ينقل الفنان التشكيلي المصري عمر عبد الظاهر بعضاً من ملامح الحياة في صعيد مصر قديماً في معرضه «جذور» الذي يستضيفه غاليري «سفرخان» بضاحية الزمالك في القاهرة. وذلك عبر 25 لوحة تضم رسومات «مبهجة» عن المعابد وعادات الزواج وتفاصيل الحياة اليومية في البيوت.
ما بين الرسم والكلمة في أعمال عبد الظاهر، التي يعرضها في «جذور» تكمن تفاصيل التراث، والمعتقدات الشعبية في جنوب مصر، خاصة مدينة أسوان مسقط رأسه.
وأضفت كلمات الأغاني الفلكلورية وقصائد الشعر الشعبي بإحساسها المختلف رونقاً خاصاً على لوحات الفنان، محققاً فيها قيماً جمالية تتسم بالبساطة وروح الفكاهة، مستخدماً الكتابة بأسلوب سهل، كتلك الكلمات والرسومات التي يستخدمها أهالي «صعيد مصر» للتعبير عن فرحتهم في المناسبات مثل «عودة الحجاج من بيت الله الحرام».
تأثر عبد الظاهر بفنون أجداده، فقدم في معرضه «جذور»، الممتد حتى 24 مايو (أيار) الحالي، لوحات كبيرة تبلغ عدة أمتار، كجداريات المعابد والمقابر القديمة بما تتضمنه من نبض الحياة، وكذلك الأعمال الزيتية التي تعكس المظاهر الإنسانية والحياتية في البيئات الصحراوية والزراعية والنيلية على السواء؛ ليأخذ المتلقي إلى النمط المعيشي اليومي للصيادين والفلاحين في «صعيد مصر»، راصداً مفردات الأزياء، والأغاني، وطقوس الزواج، والاحتفال بالمناسبات المختلفة من حفلات العرس والجنازات.
وقال عبد الظاهر لـ«الشرق الأوسط»: «على الجدران تم تسجيل وثائق خالدة تمدنا بمعتقدات الأجداد ومنجزاتهم وطقوسهم اليومية في مختلف المناسبات، وتمدنا بتفاصيل عملهم وحروبهم، ومسار المواكب الجنائزية وهي تتجه إلى الآلهة وتمثل بين يديها، ونكاد نكون قد استمعنا إلى موسيقاهم وغنائهم، وهكذا أردت أن أتبع خطاهم، فجسدت الحياة المعاصرة كوثيقة فنية للأجيال القادمة».
وتضمنت اللوحات مفردات البيئة بتنويعاتها المختلفة، وانطوت غالبية الأعمال على مشاهد داخلية من البيوت، فنقلت وقت «الخبيز» وتجمع النساء أمام الأفران البلدية لإعداد «الخبز الشمسي»، وليلة الحنة، وتزيين العروس، كما احتفت بشكل عام بالإنسان وعلاقته بالمحيطين به، سيما قوة الروابط بين أفراد الأسرة.
تعكس الأعمال مرحلة فنية جديدة لعبد الظاهر ينتقل خلالها من التأثر بأجداده في الحضارة القديمة من حيث الفكر إلى الشكل أيضاً، فتجد معظم لوحاته تتسم بترتيب الشخوص أو «رصهم» بشكل منتظم.
وأكد عبد الظاهر أن «الرص والتتابع أسلوب فني اتبعه المصريون القدماء، ولأول مرة أستخدمه في لوحاتي، لتكتمل منظومة تأثري بهم، فتضم حجم اللوحات ومضمونها، من حيث الاحتفاء بتسجيل الحياة، وأخيراً التقنية التي تعبر عن ذلك كله».
ولم تتوقف مؤثرات الفنون المصرية القديمة على المعرض عند هذا الحد، إذ اتسمت اللوحات بشكل واضح للغاية بالبهجة التي عبر عنها الفنان من خلال ملامح الوجوه، وحركة الأجساد، فضلا ًعن الألوان الزاهية؛ فجاءت ملابس النساء تزخر بالجمال لتعيد الصورة القديمة للمرأة الفرعونية ومن ثم الريفية في عصور سابقة.
الفنانة الصغيرة التي تشارك عبد الظاهر في المعرض الثنائي، هي ابنته فريدة (7 سنوات) الحاصلة على الجائزة التشجيعية في بينالي طشقند عام 2023، التي شاركت من قبل في معرض جماعي في غاليري «خان المغربي».
وقالت فريدة: «أشارك بـ6 لوحات أكريلك، ولا أحاول تقليد أبي، وعندما أذهب إلى مرسمه أرسم بلا توقف، من دون أن أنظر إليه، وكأنني بمفردي».