أعمال فنية سعودية في معرض «بينالسور» بالأرجنتين

يُقام تحت عنوان «غرباء في القصر»... ويعرض أعمالاً إبداعية لأكثر من 400 فنان من 27 دولة

مشاركان سعوديان في معرض «بينالسور»
مشاركان سعوديان في معرض «بينالسور»
TT

أعمال فنية سعودية في معرض «بينالسور» بالأرجنتين

مشاركان سعوديان في معرض «بينالسور»
مشاركان سعوديان في معرض «بينالسور»

شاركت وزارة الثقافة السعودية في افتتاح معرض بينالي الجنوب الدولي للفن المعاصر «بينالسور» في المتحف الوطني للفنون الزخرفية في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، الذي يقام حالياً تحت عنوان «غرباء في القصر».

يشارك وفدٌ من وزارة الثقافة السعودية في المعرض، بحضور مسؤول الشؤون الثقافية في سفارة المملكة لدى الأرجنتين خالد بن إبراهيم اللهيب، والمدير العام لمعرض «بينالسور» أنيبال خُزامي، والمديرة الفنية والقيّمة على المعرض ديانا وشلر، إلى جانب عدد من الفنانين السعوديين والعالميين.

تتضمّن هذه النسخة من بينالسور، التي انطلقت يوم الجمعة الماضي في بوينس آيرس، أعمالاً إبداعية لأكثر من 400 فنان من 27 جنسية، من بينهم 10 فنانين من المملكة، هم الدكتورة زهرة الغامدي، وسارة عبدو، وحمود العطاوي، وسعد الهويدي، وحاتم الأحمد، وسعيد قمحاوي، وسعيد جبعان، وتسنيم سلطان، ومعاذ العوفي، وشهد يوسف.

وأشادت المديرة الفنية مديرة المعرض، ديانا وشلر، خلال الافتتاح، بمشاركة السعودية، وقالت: «لعبت المملكة دوراً رائداً، إذ كانت الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، التي انضمت إلى شبكة بينالسور»، وأضافت: «بالنسبة لـ(بينالسور)، فإنّ العمل مع فنانين من المملكة يُمثّل فرصة رائعة لاختبار التنوّع، والتعددية الثقافية، والتبادل الإنساني».

وقالت إن عنوان المعرض حمل عنوان «غرباء في القصر»، فيما يُشير «إلى التباين بين الطبيعة المعاصرة للأعمال الفنية التي يقدمها الفنانون، وطبيعة المكان الذي يستضيفها، إذ إنّ المتحف الوطني للفنون الزخرفية موجود في قصرٍ تاريخي يزخر بمقتنياتٍ وأعمالٍ فنية تاريخية وكلاسيكية».

وأضافت: «معرض (غرباء في القصر) يثير حواراً غير متوقع بين الفن الكلاسيكي والفن المعاصر، كما أنه يعزز الحوار بين الثقافات».

وبينالسور هو بينالي للفنّ المعاصر متعدّد الأقطاب، حيث يمثّل شبكة من التعاون بين المتاحف والمراكز الثقافيّة، والجامعات في جميع أنحاء العالم، انطلاقاً من أميركا الجنوبيّة، وبتوجّهٍ إبداعي مفاهيمي حُرّ، يدعو إلى إعادة التفكير في المنطلقات الأساسية، سعياً إلى الإسهام في خلق منطق جديد للتداول الفنّيّ والاجتماعيّ على المستويين المحلّيّ والعالميّ. ويتنقّل المعرض حول العالم عبر شبكته الممتدة من جامعة تريس دي فيبريرو الوطنيّة، في بوينس آيرس، إلى جامعة الفنون الجميلة في طوكيو اليابانية. وستكون المملكة إحدى المحطات الدولية التي سيتوقف عندها بينالسور خلال فترة تنظيمه من يوليو (تموز) إلى ديسمبر (كانون الأول) 2023، ضمن أكثر من 170 موقعاً في 70 مدينةً منتشرة في 27 دولة، بمشاركة أكثر من 400 فنان.

جانب من المشاركة السعودية في معرض «بينالسور» بالأرجنتين

وستكون هذه الاستضافة الثالثة لـ«بينالسور» من قبل وزارة الثقافة، بعد أن كانت المملكة أوّل دولة في منطقة الشرق الأوسط تستضيف المعرض عام 2019 في المتحف الوطني في الرياض، وفي حي جاكس بالرياض، وفي قصر خزام في جدة، بمشاركة 5 فنانين سعوديين عام 2021.

