بيكاسو بمنظور نسوي موضوع معرض في متحف بروكلين

أحد زوار معرض (بيكاسو بحسب هانا غادسبي) في متحف بروكلين (إ.ب.أ)
أحد زوار معرض (بيكاسو بحسب هانا غادسبي) في متحف بروكلين (إ.ب.أ)
TT

بيكاسو بمنظور نسوي موضوع معرض في متحف بروكلين

أحد زوار معرض (بيكاسو بحسب هانا غادسبي) في متحف بروكلين (إ.ب.أ)
أحد زوار معرض (بيكاسو بحسب هانا غادسبي) في متحف بروكلين (إ.ب.أ)

توجّه الفكاهية هانا غادسبي، في برنامجها «نانيت» عبر منصة «نتفليكس» نقدا لاذعا لبيكاسو مبدية «كرها» لمَن يمثل، بنظرها، رمزا للهيمنة الذكورية، أما في متحف بروكلين في نيويورك، فيهدف معرض عن معلم التكعيبية إلى إبراز النساء وإنصافهن.

ويشكّل معرض «It's Pablo-matic: Picasso According to Hannah Gadsby» (بيكاسو بحسب هانا غادسبي) الذي يقام بين الثاني من يونيو (حزيران) والرابع والعشرين من سبتمبر (أيلول)، أحد المعارض المنتظرة في إطار احتفالات كثيرة تحت راية فرنسا وإسبانيا لمناسبة ذكرى مرور خمسين عاماً على وفاة الرسام الشهير بابلو بيكاسو صاحب لوحة «غرنيكا».

مدخل معرض (بيكاسو بحسب هانا غادسبي) في متحف بروكلين (إ.ب.أ)

ويبقى بابلو بيكاسو (1881 - 1973) من أكثر الفنانين المؤثرين على صعيد الفن المعاصر. لكن في خضم حركة «مي تو»، لُطخت صورة هذا الرسام الغزير الإنتاج باتهامات صورته على أنه رجل متسلط، ذو ميل إلى العنف أحيانا، مع النساء اللاتي تشارك معهن حياته واستلهم منهن في أعماله.

لكن هل يمكن الفصل بالكامل بين الإنسان والفنان؟ ترفض الفكاهية الأسترالية هانا غادسبي هذه الفكرة في التعليقات المكتوبة والصوتية التي ترافق الأعمال المعروضة في متحف بروكلين، حيث ترصد في الأعمال أو الرسومات المعروضة مؤشرات إلى تمييز ضد النساء، ما يؤشر في رأيها إلى أن بيكاسو «لم يكن قادراً على فصل نفسه عن فنه في أعماله».

لكن كاثرين موريس، كبيرة المفوضين في مركز الفنون النسوية في المتحف، والمفوضة الشريكة في هذا المعرض المخصص لبيكاسو، تقدّم قراءة أقل تشدداً. وقالت موريس لوكالة الصحافة الفرنسية، خلال عرض صحافي للمعرض لم تحضره هانا غادسبي: «أنتم أمام وضع معقد ودقيق حقا لفنان لا يمكن المجادلة بعبقريته، لكنه أيضا إنسان بعيد كل البعد عن الكمال».

«الإعجاب والغضب يمكن أن يتعايشا»... عبارة وردت في مقدمة عن المعرض الذي يقام بالتعاون مع متحف بيكاسو الوطني في باريس ويتيح للزائرين التعرف مجدداً على أعمال الرسام الشهير من منظور نسوي.

وتؤكد ليزا سمول، كبيرة أمناء الفن الأوروبي في متحف بروكلين، أن الفنانات اللاتي عاصرن بيكاسو «لم يحظين بالدعم أو القدرة نفسها على الوصول إلى الهياكل المؤسسية التي ساهمت في بروز (عبقرية) بيكاسو». ويمكن للزائر التوقف عند رسومات تمثل أجساما عارية من ثلاثينيات القرن الماضي بريشة الأميركية لويز نيفلسون (1899-1988)، وهي أعمال «كانت ثورية للغاية في ذلك الوقت لأنه كان من الصعب جدا قبول النساء في حصص تعليم الرسم»، وفق ما تقول كاثرين موريس.

