فرج سليمان لـ«الشرق الأوسط»: بيروت حلم يتحقق و«حاسس أني بطير»

يؤكد أنه تأثر بموسيقى زياد الرحباني

يرى في زياد الرحباني المرجع الوحيد لاستخدام البيانو في الموسيقى العربية  (فيسبوك فرج سليمان)
يرى في زياد الرحباني المرجع الوحيد لاستخدام البيانو في الموسيقى العربية (فيسبوك فرج سليمان)
TT

فرج سليمان لـ«الشرق الأوسط»: بيروت حلم يتحقق و«حاسس أني بطير»

يرى في زياد الرحباني المرجع الوحيد لاستخدام البيانو في الموسيقى العربية  (فيسبوك فرج سليمان)
يرى في زياد الرحباني المرجع الوحيد لاستخدام البيانو في الموسيقى العربية (فيسبوك فرج سليمان)

«أنا طاير مش قادر أستنى لقاء الجمهور اللبناني». بهذه الكلمات يعبر الفنان الفلسطيني فرج سليمان عن فرحته بإحيائه أول حفل غنائي له في بيروت. وفي لقاء أجرته معه «الشرق الأوسط» رأى أن هذه المحطة له في العاصمة اللبنانية هي بمثابة حلم وتحقق. ويتابع: «إنها واحدة من أهم المراحل في حياتي خصوصاً بعد اكتشافي جمهوراً عريضاً يتابعني في لبنان. ما زلت حتى الساعة لا أستوعب هذا الحلم».

في مشهد من كليب أغنية جديدة صورها في بيروت (فيسبوك فرج سليمان)

ويحيي فرج سليمان حفله مساء الجمعة 25 أغسطس (آب) في «بي أو» في أنطلياس. ويؤكد أنه تفاجأ بنفاد بطاقات حفله بسرعة، إذ لم يكن يتوقع ذلك. وعما إذا سيخص الجمهور اللبناني بأغنية معينة يرد: «مروري في بيروت يأتي من ضمن جولة فنية أقوم بها هذه السنة ستطال دولاً عربية وأجنبية. ويكفيني الالتقاء بهذا الجمهور من خلال باقة أغان منوعة. فقد اخترت لحفلي هنا بهذه المناسبة مجموعة أغنيات من ألبومات سابقة وحديثة. فعدّلت على برنامجي الغنائي المتبع في الجولة ككل ومن بينها طبعاً أغانٍ من ألبوم (أحلى من برلين). كما سأقدم مجموعة مقطوعات موسيقية منوعة تشمل الجاز والـ(Instrumental) وغيرها. فهي من دون شك ستكون أمسية جميلة وليلة من العمر».

تشغل أغاني فرج سليمان سامعها بحيث تدخل قلبه بسرعة بألحانها. وتجيب بكلامها على أسئلة كثيرة يطرحها على نفسه. فهي بمثابة قصص من حياة مجتمعاتنا العربية تترك بأثرها الإيجابي عند الناس. فكيف يصنع هذه الثنائية الناجحة بينه وبين كاتب أغنياته؟ «في البدايات وأعني مع ألبوم (البيت التاني) اشتغلت مع مجموعة كتاب. ولكني في الفترة الأخيرة شكلت مع الكاتب مجد كيال ثنائية جديدة. فصداقتنا قديمة وتعود إلى سنوات خلت. كما أن هناك تشابهاً بنظرتنا لأمور سياسية وفنية واجتماعية وغيرها. وهو ما شجعني للتعاون معه بشكل كبير. ومجد بالأساس كاتب روائي وهو أيضاً ما حفزني للتعاون معه وتركيب المواد الفنية معاً».

وهل تلقنه الموضوعات التي ترغب في تناولها؟ يرد: «لا أبداً بل يعرض علي النصوص وأقوم بترجمتها بألحاني. أحياناً نقوم بتعديلات صغيرة تتعلق باللحن أو الكلام، فنتشاور ونتناقش إلى حين الوصول إلى قناعات تجمعنا. وفي ألبوم (أحلى من برلين) قدمت لي مجموعة نصوص. وبمرحلة ما فهمت أنها مجتمعة تشكل مادة تحكي عن مدينة من بلدنا. ولم يكن لدينا الاتجاه للكتابة عن حيفا أو عن بلدنا فلسطين بالتحديد. فهذا الموضوع ولد عندنا مع الوقت، وبعدما نفذنا نحو 4 أو 5 أغنيات. فهو يكتب براحته وأنا ألحن، وأفهم مرات أن الكلام يذهب إلى أماكن معينة. وهو ما يدفعني إلى التعديل مرات بالموسيقى. ولكننا سوا نبني العمل الفني الذي أرغب في إصداره».

