كيف أصبح «الذكاء الاصطناعي» هو «وادي عبقر» المبدعين؟

إلهام تكنولوجي يصفه آخرون بالسرقة الجماعية

 الكاتب الأميركي الشهير جيمس فراي
الكاتب الأميركي الشهير جيمس فراي
TT

كيف أصبح «الذكاء الاصطناعي» هو «وادي عبقر» المبدعين؟

 الكاتب الأميركي الشهير جيمس فراي
الكاتب الأميركي الشهير جيمس فراي

كانت المفاجأة كبيرة، حين أعلن حامل جائزة «نوبل» الأديب الصيني مو يان، قبل عدة أشهر أنه اضطر ذات لحظة للاستعانة بالذكاء الاصطناعي، لأنه عجز وارتجف أمام الورقة البيضاء. صحيح أن أحد أكبر أدباء الصين لم يستخدم التكنولوجيا لإكمال رواية، أو حلّ عقدة قصصية، لكنه اعترف أمام حشد غفير من الحاضرين في حفل تكريم صديقه الأديب يو هوا، أنه قضى أياماً وهو يحاول كتابة كلمة يلقيها في هذه المناسبة وفشل، ثم أصابه الخوف، فلجأ إلى أحد طلابه، ولقنا معاً «شات جي بي تي» معلومات عن الأديب المُكرّم، وحصلا على خطاب جميل بلهجة شكسبيرية. بهذا الاعتراف أوقع متوج «نوبل» نفسه في ورطتين، الأولى حين كشف عجزه، وهو الأديب الكبير، عن تسطير كلمات بحق صديق مقرّب فلجأ إلى آلة، والثانية أنه خرق القانون الصيني وحرّض تلميذه على ذلك، حين تحايلا للدخول على خدمة محظورة في الصين، وهو أمر يُحاسب عليه القانون.

ما اقترفه مو يان، مجرد مزحة، أمام ما بات يُرتكب كل يوم بحق الإبداع الأدبي. إذ يتبين أن ما نظنه سيحدث في المستقبل بات حاضراً منذ زمن ليس بقليل.

مئات الكتب المنشورة اليوم على «أمازون» مكتوبة بالذكاء الاصطناعي، أو بمعونته. بل ولدت منصات تتباهى بأنها تعلمك كيف تكتب نصوصك بالاتكاء على الذكاء الاصطناعي جزئياً، وربما بشكل كبير، وتنشرها وتحصل على تنويهات ومكافآت. هل سمعت عن «جيناريو» التطبيق الذي يعدك بأنه سيغير طريقتك في الكتابة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وسيجعلك كاتباً بتعليمك أفضل السبل للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، من أجل تحقيق طموحك الأدبي. بالطبع التطبيق ليس جمعية خيرية، بل هدفه تجاري بحت، إذ تشترك بمبلغ 19 يورو شهريا، وتتعلم كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي بدءاً من الفكرة وحتى الإنتاج والتغلب على قلق الصفحة الفارغة، وانتهاءً باختيار النصوص الأفضل.

يشرح التطبيق لرواده جدوى استخدام الذكاء الاصطناعي لأن بمقدوره أن «يقترح خيارات ذكية تتناسب مع أذواق وتفضيلات الجمهور المستهدف». وهو مزود بأعمال أعظم المؤلفين، يضعها في خدمة رواده ليستلهموا منها، كما يساعد على تحسين الجودة الفنية للعمل، ويتيح ميزة المرادفات الذكية، بحيث يمكنك العثور على مجموعة من الكلمات بنقرة واحدة.

