سيلين ديون… «حب جديد» يأخذها إلى التمثيل

الفنانة الكندية تُصارع مرضاً نادراً يكاد أن يُفقدَها الصوت والحركة

المغنية الكندية سيلين ديون في إحدى آخر حفلاتها عام 2019 (أ.ب)
المغنية الكندية سيلين ديون في إحدى آخر حفلاتها عام 2019 (أ.ب)
TT

سيلين ديون… «حب جديد» يأخذها إلى التمثيل

المغنية الكندية سيلين ديون في إحدى آخر حفلاتها عام 2019 (أ.ب)
المغنية الكندية سيلين ديون في إحدى آخر حفلاتها عام 2019 (أ.ب)

في أولى تجاربها التمثيلية، تطل المغنية العالمية سيلين ديون ضمن الفيلم السينمائي الأميركي الصادر حديثاً «Love Again» (حب من جديد). من دون أن يشكّل الفيلم سيرةً ذاتية عنها، إلا أن ديون لا تتقمّص فيه دوراً من نسج الخيال، بل تقدّم شخصيتها الحقيقية؛ سيلين ديون، النجمة الكنديّة التي جمعت حول صوتها العابر للأجيال، عشرات ملايين المحبّين في كل زوايا العالم.

تؤدّي ديون كذلك أغاني الفيلم قائلةً في إحداها: «قد تظنّ أن العالم ينتهي لكنه لن يفعل، قد تشعر بأنك تريد الاستسلام لكنك لا تستسلم. لست مضطراً لتحريك جبل، يكفي أن تواصل الحركة لأن كل حركة هي شعور جديد». تبدو وكأنها تُهدي تلك اللازمة لنفسها، هي التي انقضت 6 أشهر على تشخيصها بـ«متلازمة الشخص المتيبّس» (Stiff Person Syndrome).

تصيب هذه الحالة العصبية النادرة شخصاً من بين مليون، وقد أصابت سيلين ديون. أبعدتها عن المسارح والجماهير، كما أرغمتها على إلغاء جولاتها وحفلاتها، وتجنّب التجمّعات البشرية والأضواء القوية والأصوات العالية لأن في ذلك ضرراً إضافياً على صحتها. هي التي أمضت عمرها كاملاً منذ سنّ الـ12، تغنّي للناس وتلفّ القارات بأعمالها الموسيقية، تعيش اليوم في الظل والصمت، بانتظار «هدوء العاصفة وبزوغ الشمس من جديد»، على ما تقول أغنية الفيلم.

تصوير عن بُعد

أنهت ديون تصوير «Love Again» في بداية عام 2021، أي قبل سنة ونصف من معرفتها بمرضها. في ظل الإجراءات التي فرضتها جائحة «كورونا»، جرى تصوير المشاهد عن بُعد فلم تجتمع النجمة الكنَدية مع بطلَي الفيلم بريانكا شوبرا وسام هيوغان. لكن ذلك لم يَحُل دون اختزال أدائها لكل معاني الحب، لا سيّما أن دورها يقتضي بأن تجمع ما بين قلبَي شوبرا وهيوغان في شخصيتَي «ميرا» و«روب».

ليس الحب غريباً على ديون، هي التي عاشته إلى جانب زوجها ومدير أعمالها الراحل رينيه أنجليل، وغنّته في كل ألبوم من ألبوماتها. وكما في أغانيها كذلك في هذه الكوميديا الرومانسية الخفيفة التي تعيد إلى الأذهان أفلام الحب في التسعينات حيث، وإن بالغت سيلين في تظهير الأحاسيس واستفاضت في التعبير عنها، فهي لا تفقد شيئاً من لقبها «ملكة المشاعر».

بالحب تحاول سيلين ديون الشفاء اليوم، بعد أن صارحت جمهورها بمُصابها الذي تركها عاجزةً تقريباً عن الحركة والمشي وحتى الغناء. يأتي هذا الفيلم بعنوانه وحكايته وأغنياته وحملته الإعلانية الضخمة، ليشكّل تحيةً لمسيرة الفنانة الحافلة، وليشقّ لها طاقة أمل في جدار ابتعادها القسريّ.

لا راحة لسيلين

وفق ما ينقله أفراد عائلتها والمقرّبون منها، فلا تَقدُّم يُذكر في وضعها الصحي حتى الآن. في الأثناء، تصارع ديون مرضاً نادراً يصيب النساء أكثر من الرجال ولا يُعرَف الكثير عن مسبباته ولا عن علاجه، أما عوارض «متلازمة الشخص المتيبّس» فتتراوح ما بين التشنّجات العضليّة المؤلمة واليباس في بعض أعضاء الجسد، وصولاً إلى السقطات الفجائية وعدم القدرة على السير.

