إلياس خوري: «باب الشمس» بكل بساطةٍ هي قصة حب رجل لزوجته

عن مسيرته الأدبية وأنه لم يتقصّد الكتابة عن فلسطين

الياس خوري: الأدب هو للإمتاع والمؤانسة (أ.ب)
الياس خوري: الأدب هو للإمتاع والمؤانسة (أ.ب)
TT
20

إلياس خوري: «باب الشمس» بكل بساطةٍ هي قصة حب رجل لزوجته

الياس خوري: الأدب هو للإمتاع والمؤانسة (أ.ب)
الياس خوري: الأدب هو للإمتاع والمؤانسة (أ.ب)

«الأدب كما علّمنا أبو حيان التوحيدي هدفه الإمتاع والمؤانسة قبل الوصول إلى أعماق المعنى»، قال الروائي اللبناني إلياس خوري محدثاً قراءه، الذين اجتمعوا للقائه في طرابلس، شمال لبنان، بدعوة من «نادي قاف للكتاب». وبدا مع التئام هذا الجمع الغفير، أن الأدب لا يزال له جمهوره، وأن الرواية لها عشاقها، وبعض من لم يقرأ هو أيضاً معني بالتعرف على الأدب وكتّابه، وما يقال حوله.

يدرك إلياس خوري، أن تحوّل روايته «باب الشمس» إلى فيلم سينمائي، أسهم في تعرّف كثر إليها من دون قراءتها، وأصبحت جسراً بين نصوص الكاتب الأخرى وعديد من الناس. هكذا تعرف جمهور عريض إلى إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وآخرين، بفضل تحول بعض روايات هؤلاء الأدباء إلى أفلام.

لكن «باب الشمس» التي كُتب الكثير فيها على أنها تأريخ للنكبة الفلسطينية، وإعادة قراءة لمأساة اللجوء والشتات، قال إلياس خوري ببساطة إنه لم يكن يقصد وهو يسطرها، كل ذلك. «(باب الشمس) كتبتها وكان برأسي، أمر واحد هو أن أكتب قصة حب. كنت أتساءل دائماً، لماذا قصص الحب عند العرب مخترعة وليست حقيقية؟ ولماذا لا أكتب بكل بساطة عن حب رجل لزوجته. وهذا ما كان».

رواية «باب الشمس» هي حكاية يونس الأسدي المناضل الفلسطيني الذي ينسحب من بلاده ويدخل إلى لبنان، بينما تبقى زوجته في فلسطين. لكن يونس لم يستسلم، يبقى يقطع الجبال والوديان، جيئة وذهاباً، في رحلات متكررة إلى فلسطين، ليلتقي زوجته نهيلة هناك، بعد أن فرقهما الاحتلال ومنعهما من الوجود معاً. ويتكرر اللقاء بين الزوجين، في مغارة أطلق عليها اسم «باب الشمس» حتى ينجبا معاً 7 أولاد. وهنا رمزية الخصب واضحة في الرواية.

لكتابة «باب الشمس» وما حصل بالفعل عام 1948، كان لا بد من الاستماع إلى أهالي المخيمات في لبنان، وجمع مادة مكثفة عن ألسنتهم «هذا تطلب عملاً كثيراً، فهو تاريخ لم يوثق، ولم يشتغل عليه. وأنا لم أكن غريباً عن المخيمات، استمعت وجمعت الحكايات، لكن كان لا بد من رفدها بالخيال»

ليس اللبنانيون وحدهم من تفاجأوا بقصص «باب الشمس»، وحكايا أهلها، وغرائب ما حصل بفعل النكبة، الفلسطينيون أيضاً دهشوا واستغربوا، وهم يقرأون. هذا لأن من عاشوا هول تلك المرحلة ومرارتها، لم يتكلموا، لقد صمت الضحايا أمام هول ما رأوا. ما حدث أن إلياس خوري، وهو يحاول استنطاق أهالي المخيم، ويسألهم عما يعرفون، سمع منهم ما لم يخطر لهم قبلاً أن ينطقوا به، أو لم يقوا على روايته بصوت مرتفع. «اكتشفت أهمية أن تجعل الضحايا يتحدثون، وكم أنهم يؤثرون في الناس، وفي الشباب، حين يقولون ما يجول في خواطرهم».