الكتّاب سيجدون صعوبة كبرى، في التعفف عن الاستفادة من خدمات الذكاء الاصطناعي، التي يبدو أنها ثمينة، رغم أنها لا تزال ضحلة. وإذا كان الأديب الصيني - وفق اعترافه - طلب المساعدة لكتابة مجرد خطاب، فإن الكاتب الأميركي المعروف بمؤلفات الخيال العلمي جيمس فراي، قال صراحة قبل أيام، وبكثير من الفخر، إنه لا يدّخر وسيلة إلا ويستخدمها، ليخرج بأفضل نص ممكن. «بالنسبة لكتابي الجديد، أحتاج للوصول إلى كمية هائلة من البيانات الإحصائية والديموغرافية والتاريخية. كنت أستخدم (غوغل) أو أذهب إلى المكتبة مثل الكثير من الكتاب. لكن لا يوجد شيء يتمتع بالسرعة والكفاءة مثل الذكاء الاصطناعي، بقوته الهائلة».

يقول فراي الشيء وضده، يبرر لجوءه للذكاء الاصطناعي بأنه للحصول على المعلومات والبيانات التي يدمجها في نصه بأسلوبه الخاص؛ لأن توفير الوقت يجعله «أكثر كفاءة وأكثر ثقة». لكنه سرعان ما يستدرك «أيها القارئ، لن تتمكن من التفريق بين ما كتبته وما تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي. كما أنني لن أعطيك أي إشارة إلى ما كتبته وما أنتجه الذكاء الاصطناعي. أنا الكاتب الذي قرر ما هي الكلمات التي تظهر على صفحات هذا الكتاب. فرغم مساهمات الذكاء الاصطناعي ما زلت أعد كل كلمة في هذا الكتاب ملكاً لي، ولا يهمني إذا كنت تعتقد خلاف ذلك».

تشعر أنك بحاجة لأن تعتذر من فراي، لأنك قد تكون أسأت فهم نياته الحسنة، لكن ستتراجع حتماً حين تعرف أنه يتبجح باستخدام الذكاء الاصطناعي من جهة، ويشارك في الإضراب الكبير لكتاب هوليوود من جهة أخرى ضد استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يحل مكان المبدعين. فراي روائي وكاتب سيناريو، وعضو في نقابة الكتّاب الأميركيين، ويوافق زملاءه المضربين الرأي، ويشد على ساعدهم، «لأن الذكاء الاصطناعي مثل السيارة التي تحتاج إلى سائق، وهناك من يقودها أحسن من غيره. لكن كل هذا بحاجة لقوانين تنظيمية»، وهذا تحديداً ما يطالب به. كلمات فراي، تزيد إحساسك بالمراوغة، فمن ذا الذي سيجلس على رأس كل كاتب ليراقب من أين يأتي بكلماته، وكل رسام ليتأكد من شرعية عمله. فراي يقول صراحة بعد أن اختبر «شات جي بي تي»، وتأكد أنه قادر على كتابة نصوص بأسلوبه: «إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على إعادة إنتاج أسلوب الكاتب، فمن المحتمل أن تطلب منه الكتابة لك عندما لا يكون لديك الإلهام».

بالطبع، ما الذي يمنع، ما دام أن الحجة الأخلاقية جاهزة، والمانع القانوني وإن كان متوفرا، يصعب تطبيقه.

أمام هذا الواقع المربك، وجه ثمانية آلاف كاتب، رسالة احتجاجية مفتوحة إلى سلاطين التكنولوجيا، مثل مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان، وساتيا ناديلا، رافضين استغلال نصوصهم، ومطالبين بالحدّ من الضرر الذي يتعرضون له بوصفهم أصحاب مهنة أصبحوا من المستضعفين ولا يجدون من يحميهم.

وجل ما استطاع هؤلاء الكُتاب المطالبة به من الشركات هو الحصول على موافقة رسمية من المؤلفين الذين تُستخدم كتبهم لتدريب الخوارزميات، ودفع تعويضات مالية لهم.