بعد مرور خمسين عاماً على وفاته، تقول كاثرين موريس: «هناك أعمال رائعة (لبيكاسو) في هذا المعرض ما زلت أحبها». وتضيف: «يؤسفني أن بيكاسو كان إلى حد كبير الفنان المعاصر الوحيد الذي تعلمته. هناك تاريخ أكثر ثراء لاستكشافه ويمكن أن يكون جزءاً منه».



لماذا نقرأ للقدماء؟

 أرسطو
أرسطو
TT

لماذا نقرأ للقدماء؟

 أرسطو
أرسطو

أثارت أستاذة الفلسفة آغنيس كالارد البروفيسورة في جامعة شيكاغو في مقالة لها نشرتها «ذا ستون/ نيويورك تايمز» قضية جدوى قراءة أرسطو اليوم، خصوصاً ونحن نراه يتبنى قيماً تخالف القيم الإنسانية التي تواضع الناس في زماننا على مجافاة ما يخالفها. ما لم تشر إليه كالارد هو أننا نعلم أن الثورة العلمية التي بدأت مع كوبرنيكوس (1473 – 1543) وانتهت بإسحاق نيوتن (1642 – 1727) قد دمرت علوم أرسطو، سواء على صعيد النظريات التي قال بها، أم على صعيد المنهج الذي اتبعه، فقد أسس غاليليو غاليلي المنهج التجريبي الذي نسف إدخال التأمل في دراسة الطبيعة. وغاليليو هو من قام باكتشاف أقمار المشتري التي تدور حوله فأسقط نظام أرسطو والبطالمة عن مركزية الأرض، وهو من اكتشف بمقرابه الذي صنعه بنفسه النمش على وجه الشمس (العواصف المغناطيسية) فأبطل نظرية كمال الشمس والأفلاك. ثم جاء قانون الجاذبية النيوتوني فألغى نظرية أرسطو عن المحرك الذي لا يتحرك. ما الذي بقي؟ الأخلاق.

لا يقف اختلافنا معه عند العلم، بل ينتقل إلى مستوى الأخلاق، حين نجده لا يكتفي بالتغاضي عن جرائم العبودية، ويدافع عنها، بل يراها مفيدة لاقتصاد الدولة وللمُستعبَد نفسه، على حد سواء. من وجهة نظره، هناك بشر لا يُحسنون التكسب ولا أن يستفيدوا في حياتهم، وبالتالي فالأفضل لهم أن يكونوا مجرد أدوات بأيدي غيرهم. ولا تقف معاداة أرسطو لليبرالية عند هذا الحد، بل يقرر في مواضع كثيرة من كتبه أن المرأة غير قادرة على اتخاذ القرار السلطوي، وبالتالي لا يجوز تمكينها من السلطة سوى سلطتها في بيتها. وتمتد عنصرية أرسطو وطبقيته إلى حرمان من يعمل بيده من حق المواطنة، كما أنه يحرمه من حق التعليم، في نسخته من المدينة الفاضلة. وفي موضع من كتاب «الأخلاق» يقرر أن قبيح الصورة لا يستحق السعادة ولا المعرفة، ويمكن القول بأنه قام بالتأسيس للأخلاق الأرستقراطية، فقد قرر أن المواعظ الأخلاقية لن تُفيد المستمعين، إلا إذا كانت نفوسهم في أصلها نبيلة وكريمة وشريفة، يقصد بذلك أن خطابه موجه فقط لطبقة الأرستقراطيين والنبلاء وعِلية المجتمع، أما بسطاء الناس وسوقتهم، فليسوا بداخلين في هذه المعادلة، ولن يصلوا إلى الفضيلة –بحسب أرسطو– مهما سمعوا من المواعظ الأخلاقية. «كل من كان خسيس النسب أو شديد القبح فهو محروم من الوصول للسعادة الكاملة». أما إذا حاول هؤلاء أن يتجاوزوا حدودهم وأن يسْموا على ما هم فيه، كمحاولة الفقير أن يكون كريماً جواداً وهو لا يملك ما ينفقه، فهذا في حكم أرسطو: «غبي وأحمق». إذن، فالأخلاق والفضائل عند أرسطو طبقية ولا تليق إلا بمن يقدرون عليها ممن لديهم رغبة في استثمار مكانتهم الاجتماعية واستغلالها جيداً.