«النكبة ليست من الماضي، النكبة مستمرة إلى اليوم. التقاط اللحظة، كان فقط من أجل كتابة قصة حب، وليس أبداً للتاريخ، كما يردد من يتحدثون عن (باب الشمس)»، ويكمل خوري: «الأدب هو تعبير عن حب، عن حبنا للآخر بالمعنى العميق للكلمة. ولدت الروايات لتعبّر عن الدواخل البشرية، وإن رأى فيها البعض تأريخاً أو توثيقاً أو أي شيء آخر، فليس هذا هو الذي كان مقصوداً في البدء».

المخيمات الفلسطينية في لبنان، التي يعرفها خوري جيداً، هي في بنيتها تحاول إعادة تركيب فلسطين حيث هي. فالعائلات تعيش مع بعضها، والقرى تعود وتتجمع لتبقى كتلة واحدة، وأسماء الأحياء هي أسماء القرى التي أتى منها السكان. هذا هو الواقع. وواقع بهذه القوة لا يمكن أن يموت. ما أراد أن يقوله إلياس خوري إن الروائي يتعلم من الناس، والقراء يتأثرون بالرواية. «ويحصل أن يتأثر الواقع بالأدب إلى حدّ أنه يتبناه، ويعيد إنتاجه ويجعله حياً معاشاً». ويعطي إلياس خوري مثلاً على ذلك، أنه عام 2013 تمكن 300 شاب وشابة من فلسطين، من قطع الطريق بين القدس والضفة الغربية، بالدخول إلى مستعمرة في منطقة تتوسطهما، والبقاء فيها لمدة ثلاثة أيام. لقد استولوا على هذه النقطة الاستراتيجية، وسموها طوال فترة بقائهم فيها «باب الشمس».

«أنا كاتب ملتزم بالمعنى الإنساني للكلمة. لم أكتب (باب الشمس) لأنني ملتزم فلسطينياً أبداً بل لأنني ملتزم بإنسانيتي. ومن لا يلتزم مع فلسطين، لا بد عنده مشكلة في إنسانيته وليس في عروبته. وحين ندرس النكبة، فباعتبارها لا تزال تحدث الآن»، مؤكداً أن فكرة النظر إلى فلسطين على أنها أرض مقدسة، هي فكرة صليبية، وليست نابعة من عندياتنا. «نحن ندعم فلسطين، لأنهم إخوتنا، ولأنهم شعب مظلوم ومقهور، وبالنسبة لنا ما تتعرض له فلسطين هو غزو خارجي، تماماً كما غزو الإفرنجة لبلاد الشام خلال الحروب الصليبية».

بطلة «باب الشمس» حقيقية إلى درجة أن «هناك من كان يصرّ على أنها موجودة، وأنني أعرفها، وهذا أمر لا يزعجني بل يفرحني، ويعني أنني رسمت شخصية مقنعة. لا بد أن الشخصيات لها جانب من الواقع، لكن لا بد من تجنيحها بالخيال. ما فضيلة أن أكتب ما أرى، أو أن أروي قصصاً أعرفها».

وتحدث خوري خلال هذا اللقاء الشيق الذي جمع عشرات القراء، في قصر نوفل بطرابلس، وحاورته خلاله الدكتورة وفاء شعراني حول مسيرته الروائية، لكن خوري ركّز أكثر ما ركّز على «باب الشمس»، لأن غالبية الحضور في رأيه قد قرأوها أو شاهدوا الفيلم. وتحدث كذلك عن كتاب مهم بالنسبة له، لم يعرف كثيراً هو «حب في المخيم». وهو نتاج ورشة كتابة إبداعية أدارها إلياس خوري، نظمتها «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» في بيروت خريف سنة 2018، بدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان وصندوق «الأميركلاوس» ضمن مشروع: «صِلات: روابط من خلال الفنون». ويضم الكتاب مجموعة من القصص القصيرة التي كتبها لاجئون فلسطينيون مقيمون في المخيمات.