رغم أن ثروتها تقدَّر اليوم بـ800 مليون دولار، هي التي باعت أكثر من 220 مليون ألبوم حول العالم خلال مسيرتها الفنية، غير أن حياة سيلين ديون لم تكن سهلة ولا ورديّة. صحيح أن أحد أعمدة الإنتاج الموسيقي وقف إلى جانبها زوجاً ومدير أعمال، إلا أنها لطالما كانت امرأة مكافحة وطموحة. لم تعترف بالراحة واستثمرت كل ما تملك من طاقة وموهبة خارقة في مشروعها الموسيقي. إلى أن أتى مرض زوجها فزعزع المملكة الصغيرة التي بنتها، أما وفاة أنجليل عام 2016 فشكّلت الضربة القاضية بالنسبة إليها.

في حقبةٍ يصرّ الطب على الرابط الوثيق بين الصحة النفسية والصحة الجسدية، وعلى تأثّر الجسد بأعراض النفس والأعصاب، ليس مستغرباً أن يكون كل ما قاسته سيلين ديون خلال حياتها، قد انعكس سلباً على وضعها الصحي. يكفي النظر إلى روزنامة مسيرتها، للاستنتاج بأنها لم تسترِح شهراً من التسجيل والحفلات طيلة سنوات نشاطها الـ41. حتى عندما استراحت كان ذلك لمحاولة الإنجاب، وقد نجحت في ذلك بصعوبة بعد خضوعها لعلاجات عدّة. وحين ابتعدت عن العمل مرةً ثانية، حصل ذلك خلال مرض زوجها الذي حرصت شخصياً على رعايته.

سيلين ديون مع زوجها رينيه أنجليل وأولادهما الثلاثة (رويترز)

أكثر من ألبوم في السنة

لم تندم سيلين ديون على أنها سلكت درب النجومية الشائك منذ كانت في الـ12 من عمرها. لم تبكِ أبداً على مراهَقةٍ مفقودة، فهي لطالما حلمت بأن تصبح مغنّية؛ منذ ذلك اليوم الذي وقفت فيه لتغنّي في زفاف شقيقها وهي في الخامسة. أما حين سمعها رينيه أنجليل للمرة الأولى، فتعهّد بأن يجعل منها نجمة عالمية، إلى درجة أنه رهن منزله لإنتاج أولى أغنياتها.

في عشرينها كانت ديون قد فازت بجوائز عدة من بينها مسابقة الأغنية الأوروبية (Eurovision). وما هي إلا 3 أعوام حتى اخترقت قلوب الأميركيين بتقديمها أغنية فيلم «Beauty and the Beast» (الجميلة والوحش). وفي عام 1993 ثبّتت مرتبتها العالمية من خلال ألبوم «The Color of my Love» حيث اختصرت مشاعرها تجاه أنجليل، الذي يكبرها بـ26 عاماً.

بالتعاون مع أبرز المنتجين والمؤلفين الموسيقيين، واظبت ديون على تسجيل ألبوم أو أكثر خلال السنة الواحدة، بالتوازي مع جولاتها العالمية. وما بين 1993 و1999، أصدرت 8 ألبومات؛ وقد أتى ذلك أحياناً على حساب حبالها الصوتية، حيث اضطرّت مرةً إلى الصمت شهراً كاملاً لمداواتها.

النجمة التي كرّسها فيلم «تيتانك» صوتاً تاريخياً مع أغنية «My Heart Will Go on»، عاودت نشاطها بعد إنجاب ابنها الأول رينيه شارل، فكثّفت الإصدارات باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ودخلت التاريخ مرةً أخرى من بوّابة لاس فيغاس حيث استمرّ عرضها الموسيقي الأسطوري 5 سنوات متواصلة. وهي عادت إلى المسرح ذاته ما بين 2011 و2014 بعد ولادة توأميها إدي ونيلسون.

بعد وفاة زوجها عام 2016، حاولت سيلين ديون النهوض بعد الانكسار، أكان من خلال استرجاع إيقاع العمل المكثّف، أو بواسطة الأغنيات التي جاءت بمثابة اعترافاتٍ حميمة بآلامها الروحية ووعودٍ بالاستمرار رغم الفقدان. أما اليوم، فهي تتشبّث بمعجزة الحب عكازاً لتنهض من جديد.


