«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي
TT

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

صدر أخيراً العدد 84 لشهر أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «الشارقة الثقافية»، التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة. تناولت الافتتاحية اهتمام المستشرقين بثقافة الشرق العربي، مسلطة الضوء على منجزات ومكتسبات الثقافة العربية. وكتب مدير التحرير نواف يونس مقالاً بعنوان «غورنيكا... مرة أخرى» متحدثاً فيه عن أحداث ومأساة قرية الغورنيكا الإسبانية، التي رسمها بيكاسو في لوحته الشهيرة وانعكاسها على الواقع المعيش، ويضيف: «مزجت الألوان ببعضها بعضاً، وانتظرت اللحظة الأخيرة لأضع الفرشاة في المكان المناسب».

وفي تفاصيل العدد، يتابع يقظان مصطفى استعراض إسهامات العرب العلمية، مشيراً إلى أنّ ابن ملكا البغدادي سبق غاليليو ونيوتن باكتشافاته، ويكتب وليد رمضان عن كبير الاستشراق الألماني تيودور نولدكه، الذي أسهم في الكتابة عن العرب وتاريخهم، ويبيّن خوسيه ميغيل بويرتا دور قصر إشبيلية في التعبير عن الفن المدجن والتفاعل الثقافي العربي الإسباني، فيما يسلط هشام عدرة الضوء على تاريخ مدينة سلمية السورية، التي تعدّ منتجعاً سياحياً تراثياً وتتميز بالشعر والثقافة.

في باب «أدب وأدباء»، تتناول د. مها بنسعيد كتاب «عتبات السرديات ومناصاتها»، وهو عمل نقدي متكامل للناقد والباحث سعيد يقطين، ويتوقف حاتم عبد الهادي عند رحيل الشاعر كريم العراقي، وتكتب غيثاء رفعت عن عزيز نيسين الذي يعدّ أحد أعلام الأدب الساخر عالمياً قي القرن العشرين، ويقدم مصطفى أحمد قنبر مداخلة حول ديوان «ليالي الملاح التائه» للشاعر علي محمود طه حيث «الإبحار في غواية المكان»، ويحاور ممدوح عبد الستار الروائي هيثم حسين، ويتناول محمد حسين طلبي المجموعة القصصية الأخيرة «شمس الضفاف البعيدة»، للأديب ناصر جبران، وتجري سريعة سليم حديد مقابلة مع الأديبة سناء شعلان، التي وثقت البعد الثقافي والفكري عند الهنود المسلمين.

ومن الموضوعات الأخرى، يكتب صابر خليل عن الدكتور محمد طه الحاجري، ويتناول هيثم الخواجة القيم الجمالية في «قصص وحكايات» لجمال قاسم السلومي وفضاءات أدب الطفل، بينما تحاور د. أماني محمد ناصر الكاتبة عائشة سلطان، ويقرأ حاتم السروي سيرة الأسرة التيمورية، التي «تضم قامات أدبية رائدة، وتتميز بمنظومة أخلاقية إنسانية مبدعة»، وتتوقف رويدا محمد عند تجربة الشاعر التونسي جعفر ماجد أمان، وغيرها من الموضوعات.

ونقرأ في باب «فن. وتر. ريشة» الموضوعات الآتية: «هدى العمر تمزج بين الكلمة واللون» لمحمد ياسر منصور، و«أحمد عبدالعال... أحد أبرز فناني السودان» لأديب مخزوم، ورواية «الشيخ الأبيض» على خشبة المسرح قدمتها فرقة صلالة للفنون في عُمان لعبد العليم حريص، و«عزيز خيون اتخذ المسرح خياراً حياتياً» للدكتور عزيز بعزي، و«سكورسيزي... يستمر في التألق سينمائياً» لأسامة عسل، و«فيلم (المدرّسة) للمخرج جان هريبجيك» لمحمود الغيطاني، وحواراً مع فاطمة الجبيع، أجراه عبد الرحيم الشافعي.

ويحتوي العدد على مجموعة من القصص القصيرة، والترجمات لمجموعة من الأدباء العرب، وهي: خالد ماضي (نسخة أخيرة) قصة، (نسخة أخيرة – سعادة الإصدار الأول) نقد بقلم د. سمر روحي الفيصل، وليد الزيادي (لحظات حرجة) قصة قصيرة، مجدي محفوظ (أوراق صفراء) قصة قصيرة، عواطف بركات (يوماً ما كان العالم مثالياً) قصيدة مترجمة، إضافة إلى تراثيات عبد الرزاق إسماعيل، و(أدبيات) فواز الشعار، التي تضمنت جماليات اللغة وفقه اللغة.


