ما الخلفيّات الثقافيّة التي ينسلك فيها عنفُ المدُن الأُوروبّيّة؟

الفقر ليس انغلاقاً وعنفاً، والغنى ليس انفتاحاً وسلماً

ما الخلفيّات الثقافيّة التي ينسلك فيها عنفُ المدُن الأُوروبّيّة؟
TT

ما الخلفيّات الثقافيّة التي ينسلك فيها عنفُ المدُن الأُوروبّيّة؟

ما الخلفيّات الثقافيّة التي ينسلك فيها عنفُ المدُن الأُوروبّيّة؟

يحار العقلُ السليمُ في أزمة الأحياء الفقيرة التي تسوّر مدنَ الغرب الأُوروبّيّ، ومعظمها أضحى يقطنها المهاجرون الذين أتَوا يطلبون الأمان والسلام والرزق. ليس لنا أن نختبئ وراء إصبعنا، فنخفي هويّة هؤلاء الفقراء الذين يأتون المدنَ الأُوروبّيّةَ المزدهرة علميّاً واقتصاديّاً. الثابت أنّ الأغلبيّة العظمى آتيةٌ من الأوطان العربيّة والأفريقيّة والآسيويّة المسلمة، ولو أنّ بعضاً منهم ينحدرون من أوطان أمِيركا الجنوبيّة والأوطان الآسيويّة غير المسلمة. لا يجوز لنا أن نكتفي بتحليل الظاهر من الأحداث، بل ينبغي أن نستجلي بهدوءٍ وموضوعيّةٍ الخلفيّات الثقافيّة الناظمة. تيسيراً للفهم، أكتفي بتحليل أربعة عوامل أساسيّة يمكنها أن تساعدنا في إدراك الرهانات الحضاريّة الخطيرة التي تنطوي عليها أحداثُ العنف المتكرّرة في ضواحي هذه المدُن.

العامل الأوّل: الفقر والغنى

يغلب على العامل الأوّل الطابع الاجتماعيّ، إذ إنّ جميع هؤلاء المهاجرين الذين استقرّوا في أُوروبّا، سواء منذ زمنٍ بعيدٍ أو منذ زمنٍ قريبٍ، كانوا يعانون الفقر المدقع الذي دفع بهم إلى الاقتلاع الذاتيّ وهجرة أوطانهم. غير أنّ الفقر ليس بحدّ ذاته سبباً يحرّض على العنف. كذلك ليس الغنى بحدّ ذاته عنصراً يحثّ على السلم. الفقر ليس انغلاقاً وعنفاً، والغنى ليس انفتاحاً وسلماً. ليس الفقراء كلّهم عبثيّين فوضويّين عنفيّين، وليس الأغنياء كلّهم عقلانيّين حكماء مسالمين. يذكر الجميع أنّ أهل التصلّب الأيديولوجيّ والأصوليّات الدِّينيّة يخرجون من جميع البيئات، وقد خرج بعضُهم من البيئات الميسورة. ومن ثمّ، يجب الاعتراف بأنّ الأصوليّة العقائديّة لا ترتبط حتماً بالقرائن الاقتصاديّة الاجتماعيّة، بل تقترن في عمق مطالبها بالتصوّر الفكريّ السائد.