وتأتي استضافة هذا المعرض في ظلّ حرص وزارة الثقافة على توفير منصات إبداعية راقية لمتذوقي الفنون في المملكة، وخلق فرص التواصل بين المبدعين السعوديين، ونظرائهم في العالم، وتمكينهم ودعمهم للوصول إلى المنصات الدولية المهمة، فضلاً عن تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهدافها الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيقها تحت مظلة رؤية السعودية 2030.

مشاركون من الفنانين السعوديين والأرجنتينيين في معرض «بينالسور»



حجر آدم شاهداً ودليلاً

ختمان من موقع رأس الجنز وحجر من موقع آدم
ختمان من موقع رأس الجنز وحجر من موقع آدم
TT

حجر آدم شاهداً ودليلاً

ختمان من موقع رأس الجنز وحجر من موقع آدم
ختمان من موقع رأس الجنز وحجر من موقع آدم

تتحدّث النصوص المسمارية السومرية عن بلاد ماجان الغنية بـ«النحاس الجبار»، غير أنها لا تذكر موقعها بدقة، مما جعل تحديد هذا الموقع موضع سجال بين المختصين في النصف الأول من القرن الماضي. تواصل هذا السجال في العقود التالية، وأوضحت الأبحاث الآثارية المتواصلة في الخليج العربي خلال العقود الأخيرة أن اسم ماجان يشير إلى إقليم عُمان في جنوب شبه الجزيرة العربية بشكل عام، وإلى شمال سلطنة عُمان وأراضٍ واسعة من الإمارات العربية المتحدة بالتحديد.

يحضر اسم ماجان في نصوص مسمارية سومرية من بلاد ما بين النهرين تعود إلى القرون الأخيرة من الألفية الثالثة قبل الميلاد، ويقابله اسم ماكان في النصوص الآكادية. يذكر نقش سومري أن جوديا، «باتيسي» مدينة لكش، أي حاكمها وكاهنها، جلب الحجر من ماجان لصنع التماثيل. ويذكر نقش آكادي أن «سرجون ملك كيش انتصر في 34 حملة، وهدم المدن جميعها حتى شاطئ البحر»، وأرسى السفن من ماجان على أرصفة مدينة آكاد. وتذكر نصوص أخرى أن مانيشتوشو، ثالث ملوك الإمبراطورية الآكادية، قاد حملة ضد ماجان، وكذلك فعل من بعده وارثه نارام سين.

انشغل العلماء في تقصّي موقع ماجان منذ ظهور هذه النصوص، واختلفوا في تحديده بشكل كبير، كما ذكر جواد علي في «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام». قيل إن اسم ماجان يشير إلى «القسم الشرقي من الجزيرة، من أرض بابل إلى الجنوب»، وقيل إنها «تقع على مقربة من ساحل الخليج، في موضع في الرمال جنوب يبرين»، داخل المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وهو موضع يُعرف باسم مجيمنة، المشابه لاسم ماجان. وقيل أيضاً إن ماجان تقع على مقربة من الساحل، عند مصب وادي الشهبة. وقيل أيضاً إن مدلول اسم ماجان تغيّر بين فترة تاريخية وأخرى، والأرجح أنها بلاد تقع على ساحل الخليج، وهي من البلاد التي كان سكانها «يتاجرون منذ القديم مع الهند وإيران والسواحل العربية الجنوبية، ومع أفريقيا أيضاً».

تجاوزت الأبحاث المعاصرة هذه القراءات، وبات من المؤكد أن ماجان تقع في شمال إقليم عُمان، وأنها شملت أراضي واسعة مما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة، كما أنها شملت في بعض الحقب أراضي تقع شمال محافظة مسندم التي تقع في أقصى شمال عُمان، وتطلّ على مضيق هرمز. احتلت هذه البلاد موقعاً مهمّاً على ساحل الخليج العربي وخليج عُمان في العالم القديم، ولعبت دوراً ريادياً في التجارة العابرة للخليج، ما بين بلاد الرافدين وبلاد وادي السند وبلاد عيلام الممتدة على الهضبة الإيرانية في جنوب غربي آسيا. وكانت كما يبدو مملكة لها نظامها الخاص، ذكرت النصوص المسمارية ملوكها «إينسي ماجان».