عندما نفتش في نصوص الفلاسفة فسنجد أن أرسطو لم يكن وحده، فهيراقليطس كان يحتقر عموم الناس، وصدرت عن هيوم وكانط عبارات عنصرية ضد السود، وفريجه، صاحب المنعطف اللغوي، صدرت عنه عبارات صُنفت على أنها مضادة للسامية. لكن عنصرية أرسطو أسوأ وأوسع دائرة، فهو ضد كل من ليس بإغريقي. في عنصرية تشبه موقف ديكارت من الحيوانات التي يصفها بأنها آلية وبلا روح ولا وعي. ولهذا كان تلاميذه يطاردون الكلاب في شوارع باريس ويضربونها بالعصي لكي يثبتوا أنها لا تشعر، كما قال الأستاذ.

لكن ما هو موقفنا نحن من هذا؟ هل نتجاهل مثل هذه الهفوات ونركز اهتمامنا على الأفكار العظيمة التي أدلوا بها في مواضع أخرى؟ أم أن هذه العنصرية هي جزء لا يتجزأ من فلسفاتهم؟ هذا هو السؤال الذي حاولت كالارد الإجابة عنه.

عندما نفتش في نصوص الفلاسفة فسنجد أن أرسطو لم يكن وحده، فهيراقليطس كان يحتقر عموم الناس، وصدرت عن هيوم وكانط عبارات عنصرية ضد السود، وفريجه، صاحب المنعطف اللغوي، صدرت عنه عبارات صُنفت على أنها مضادة للسامية.

في الواقع، هناك من يمكن فصل هفواتهم عن فلسفاتهم من مثل هيوم وكانط وفريجه، ويمكننا أن نعتبرها فلتات لسان أو مفردات مخزونات رشحت عن ثقافة وتربية أهل ذلك العصر. وهناك من لا يمكن فصل فلسفتهم عن أحكامهم الجائرة، ومن هؤلاء أرسطو، فكل فلسفته قائمة على عدم المساواة. مكانة الإنسان تكتسب مع النشأة، وبالتالي فلا فضيلة للنساء ولا للعمال ولا للأجانب من غير الإغريق، فكل من ليس بإغريقي بربري، كل هؤلاء ليس لهم حق في المطالبة بالاحترام. إنه لا يؤمن بمفهوم الكرامة الإنسانية الذي بُنيت عليه حقوق الإنسان، بل كل ما يتعلق بحقوق الإنسان لا يتفق مع فلسفة أرسطو.

ما فات الأستاذة كالارد أن تشير إليه هو أن هذه النظرة الأرسطية المتعالية هي أحد الأسباب المهمة لنشوء المركزية الأوروبية، وهي تلك النظرية التي تحدو بها العيس إلى الغرب باعتباره مركزاً للأحداث العالمية أو متفوقاً على جميع الثقافات الأخرى. صحيح أنه من المحبب إلى النفس أن نكون قادرين على أن نؤيد إمكانية الخلاف الجذري حول الأسئلة الأكثر جوهرية، لكن هذا لن يمنعنا من رصد الأخطاء الشنيعة في تاريخ الفكر وتفكيكها لكيلا تعود مرة ثانية. ورغم أن قسماً كبيراً مما دونه أرسطو قد ثبت أنه غير صحيح، وأن الأخلاق التي دعا إليها تنطوي على ما لا يطاق؛ فإنه ما زالت أقسام الفلسفة في جامعات العالم تُدرس أخلاق أرسطو كجزء من مناهج الفلسفة. لا يمكن أن يطالب متعلم بمحاربة أرسطو أو منع كتبه أو عدم طباعتها، فهو اسم في غاية الأهمية في تاريخ الفكر ومحطة جوهرية في رحلة الروح، وهذا الاسم قد وقع اليوم تجاوزه، لكنه علامة مهمة لكي نفهم كيف وصلنا إلى محطتنا الحالية.