مقالات ذات صلة

مهرجان تورنتو يشهد عروضاً ناجحة واحتجاجات أوكرانية

يوميات الشرق المخرجة أناستاسيا تروفيموڤا خلال تصوير «روس في الحرب» (تورنتو)

مهرجان تورنتو يشهد عروضاً ناجحة واحتجاجات أوكرانية

يعتبر اختتام مهرجان تورنتو السينمائي التاسع والأربعين في الخامس عشر من هذا الشهر، الخطوة الأولى نحو سباق الأوسكار

محمد رُضا (تورنتو)
يوميات الشرق صبا مبارك وهنا شيحة مع منظّمي الملتقى (إدارة الملتقى)

«ميدفست مصر»... ملتقى للأفلام يجمع صُنّاع السينما والأطباء

في تجربة سينمائية نوعية، انطلق ملتقى «ميدفست مصر» في دورته السادسة، بقاعة إيوارت في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الذي يجمع بين صُنّاع السينما والأطباء.

انتصار دردير (القاهرة )
ثقافة وفنون الممثلة البريطانية كيت وينسلت في ميونيخ (د.ب.أ)

كيت وينسلت: نجاح «تايتانيك» لم يكن أمراً إيجابياً تماماً

قالت الممثلة البريطانية كيت وينسلت إن النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الدرامي الرومانسي «تايتانيك» لم تكن له جوانب جميلة بحتة.

«الشرق الأوسط» (ميونخ )
ثقافة وفنون الفنانة المصرية ناهد رشدي (فيسبوك)

وفاة الفنانة المصرية ناهد رشدي بعد صراع مع المرض

غيب الموت الفنانة المصرية ناهد رشدي، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز الـ68 عاماً.

يسرا سلامة (القاهرة)
يوميات الشرق محتجون يرفعون أعلاماً أوكرانية خارج مقر مهرجان تورونتو السينمائي (أ.ب)

احتجاجات في مهرجان تورونتو السينمائي رغم تعليق عرض «روس في الحرب»

واصل كنديون من أصل أوكراني احتجاجاتهم، أمس الجمعة، على هامش مهرجان تورونتو السينمائي حتى بعد قرار منظمي المهرجان وقف عرض وثائقي عن الجنود الروس في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (تورونتو)

سعد الصويان... المدافع العتيد عن الثقافة الشعبية

سعد الصويان... المدافع العتيد عن الثقافة الشعبية
TT

سعد الصويان... المدافع العتيد عن الثقافة الشعبية

سعد الصويان... المدافع العتيد عن الثقافة الشعبية

لا غرو أن تُكرم وزارة الثقافة السعودية من خلال برنامج الجوائز الثقافية الوطنية عالم الإنثروبولوجيا السعودي الدكتور سعد الصويان نظراً لما قدمه خدمة للثقافة والتاريخ والفكر. وقد اشتهر الدكتور سعد بكتابه «ملحمة التطور البشري» الذي فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في 2013، إلا أن كتابه الأبرز في نظري ونظر غيري هو «الصحراء العربية: ثقافتها وشعرها عبر العصور، قراءة إنثروبولوجية». ورغم أن رسالته للدكتوراه «الشعر النبطي» التي نشرتها جامعة كاليفورنيا لا تزال إلى اليوم مرجعاً مهماً للباحثين حول العالم، فإن كتاب «الصحراء العربية» هو جوهرة العقد في كل كتابات الصويان، وقد ظهر للقراء المشغولين بهذه القضايا وكأنه من دراسات المستشرقين، في دقته وعمق طرحه وحجم القضايا التي يناقشها وراهنيتها، وآرائه التي قد تبدو صادمة للبعض، إلا أنه ليس من المستشرقين بل عربي سعودي من أهل الجزيرة العربية، وهذا ما أضاف إلى قيمة الدراسة على أساس أن أهل مكة أدرى بشعابها.

الشعر ضروري في تصور حياة العربي وفهم تكوينه النفسي، ولذلك وجدنا د. الصويان يناقش ما يراه خللاً منهجياً في دراسة الشعر الجاهلي، ألا وهو أن الدراسات المختصة بالأدب الجاهلي وقعت في أحد محذورين، إما أن تنزلق في تطبيق معايير النقد المدرسية التي نشأت في أحضان الآداب المكتوبة، مثل نظرية الانتحال، أو تبسيط قضايا الشعر الشفهي وتطبيقها بشكل خاطئ، بينما يرى هو أن المنهج السليم لفهم قضايا الأدب الجاهلي هو تسليط الضوء عليه من منظور الأبحاث الميدانية المعاصرة عن حياة الصحراء الرعوية، من جهة الدراسات الإثنوغرافية الحديثة عن المجتمعات البدائية. وقد مايز بين النص الشفهي والنص الكتابي وتداخلهما، وناقش نظريات الأدب الشفهي وما يدور في فلك الانتحال، ومدى صحة نسبة الشعر الجاهلي، ودرس طبيعة العلاقة بين شعرنا الشعبي اليوم والشعر الجاهلي بزواياها الأدبية والتاريخية.