أعرف أنّ وضعيّة الانحلال الاقتصاديّ والتفكّك الاجتماعيّ تتيح السيطرة الأيديولوجيّة على أذهان الفقراء المعدومين. ولكنّ الأصوليّ الذي يستغلّ فقر الفقراء يُفترض فيه أن يحمل إليهم تصوّراً أيديولوجيًّا واضحَ المعالم يستلّه من الأنظومة الدِّينيّة التي يناصرها. لا يُستغلّ الفقراء في الفراغ الفكريّ. لا بدّ من أنظومة أيديولوجيّة تملأ الفراغ المهيمن. فإمّا القوميّات الانغلاقيّة، وإمّا الدِّينيّات المتشنّجة، وإمّا الأيديولوجيات الاقتصاديّة الإقصائيّة، كالشيوعيّة المستبدّة المهلِكة، والرأسماليّة المتوحّشة الجارفة. لا يهيمن على الفقير فكرٌ فارغٌ يفتقر إلى الأفكار الاستنهاضيّة. لذلك لا تنشأ الأصوليّات من الأوضاع الاقتصاديّة المهترئة، بل تنبثق من تصوّراتٍ فكريّةٍ تَصنَّمت في نصوصٍ جامدةٍ، فاستباحت البيئات الاجتماعيّة الضعيفة المنعطبة.

العامل الثاني: العلاقة الاستعماريّة

يتّصف العاملُ الثاني بالبُعد السياسيّ، إذ إنّ معظم الذين يأتون إلى أوروبّا إنّما يرومون أن يبادلوا الأُوروبّيّين واجب الضيافة. في معظم الأحيان تأتي زيارتهم ردّاً على زيارة الأُوروبّيّين، وفي الزيارتَين تنعقد وجوهٌ إشكاليّةٌ شتّى تنطوي عليها مقولة الاستعمار. لا يتردّد الغلاةُ من المهاجرين في الإعلان عن نيّاتهم: ردّ الجميل بإعادة استعمار أُوروبّا. لذلك لا بدّ من مصارحةٍ شفّافةٍ موضوعيّةٍ تُبيّن للجميع أنّ التكتّم في مسألة استغلال الشعوب يُفضي إلى الخراب. فهل يجرؤ الأُوروبّيّون ويعترفون بمقدار الأذى الذي ارتكبوه في المناطق التي استعمروها؟ وهل تجرؤ الشعوب المستعمَرة فتعترف بالفضل الحضاريّ الذي تجلّى في عمليّات التنشئة والتربية والتنوير التي اضطلعت بها الشعوب الأُوروبّيّة في المجتمعات الفقيرة؟ أعلم أنّ مثل هذا الاعتراف عسيرٌ على الجميع. ولكن لا سبيل إلى المصالحة من غير الإقرار بنعمة الحقيقة المنقذة من الضلال.

علاوةً على ذلك، ينبغي أن يَعمد الأُوروبّيّون إلى إنشاء صندوقٍ ماليٍّ تعويضيٍّ يمنح هذه المجتمعات من المساعدات ما يوازي الكنوز التي نُهبت منها. أمّا الأمر الأهمّ فالكفّ عن مساندة الطغاة المستبدّين الذين يحكمون بالحديد والنار شعوبَ المناطق المنكوبة هذه. حينئذ تُترك الحرّيّة لهذه الشعوب في أن تختار تصوّرها الثقافيّ ونمطها الاجتماعيّ ونظامَها السياسيّ بمعزلٍ عن مطامع الأمم الغربيّة أو الآسيويّة المقتدرة. بيد أنّ التزام الحياد الثقافيّ والسياسيّ لا يعني أن تخون دوائرُ القرار السياسيّ الخارجيّ الغربيّ نضالات الشرفاء المستنيرين الذين يتوقون إلى إصلاح مجتمعاتهم. الحياد الأُوروبّيّ يكفّ عن حياديّته حين يتطلّب الأمرُ مناصرةَ كرامة الإنسان وصون حقوقه الأساسيّة. أمّا الخصوصيّات الثقافيّة المقترنة بالذهنيّات المحلّيّة السائدة، فأمرٌ جليلٌ ينبغي التحوّط الأعظم فيه، قبل أن يبتّ الأُوروبّيّون مسألة التمييز بين واجب رعاية هذه الخصوصيّات، وواجب استنقاذ الإنسان المعذَّب المضطهَد من جرّاء الأثقال المعنويّة التي تُكبّله بها مثلُ هذه الخصوصيّات.