فرج سليمان خلال لقائنا به في «أو بيروت» (فيسبوك فرج سليمان)

المعروف أن فرج تتلمذ على يد خاله الفنان يوسف باسيلا. فكان أستاذه الأول الذي أمسك بيده وعلمه حب الموسيقى منذ كان في الثالثة من عمره. ويعلق فرج سليمان: «أفرح لذكره فهو من طبع عندي حب الموسيقى. كان يعطيني دروساً في العزف على آلة الأورغ. ومعه وصلت إلى دروس متقدمة في هذا المجال». وعن أول لحن عزفه معه يتذكر: «أول الألحان التي علمني إياها هي (النهر الخالد) للراحل محمد عبد الوهاب. لم يدم هذا الأمر طويلاً، حتى أني لم أكن أستوعب ما أقوم به. وكنت أغار من باقي الأولاد الذين يمضون وقتهم باللعب فيما أنا أدرس الموسيقى مع خالي. ولكن عندما كبرت أدركت أنه كان أستاذ عزف محترفاً ويتمتع بصبر طويل. والمواد التي علمني إياها سمحت لي بإكمال مشواري براحة كبيرة، لأنها تشكل ركيزة مهمة في عالم الموسيقى».

ومن ناحية ثانية، يعترف فرج سليمان بأنه تأثر كثيراً بموسيقى زياد الرحباني. «طبعاً تأثرت به وهو من الأشخاص الذين درست موسيقاهم وغصت بأسلوبه في العزف على البيانو. وبرأيي من يرغب في التعرف على كيفية استخدام عزف البيانو في الموسيقى الشرقية فزياد الرحباني يشكل المرجع الأوحد بين الموسيقيين اليوم. لقد كان أكثر الموسيقيين الذين تعاملوا مع البيانو في الموسيقى العربية بجدية».

ويعرب سليمان عن تمنيه لقاء زياد الرحباني يوماً ما خصوصاً أنه تأثر بتنوع موسيقاه «إنها لا تشبه موسيقى أحد غيره، إن بالمقطوعات أو بالأغاني والموسيقى التصويرية، فاتبعت طريقه كي لا أبقى واقفاً في مكان واحد، وهذا الأمر على فكرة ممتع جداً ومسل».

ويذكر أن فرج سليمان وضع الموسيقى التصويرية لأفلام سينمائية قصيرة وأخرى روائية. ومن بينها «علم» لفراس خوري و«200 متر» لأمين نايفة.

استغل فرج سليمان فرصة وجوده في لبنان وصور كليباً لأغنية يتضمنه ألبومه الأخير. «لن أفصح عن اسم الأغنية ولكني كنت سعيداً بتصويره في بيروت بإدارة المخرج فايز بو خاطر. وقد مثلت دور سائق تاكسي فاستمتعت بالتصوير. كما أحضر لألبوم يتألف من موسيقى الجاز. ومن المتوقع أن يرى النور في شهر سبتمبر المقبل».


مقالات ذات صلة

«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

يوميات الشرق لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)

«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

حين غنّى آندي ويليامز «إنه أروع أوقات السنة»، صَدَق؛ وهذه الروعة تتجلّى بتعميم الجمال. فالفريق ذلَّل الصعاب، ولـ9 أشهر واصل التحضير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

800 مليون دولار و32 جائزة «غرامي» ومسيرةٌ صنعت فيها نفسها بنفسها. مواصفاتٌ كانت كافية لتضع بيونسيه في المرتبة 35 من بين أقوى نساء العالم وفق تصنيف مجلة «فوربس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الفنان علي الحجار وأغانٍ متنوعة في حفل له بالأوبرا (دار الأوبرا المصرية)

