د. سعيد الصقلاوي: المبدعون العُمانيون سجّلوا حضورهم عربياً في الشعر والرواية

يرى أن الشعر والعمارة يستخدمان معايير جمالية مشتركة

د. سعيد الصقلاوي
د. سعيد الصقلاوي
TT

د. سعيد الصقلاوي: المبدعون العُمانيون سجّلوا حضورهم عربياً في الشعر والرواية

د. سعيد الصقلاوي
د. سعيد الصقلاوي

يجمع الدكتور سعيد الصقلاوي، عضو مجلس الدولة، ورئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، بين الشعر والنقد والهندسية المعمارية. إلى جانب دوره عضواً في مجلس الدولة، ورئيساً لجمعية الكتاب والأدباء في عُمان، فهو حاصل على بكالوريوس في تخطيط المدن والأقاليم (القاهرة)، والماجستير في التصميم الهندسي الحضري من جامعة ليفربول ببريطانيا (1992)، وفاز أحد مشاريعه للإسكان الاجتماعي بجائزة مجلس وزراء الإسكان العرب، كما حاز على كثير من الجوائز، وهو عضو في الجمعية الأميركية للتخطيط.

أصْدَر كثيراً من الدواوين الشعرية؛ منها: «ترنيمة الأمل» و«أنت لي قدر»، و«صحوة القمر» و«أجنحة النهار» و«نشيد الماء» و«وصايا قيد الأرض» (2015)، وغيرها.

وصدر له في مجال الدراسات الأدبية والتاريخية «شعراء عمانيون»، و«الشيخ عبد الله الخليلي كلاسيكية متجدّدة»، و«موسوعة التحصينات العمانية... سيرة تاريخية ومكانية ومعمارية» (7 أجزاء).

هنا لنا حوار معه:

(*) كونك مهندساً معمارياً؛ هل ترى ثمة علاقة بين الشعر والعمارة؟ نعرف أنك تحمل الماجستير في التصميم الهندسي الحضري من جامعة ليفربول ببريطانيا، وفاز أحد مشاريعك للإسكان الاجتماعي بجائزة مجلس وزراء الإسكان العرب، وعلى عدة جوائز أخرى.

- تتحقق العلاقات بين الشعر والعمارة على صعد شتى منها. إن محور التعاطي والاستهداف هو الإنسان؛ من الناحية الثقافية والاجتماعية. فالعمارة تسعى إلى تحقيق الرضا الإنساني من خلال المنجز المعماري الذي يستفيد منه الإنسان ويتعاطى معه مكانياً وروحانياً واجتماعياً واقتصادياً وزمانياً، وكذلك الشعر فهو يبدع للإنسان وعن الإنسان. ومن الناحية الجمالية فإن كليهما يسعى إلى تقديم الجمال للإنسان والحرص على رقيه الروحاني والإنساني، والانحياز إلى جماليات مشاهد التصوير الفني البصري والنفسي.

والمشترك بين الشعر والعمارة أن كليهما عضو في منظومة الفنون الجميلة. فلسفياً يستخدمان معايير جمالية مشتركة؛ منها الإيقاع والتكرار والابتكار والتماثل والانسجام والاتساق والوزن الكتلي والتوازن الحجمي والرضا النفسي والخيال والمقياس الإنساني والحركة والعلامة والسيماء والتشكيل البصري والبلاغة التعبيرية وغيرها.

(*) لديك أعمال شعرية تتنوع فيها القصائد بين الشعر العمودي والشعر الحر، مثل مجموعتك «وصايا قيد الأرض»، وديوانك «ما تبقى من صحف الوجد»... كيف ترى انتقالك من العمودي إلى التفعيلي؟

- ظاهرة مراوحة انتقالي بين الشكلين: الشعر العمودي والشعر الحر (التفعيلة)، ليست جديدة. بل إن ديواني الأول «ترنيمة الأمل» الصادر في عام 1975 يُعد من الإصدارات العمانية السباقة في تقديم نموذج الشعر الحر (شعر التفعيلة) إلى ساحة الشعر العماني. بل وحمل الديوان عنوان قصيدة من الشعر الحر التفعيلي وهي قصيدة «ترنيمة الأمل». واستمرت الإصدارات جميعها متضمنة قصائد للشعر الحر التفعيلي بجانب قصائد الشعر العمودي. أما في ديوان «وصايا قيد الأرض» فقد قدمت نماذج للشعر تلتزم الشعرية والموسيقى وتتحرر من سلطة الإيقاع. وهناك فرق بين الإيقاع باعتباره سلطة منتظمة والموسيقى باعتبارها تآلفات تركيبية منسجمة.

