تفاهم سعودي - إيطالي لتعزيز التعاون الثقافي

الجانبان بحثا تطوير العلاقات بمختلف مجالات القطاع

جانب من مراسم توقيع مذكرة التفاهم في مدينة البندقية الإيطالية (واس)
جانب من مراسم توقيع مذكرة التفاهم في مدينة البندقية الإيطالية (واس)
TT

تفاهم سعودي - إيطالي لتعزيز التعاون الثقافي

جانب من مراسم توقيع مذكرة التفاهم في مدينة البندقية الإيطالية (واس)
جانب من مراسم توقيع مذكرة التفاهم في مدينة البندقية الإيطالية (واس)

ناقش الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، مع نظيره الإيطالي جينارو سانجيوليانو، الجمعة، العلاقات الثقافية الاستراتيجية بين البلدين، ووقَّعا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في القطاع بمختلف مجالاته، والارتقاء بمستواه إلى آفاق أوسع.

جاء ذلك خلال زيارة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان الرسمية لإيطاليا، التي بحث فيها مع سانجيوليانو بمدينة البندقية، سبل تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بمجالات التراث، وفنون العمارة والتصميم، والفنون البصرية، والمتاحف، والأزياء، وفنون الطهي، والموسيقى. كما جرى تأكيد تنفيذ المشروعات الثقافية المشتركة، والمشاركة في الفعاليات والمهرجانات الدولية التي تقام في البلدين.

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي يلتقي نظيره الإيطالي جينارو سانجيوليانو في البندقية (واس)

وتشمل المذكرة تعزيز التعاون في التنقيب عن الآثار، وحفظ وترميم وصوْن التراث، وفنون العمارة والتصميم، والفنون البصرية، والمسرح والفنون الأدائية، وصناعة الأفلام، والأدب والنشر والترجمة، والمكتبات، وفنون الطهي، إلى جانب تسهيل الإجراءات التي من شأنها تشجيع القطاعات الثقافية، الخاصة منها والعامة، على تبادل الخبرات والمعرفة والمعلومات.

كما تضمنت تشجيع التعاون في مجال المحافظة على التراث المادي وغير المادي، وإطلاق المشروعات الثقافية الاستراتيجية المشتركة، والتعاون في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، والتوافق على أخذ التدابير اللازمة لذلك، ودعم الموضوعات التي تختص بالثقافة والتراث الثقافي، في إطار اجتماعات ومناقشات قمة «مجموعة العشرين».

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي ونظيره الإيطالي جينارو سانجيوليانو يوقعان مذكرة التفاهم (واس)

ويعمل الطرفان، بموجب المذكرة، على تعزيز التعاون في المشروعات الثقافية للعُلا، عن طريق تكوين علاقات مباشرة مع الهيئة الملكية للمحافظة، فيما يخص المجالات ذات الصلة باختصاصاتها، وضمن الحدود الجغرافية التي تشرف عليها، وتبادل الوفود الرسمية والخبراء من المتخصصين في القطاع، وإقامة البرامج التدريبية، وجلسات العمل، وتطوير القدرات، وعقد الندوات للمختصين والمثقفين، والفنانين من كلا البلدين.

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي لدى لقائه نظيره الإيطالي جينارو سانجيوليانو في البندقية (واس)

وتأتي المذكرة التي تهدف للارتقاء بمستوى تعاونهما الثقافي إلى آفاق أوسع، في سياق العلاقات الوطيدة بين البلدين، التي انطلقت عام 1932، بتوقيع اتفاقية التعاون بينهما، لتكون أساس علاقاتهما الثنائية، ثم تلاها مذكرات واتفاقيات، وصولاً إلى توقيعهما أول اتفاقية للتعاون في المجالات «العلمي والفني والثقافي» عام 1973، وما تبعها من علاقات ثقافية تاريخية في مجالات التنقيب عن الآثار، والمشاركات الثقافية في مختلف فعالياتهما.



الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ
TT

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

يعد التغير المناخي من المواضيع المُقلقة والمهمة عالمياً، وهو من الملفات الرئيسية التي توليها الدول أهمية كبرى، حيث تظهر حاجة عالمية وشاملة واتفاق شبه كُلِّي من دول العالم على أهمية الالتزام بقضايا التغير المناخي والاستدامة لحماية كوكبنا للأجيال القادمة.

هذه القضية المهمة عبَّر عنها بعض الفنانين الذين استخدموا الفن لرفع الوعي بالقضايا البيئية. حيث كان الفن إحدى وسائل نشطاء البيئة للتعريف والتأثير في قضايا المناخ والاحتباس الحراري، لاعتقادهم أن الحقائق العلمية وحدها قد تكون غير كافية، ولأهمية التأثير في العاطفة، وهو ما يمكن للفن عمله.

ومن فناني البيئة العالميين الفنان الدنماركي أولافور إيلياسون، الذي عيَّنه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سفيراً للنوايا الحسنة للطاقة المتجددة والعمل المناخي عام 2019م، حيث تركز أعماله المعاصرة والتفاعلية على التعبير عن ظواهر الاحتباس الحراري، وكان أحد أشهر أعماله «مشروع الطقس» الذي عُرض في متحف «تيت مودرن» في لندن، وجذب أعداداً هائلة من الجماهير، إذ هدف هذا العمل التفاعلي إلى الإيحاء للمشاهدين باقترابهم من الشمس، ولتعزيز الرسالة البيئية لهذا العمل ضمِّن كتالوج المعرض مقالات وتقارير عن أحداث الطقس المتغيرة.