«الروائي المريب»... خيانات المثقّفين ومؤامراتهم

«الروائي المريب»... خيانات المثقّفين ومؤامراتهم
TT
20

«الروائي المريب»... خيانات المثقّفين ومؤامراتهم

«الروائي المريب»... خيانات المثقّفين ومؤامراتهم

يكتب السوريّ فوّاز حدّاد في «الروائي المريب» (رياض الريّس، بيروت، 2025) عن كاتب غامض يُدعى «أسعد العرّاد»، بطريقة أشبه بـ«كوميديا سوداء» تقع في مفترق الطرق بين التوثيق الساخر، والتأريخ الرمزيّ، والانقضاض السردي على نُخب صنعت ثقافتها من ولاءاتها وارتكاساتها في ظلّ نظام يستخفّ بها ويوظّفها بطرق مشينة لخدمته.

بطل الرواية، أو بالأحرى اللابطل، هو «الروائيّ الشبح»، كاتب ينشر رواية واحدة ثم يختفي. لا يُعرف اسمه الحقيقيّ، وليس له صورة، إنّما يتجسّد فقط من خلال روايته. الغائب، الذي لا يحضر في اللقاءات والندوات والمقاهي الأدبية، يصبح فجأة محور الهجوم، والقلق، والحسد، والافتراء؛ لأنّه كسر القاعدة، كتب من دون أن يكون من «القطيع الثقافيّ».

«الشبح» هنا ليس أسطورة أدبية، إنّما هو رعب وجوديّ للوسط الثقافيّ السوريّ الموصوف في الرواية. هو من يُسقط، دون أن يتكلّم، كلّ الأقنعة عن المثقّف السلطويّ، عن النقّاد المأجورين، عن ثقافة الولاء والانبطاح، فغيابه هو الذي صنع حضوره الطاغي.

تدور الرواية، التي تبدو كأنّها جزء ثانٍ من روايته «المترجم الخائن» من حيث الاشتغال على الفساد الثقافيّ والشلل العابرة للحدود، في دمشق، لكن دمشق ليست فضاءً محايداً، هي مسرح الجريمة الثقافية المستمرّة. تنتقل الرواية من مقهى الروضة إلى اتّحاد الكتّاب، من أروقة الجرائد الرسمية إلى صالونات النميمة الأدبية، من كواليس وزارة الثقافة إلى دهاليز المخابرات والقصر الجمهوريّ في زمن الأسدين، حيث تتقاطع السلطات وتُطبخ المصائر.

تقدم الرواية ثنائية مثيرة: «فريد جسّام» و«حسين كرّوم»، كنموذجين للمثقف المرتزق، المنتفع، السلطويّ، الموهوم بعظمة لا تتحقّق. كلاهما يشعر بالخطر من «الروائيّ الشبح»، يحاولان تحويل الهجوم عليه إلى مسألة وطنية، سياسية، آيديولوجية. يندفعان في حملة تشويه معلنة وسرّية، يشكّلان عصابة، يجنّدان أتباعاً، ينسّقان مع الأجهزة، في سبيل القضاء على الرواية وكاتبها.

يفكّك فوّاز حداد في روايته فكرة «المثقف التقدّميّ» أو «المفكّر الراديكاليّ» الذي يتحوّل إلى رقيب ثقافيّ، إلى معوّق للحداثة، إلى وكيل أمنيّ بغطاء ثقافي. ويمثّل كلّ من «جسّام» و«كرّوم»، ومن ورائهما سلطة مزدوجة: سلطة حقيقية داخل المؤسسات، وسلطة رمزية تحكم من تحت الطاولة.