خرج ميراث ماجان من الظلمة إلى النور بفضل أعمال المسح والتنقيب المستمرة في زمننا، وتمثّل هذا الميراث بسلسلة من الأبراج المنتشرة على رؤوس الجبال، وبمجموعة كبيرة من المقابر، إضافة إلى مجموعة أخرى من مخلفات صهر النحاس. حوى هذا الميراث مجموعة صغيرة من الأختام تشهد لممارسة هذه الصناعة في حقبة مبكرة. في عام 1990، استعرض الباحث الأميركي دانيال بوت مجموعة من 29 ختماً، حملت 11 قطعة منها صورة ثور من فصيلة الدرباني، وهي فصيلة «الزيبو» التي تُعرف بحدبة دهنية على أكتافها، ويعود أصلها إلى شبه القارة الهندية. صُنعت هذه الأختام محلياً، غير أنها تحمل الطابع الذي ساد في وادي السند، وتشهد للعلاقة الوثيقة التي ربطت بين بلاد ماجان وبلاد ملوخا، وهي البلاد التي ذُكرت كذلك في الكتابات المسمارية، واحتار أهل الاختصاص في تحديد موقعها، والأرجح أنها في موقع يرتبط بوادي السند.

أثبتت الأبحاث المعاصرة أن ماجان تقع في شمال إقليم عُمان وأنها شملت أراضي واسعة مما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة

في هذا السياق يبرز ختم مميّز عثرت عليه بعثة فرنسية إيطالية مشتركة عام 1993 في موقع رأس الجنز. يحتلّ هذا الموقع جغرافياً أقصى نقطة في شرق شبه الجزيرة العربية، ويتبع محافظة جنوب الشرقية في سلطنة عمان، وهو موطن لمحمية سلاحف، وفيه تمّ إجراء اكتشافات أثرية مهمة، تدل على اتصاله بوادي السند في الماضي القديم. في هذا الموقع، عثرت البعثة الفرنسية الإيطالية على ختم «تجريدي» يحمل ما يشبه كتابات يصعب تفكيكها، كما عثرت على ختم آخر زيّن نقشاً تصويرياً آدمياً. خرج هذا الختم من المبنى الذي حمل رقم 7 في تقرير المسح، ويعود إلى نحو 2300 سنة قبل الميلاد، ويمثّل شخصين متجاورين يقفان منتصبين في وضعية واحدة أمام ما يُشبه سعفة شجرة نخيل، احتلّت الطرف الأيمن من مساحة الختم المستطيلة. تتكرر هذه القامة البشرية بشكل مفرد على ختم آخر من موقع رأس الجنز، حيث تحضر إلى جانب بهيمة تمثل على ما يبدو كلباً سلوقياً.

تبدو القامتان مجرّدتين من الملامح، وهما أقرب إلى خيالين حُددا بشكل واضح، واللافت أنهما يمثلان معاً نموذجاً تصويرياً يتكرّر في مجموعة محدودة من الشواهد، تعود إلى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد. من هذه الشواهد، تبرز قطعة تُعرف بـ«حجر آدم»، وهو على الأرجح حجر جنائزي خرج من مدفن يصعب تحديد موقعه، ونُقل إلى غابة العميري في الجهة الغربية من ولاية أدم بمحافظة الداخلية، حيث جرى استخدامه ضمن بناء حجري بسيط. حمل هذا الحجر اسم الولاية التي اكتُشف فيها، وهو حجر مسطّح يبلغ طوله 61 سنتيمتراً، وعرضه 92 سنتيمتراً، أُضيف إلى تأليفه الأصلي بعض الإشارات والأحرف العربية.

يتجلّى هذا التأليف في نقش ناتئ يمثل كذلك شخصين متجاورين، فقد أحدهما جزءاً من قامته. يظهر في الجهة اليمنى شخص يرتدي ثوباً طويلاً، رافعاً يده اليسرى نحو أسفل صدره. ويظهر في اليسرى شخص يبدو عارياً، يرفع يده اليسرى نحو الأعلى. يرمز هذا التأليف إلى طقس من الطقوس الاجتماعية والدينية، ويشير إلى صلة القرب على الأرجح، غير أن تفسيره بشكل جليّ لا يزال يمثّل تحدياً للباحثين في ميدان الآثار العُمانية.