المناخ والبيئة

إن التعبير عن قضايا المناخ والبيئة نجده كذلك في الفن التشكيلي السعودي، وهو ليس بمستغرب، حيث يعد هذا الاهتمام البيئي انعكاساً لحرص واهتمام حكومة المملكة بهذه القضية، والتزامها الراسخ في مواجهة مشكلة التغير المناخي، حيث صادقت المملكة على اتفاقية باريس لتغير المناخ في عام 2016، وهو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ. كما أطلقت المملكة مبادرتَي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، لتسريع العمل المناخي وحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وهو ما يجعل الفرصة مواتية للفنانين السعوديين للمشاركة بشكل أكبر في التعبير عن القضايا البيئية، مما يسهم في عكس جهود المملكة تجاه هذه القضايا ومشاركة الجمهور في الحوار حولها.

فعلى سبيل المثال، عبَّرت الفنانة التشكيلية منال الضويان عن البيئة في عمل شهير أنتجته عام 2020م، في معرض DESERT-X في مدينة العلا، بعنوان «يا تُرى هل تراني؟»، حيث كان العمل عبارة عن منصات تفاعلية للقفز في صحراء العلا، في إيحاء غير مباشر بالواحات الصحراوية والبِرَك المائية التي تتكون في الصحراء بعد موسم الأمطار، لكنها اختفت نتيجة للتغير المناخي والري غير المسؤول، وتأثيره البيئي في الطبيعة من خلال شح المياه واختفاء الواحات في المملكة.

الفن البيئي

كما نجد الفن البيئي بشكل واضح في أعمال الفنانة التشكيلية زهرة الغامدي التي ركزت في تعبيرها الفني على المواضيع البيئية من خلال خامات الأرض المستمدة من البيئة المحلية؛ مثل الرمال والأحجار والجلود والنباتات المأخوذة من البيئة الصحراوية كالشوك والطلح، وكيفية تحولها نتيجة العوامل المؤثرة فيها كالجفاف والتصحر والتلوث البيئي، كما في عملها «كوكب يختنق؟» الذي استخدمت فيه أغصان الأشجار المتيبسة وبقايا خامات بلاستيكية، لمواجهة المتلقي والمشاهد بما يمكن أن تُحدثه ممارسات الإنسان من تأثير بيئي سلبي، وللتذكير بالمسؤولية المشتركة لحماية كوكب الأرض للأجيال القادمة.

إن الفن البيئي لدى زهرة الغامدي يتمثل في نقل المكونات الطبيعية للأرض والبيئة المحلية وإعادة تشكيلها في قاعة العرض بأسلوب شاعري يستدعي المتلقي للانغماس في العمل الفني والطبيعة والشعور بها والتفاعل معها لتعزيز الارتباط بالأرض، فمن خلال إعادة تشكيل هذه الخامات البيئية يتأكد التجذر بالأرض والوطن والارتباط به.

وقد نجد التعبير عن المواضيع البيئية أكثر لدى التشكيليات السعوديات من زملائهن من الرجال، وقد يكون ذلك طبيعياً نتيجة حساسية المرأة واهتمامها بمثل هذه القضايا. وهو ما يثبته بعض الدراسات العلمية؛ إذ حسب دراسة من برنامج «ييل» للتواصل بشأن التغير المناخي، بعنوان «اختلافات الجنسين في فهم التغير المناخي» تظهر المرأة أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالبيئة، كما أن للنساء آراء ومعتقدات أقوى مؤيدة للمناخ وتصورات أعلى للمخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية، وقد فسر الباحثون هذه الاختلافات بأنها نتيجة اختلافات التنشئة الاجتماعية بين الجنسين، والقيم الناتجة عن ذلك كالإيثار والرحمة وإدراك المخاطر.

ومع أن الفن استُخدم كثيراً للتوعية بالقضايا البيئية، إلا أن بعض نشطاء البيئة حول العالم استخدموه بطريقة مختلفة للفت النظر حول مطالبهم، مثل أعمال الشغب والتخريب لأهم الأعمال الفنية في المتاحف العالمية، وقد استهدف بعض هؤلاء الناشطين أشهر الأعمال الفنية التي تعد أيقونات عالمية كلوحة «دوار الشمس» لفان غوخ، ولوحتي «الموناليزا» و«العشاء الأخير» لدافنشي. تخريب هذه الأعمال ليس لأنها مناهضة للبيئة بقدر ما هي محاولة لفت النظر نحو قضاياهم، لكن لتحقيق التغيير المطلوب، أيهما أجدى، التعبير الإيجابي من خلال الفن، أم السلبي من خلال تخريبه؟

إن الفن التشكيلي ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل له دور حاسم ومؤثر في تشكيل الوعي بالقضايا البيئية، فهو يدعو لإعادة التفكير في علاقتنا بها، والعمل معاً لمستقبل أكثر استدامة. إضافةً إلى دوره بصفته موروثاً ثقافياً للأجيال المقبلة، إذ يسجل تجربتنا في مواجهة هذا التحدي العالمي.

* كاتبة وناقدة سعودية