(*) وماذا عن قصيدة النثر؟

- ما يدعى بقصيدة النثر أنا أسميها «النثيرة»، هذا النوع من الكتابة إضافة إبداعية لها مبدعوها المتميزون فيها. وقد كثفوا جهودهم لتحقيق وجودها في سيرة الشعر العربي من عمان والخليج العربي إلى المغرب والمحيط الأطلسي.

(*) بالرغم من أن التجربة الشعرية في عمان عرفت قصيدة النثر منذ الثمانينات والتسعينات، فإنها بقيت محدودة ولم تتمدد في الفضاء الشعري... لماذا بقيت قصيدة النثر غريبة في عُمان؟

- قصيدة النثر (النثيرة) شهدت تصاعداً منذ بواكيرها إلى مدى زمني نتيجة لعوامل كثيرة. أهمها الكتابة والإنجاز فيها والتكريس الإعلامي والنشر الصحافي في المجلات والجرائد وطباعة ونشر الدواوين ومحاولة التنظير لها، ولكنها لم تكتمل بمشروع نقدي معياري واضح. لقد تصدّر ترويجها في الساحة الثقافية العربية، ولكنها بالرغم من ذلك اصطدمت أولاً بالجانب الأكاديمي ومؤسساته، ومنها من رفض إدراجها في برامج مؤسساته ثقافياً وإبداعاً أدبياً، وبالتالي رفض تناولها بالدرس وطرحها مجالاً للدراسات والأطروحات البحثية على مستوى الماجستير والدكتوراه. وثانياً، اصطدمت بالموروث الشعري والذائقة السمعية والرضا النفسي وبالتواصل الوجداني والمفاهيمي ثالثاً.

(*) مجموعتك «وصايا قيد الأرض»، تتناول ثيمات إنسانية تعلي من قيم الحرية والعدالة والإخاء... في هذا الديوان؛ هل حقاً أن «الملّاح العُماني يستردّ صورته»، كما وصفك الناقد والأكاديمي د. محمد حسن عبد الله في تقديمه؟

- ديوان «وصايا قيد الأرض» يتضمن الثيمات الإنسانية المتصلة بكل ما أشرت إليه أنت، وأشكرك على هذه القراءة النافذة بصيرة إلى عمق المحتوى، وهي قراءة كاشفة في هذا الديوان. كما أقدم الشكر وافره والامتنان لأستاذنا الناقد الكبير أ. د. محمد حسن عبد الله الذي جعل أيقونة دراسته لتجربتي الشعرية، هذا العنوان اللافت والمعبر عن مكامن صورة الملاح العماني التي كانت شاخصة في التاريخ بزهو سيرتها وصيرورتها الحضارية ومحبة عطاءاتها الإنسانية وامتداد تواصلها الثقافي وأصالة منظومة قيمها النبيلة. وفي منظور ذلك فإن الملاح العماني باعتباره مبدعاً؛ ينتمي إلى أصالته، ويسعى حثيثاً إلى التمسك بإشراق صورته الحضارية ويعمل على استدامتها فكراً مستنيراً وعطاءً متسعاً وقلوباً متآخية وأكفاً متساندة وتوجهات مدودة بسلام للإنسان في كل مكان.

(*) تُرجم لك عدد من القصائد إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية، كيف تسهم ترجمة الشعر في خلق فضاءات مشتركة مع الآخر؟

- مما لا شك فيه، فإن الترجمة هي الجسور التي تعبر عليها الثقافات والعلوم وتستقر في محطات حضارية تنشر فيها الضياء المعرفي وتمحو ظلام الجهل بالآخر وتبستن فيها حقول الفكر فتزهر تجديدات الأفكار والابتكار. وما من أمة نمت وتطورت إلا وكان للترجمة نصيب وافر من ذلك المحصول السخي. وتحرص الأمم الحاضرة جميعها على ترجمة ما تنتجه الشعوب الأخرى. وتفتح الترجمة بوابات التواصل الحضاري. فالعرب ترجموا العلوم فعرفوا بذلك غيرهم واستفادوا منها في نهوضهم، وهذا ما تفعله الأمم الأخرى. بالترجمة عرفنا الفلاسفة والشعراء والأدباء والمؤرخين والعلماء والأطباء من غير العرب. وهنا تكمن مساهمة الترجمة في خلق فضاءات شعرية ومناخات أدبية وشبكات علمية وغيرها من ضروب الاتصال والتواصل.