مقالات ذات صلة

«الشارقة الثقافية»: حضور نجيب محفوظ في الصين

كتب «الشارقة الثقافية»: حضور نجيب محفوظ في الصين

«الشارقة الثقافية»: حضور نجيب محفوظ في الصين

صدر أخيراً العدد الـ94، لشهر أغسطس (آب) 2024م، من مجلة «الشارقة الثقافية»، وقد تضمّن مجموعةً من الموضوعات والمقالات والحوارات

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
ثقافة وفنون مأدبة أفلاطون

هل طرد أفلاطون الجسد من جنة الحب؟

لم يكن كتاب «المأدبة» الذي وضعه أفلاطون قبل خمسة وعشرين قرناً مجرد مدونة منتهية الصلاحية حول الحب والرغبة والعلاقات بين البشر

شوقي بزيع
ثقافة وفنون مجسمان من محفوظات متحف الكويت الوطني مصدهما جزيرة فيلكا

وجهان فتيّان من فيلكا يتبعان الأسلوب اليوناني

في نهاية خمسينات القرن الماضي، شرعت بعثة دنماركية في استكشاف جزيرة فيلكا الكويتية، وأظهرت الحفائر الأولى مسكناً كبيراً عُرف باسم «دار الضيافة».

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون دولوز

دولوز... انحاز إلى المقهورين ووقف مع الشعب الفلسطيني

لم يكن جيل دولوز، الفيلسوف الفرنسي الشهير (1925 – 1995)، ممن يرجون فائدة من الكتابة عن حياة المؤلفين الشخصيّة، إذ كان يعتقد بأهمية أن تستحوذ على اهتمامنا.....

ندى حطيط
ثقافة وفنون مختارات شعريّة لحسين درويش للكردية

مختارات شعريّة لحسين درويش للكردية

صدر حديثاً عن «منشورات رامينا» بلندن ديوان شعريّ باللغة الكردية يحمل عنوان «Toza Rojên Berê» للشاعر السوريّ حسين درويش، وهو من ترجمة الشاعر والمترجم ياسين حسين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

وجهان فتيّان من فيلكا يتبعان الأسلوب اليوناني

مجسمان من محفوظات متحف الكويت الوطني مصدهما جزيرة فيلكا
مجسمان من محفوظات متحف الكويت الوطني مصدهما جزيرة فيلكا
TT

وجهان فتيّان من فيلكا يتبعان الأسلوب اليوناني

مجسمان من محفوظات متحف الكويت الوطني مصدهما جزيرة فيلكا
مجسمان من محفوظات متحف الكويت الوطني مصدهما جزيرة فيلكا

في نهاية خمسينات القرن الماضي، شرعت بعثة دنماركية في استكشاف جزيرة فيلكا الكويتية، وأظهرت الحفائر الأولى مسكناً كبيراً عُرف باسم «دار الضيافة». من هذه الدار، خرجت مجموعة كبيرة من اللقى، بينها قطعة على شكل قالب فخاري يحوي صورة غائرة لرأس آدمي، قيل إنّه يماثل في ملامحه وجه الإسكندر الأكبر. واصلت هذه البعثة مهمتها في مطلع الستينات، وكشفت عن أسس مجمع شُيّد على شكل مربع، عُرف باسم القلعة اليونانية. حوت هذه القلعة مجموعة أخرى من اللقى، منها تمثال صغير من الطين المحروق يمثّل رأس شاب أمرد يحمل كذلك سمات الفاتح المقدوني الشهير.

تقع فيلكا في الركن الشمالي الغربي من الخليج العربي، ويضم الجزء الجنوبي الغربي من هذه الجزيرة أهم مواقعها الأثرية، التي تتوزع على سلسلة من التلال، أشهرها «تل سعد» و«تل سعيد». على مقربة من الساحل، وفي منطقة منخفضة بين هذين التلّين، تقع «دار الضيافة»، وتحوي 12 غرفة، منها غرفة تضم مجموعة كبيرة من القوالب الصغيرة المصنوعة من الآجرّ، ممّا يوحي بأن هذه الغرفة شكّلت في الأصل محترفاً محلياً لهذه الصناعة. تنتمي هذه القوالب إلى صناعة تقليدية شاعت بشكل واسع في الشرق القديم، وتتمثّل وظيفتها في صب المجسمات الصلصالية المصنوعة من الطين المحروق.

حسبما جاء في التقرير الأولي الخاص بأعمال البعثة الدنماركية، تمّ صبّ مادة طرية في عدد من هذه القوالب، فخرجت منها تماثيل صغيرة، وتبيّن أن أحد هذه التماثيل المنمنمة يمثّل رأساً تحيطه هالة ويتميّز بأسلوبه اليوناني. وقيل يومها إن هذا الرأس يمثّل رأس الإسكندر الكبير، «وليس من المؤكد بالطبع أنها تمثّل رأس الإسكندر، إلاّ أن ملامح الوجه تشابه ملامحه المشهورة». يبلغ ارتفاع هذا التمثال المنمنم نحو 6 سنتيمترات، وقد وصل بشكل مجتزأ؛ بسبب كسر في القالب الأثري الذي خرج منه، وما تبقّى منه يمثّل الجانب الأيسر من الرأس، من طرف الرقبة الأسفل، إلى أعلى الشعر الذي يكلل الرأس، وذلك ضمن قالب بيضاوي يحيط به على شكل هالة.