العامل الثالث: التعدّديّة الدِّينيّة اليهوديّة المسيحيّة الإسلاميّة

لا بدّ من استحضار البُعد الدِّينيّ في تحليل العلاقات الإشكاليّة الناشبة بين الغرب الأُوروبّيّ وشعوب المجتمعات الشرقيّة والأفريقيّة والآسيويّة التي ما برحت تنزف نزفاً مؤلماً منذ وطئت أراضيها أقدامُ المستعمِرين. لا يخفى على أحد أنّ معظم المهاجرين يدينون بالإسلام، وأنّ أُوروبّا المسيحيّة التي استضافت اليهود واحتكّت احتكاكاً مُغنياً بالثقافة العربيّة الوسيطيّة إنّما تجتهد في استقبال الوافدين إليها استقبالاً عَلمانيّاً إنسيّاً محايداً لا يَفرض عليهم أيَّ ضربٍ من ضروب الارتداد الدِّينيّ. أذكّر بأنّ هذه الثقافة ازدانت بأقلام الفلاسفة والعلماء والأدباء العرب اليهود والمسيحيّين والمسلمين، ولو أنّ تعاقب الأزمنة أضعف المساهمتَين اليهوديّة والمسيحيّة.

زدْ على ذلك أنّ أُوروبّا المسيحيّة هذه لم تَعد مسيحيّةً بالمسلك العلنيّ والممارسة الشعائريّة، بل اكتفت بالاقتناع الإيمانيّ الشخصيّ الفرديّ الذاتيّ. يعلم الجميع أنّ التشريع الأُوروبّيّ المبنيّ في قسطٍ عظيمٍ منه على الروحيّة المسيحيّة تجاوز حدودَ الانتماء المذهبيّ، وجعل الإنسانَ محورَ عنايته. فبلغت الإنسيّة الأُوروبّيّة حدودَ المجازفة في إعادة تركيب هويّة الإنسان وفقاً للفتوحات الفكريّة التحرّريّة التي أعرضت عن القول بالماهيّة الإنسانيّة الجامدة، وطفقت تنادي بإنسانٍ جديدٍ تصنعه تفاعلاتُ التاريخ واعتمالاتُه المشرَّعة على جميع الإمكانات. من الضروريّ، والحال هذه، أن يدرك المهاجرون المسلمون أنّ أُوروبّا تَعقل حقائق الوجود الإنسانيّ بالاستناد إلى الخلفيّة الدِّينيّة المسيحيّة، وإلى الخلفيّة الثقافيّة الإنسيّة العَلمانيّة. لا شكّ في أنّ هاتَين الخلفيّتَين تتيحان لجميع الوافدين أن ينعموا بالحرّيّات العامّة وبالإمكانات الانتمائيّة السليمة، ولو على مقدار الحدّ الأدنى من الاندماج. أعتمد عبارة الحدّ الأدنى، إذ أدرك أنّ الناس لا يستطيعون أن يخرجوا من ذاتيّتهم خروجاً مطلقاً إلّا بعد اختباراتِ أجيالٍ متعاقبةٍ اجتهدت اجتهاداً صادقاً في التوفيق المغني بين الثقافة الذاتيّة وثقافة الآخر المستضيف.

ينبغي أن يَعمد الأُوروبّيّون إلى إنشاء صندوقٍ ماليٍّ تعويضيٍّ يمنح هذه المجتمعات من المساعدات ما يوازي الكنوز التي نُهبت منها