الحجار يستعيد وهج «تترات المسلسلات» بالأوبرا المصرية

قدّم الفنان المصري علي الحجار مجموعة من شارات الأعمال الدرامية التي غنّاها من قبل، في حفل احتضنه المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، الخميس.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في دور ماريا كالاس (أ.ب)

أنجلينا جولي تتحدث عن «عدم أخذها على محمل الجد» كفنانة... ما القصة؟

كشفت النجمة الأميركية، أنجلينا جولي، أنها لم تؤخذ على محمل الجد كفنانة، لأن التركيز كان على مكانتها كشخصية مشهورة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

القصيدة التي تكتبُها الحرب

القصيدة التي تكتبُها الحرب
TT

القصيدة التي تكتبُها الحرب

القصيدة التي تكتبُها الحرب

مثّلت شِعرية الحرب مدخلاً رئيسياً للكتابة المتزامنة مع تراجيديا الحدث الواقعي عند عدد مهم من الشعراء العرب المعاصرين. فقد شكَّل هذا الاتجاه الفني في الشعر حالة كتابية مميزة تراوح بين الوصف والامتداد الفلسفي والسيكولوجي للغة الشعرية وطاقتها الحية مجازاً ودلالة. إنها كتابة شعرية بقصائد وأشكال مختلفة، وحساسيات متقابلة، لكنها جميعها تقرأ سيرة الحرب بنفَسٍ متجاوِزٍ يبتعد عن إسهاب السرد لمصلحة الحالة القلقة في الكتابة. وبالوقوف عند نخبة منتقاة من هذه القصائد، نجد أنها انحازت في مجملها للرؤية الإنسانية التي ترى في الحرب جزءاً يسيراً من درامية هذا العالم الملتبس. كما أنها حاولت النظر إلى تفاصيل الحياة في لحظة الحرب بوصفها هوامش صغيرة ودالّة، بحيث تتكثف عناصرها الإيحائية وتتكتل على نحو درامي يختزل المشهد العام من خلال ثنائية الصراع والوجود.

وخلافاً لما كان عليه الحال في العصور المبكرة للشعر العربي، حين كانت معظم قصائد «الوغى» محمّلة بنفس الغنائية التي ترى في الحرب مفتتحاً نصيّاً لحالات الزهو والحماس والفخر، فإن الحرب لدى الشعراء المعاصرين شكلت نقطة تحول حاسمة على مستوى الموقف. ابتعد الكلام الشعري عن الأسلوب الممجد للقتال، مما جعل القصيدة العربية الحديثة تعيد النظر في مفاهيم المواجهة والشجاعة والفروسية والبأس، منفتحة بالأحرى على قراءات تأويلية أكثر هشاشة وأكثر واقعية أيضاً.

لقد أخذ الشعر العربي منذ أواسط القرن العشرين وصولاً إلى اللحظة الراهنة من الكتابة موقفاً آخر يناوئ فيه كل مرادفات الخراب بشتى أشكاله ومسبباته ودوافعه آيديولوجية كانت أو عقائدية. لذا تبدو النصوص الشعرية الحديثة في خضم وصفها للاحتراب أقرب إلى المرثيات منها إلى قصائد الموقف، رغم الاختلاف التعبيري الذي يفرضه موقع الإنسان العربي داخل مشهد المأساة. مشهدٌ غالباً ما كانت الأرض العربية ساحته الأولى. هكذا وجد الشعر العربي نفسه يبتعد شيئاً فشيئاً عن الغنائية الحماسية والبكائيات الطويلة، وعن المنبرية التي تقتل صفاءَ الهمس في الشعر والفن عموماً. لقد أصبحت القصيدة تستحضر رمزية الحرب في الوجود بوصفها تعبيراً فنياً عن حالات محددة من الصراع الإنساني الذي يلبس ثوب العنف مخلفاً وراءه ندوباً قاسية ومضاعفات حضارية أكثر خطورة.