(*) لماذا لا يزال التفاعل بين المثقف العماني ومحيطه والعالم الخارجي محدوداً؟

- هناك تفاعل لافت للعيان بين المثقف العماني والمحيط داخلياً وخارجياً. يظهر ذلك بجلاء في الحضور العماني المشهود في الفعاليات الثقافية ومعارض الكتب والفنون الدولية والندوات العلمية والمهرجانات الثقافية والمؤتمرات الأدبية عربياً وعالمياً. تلك التي تسهم فيها مشاركات المثقف العماني بحضوره الفاعل والكاتب العماني ببحوثه ودراساته والأديب العماني بإبداعاته المتنوعة.

(*) كيف تصف التجارب الشابة في عُمان... في مختلف مسارات العمل الثقافي والإبداعي؟

- التجارب الشابة العمانية في مختلف المسارات تدرك أهمية أن تكون متقنةً فنون إبداعها، وهي في هذا الخصوص تتابع كل جديد وتنهل من تراثها، والتراث العالمي، مستفيدة من تثاقفها محلياً وخارجياً، وموظفةً هذا التثاقف في إبداع أعمال أدبية شديدة الجودة مما مكنها من الفوز على شتى الصعد. وإن الجوائز التي حصدها الشباب المبدع العماني في المسابقات الثقافية في الشارقة والفجيرة وقطر رغم شدة التنافس وعنفوانه تعبر بوضوح عن نضج التجربة وعمق الثقافة وإتقان فن الكتابة في المسارات المختلفة.

(*) لماذا تتقدم حركة الشعر في عُمان على الرواية... بالرغم من بروز بعض التجارب الروائية وصل بعضها إلى العالمية مثل أعمال جوخة الحارثي... حتى القصة تبدو أكثر انتعاشاً من الرواية؟

- كما تعلم فإن فن الرواية له سماته وأساليبه واشتراطاته. ولقد فازت هدى وبدرية البدري، وشريفة التوبي، ومحمود الرحبي، وغيرهم عديدون بجائزة الرواية. كذلك فاز الشعر العماني ممثلاً في بدرية البدري، وجمال الملا، بجائزة شاعر الرسول. وعائشة السيفي التي أخذت إمارة الشعر كأول امرأة عربية، وحسن المطروشي الذي فاز في إيطاليا. وغيرهم عديدون. ولعلنا نلاحظ مسايرة الرواية وتزامنها مع الشعر في السير المتوازي في مجالين أدبيين يحاول اللحاق بهما أدب الطفل والدراسات النقدية التي فازت مرات عديدة في جائزة الجمعية للإبداع الأدبي وكذلك جائزة الشارقة، وكذلك في الجائزة التي ترعاها إمارة الفجيرة، وفازت د. وفاء الشامسي عربياً بجائزة القصة للطفل.

(*) ألا ترون أن المركزية التي يحتلها التراث العماني في الأعمال الأدبية أسهمت في تأخير التفاعل مع التجربة الحداثية؟

- التراث العماني زاخر بالنفائس وعلينا سبره والتفاعل معه وإعادة بثه في صور وأنماط معاصرة. ويتأتى ذلك من خلال فهمه وقراءته وفق الأسس والملامح والمناهج المعاصرة، وتوظيفه فيما يخدم الثقافة المعاصرة ويزودها بما يفيد رؤاها وتطلعاتها. وهو بذلك كنز لا ينبغي إهماله والجنوح عنه وإغفاله. وتتعالق الصلات بين الحداثة والتراث في مكامن القواسم المشتركة التي يطل بها التراث العماني على الحداثة الثقافية مفاهيمياً واستيعاباً وتداولاً ومن ثم إبداعاً حديثاً متواصلاً.



في العدد الأول من مجلة «الإيسيسكو» الثقافية... الغذامي لا يخشى على الشعر

العدد الأول من مجلة «الإيسيسكو»
العدد الأول من مجلة «الإيسيسكو»
TT

في العدد الأول من مجلة «الإيسيسكو» الثقافية... الغذامي لا يخشى على الشعر

العدد الأول من مجلة «الإيسيسكو»
العدد الأول من مجلة «الإيسيسكو»

بالتزامن مع انعقاد مؤتمر وزراء الثقافة في العالم الإسلامي، الذي احتضنته مدينة جدة السعودية، منتصف الشهر الماضي، تمّ إطلاق العدد الأول من «مجلة الإيسيسكو الثقافية». وتناقش المجلة الجديدة التي أطلقتها «منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة» موضوعات ثقافية وتربوية وأدبية، مع تسليط الضوء على قضايا معاصرة تهم الساحة الثقافية في العالم الإسلامي.

