بلغة سردية سلسة وشخصيات مرسومة بإتقان، ينسج الكاتب القطري جاسم سلمان خيوط روايته الجديدة «مخطوطة ابن بطوطة السرية – سفر الخلود»، محاولاً من خلالها إعادة اكتشاف سيرة الرحالة العربي الأشهر أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي (1304 - 1377) المعروف باسم «ابن بطوطة» والملقب بـ«أمير الرحالة المسلمين».
يربط المؤلف في عمله الصادر عن داري «الرافدين» و«الوتد» بين الماضي والحاضر برشاقة، ويتنقل بين الأزمنة المختلفة دون ارتباك أو تشويش ليقدم صورة بانورامية لأبرز المحطات في حياة البطل ورحلاته ومعاناته طفلاً، فضلاً على تطرق النص إلى هيمنة التنظيمات السرية في عصر ابن بطوطة، وكيف طاردته المؤامرات والدسائس في حله وترحاله.
يمتد القوس الجغرافي لأحداث الرواية من طنجة والقاهرة والإسكندرية إلى دمشق وحتى بغداد والأناضول وحدود الصين، إنها رحلات رسمتها قَدَمَا الرحالة الكبير، حيث استعان المؤلف بالوقائع التاريخية الموثقة تارة، وبالخيال تارة أخرى ضمن سيرة غرائبية تستحق أن تُروى.
وتذكر المراجع التاريخية أن محمد بن عبد الله الطنجي الملقب بـ«ابن بطوطة» طاف بلاد المغرب العربي ومصر والحبشة والشام والحجاز وتهامة ونجد والعراق وبلاد فارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان، فضلاً على ما وراء النهر، وبعض الهند والصين وجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا والأندلس.
واتصل «ابن بطوطة» بكثير من الملوك والأمراء فمدحهم - وكان ينظم الشعر - واستعان بهباتهم في تمويل أسفاره.
وعندما عاد إلى المغرب انقطع إلى السلطان أبي عنان، من ملوك بني مرين، فأقام في بلاده، وأملى أخبار رحلته على محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس، وسماها «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، وقد تُرجمت إلى اللغات البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، كما تُرجمت فصول منها إلى الألمانية، وقد استغرقت رحلته 27 سنة.
وتلقبه جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بـ«أمير الرحالة المسلمين»، أما لقب «ابن بطّوطة» فقد أطلقه عليه الفَرَنجة، حيث ولد وتوفي بمدينة «طنجة» المغربية.
من أجواء الرواية نقرأ:
«سافر ابن بطوطة مبكراً، وهو في السادسة عشرة من عمره بين الفلاسفة والشعراء والعلماء والمؤرخين، وقرأ كأنه يرى ويسمع، كيف توالت الدول، وتغيرت الدويلات والممالك، وشعر بحنين شديد عندما قرأ لامرئ القيس يصف الخيل، فتخيلها غير الخيول التي في هذا الزمن، وكيف هي الأشجار والوديان، والجبال في المعلقات، وكيف هي دمشق عاصمة الأمويين، وبغداد التي بناها العباسيون، وكيف لفلاسفة اليونان هذا الفكر وهذا المنطق المتقد، حتى وصل شعاعه إلى العرب، وكيف بنى العرب الأندلس، وحضارتها، ويكاد يفصله عنها جبل ومضيق وبحر أبيض.
توالت الليالي خلف بعضها، وزاد علم ابن بطوطة ومعرفته بأحوال العالم، فقد شهد زيارات الوفود إلى الدولة المرينية، وبلاط السلطان الذين حقّق الأمن، وسد ثغرات الدولة في المغرب إلى حدود الصحراء، وامتد الأمان إلى طرابلس، وجنوباً باتجاه بلاد السودان، وبمحاذاة المحيط باتجاه فاس، ولم تكن الأندلس ببعيدة، فقد أضفى بظل عدل سيفه على ممالكها، وكان الاستقرار سيد الحال، وسيد حالة ابن بطوطة».