الوضع المالي للكتاب حتى في أميركا يتدهور بشكل سريع، ووفق نقابة المؤلفين، أقدم وأكبر منظمة مهنية للكتاب في الأميركيتين، فقد انخفض دخل الكتّاب خلال العقد الماضي بنسبة 40 في المائة، أي قبل الذكاء الاصطناعي، فكيف يمكن تصور أن كاتباً شاباً أو أديباً مستقلاً يمكن أن يكمل حياته، بعد أن أصبحت الكتابة ملك من يجيد استنطاق الآلة، وقيادة دفة البيانات التي بين يديه.

من بين الموقّعين على الرسالة المفتوحة كُتاب مشاهير، مثل دان براون صاحب «شيفرة دافنشي» الأكثر مبيعاً، وسوزان كولينز مؤلفة سلسلة روايات «ألعاب الجوع»، والفيتنامي الأميركي، فييت ثانه نجوين، الحائز على جائزة «إدغار آلان بو» لأفضل رواية أولى، وجائزة «بوليتزر» للرواية، وغيرهم من المشاهير.

بالعودة إلى تطبيق «جيناريو» الذي يستحق وحده تحقيقاً منفرداً، فإن المؤسس المشارك فيه ديفيد ديفيندي، بمساعدة المهندس لويس مانهيس، أصبح لديهما أكثر من ألف مشترك، يطمحون أن يصبحوا كُتاباً محترفين.

ويدافع ديفيندي عن منصته، مُعداً أن «الذكاء الاصطناعي موجود ليقدم لك الاقتراحات والإرشادات، باعتباره الإلهام التكنولوجي الذي يساعدك على الإبداع، هو لن يكتب لك على الإطلاق، لكنه يعطيك أفكاراً». ويستخدم الذكاء الاصطناعي بعد ذلك لفهم كيفية بناء رواية، والصراعات بين الشخصيات، وعواطفهم، وتفاعلاتهم. كما يسمح لك بمقارنة فكرتك للنص مع أعمال أخرى قد تشبهك أو لا تشبهك، واتخاذ قرارات أفضل لبناء قصتك اليومية. إنه أمر يشبهه ديفيندي بالكتابة الجماعية، مع فارق كبير لا يعترف به، هو أن النص هذه المرة يسجل باسم شخص واحد، هو الذي يملك مهارة قطف كل الجهود التي سبقته بكبسة زر.

أما شريكه المهندس لويس مانهيس، فحجته أسوأ وأكثر فجاجة حين يستغرب كيف «أن الناس تسمي تأثر كاتب بمؤلفيه المفضلين إلهاماً، أما عندما يستلهم الكاتب عبر الذكاء الاصطناعي مجموعة هائلة من المؤلفين، نسمي ذلك سرقة أدبية».

هناك من ينادي اليوم، بوضع الأمور في نصابها الصحيح، ويطالبون المحتجين بالانفتاح، وفهم التطور، واستيعاب التغيرات، وأن نستفيد من الإمكانات التي يقدمها العلم. لكنّ الواقع أن الكتابة مثل مهن أخرى، تغرق في فوضى النقاشات، والاستباحات والضياع، بين ما يجوز وما يجب أن يحرّم ويجرّم.



متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
TT

متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

أكدت الأكاديمية السعودية، الدكتورة ميساء خواجا، أن الكتابة التاريخية لها حدودها ومداخلها وآلياتها التي تبنى على التوثيق والمطابقة، أما الكتابة الروائية فهي ذاكرة مفتوحة تقوم على التخييل، والغوص في مناطق قد لا يلتفت المؤرخ إليها أو لا يهتم بها.

وكانت الخواجا، تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية»، ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، أقيمت مساء أمس الخميس. وتحدثت عن طبيعة التعامل مع الشخصيات والمكان والزمان في الرواية التاريخية.