«أبصرُ شمساً محطّمة وقُرى تمّحي

وقلباً يُرفرفُ كالرّاية المظلمة

وأرى الشيءَ يمشي إلى عكْسهِ، الضدَّ يمشي إلى ضدّهِ

وأرى كيف تكون الأكُفُّ محاربة والأصابِعُ مُستسلمة»

بهذه الصور الوصفية يرسم الشاعر اللبناني شوقي بزيع لوحة الحرب التي قد تكون ألوانها الشاحبة بقية من كلامٍ كثير قاله «الرجل الذي لم يمت في الحرب الأخيرة». إن أبرز ما تشير إليه الجمل الشعرية في هذا المقطع هو التناقض في حركة الواقع الدموي للحرب، واللامنطقية الحادّة التي تحيط بتفاصيل الحدث بين الفعل وضده. يحدث هذا الأمر كثيراً في عالمنا اليوم، فاليد القابضة على الزناد تواجه أصابعها المستسلمة أو أصابع الآخر الخصم المستسلمة. هذا الملمح الشعري في قصيدة بزيع يمكن أن يكون تعبيراً مناسباً في جزء من معناه الدلالي عن بدايات الحرب الأهلية في لبنان، والتي جعلت اليد الوطنية الواحدة منقسمة على نفسها ودفعت بالشيء إلى أن يصبح ضده في كثير من الأحيان. ولعل هذه الأسطر الشعرية تصبح ذات دلالة ممتدة في الزمن حين نستحضر واقع لبنان الآن.

إن الشعرية العربية ما زالت تقرأ سيرة الواقع الدموي لدوائر الحرب الكثيرة، لكن بصيغ جديدة لا ترى في لحظة الاحتراب مجرد ظرف زمني تتراكم فيه المأساة، بل حالة وجودية تتفاعل فيها الطبيعة مع نبضات الإنسان الخائف والمُضحّي وغير المتصالح مع قدره... هكذا تنضج في جسد القصيدة ألوان غير مرئية تعبّر بحساسية عالية عن التضامن الكوني مع الضحايا، وعن مقدرة اللغة الخارقة في الشعر على إنصاف الإنسان المنتمي لجغرافيا الحرب. وبالمحصلة، من خلال هذا التمثل الافتراضي للمُتخيَّل الدرامي ينبعث شيء من النفَس الرومانسي في الشعر، فتبدو الطبيعة والكون أقرب إلى معانقة الإنسان الضحية والانتصار لمظلوميته.

يقول الشاعر المغربي محمد بنيس في مقطع مُجتزأ من قصيدته «أرضٌ بدماءٍ كثيرة»:

«الأرْضُ هنا تتذكّرُ قتْلاهَا

وتسيرُ بهمْ من حُلم الأرْضِ إلى أرْضِ الحُلمِ، مُزيّنة برمُوزِ العْودة

صرْختُهم أبْعدُ من ليْل الموْتِ، طيورٌ تحْملُهمْ

فانْزعْ عنهُمْ يا صمْتُ بُرودة وحْدتِهمْ

واتْرُكْ في أقصى الدمْعة ورْدتَهُمْ تنْمو

وزّعْ نجَماتِ البحْرِ عليْهمْ واسْهرْ قُربَ الأمْواجِ لكي لا يسْرقهَا أحدٌ

بجَناحيْكَ احْضُنْهمْ في أُفُقٍ يتجدّدُ، واجْعلْ منْ صرْختِهِمْ ظلاًّ يمْشي

ويوسّعُ شوقَ الأرْضِ إلى أبناءِ الأرْضْ»

على هذا المستوى من خيال اللغة وضمن ما تسمح به طاقة المجاز من اقتراحات، يمكن أن يساهم الكون في رسم عالم موازٍ للبشر المستضعفين داخل جغرافيا الحرب. وحين يتأمل المتابع لمأساة الإنسان الفلسطيني في غزة ولاقتراحات المجازية التي ترسم أفق الخلاص من تراجيديا الحرب، يجد فيها شيئاً من المنطقية. فالخارق الطبيعي هو على الأرجح من يمكنه أن يتعاطف بشكل مُجدٍ مع الضحايا على نحو يجعلهم أحسن حالاً وأقل عذاباً وأقربَ إلى لحظة الانتصار الرمزي على الأقل.

