الحلم حين يصبح بطلاً روائياً

عمار علي حسن يختبره في «احتياج خاص»

الحلم حين يصبح بطلاً روائياً
TT

الحلم حين يصبح بطلاً روائياً

الحلم حين يصبح بطلاً روائياً

في رواية «احتياج خاص» للكاتب الروائي المصري عمار علي حسن تبدو الأحلام بؤرة مركزية للسرد، بمفهومها المباشر كمرادف للمنام وما يراه النائم في منامه، ومفهومها الأبعد والأكثر شِعرية وهو ما يحلم الإنسان بتحقيقه، وغالباً ما يكون صعب المنال.

ويتناول الكاتب في روايته الصادرة حديثاً، عن «الدار المصرية اللبنانية»، ثيمة الأحلام من خلال قصة صداقة ذات ظروف استثنائية تربط بين بطليه (سمير عبيد) مدرس اللغة العربية، و(ممدوح علم الدين) الموظف في إدارة لتوزيع السلع الغذائية، وعلى الرغم من أن عمر تلك الصداقة لا يتجاوز أياماً معدودة، فإنها كانت قادرة على تغيير حياة مدرس اللغة العربية، مع اتساع فضوله للاقتراب من عالم ذلك الموظف البسيط حد الهوس بما يدور فيه، لا سيما تلك الأحلام التي يراها في منامه، التي تنفتح على عالم موازٍ للحياة «تكلم عن أحلامه، ليس على أنها مجرد منامات ليل تغيب أو تغيم أو تتشظى، أو تُلقى في غياهب النسيان فور صحوه، إنما على أنها حياة كاملة، فيها أكثر مما تمناه في طفولته، وفي صباه حين طاله الوعي».

يجتمع البطلان في لقائهما الأول في يوم من أيام ثورة يناير بميدان التحرير وسط العاصمة المصرية، يلتفت مدرس اللغة العربية إلى ممدوح علم الدين، الرجل النحيل الذي يسير بين الناس يحكي عن حُلم يراوده يراه في منامه كل ليلة، مجذوباً بحلمه حد لفت النظر، فيجد سمير عبيد لديه ما يستحق الإصغاء على هامش ما يحيط بهم من صخب وشعارات «كان يحكي حلمه للعابرين. بعضهم كان يهشه كذبابة، وبعضهم كان يستمع إليه قليلاً، ثم يمصمص شفتيه، ويتركه يكمل حكايته للأرصفة، وجدران البنايات. قلة تعجبت مما يقول، وظنت أنه وليّ».

يسعى عبيد لتوطيد علاقته بهذا الرجل الذي يحكي له عن حلمه المتتابع الذي ينتهي كل ليلة مع صحوه، ليتابعه الليلة التالية من حيث انتهى، حيث يعيش فيه حياة بديلة يلتقي، بحبيبة تبادله المحبة، ويعيش معها حياة رغيدة موازية يكون فيها أستاذاً جامعياً مرموقاً يُدرّس علم النفس.

تبدأ محنة هذا البطل مع بدء تلاشي هذا الحلم المتتابع، الذي يكف عن زيارته، فيفشل رغم محاولاته الضنينة القبض على أي بصيص لاستدعائه من جديد، ومع تلاشي هذا الحلم، يتلاشى ممدوح علم الدين من أرض الواقع ويختفي، فلا يجد له أحد أثراً، ويفشل صديقه سمير عبيد معلم اللغة العربية في العثور عليه من جديد.

وفي محض بحثه عن صديقه المختفي، يجد عبيد نفسه وقد استجمع ما لديه من بلاغة وطاقة سردية كامنة وراء وظيفته التقليدية معلماً للغة العربية بمدرسة ثانوية، ويبدأ في كتابة حكاية صاحبه «الغائب» التي صار ممتلئاً بها، وراح يفيض بها على الورق، في تجربة كتابة روائية هي الأولى له، يؤرقه كيفية بناء حكاية متماسكة عن حياة صديقه الغائب المتشظية ما بين كابوس هو حياته اليومية نفسها، ومنامات تُهديه حياةً بديلة، فيضع خطة للكتابة، راعى فيها أن يعرض العالمين المنفصلين تماماً لبطله «أحدهما أبيض في سواد الليل، والثاني أسود في بياض النهار».

وهكذا بدأ في الكتابة نصف للصحو ونصف للمنام، ثم يقرر أن يُطوّر سرده ويُقسمه إلى فصول متتالية على أوقات أو حالات خمس هي (ما قبل النوم ـ غشاوة ـ نوم ـ صحو ـ ما بعد الصحو) وتكون مرحلة الـ«غشاوة» هي تلك الحالة السرمدية ما بين المنام واليقظة، تلك التي يتخيّل فيها بطله وهو يغادر عالماً ليتسلمه عالم آخر بكل تناقضاتهما الجنونية، منذ أن يُخرجه خيط نور الصباح الذي يتفاداه خشية الاستيقاظ على كابوس صراخ ووعيد أهل البيت، وأهل الشارع، والعمل، الذين يتبارون في إشعاره بالدونية، ثم يحمل له الليل والنعاس أمل العودة لحياة تتبدل فيها ملابسه الرثة إلى ملابس نظيفة، وتتسع جدران شقته الصغيرة لتصير بيتاً فسيحاً يطل على أحواض الورود، لا شيء مشتركاً بين العالمين سوى اسمه، فهو الشخص نفسه، النحيل والممتلئ، الفقير حد الإعدام، والمستور حتى الثراء والرفاه، فزوجته المتسلطة في يومه وحبيبته الغيداء في حلمه تناديانه بالاسم نفسه (ممدوح علم الدين) «ويعود من حياته الأخرى، ليجد نفسه في الحياة الراهنة، الشخص الراقد في مخدعه لا يفصل بين شخصين يعيش فيهما سوى غمضة عين وانتباهتها، لحظة تنقله من موت صغير إلى حياته القاسية التي اعتادها».

وتواجهه خلال كتابته تلك الرواية عدة عثرات، أولها سد الفجوات التي لا يعرفها عن حياة بطله وصديقه الغائب التي لا يُحيط بكثير من أسرارها، فيتنقل بحثاً عن معلومات يستوفي بها المزيد عن حياة صديقه، التي يستخدمها في رسم شخصيته، لا سيما حول تاريخه الشخصي والأسري وسنوات شبابه الجامعي وصولاً لجلوسه خلف مكتب صدئ في وزارة التموين متمسكاً بنزاهته رغم عُسر حاله المادي، وصولاً لمعرفة ما إذا كان صاحبه مريضاً بالفصام وإذا كان هذا الحُلم أحد أعراض مرض يُعاني منه.

أما العقبة الأخرى في كتابة روايته كانت في التداخل بين العالمين، والعبور من حلقة إلى أخرى لإحكام تخييله المستوحى من سيرة صاحبه مُوزعاً بين صحوه ومنامه «كانت الخواطر التي راحت تنهمر في نفسي، والأفكار التي تدفقت على رأسي، جعلتني متحيراً بعد أن اختلط الحلم بالصحو، وتقاربت المسافات بينهما إلى درجة جعلتني مدركاً الصعوبة التي سأواجهها في الفصل بين الحالتين».

إن الكتابة عن صديق «غائب» ليست فقط استدعاءً لحضوره الخاص، إنما «احتياج» لمواصلة حُلم تسرّب بين صحو حياة ومناماتها، واقتفاء لوصيّة صاحبه الأخيرة التي أطلقها في لقائهما الأخير قبل اختفائه: «امضِ خلف حلمك مبصراً، ولا تسأل أحداً».


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