رسالة المجلة

يشرف على هيئة تحرير المجلة الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لـ«الإيسيسكو»، وتتولى رئاسة التحرير الشاعرة السودانية روضة الحاج، مع فريق من المحررين.

في كلمة العدد، كتب الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لـ«الإيسيسكو»: «قد لا تكون هذه المرة هي الأولى التي تشهد إصدار مجلة باسم (الإيسيسكو)، ولكنها المرة الأولى التي تفلح فيها المجلة في المزج الخلّاق والشراكة الذكية بين إسهام الفاعلين في حقول عمل (الإيسيسكو) واستثمار الخبرات والمعارف والمواد القيمة التي تزخر بها أروقة وقطاعات ومراكز المنظمة عبر حراكها الذي لا يتوقف ونشاطها الذي لا يعرف السكون».

وأضاف: «إن رسالة (الإيسيسكو) القائمة على كونها مسرّعاً للتنمية، من خلال تطوير السياسات التنموية وبناء المنظومات المعرفية والابتكارية وتأهيل قيادات رائدة وتقديم الدعم والخبرة والمشورة، يحتم عليها السعي للوصول إلى أكبر قطاع ممكن من المستفيدين والشركاء في كل أنحاء العالم الإسلامي. وخير وسيلة لذلك ولا شك هي تعددية القنوات الإعلامية التي تمكّنها أن تقوم بتجسير العلاقات وإيصال الأفكار والرؤى ودعم التواصل بين المنظمة وعضويتها التي تتجاوز الخمسين دولة في مختلف أنحاء العالم. والمجلة قناة أخرى نضيفها إلى قنوات تواصلنا المتعددة، مع خصوصية لونيتها وخصوصية جمهورها أيضاً».

أما رئيسة التحرير الشاعرة روضة الحاج، فتساءلت في مقالها بالعدد الأول: ما الأهداف الجديدة التي تحملها مجلة «الإيسيسكو» في ثوبها الجديد؟

لتجيب: «إن ثراء (الإيسيسكو) وغناها متعدد الملامح هو أحد أهم أسباب تجدد فكرة المجلة. فالقريبون من المنظمة والمتعاملون معها وأصدقاء موقعها على الإنترنت وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي يعرفون حقّ المعرفة الحراك الموّار الذي لا يكاد يهدأ داخل قطاعات المنظمة ومراكزها المتخصصة، ويعلمون الجهد الكبير الذي يبذله المخلصون والخبراء لتقديم أفضل ما لديهم في مجالات التربية والعلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافة والعلوم».

وتضيف الحاج: «إصدار مجلة غير محكّمة عن منظمة تعمل في مجالات الثقافة والتربية والعلوم أمر غير معتاد، ولكنها محاولتنا للاقتراب من المتلقي بكافة مستويات التلقي، والمثقف من كافة أنماط الثقافة، في تطلعهم إلى المعرفة والثقافة والحوار بأبسط الطرق وأيسرها».

د. سالم بن محمد المالك المدير العام لمنظمة «الإيسيسكو» (واس)

رأس المال الثقافي

شمل العدد الأول من المجلة حوارات صحافية مع عدد من الشخصيات البارزة في مجالات الثقافة والتربية والعلوم، منهم الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لـ«الإيسيسكو»، الذي أكد في حواره على أن المنظمة باتت بيت خبرة لكل المثقفين والمبدعين في العالم الإسلامي.

تأسست منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) عام 1982، وتتخذ من العاصمة المغربية الرباط مقراً لها، وتضم في عضويتها 53 دولة. وفي الحوار معه، يذكر المدير العام لـ«الإيسيسكو» الدكتور سالم بن محمد المالك أن «الثقافة تمثّل رافعة من روافع التنمية المستدامة، وذاكرة حية للشعوب تمثل هويتها الأصيلة وإرثها الإنساني»، فالثقافة هي «روح الأمم وجوهر هويتها، وأعدّ أن المنظمة بيت لكل المثقفين والمبدعين في العالم الإسلامي. ولأن دول العالم الإسلامي هي دول ذات ثقل حضاري وثقافي وتراثي ضارب في القدم، زاخر بالتنوع والغنى والتميز، كان لزاماً على المنظمة التفكير في آلية تحتفي فيها مع دولها الأعضاء بهذا التفرد، ما جعلها تعمل على تحديث وتجديد برنامج (الإيسيسكو) للاحتفاء بالعواصم الثقافية في دول العالم الإسلامي، الذي ينبع من وعيها الكبير بأهمية رأس المال الثقافي، ومن رغبة المنظمة في تغيير صورة هذه المدن نحو الأفضل، على نحو يبرز الجاذبية الثقافية لهذه العواصم المحتفى بها. ومن أجل إنعاش الذاكرة التاريخية لشعوب دول العالم الإسلامي».