وعلى نفس هذا الإيقاع الرومانسي تعزف القصائد الحالمة سيمفونية المحبة التي يتفق عليها الفن كونياً. هكذا، يمكن أن يُشهِر الإنسان المحاصر بأسوار الحرب الشاهقة سلاح المحبة في وجه العالم، مقاوماً بذلك مأساوية واقعه الصعب. على هذا النحو، يمكن أن يكون العشق نوعاً من أنواع المقاومة الحديثة أو تعريفاً معاصراً للشجاعة في سياق الحرب.

يقول الشاعر السوري ياسر الأطرش في قصيدته «نحِبُّ ما دُمنا نعيش»:

«سنحبُّ ما دمنا نعيشْ

ونعيش ما دمنا نُحبُّ

وأنا أحبكِ حين كان البحر مجتمعاً، وحين انشقّتِ الأنهارُ عنّي

وأنا أحبكِ حين يضحك ياسمينٌ في دمشقَ،

وحين تهطل فوق بغداد القنابلْ

بغداد منكِ وأنتِ مِنّي، فلنحاولْ أن نُغنّي

كي يظلَّ غناؤنا معنا يقاتل»

إن المشهد العام للحرب يوحي ضمن الإطار الكلاسيكي بالحاجة إلى المحبة بديلاً للصراع المفضي في النهاية إلى الاحتراب. لكن أن يكون العشق تحت زخات القنابل، فهو اقتراح شِعري مُوحٍ بالدلالة ومشجع على فهم جديد للحياة في الحرب كما يتخيلها الفن، لا سيما حين يحدث كل هذا وسط عواصم يجتاح القتل دروبها وتتعايش فيها الشوارع مع الانفجارات بين لحظة وأخرى.

لكن من جانب آخر، يُطرح سؤال مُربِك عن مدى قدرة القلب عاطفياً ووجدانياً على خوض هذا النوع من التجارب في مقارعة الحرب بالحب. ذلك أن الحرب لا تلقي بوقعها المدمر على مورفولوجيا المدُن والأحياء والشوارع فحسب، بل تتوغل عميقاً داخل خوالج الذات الإنسانية فتجعلها ركاماً من الأحاسيس المهشمة والمتناقضة وغير الواعية أحياناً. وحين تطول الحرب وتتشعب مسالكها دون مسارات محددة تصبح هذه الذات عاجزة حتى عن الوصول إلى آفاق اللغة التي تحلم بالشعر قبل الحب وقبل السلام.

تصف الشاعرة الكويتية سعاد الصباح شيئاً من هذا التبعثر الوجداني وهذا الإخفاق الفني في قصيدتها «القصيدة السوداء» حين تقول:

«كم غيّرتْني الحربُ يا صديقي

كم غيّرَتْ طبيعتي وغيّرتْ أُنوثَتي، وبعثرَتْ في داخلي الأشياءْ

فلا الحوارُ ممكنٌ، ولا الصُّراخُ ممكنٌ، ولا الجنونُ ممكنٌ

فنحنُ محبوسانِ في قارورة البكاءْ

ما عدتُ بعد الحربِ، أدري من أنا؟»

إن فقدان قدرة الشاعر على إدراك الجزء الذهني والعاطفي من كيانه في خضم صدمته بمجريات الحرب وأهوالها، سيفضي به في النهاية إلى حالة أخرى من عدم الفهم، أو بالأحرى التساؤل المزمن دون أملٍ بامتلاك أجوبة. هكذا يسقط الشاعر في شرَك استفهام تراجيدي يجعل قصيدته تحاكم العالم على عبثية حربه وعدوانيتها، وتسائل الإنسان داخل الوطن الواحد عن جدوى هذه الحرب.

يقول الشاعر العراقي عماد جبار:

«ما الذي نَجني من الحربِ،

سِوى ما يجعلُ الأطفالَ مَرمِيينَ في كُل تقاطُعْ

يغسلونَ العرباتْ

ويبيعونَ السّجائرْ

ويُذِلّونَ كثيراً كبرياءَ العيشِ في ضجّة شارعْ

فالإطاراتُ تدوسُ القلبَ والعُمرَ وأغصانَ المشاعرْ

ما الذي نَجني من الحربِ سوى أن يَقتُلَ الشّاعرُ شاعرْ

وسوى أنْ يفقدَ الحبّة طائِرْ».

* كاتب وشاعر مغربي