التي باتت تشكلها اللغة النقدية في إشاعة الوعي النقدي أو انحساره؛ إدراك لم يكن سائداً في مرحلة سابقة، حيث شكل المضمون المعرفي، ومطامح «العِلمية» المبالَغ فيها، غايات وحيدة للناقد، ولم يعد لأسباب «التبيين» و«التأثير»، ووسائطهما القائمة على التشغيل الجمالي للغة مكانة في عرف الناقد.

إن إنتاج الأثر النقدي لا يستقيم دون علاقة مثالية مع القارئ؛ فأول ما يقرر مصير النص النقدي هو لغته (عربية كانت أو فرنسية أو إنجليزية)، وبناء على هذا الافتراض يمكن إدراك الشعور الشائع في أوساط الروائيين والرسامين والسينمائيين برفض الموازنة بين النقاد، والمساواة بينهم، أو الحديث عنهم بصفة الجمع؛ شعور يتجلى في صور شتى، لعل أظهرها ذلك الذي يجعل «مراجعات» عديدة، لمعارض فنية، وروايات وأفلام، مِن التي ترتهن إلى «اللغة الخرساء»، لا تُحتسب نقداً، وتُحشَر مجازاً في دائرة «الصمت النقدي»، والحق أنه لا يمكن اختزال الأمر في مجرد حكم معياري، وإنما بإدراك أن مساحة الإبداع النقدي ترفض المساواة؛ ففي تخطيها وأد للقيمة، لهذا يبدو تاريخ النقد الحديث والمعاصر منطوياً على جوهر عقلاني مناهض لتسلط مجتمع الثقافة، في الآن ذاته الذي يبدو فيه مناقضاً لانعزالية الخطابات النقدية بدءاً بهوية اللغة وانتهاء بالظواهر الأدبية والفنية.

لقد صاغ الناقد العربي، عبر مسارات متباعدة صورة المشتغل برهانات متعددة، من السعي إلى التحديث المنهجي، وما يستلزمه من إعادة تمثل المفاهيم والمقولات النظرية، في المشترك النقدي العالمي، إلى التحديث المجتمعي والثقافي والسياسي المتصل بقضايا الانتماء إلى العالم المعاصر، إلى الخوض فيما استحدثته ثورة الاتصال من وسائط حولت صيغ التقويم والتقييم، وإبداء الرأي. بيد أن الاشتغال في كل هذه الواجهات انتقل من حدود الحلقية التي تستند على قاعدة فكرية، إلى انعزالية مناهضة للقيم النقدية التي من شأنها صناعة التراكم، وصونه من التبدُّد. لذا سرعان ما تتلاشى الجهود الفردية، في زحمة الإصدارات المتلاحقة والمنشورات التي لم تعد تعرف حدوداً في الشبكة، ويسهل تدريجياً إصدار أحكام: «غياب النقد» و«أزمة النقد» و«موت الناقد» وما في منوالها من مفردات تنهل من ذهنية الإنكار أو الإحباط على حد سواء.


مقالات ذات صلة

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون هوشنك أوسي

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريجين أولسين

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك

هاشم صالح
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.