وأكدت الدكتورة الخواجا أن التاريخ – كما يرى أرسطو – يتعلق بالحقائق العامة لا بالجزئي والهامشي. من هنا يختلف حقل التأريخ عن حقل التخيل، من دون أن ينفيه. فالمؤرخ يهتم بصياغة المادة التاريخية بالاستناد إلى وقائع تاريخية محددة وربما قراءتها في إطار الحاضر. أمّا المتخيّل فيقدم مادة سردية ينجزها الروائي من خلال علاقة إبداعية مع أحداث الماضي بصفتها ممتدة في الزمان والمكان. (...) وفي ذلك يصير التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي، «ميتا نص» يعود إليه ويتحاور معه في كتابة قد لا تطابق المرجعية التاريخية، أو لا تكتفي بذكر وقائع التاريخ والحرص على مطابقتها، بل تبحث في طياته عن العبر المتناظرة بين الماضي والحاضر، وعن التماثلات الرمزية بينهما، فيتداخل التاريخ الحقيقي مع المتخيل التاريخي.

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة العمل بمعرض الرياض الدولي للكتاب

الرواية والتاريخ

وقالت الدكتورة الخواجا، إن عدداً من الدارسين التفتوا إلى وجود صلة ما بين الرواية والتاريخ على اختلاف بينهما، إذ يثير مصطلح «الرواية والتاريخ» عدداً من الإشكالات التي يقف في مطلعها الإشكال الأجناسي على اعتبار أن التاريخ خطاب نفعي يسرد الحقيقة في حين أن الرواية خطاب جمالي تخييلي في المقام الأول. والرواية التي هي «خطاب جمالي تقدم فيه الوظيف الإنشائية على الوظيفة المرجعية».

ورغم ربط التاريخ بفكرة النفعية وبفكرة الحقيقة وتناول ما هو حاصل عند عدد من الدارسين، فإن هناك عدداً آخر منهم يربط بين التاريخ والمتخيل، ويلتفت إلى ما يمكن تسميته «سردية التاريخ».

التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي أشارت أيضاً إلى أن التاريخ يرتبط في أذهان الكثيرين بالحقيقة في مقابل الخيال الذي تتسم به الرواية، لكن ذلك الربط يتعرض إلى شيء من التشويش عندما يمتلئ التاريخ بأخبار وحكايات قد تبدو متخيلة، لا سيما عندما يتناول الأزمنة السحيقة، وعندما تستند الرواية إلى التاريخ أي إلى ما هو حقيقي.

وتقول: بين التاريخ والرواية صلة ما خفية أو ظاهرة، ويمكن للباحث إقامة عدد من الصلات بينهما، وعلى رأسها أن كليهما خطاب في المقام الأول، ويلي ذلك أنهما خطاب سردي أو يمكن أن يوضع في خانة السرد.

وانطلاقاً مما سبق يمكن للباحث أن يقيم الصلة بين الرواية والتاريخ، وقد عدّ المؤرخ مارك بلوخ أن المؤرخ أقرب ما يكون إلى «روائي ملتزم» بنوع خاص من الحكي، يستمد حكاياته مما يحتمل وقوعه حقيقة، في مقابل روائي يستمدها مما يحتمل وقوعه مجرداً. وبهذا يكتفي المؤرخ بصناعة حكاياته، مستمداً شخوصها وزمانها وفضاءها من مصادر ووثائق تسجيلية، وأما حبكها فمتروك لمقدرة المؤرخ وحذقه على اعتبار أنه لا يصادف حزمة من الوقائع المتراصة في شكل خبر أو حكاية تعكس حدثاً سابقاً. وبذلك تتحقق للتاريخ سماته السردية المرتبطة بمحور الاختيار أولاً وبالحبك والصياغة ثانياً.