ينوّع الكاتب بين أساليب كتابة مختلفة في روايته، تراه يسخر، يتهكّم، يروي، يسجل، يفضح. كأنّ الرواية «سيرة ثقافية لمجتمع أدبيّ»، تتحوّل تدريجياً إلى هجاء مرير، ثمّ إلى كشف بوليسيّ، ثمّ تعود إلى كابوس ساخر. وتراه يكتب عن سلوكيات الكتّاب بالموازاة مع تعرية «المؤسّسة الثقافيّة» بوصفها سلطة مضادّة للحرّية، تستدرج الكتّاب إلى مسالخها، وتكافئ الطيّعين، وتغتال المتمرّدين.

في المفارقة الكبرى، تصبح الرواية ذاتها موضوعاً للرواية، فـ«الروائي الشبح» لا يُكتب عنه فقط، بل تتحوّل روايته «لقاء لا ينتهي» إلى بؤرة أساسية تدور حولها الأحداث، ومنها تتفرّع المؤامرات. شخصيات الرواية تقرأ الرواية، تناقشها، تشتمها، تدافع عنها، تحاول منعها، تتمنّى موت كاتبها. هكذا تصبح «الرواية» نوعاً من الشاهد والمجرم في آنٍ واحد. شهادة ضدّ عصر، وجريمة ضدّ مَن يملك الجرأة على الكتابة.

تمتدّ الرواية إلى ما يقرب من 520 صفحة، مقسّمة إلى قسمين رئيسين، يتضمّن كلّ قسم مجموعة من الفصول التي تتراوح بين السرد الروائيّ، والأفكار التحليلية والنقدية، وحتى القصص الساخرة المدرجة ضمن المتن السرديّ. هذه البنية ضرب من التنقيب داخل بنية الرواية نفسها، بما يجعلها نصّاً يتحدث عن الكتابة الروائية وهو يكتبها في الآن نفسه.

ويتوزّع الزمن في الرواية بين مرحلتين: زمن الرواية الأولى «لقاء لا ينتهي»، وزمن الرواية «الحالية» التي تبدأ مع لحظة وفاة الرئيس الأب وانتقال السلطة للابن الذي هرب. التوازي بين المرحلتين، بالإضافة إلى أنّه يصنع مقارنة سياسية، يرسم جدلية أعمق: الماضي الذي دُفِن، والماضي الذي لا يُدفن.

تقدّم الرواية صورة المثقّفة السلطوية، بوصفها جزءاً من لعبة السلطة الثقافية. «الحسناء»، كما تُرسم، ليست سوى تجلٍّ لثقافة «تسليعية» للجسد، حيث الجسد الأنثوي يُستثمر في الصعود الثقافي أو التسلق السياسي. هي «جرأة معلبة»، أو «تحرر مصمم خصوصاً لخدمة النظام». في حين أنّ «صفاء»، مثقفة متحررة، تُقدّم على نحو متناقض: جميلة وواعية، ناقدة وخائفة، تمتلك القدرة على المواجهة، لكنها محاطة بمن يريد تهميشها أو احتواءها. يَظهر في علاقتها مع «الشبح» ما يشبه العلاقة المستحيلة: امرأة تبحث عن معنى في رجل لا وجود له، ورجل يهرب من العالم بحثاً عن صدق لا تجده هي في العالم المحيط.

أحد أقوى عناصر الرواية هو قدرتها على استخدام الرمزية الساخرة كأداة تشريح. لا يمرّ شيء من دون سخرية مريرة: اتحاد الكتّاب، الجوائز الأدبية، الصحافة الثقافية، حلقات النقد، المؤتمرات، حتى «الثقافة القومية التقدّمية» ذاتها، تسقط واحدة تلو الأخرى.

يتجلّى ذلك في شخصيات مثل: كبير النقّاد الذي لا يقرأ شيئاً لكنه يحكم على كلّ شيء. المفكّر الراديكاليّ الذي يرى الثورة في كلّ مكان إلا في نفسه. الوسيط الثقافيّ الذي يفتح بوابات العالم لكلّ من يدفع الثمن. الروائيّ القادم من الريف الذي يخون قريته حين يحاول الانتماء للعاصمة. الشبكة الثقافية الدولية التي تمنح الجوائز لا لمن يكتب جيّداً، بل لمن يكتب ما يُطلب منه. هذه الرمزية تنقلب أحياناً إلى هجاء صارخ، وأحياناً إلى مرآة قاتمة يرى فيها القارئ الواقع الثقافيّ كما لو أنه يرى «مسلخاً» فكرياً.