قيل في البدء إن هذا الرأس يمثّل الإسكندر الكبير، ويشهد للأثر اليوناني المبكر في جزيرة فيلكا التي عُرفت كذلك باسم إيكاروس، تيمّناً بالجزيرة الشهيرة الواقعة في بحر إيجة الذي يشكّل خليجاً صغيراً ممتداً للبحر الأبيض المتوسط بين أوروبا وآسيا. وقيل إن هذا القالب هو واحد من القوالب التي تعود إلى جنود الإسكندر الذين قدموها نذوراً بعد انتصارهم على أعدائهم في الهند، وعودتهم «سالمين إلى هذه الجزيرة القريبة من بابل، عاصمة الإسكندر الشرقية». ورأى البعض أن الهالة المحيطة بهذا الوجه الفتي الأمرد تحوي شبكة من الخطوط تحاكي تقليدياً شُعُع الشمس، ممّا يوحي بأن هذا الوجه يمثّل الأمير البطلمي الإسكندر هيليوس، أي إسكندر الشمس، ثاني أبناء كليوباترا الثلاثة، أو الإسكندر بالاس، ملك الدولة السلوقية وابن أنطيوخوس الرابع. في المقابل، رفض البعض الآخر هذه القراءات المختلفة، ورأى أن الرأس يمثل البطل الإغريقي هيرقليس في شبابه، واستندت هذه القراءة إلى حضور هذا البطل في فيلكا الذي تشهد له نقوش وقطع أثرية متفرقة.

تكرّر هذا السجال حول تمثال آخر من الطين المحروق، خرج من «القلعة اليونانية» التي تقع على «تل سعيد»، على بعد 300 متر إلى الشرق من «تل سعد»، وهي قلعة محصنة من زواياها الأربع بأربعة أبراج، وتحوي معبدين، الأول مبني على الطراز الإغريقي، وعلى مقربة منها عُثر على لوح حجري يُعرف بـ«حجر إيكاروس»، يحوي نقشاً كتابياً طويلاً ساهم بالتعريف بتاريخ فيلكا في الحقبة التي عُرفت فيها باسم إيكاروس. من هذه القلعة، خرجت مجموعة صغيرة من المجسمات الطينية ذات الطابع اليوناني الصرف، منها الرأس المعروف باسم «رأس الإسكندر»، وهو تمثال من الحجم الصغير، يبلغ طوله نحو 8 سنتيمترات. حافظ هذا الرأس على سماته، وتعرّض إلى تلف طفيف في الجانب الأيسر من الأنف. الملامح واقعية، وتختزل مثال الفتى الأمرد النضر الذي عُرف بشكل واسع في العالم اليوناني، كما في العالم الهلنستي الذي شكل امتداداً له.

قيل عند اكتشاف هذا الرأس إنه يمثل «رأس الإسكندر أو أحد الملوك السلوقيين الذين كانوا يحكمون في الشرق الأوسط»، والمعروف أن حامية تابعة للسلوقيين استقرّت في الجزيرة، قبل أن تتحوّل فيلكا إلى مستعمرة في مطلع القرن الثالث قبل الميلاد، بأمر من أنطيوخوس الثالث الأعظم، الحاكم السادس للإمبراطورية السلوقية. وتوسّعت القلعة في ذلك العهد حتى سقوط السلطة السلوقية في بلاد ما بين النهرين في عام 114 قبل ميلاد المسيح، وأدّى هذا السقوط إلى التخلي عن هذه الحامية التي استقرت في فيلكا، وطبعتها بثقافتها.

رأى البعض أن هذا الرأس يمثل الملك السلوقي الإسكندر بالاس، ورأى البعض الآخر أنه يمثل الملك ديميتريوس الأول الذي حكم قبله. في المقابل، قيل إن هذا الرأس يُمثل هيرقليس في شبابه، واستندت هذه القراءة إلى شواهد أثرية مشابهة خرجت من طرسوس في جنوب تركيا، وديلوس في الجزء الجنوبي من بحر إيجة، كما استندت إلى نقوش تصويرية ظهرت على قطع ما يُعرف بـ«العملات الصورية»، أي القطع المعدنية التي جرى سبكها قديماً في مدينة صور.

في الخلاصة، تبقى هذه القراءات المتعددة افتراضية، والأكيد أن الوجه الذي ظهر في قطعتين أثريتين من ميراث فيلكا يتبع فنياً الأسلوب اليوناني، ويمثّل شخصاً يصعب تحديد هويته بشكل قاطع في غياب أي عنصر تصويري يشكّل صفة خاصة به.