المرجعية والتاريخية

المحور الثاني، في ورشة العمل التي أقامتها الدكتورة ميساء الخواجا، حمل عنوان: الشخصية المرجعية والتاريخية، حيث أوضحت أن التاريخ والأدب خطابان سرديان، ويطالب الروائي في الرواية التاريخية بأن ينزل الشخصيات والأحداث في إطار المشاكلة وليس مجرد المطابقة، وبذلك يتيح للقارئ أن يدرك أسباب ما وقع ماضياً وما يترتب عليه من نتائج، لكنه يحتاج أيضاً إلى الأمانة التاريخية وإلى الخضوع لمقتضيات الفن الروائي من قبيل نمط القص والتبئير على شخصية أو أكثر، وإدراج العناصر في منظور واحد مما يحقق للرواية التاريخية شرط الانسجام الداخلي.

وقالت إن المؤرخ يسعى إلى بناء صورة متماسكة ذات معنى وبناء دال للأشياء كما كانت واقعياً، والوقائع كما حدثت فعلاً، أي وضع السرد التاريخي في الزمان والمكان المطابقين، وجعل فكرة الماضي تتفق مع الوثائق، كما هي حالتها المعروفة، أو كما كشف المؤرخون النقاب عنها. الروائي يضعها في إطار الحدث والزمان المتخيلين، غير منضبط بوجود ثابت ومحدد بصورة نهائية، ويعيد تشكيل الأحداث والشخصيات بآلة التخييل وفق منطق اتساق الأحداث ومكوناتها.

ويمكن أن تضمر الأحداث في بعض الروايات التاريخية وتأتي فقط خلفية لتفسر سلوك الشخصيات ومواقفها (مثلاً ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور، الباغ لبشرى خلفان)، ويمكن أن تأتي الشخصية التاريخية لتقوم بدور مرجعي يسند الأحداث والشخصيات المتخيلة ويؤطرها ويوحي بمنطلقاتها ونتائجها.

وأوضحت أنه يمكن للرواية التاريخية أن تزاوج بين الشخصيات التاريخية والشخصيات المتخيلة، ويمكن استحضار شخصيات تاريخية لتساهم في الفعل وفي تحريك المتخيل، أو يخلق الكاتب شخصيات متخيلة من وحي الشخصيات التاريخية لتقوم بعبء حمل المتخيل والتاريخي في الوقت نفسه. كما يمكن أن يسند الروائي أعمالاً غير تاريخية إلى الشخصيات التاريخية، وأعمالاً تاريخية للشخصيات المتخيلة.

ركزّت ورشة عمل على دور التاريخ في الكتابة الروائية

التاريخ والهوية السردية

حمل المحور الثالث عنوان: وظيفة التاريخ وبناء الهوية السردية، وقالت الخواجا إن ما يفعله الروائي في كتابة الرواية التاريخية أن يستحضر روح العصر الذي اختاره لزمن حكايته، وما يهمه ليس ما حدث في ذلك العصر لكن كيف أثر ذلك على ثقافة الناس وحياتهم الاجتماعية التي تمثلها شخصياته، وكيف أثرت الأحداث التاريخية المفصلية على تلك الشخصيات. أي أنه يسعى إلى دفع الظروف التاريخية إلى خلق وضع وجودي جديد للشخصيات يمكّن من فهم التاريخ في حد ذاته وتحليله بوصفه وضعاً إنسانياً ذا مدلول وجودي كي لا يتحول الروائي إلى مؤرخ.

وقالت: يبني الكاتب شخصياته (تاريخية أو متخيلة) ويصنع لها «هوية سردية»، تتطور وتخضع للتحولات، فلا نكاد نجد شخصية روائية مكتملة البناء، بل تنمو وتتطور هويتها وتتكشف تدريجياً، وقد لا تكتمل مع اكتمال الرواية فيلعب الخيال دوراً حاسماً في بلورة صورتها. إن الهوية ضمن الخطاب السردي هي تخييل، وهي ما نتخيله وليست مجرد ما نسترجعه. وما نراه في الرواية عامة والرواية التاريخية هو بناء هوية سردية أي عبارة قصة حياة الشخص الداخلية والمتطورة التي تدمج الماضي المعاد بناؤه والمستقبل المتخيل لتزويد الحياة ببعض الإحساس بالوحدة والهدف.