العامل الرابع: الاضطلاع الهنيّ بأصالة الاختلاف الجوهريّة

لا عجب، والحال هذه، من أن تُفضي العوامل الثلاثة هذه إلى استجلاء العامل الثقافيّ الذي يستشكله سؤالُ الاختلاف بين الحضارات الإنسانيّة. أعتقد أنّ جميع الأنظومات الدِّينيّة تنطوي على عناصر فكريّة استنهاضيّة تحتمل تسويغ التعدّديّة. تختلف أصناف التسويغ باختلاف التصوّرات الفكريّة الناظمة. وعليه، لا يستطيع الناس المختلفون أن يتعايشوا تعايشاً سلميّاً مُغنياً إلّا إذا استثمروا طاقات الانفتاح التي تختزنها تراثاتُهم الدِّينيّة. لا يجوز أن يلاقي الإنسانُ الغربيُّ المهاجرَ المسلمَ ملاقاةَ الاستعلاء الحضاريّ، حتّى لو أتاه يطلب الرزق والرفق والأمان. كذلك لا يجوز للمهاجر المسلم أن يلاقي الإنسان الغربيّ المستضيف ملاقاة الاستكبار الأصوليّ، وفي ذهنه أنّ تصوّره الدِّينيّ يجب أن يُفرض على جميع أهل الأرض. آن الأوان لكي يدرك الناس المختلفون الآتون من آفاق التباين الحضاريّ الشرعيّ أنّ الاختبارات الوجدانيّة الفرديّة والجماعيّة ليست واحدةً في الأرض، وأنّ طرُق التفكير المختلفة تُفضي إلى خلاصاتٍ عقائديّة ومسلكيّة متعارضة. عوضاً عن الاستماتة في إقناع الآخرين بصوابيّة المعتقد الذاتيّ، ينبغي أن يقبل الناسُ بالاختلاف سُنَّةً أصليّةً في الحياة. ليست الوحدة أصلَ الوجود، بل التنوّع المنبسط في رحاب الكون. حين نعترف بأصالة الاختلاف ونكفّ عن النظر فيه نظرةَ الخطأ التاريخيّ الطارئ الذي يجب تصحيحه حتّى يرتدّ جميع الناس إلى الصراط المستقيم، نستطيع أن نتحاور ونتعاون ونتشارك ونتقابس في روح الألفة الإنسانيّة التي ترعاها شرعة حقوق الإنسان. كلُّ سبيلٍ آخر يحوّل الاختلاف إلى احترابٍ كونيٍّ إباديٍّ.


مقالات ذات صلة

الجيش المصري يحبط محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر المتوسط

العالم العربي قوات بحرية مصرية تحبط محاولة هجرة غير شرعية لمركب بالبحر المتوسط (المتحدث العسكري)

الجيش المصري يحبط محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر المتوسط

أعلن الجيش المصري، الاثنين، تمكنه من إحباط محاولة هجرة غير شرعية لمركب على متنه 63 فرداً، بينهم 3 سودانيين، بالبحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من ترحيل السلطات الليبية عدداً من المهاجرين المصريين (جهاز مكافحة الهجرة)

الإعلان عن «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة بشرق ليبيا

قالت سلطات أمنية بشرق ليبيا إنها نجحت في «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة في عملية وصفتها بـ«المُحكمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

«رغم المسافة الكبيرة التي تفصل موريتانيا عن باكستان، والتي تقدر بنحو 7700 كيلومتر، فإنها أصبحت وجهة للمهاجرين الآسيويين».

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
TT

معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)

ينطلق في القصر الملكي في ميلانو «بالاتزو رياله»، يوم الثلاثاء، معرض فني يضم أكثر من 80 لوحة، بينها روائع تحمل توقيع سلفادور دالي، وآندي وارهول، وكريستو، وجورجيو دي شيريكو؛ كلها مصادرة من المافيا جرى إنقاذها على يد محققين متمرسين في تعقّب «الأموال القذرة».

وأوضحت المسؤولة المحلية في المنطقة ماريا روزاريا لاغانا، أن «الأعمال التي كان من المفترض أن تظل مدفونة في دوائر الجريمة المنظمة أُعيدت أخيراً إلى المجتمع لتلعب دوراً رمزياً في مقاومة الجريمة».

