«بيت الحكمة» الصيني يطلق مشروعاً لنشر مؤلفات عربية

تتضمن أعمالاً لكتاب وباحثين من السعودية والعراق ومصر

«بيت الحكمة» الصيني يطلق مشروعاً لنشر مؤلفات عربية
TT

«بيت الحكمة» الصيني يطلق مشروعاً لنشر مؤلفات عربية

«بيت الحكمة» الصيني يطلق مشروعاً لنشر مؤلفات عربية

بدأ «بيت الحكمة للثقافة» الصيني الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، مشروعاً جديداً بعنوان «أفق»، يهدف إلى إنشاء نافذة جديدة لنشر الأفكار الثقافية والفكرية والنقدية، «وفق منظور جديد، يستوعب دوائر الفكر العربي الجديد والجاد، ويسعى لخلق مناخ يفتح أبواباً جديدة للرؤى الفكرية والنقدية التي تتواءم مع مستجدات العصر».

وأصدر «بيت الحكمة» ضمن باكورة المشروع، ثلاثة مؤلفات: الأول بعنوان «مفهوم العامة: الجلي والخفي» للناقد السعودي الدكتور معجب العدواني، أستاذ النقد والنظرية بجامعة الملك سعود، ويناقش الكتاب مفهوم «العامّة» في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، وغيرها من الحضارات، كاشفاً من خلال ذلك الأنساق التي تتحكم في إبراز هذا المفهوم ثقافيّاً؛ حيث لم تشهد الحضارات اهتماماً بالعامّة وثقافاتهم قدر اهتمام العصر الحاضر بذلك. ويعود هذا إلى عاملين رئيسين: تهافت النخب في مستوياتها كافّة، وبزوغ شمس العامة.

أما الكتاب الثاني فيأتي بعنوان «سرديات الانتهاك في الرواية العراقية» للكاتب والناقد العراقي علي حسن الفواز، ويتناول خلال فصوله الرواية العراقية كأفق للمناقشة، من أجل الكشف عن مدى تمثليها للأفكار، بوصفها جوهر الممارسات الثقافية التي تختزن كثيراً من جذور الصراع بمفهومه الأنثروبولوجي، وبتمثلاته السياسية والاجتماعية والآيديولوجية، لتشييد أطر مفهومية لفرضيات الخطاب المتعالي، وعلى نحوٍ يقترن بوقائع سياسية معقدة، وجدت فيها الرواية مجالها للتعبير عن الواقع المنتهَك، والمثقف المأزوم.

ويفسر الكتاب الثالث «النقد الثقافي: نحو منهجية التحليل الثقافي للأدب» وهو من تأليف الدكتور محمد إبراهيم عبد العال، مدرس النقد الأدبي الحديث بكلية الآداب، جامعة المنوفية، كيف أسهمت الأنساق الثقافية في بناء جماليات النص الأدبي، ويطرح فرضية أن أدبية أي نص تتأسس على قدر ما يقدمه من جمالياته الخاصة، بالإضافة إلى جماليات نوعه الأدبي الذي ينتمي إليه، فضلاً عن أنه نصٌّ مُغرق في تكثيفه للأنساق الثقافية، على قاعدة الارتباط بين اللغة التي هي أداة الأدب، والثقافة التي هي محتوى كل لغة.

يقول الدكتور أحمد السعيد، المؤسس والمدير التنفيذي لـ«بيت الحكمة»، إن «مشروع (أفق) سوف يكون بؤرة لجمع الأفكار الجديدة، وحاضناً لجيل جديد من المفكرين العرب، فعن طريقه يمكن نشر أفكار من شأنها دفع المشهد الثقافي العربي، وتحريك سواكنه، والإسهام في ذلك المشهد بما يمكن أن يؤسس لعصر جديد من الثقافة العربية المنفتحة على الآخر، والقادرة على صنع مقولاتها الخاصة، دون انفصال عما يحدث في العالم».

وظهر «بيت الحكمة للثقافة والإعلام والترجمة الصيني» إلى ساحة النشر العربية، بشراكة مصرية صينية، عام 2011. ويسعى الدكتور السعيد إلى جعله منصة للتعاون الثقافي الصيني العربي، في مجالات النشر والترجمة، وتبادل حقوقها بين الصين والدول العربية، وإنتاج أفلام الرسوم المتحركة والبرامج الوثائقية، وإنشاء بنوك المعلومات الرقمية العربية، وتجارة الكتب الإلكترونية، وتحويل المحتوى المطبوع لمحتوى رقمي.

وذكر مستشار التحرير لمشروع «أفق»، الناقد والأكاديمي، الدكتور هيثم الحاج علي، أن المشروع يسعى لدعم الاتجاهات الجديدة في الفكر العربي، عن طريق نشر مؤلفات أبناء الجيل الثاني من المفكرين والأكاديميين، وإنشاء مكتبة فكرية ثقافية عربية بتوجه لا ينفصل عن مستجدات العالم، تضم الفلسفة والفكر وعلوم الاجتماع وعلم النفس والنقد والأدب والدراسات الثقافية والدينية والميثولوجيا والإثنولوجيا، وغيرها، وهو ما يدعو للاهتمام بإنتاج ما يمكن اعتباره الآن جيل الوسط، بغية التركيز على وجود نافذة عربية جديدة، تولي المتلقي العربي المختص والمهتم والمثقف اهتمامها الأول.

أما محمد ماهر بسيوني، مدير مشروع «أفق»، فيقول إن «الثقافة العربية تواجه كثيراً من التحديات التي تتطلب تضافر الجهود لتحقيق التوازن بين الانتماء إلى التراث وعدم القطيعة معه، وبين التطلع نحو المستقبل دون قيود تفرضها تيارات لها حضورها المُعوِّق داخل بنية الفكر العربي



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.