قصاصة من حوار الغذامي في مجلة «الإيسيسكو» الثقافية

لا خوف على الشعر

كما اشتمل العدد على حوار مع الناقد والمفكر السعودي الدكتور عبد الله الغذامي، أجرته الشاعرة روضة الحاج. تناول الحوار السيرة الفكرية والنقدية للدكتور الغذامي. وفي إجابته على سؤال بشأن نظرته لمستقبل الشعر العربي، وهل يخشى عليه غوائل الزمان؟ أجاب الغذامي: «الشعر والسرد معاً أهم سمات الحيوية البشرية، وكل إنسان هو شاعر وحكّاء في الوقت ذاته. ونحن نصنع حكاياتنا ونحوّل تجاربنا إلى سردية ذاتية نرويها حتماً ونقصّها لغيرنا، ويسأل بعضنا بعضاً عنها، كأن نقول: كيف حالك؟ في كل حالة لقاء، وهذا ليس سؤالاً عن الصحة، لكنه استجداء للحكي وفتح شهية لعمران اللحظة بالقول، ومنه قيل السمر لمجالس البدو في الليل خارج الخيام في الهواء الطلق. وكذلك إيقاع حياتنا هو قصائد موزونة بشرط الحياة، أي أننا قصائد وإن كانت عاقلةً، أي ليس كل شعر إلهاماً، فبعضه هو ما نحفظه ونتمتم به ونغنيه، ولو همساً بخلواتنا، وهذه حالة عامة، تتحول لحالة خاصة، حينما يكون الإنسان شاعراً بالمعنى المصطلحي، أو روائياً كما هو عرفياً. ولذا، فالشعر والسرد لا يمكن أن نضعهما في موضع سؤال، وهما باقيان ما بقي الإنسان».

مكر شيطان ووعى نبي

حفل العدد بمجموعة من النصوص الشعرية، بينها قصيدة الشاعر الإماراتي محمد عبد الله البريك «مكر شيطان ووعي نبي»، جاء فيها:

في داخلي مكرُ شيطانٍ ووعيُ نبي

وفي العيونِ أرى مولايَ ثُمَّ أبي وأدخلُ الحقلَ، لا أسطو على شَجَرٍ إلا لأقطفَ من أغصانِهِ أدبي

مسافِرٌ بي جنوني حيثُ توصِلُني هذى النجومُ التي تلهو، إلى شَغَبي إلى القُرى، حيثُ أمّي وهىَ تَلْمَحُني أشاكِسُ الشَّوْقَ قَبْلَ البابِ بالصَّخَبِ

إلى دواليبِ ألعابي، إلى شجرٍ أيقظتُ فيهِ جنونَ الرقصِ من تعبي إلى فتاةٍ تربّي الوردَ في يَدِها وتملأُ الكأسَ للأيامِ من عِنَبي إلى حَمامٍ بصدرِ الناس ينسبُني إلى الهديلِ، وأدرى أنَّهُ نَسَبي

وقفتُ عندَ تخومِ الماءِ منتشِياً حتى أُفَرِّغَ بحرَ الشعرِ بالقِرَبِ

أقامَني من منامي زائرٌ قَلِقٌ وكانَ يكشفُ سِرَّ الروحِ بالحُجُبِ وراودَ النخلَ حبّى للصعودِ فما طاوعتُهُ قبلَ أن يلهو على سُحُبي وقلتُ للأرضِ هذا الكونُ محتفلٌ بما لدىَّ من الألحانِ، فاقتربي وقرّبى لي الحزانى كي أهُزَّ لهم جذعَ الشعورِ فيدنو نحوهُم رُطَبي وكى أقدّمَ فنجاناً بدهشتِهِ من الأحاسيسِ مغليّاً على حطبي

الليلُ ناطورُ أحزاني أُلاعبُهُ نَرْدَ الحظوظِ وأُهدى صبرَهُ كُتُبي

وإنْ غَفَت أحرفي أيقظتُ سيِّدَةً جاءت إلى مخدعي سهواً بقلبِ صَبي تُحَوِّلُ الصمتَ موسيقا بِخَطْوَتِها ولا تُغَنّى سوى للعاشقِ الطّرِبِ

تقولُ لي: أنتَ شيطانٌ، فقلتُ لها: أنا غَوِىٌّ ولكنّي بقلبِ نبي!