منذ سبتمبر (أيلول)، تدير لاغانا الوكالة الوطنية لإدارة الممتلكات المصادرة من عصابات الجريمة المنظمة التي توفّر منصة تتيح للمشترين توجيه أنظارهم إلى الممتلكات المصادرة، بما يشمل سيارات «فيراري» أو دراجات نارية من طراز «هارلي ديفيدسون».

وبينما تُباع هذه السلع بمزادات علنية وباتت في متناول الجميع، يُخصص جزء منها؛ مثل: الشقق، والمنازل، والأراضي الزراعية، مجاناً لمنظمات عامة وأخرى غير حكومية.

أما بالنسبة للأعمال المعروضة في ميلانو، «فهذه سلع كان من الممكن بيعها، لكن تم اختيار الاحتفاظ بها في المتاحف، لأن لها قيمة مهمة»، حسبما أوضحت لاغانا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«ولادة جديدة»

وقالت لاغانا: «إنها ولادة جديدة لهذه الأعمال، ويبدو الأمر كما لو كنا نُخرجها من الأرض، مثل علماء الآثار، لعرضها في أماكن يمكن للجميع رؤيتها فيها».

يحتوي المعرض الذي يحمل عنوان «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» على أكثر من عشرين عملاً تمت مصادرتها في عام 2016 من زعيم في مافيا «ندرانغيتا» النافذة في كالابريا.

امرأة تقف بجوار لوحتَي «بيازا دي إيطاليا» لجورجيو دي كيريكو و«كابانو سولا ريفا» لكارلو كارا في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

في الغرفة الصغيرة المخصصة للأعمال التي صادرتها محكمة ريجيو كالابريا، مطبوعة حجرية بالحبر الهندي لـ«روميو وجولييت»، بتوقيع الرسام السريالي الإسباني سلفادور دالي (1904 - 1989)، بجانب لوحة «ساحة إيطاليا» الزيتية اللافتة المرسومة على قماش بتوقيع المعلم الإيطالي جيورجيو دي شيريكو (1888 - 1978).

كما أن جدران الموقع مغطاة بقصاصات من صحف تشهد على هذه المضبوطات المذهلة، في حين مقاطع فيديو من الشرطة المالية في ريجيو كالابريا تُعرض بشكل متواصل عند مدخل المعرض.

ويأتي نحو ستين لوحة أخرى من عملية مصادرة أمرت بها محكمة روما في عام 2013 بصفتها جزءاً من عملية احتيال ضخمة مرتبطة بشبكة دولية لغسل الأموال.

ومن بين هذه الأعمال شاشة حريرية لنجم الفن الشعبي الأميركي آندي وارهول (1928 - 1987) بعنوان: «فنون الصيف في الحدائق»، وطباعة حجرية لـ«فينوس مغلفة» بتوقيع الفنان كريستو (1935 - 2020) لفيلا بورغيزي في روما.

امرأة تسير أمام تمثال «قرص به كرة» لأرنالدو بومودورو في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

وقالت لاغانا: «إبداع وجمال (الفن المتحرر) من الأيدي الإجرامية يتم تقديمه للرؤية الجماعية لتعزيز الثقافة، مع تحفيز الوعي بالطبيعة الخبيثة لآفة المافيا».

وتستخدم المافيا الأعمال الفنية المسروقة بوصفها عملة في تهريب المخدرات والأسلحة. ومن بين أبرز السرقات كانت لوحة «الميلاد مع القديسَيْن فرنسيس ولورانس»، وهي لوحة رسمها كارافاجيو، وسُرقت من كنيسة سان لورينزو في باليرمو عام 1969 وبقيت موضع عمليات بحث مذاك.

ويستمر المعرض الذي يمكن دخوله مجاناً حتى 26 يناير (كانون الثاني) في قصر «رياله» في ميلانو، قبل أن ينتقل إلى قصر الثقافة في ريجيو كالابريا، في الفترة من 8 فبراير (شباط) إلى 27 أبريل (نيسان).