فيما يتعلق بقضية الانتحال في الشعر الجاهلي، يوافق الصويان على وجود التغير لكنه يصر على صحة الأصل وندرة الانتحال، أي أنه يثبت وجود الشعراء الجاهليين وينسب لهم أشعارهم مع الإقرار بوجود بعض التعديل والتغير والتقديم والتأخير، مخالفاً بذلك نظرية المستشرق مرجليوث، التي تابعه عليها الدكتور طه حسين في كتابه عن الشعر الجاهلي. الشعر قضية كبرى فهو الذي تحدث وصوّر لنا حياة العرب وأنماط عيشهم وتاريخهم وقصصهم، وهكذا لم يكن كتاب الدكتور طه حسين مجرد كتاب، ولذلك رد عليه من رد، ومن ضمنهم الصويان، لأن الأمر يرتبط بصحة التصور، كما أنه يتعلق بقضية الهوية.

وفي الثمانينات، وبصفة أدق منذ 1983 إلى 1990 قام الصويان برحلة مولتها جامعة الملك سعود قضاها مع بادية شمال المملكة. في تصوري أنه فعل هذا انطلاقاً من إدراكه لمشكلة ثقافتنا وتاريخها السابق، أنها ثقافة شفاهية، كل ما لا يمكن تحويله من الشفاهة إلى الكتابة ستطويه يد النسيان، ولذلك سجل خلال السبع سنوات مئات من التسجيلات المرئية مع أهل المنطقة، خصوصاً كبار السن من الشعراء والحفّاظ والرواة المعروفين. قصص وأشعار شعبية تدون تاريخ الأرض والناس والظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة وتصف حياتهم ببساطة. هذه التسجيلات التي تجاوزت المائتين صارت مادة كتابه «أيام العرب الأواخر». وقد خطرت فكرة هذا الكتاب ببال الصويان في أثناء دراسته بالولايات المتحدة الأميركية، عندما رأى تعاطي الأكاديميين المختصين مع ملحمتي الأوديسة والإلياذة وما يُعرف أكاديمياً بمعضلة هوميروس، تلك الملاحم التي تقدر بعشرات الآلاف من الأبيات التي يبدو أنها تغيرت كثيراً وجرى تعديلها عدة مرات عبر القرون، لأسباب اجتماعية وسياسية، وبسبب قضية الانتحال التي يعاني منها الشعر في كل ثقافة.

لقد فُتن سعد الصويان بحياة الصحراء وأهلها، خصوصاً فيما يتعلق بقدرة أهل البادية على البقاء على قيد الحياة في ظروف غير مواتية، من حرارة الشمس إلى حرارة السيف أثناء القتال. ولذا يرفض تسمية أهل البادية بالأميين، وإن كانوا في الماضي لا يُحسنون القراءة والكتابة، لأنه ليس بالأمي من يعرف كل نجمة في السماء وكل نبتة في الصحراء، ويعرف أنواع الرياح وحركتها ومواسمها، كما يعرف كل تضاريس الأرض ويسمّي كل بقعة فيها باسم يصبح متعارفاً عليه.

وعن علاقة أهل الجزيرة العربية ببعضهم البعض، يتحدث الصويان عن صلة تكاملية بين حاضرة الجزيرة العربية وباديتها، مع أنه لا يرى فرقاً كبيراً بينهما. فلو كانوا كلهم فلاحين لما كفتهم البيئة الطبيعية المحيطة، ولو كانوا رعاة كلهم لما كفتهم، فقامت العلاقة على تقاسم للموارد بحيث لا يستغني أحد الطرفين عن الآخر. و«سلوم العرب» هي نوع من الأرستقراطية في نظر الصويان، لأنها تعبر عن حرية رجل الصحراء واستقلاله، فهو من يحاسب نفسه انطلاقاً من حرصه على سمعته وشرفه ومكانته الاجتماعية.

يمكن أن نقول إننا أمام مدافع عتيد عن الثقافة الشعبية، وهو بالفعل ثائر على الأوساط الثقافية التي ترفض اعتماد منتجات الثقافة الشعبية كمعرفة جديرة بالتقدير. ولذلك فالعامية بالنسبة للصويان لغة مقبولة كالفصحى ولا يمكن التخلي عما تقدمه من معارف. من هنا أصبح للصويان خصمان، المتزمتون دينياً ممن يرون تعارضاً بين الدين كما يرونه وأطروحاته، والمتزمتون لغوياً، ممن يرفضون استخدام أي لغة سوى الفصحى، وممن يرون في اللغة الشعبية تهديداً للفصحى، رغم أنه تهديد وهمي.