«جسّام»، «كرّوم»، «كبير النقاد»، «المفكر الراديكالي»؛ هم شخصيات كاريكاتورية بقدر ما هم واقعيون، لا لأنهم هزليون، بل لأنّهم مأساويون: أدوات ميتة تتحرّك داخل نظام فاسد لا مكان فيه للكتابة الحرّة. إنّهم أيتام المؤسّسة.

يشير فوّاز حدّاد في روايته إلى أنّه ربّما لا يحتاج صاحب الموهبة في بلاد تُعادي الحقيقة إلى رقابة رسمية، فهناك رقابة أشدّ ضراوة: رقابة الأقران، رعب الوسط الثقافيّ من كلّ صوت لا ينتمي إلى طيفه، كلّ كتابة لا تخضع لقوانين سوق الولاء، كلّ موهبة لا تحتاج إلى «توصية» لتكون. وتراه يرسم ملامح مشهد تُنتهَك فيه الموهبة لا عبر منعها من الكتابة، بل عبر الإحاطة بها بـ«تواطؤ جماعيّ» خفيّ، لا يمكن مسّه قانونياً، لكنه يُنفَّذ بإتقان: تجاهل، وتشويه، واختزال، وتهميش، وتضليل، وتصفية رمزية، حيث الكارثة لا تقع حين تُقمع الموهبة من قِبل سلطة سياسية، بل حين تصبح الأوساط الثقافية نفسها هي القامعة، هي اليد غير المرئية التي تخنق الكتابة الحرة تحت شعار «تقييم نقدي» أو «الغيرة الأدبية» أو «السجال الموضوعيّ».

يلفت الروائيّ إلى أنّ الشبح الذي يتقصّونه في الرواية ليس مريباً لأنّه أجرم، بل لأنّه كتب شيئاً لا يشبههم، رواية جاءت من خارج سردياتهم المُعلّبة، لم تُمهَّد لها في الملاحق الثقافية، ولم تُصنَع على مقاس الجوائز. كانت الكتابة فعلاً ذاتياً متمرّداً، فكان لا بدّ من محاصرته جماعيّاً.

تطرح «الروائي المريب» كلّ هذه التفاصيل عبر صمت الروائيّ، وضجيج الوسط الذي أحاطه. كأنّ حدّاد يكتب شهادة روائيّة عن «الاستقبال المُفخّخ»، وعن «الجمهور المصنوع»، وعن «الناشر الذي لا ينشر إلّا لِمن يُضمن صمته بعد النشر»، وهو بذلك ينقّب في البنية التحتّية للثقافة والمثقّفين، ويستخدم السخرية والفكاهة السوداء كوسيلة للفضح، والتمثيل، والتطهير. يكتب رواية جارحة، لكنها تفتح العيون على واقع أسود مرّ يراد تبييضه بالدعاية والتزييف.

يكتب فوّاز حدّاد أكثر من خاتمة لروايته، كانت الأولى مرآة للعصر الذي كُتبت فيه، أما النهاية الجديدة، فهي أشبه بتوقيع على مستقبل سوريّ لا يزال قيد التكوين. لكن المفارقة المُرّة التي لا تفوته هي أن سقوط النظام لا يعني سقوط أدواته. فحداد يُلمّح، بذكاء، إلى «قدرة الشخصيات على التلوّن»، على العبور من زمن إلى زمن، من خطاب إلى نقيضه، دون أن تتخلى عن آلياتها في الإقصاء والتواطؤ. وهكذا، فإن الرواية لا تسعى لطمأنة القارئ، بل لتقويض استكانته، ولتشير له: حتى النهاية ربّما تحتاج إلى رواية أخرى... وزمن آخر.