في روايتها الجديدة «شمس الضَّاحية» تنسج الأديبة الأردنية صفاء فارس الطحاينة، عالماً تتحرّك فيه ثنائيّات متقابلة: النور والظلام، التجلّي والغموض، العقل والقلب، والحب والخوف، لتقدّم نصاً يلتقط الهشاشة الإنسانية ويضيء عتماتها.
صدرت الرواية حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان، وتتقاطع فيها ثلاث حكايات رئيسية: الأولى لسديم، الكاتبة التي تخوض تجربتها الإبداعية في ظل أسئلة الذات والحياة؛ والثانية لجُمانة خالد، الفنانة التشكيلية التي تقف في مواجهة مصائر معقدة؛ والثالثة لأم يامن التي تعيش حياة رتيبة تعاني فيها من صداع مزمن، ومعاناتها في علاجه طبياً... وبين الحكايات الثلاث تنبثق تفاصيل تعبّر عن قسوة الحياة وتقلباتها، تلك التي تمنح العُشّاق لحظات شغف جامح، ثم قد تفرّق بينهم بلا رحمة.
تنتمي الرواية إلى الأدب النفسي الاجتماعي، حيث يتشارك مجموعة من الأبطال المكان والزمان، وتدور بينهم صراعات متعددة تكشف كوامن النفس البشرية، بما فيها من عقد وجماليات. وتقدّم الطحاينة عبر سردها لوحة اجتماعية ترصد علاقات الناس في الأردن، وتبرز أثر المكان واستراتيجيته وجغرافيته في تشكيل وعي الشخصيات وصراعاتها.
يحتلّ الصراع النفسي مركز الثقل في الرواية؛ مشكِّلاً دينامية سردية تدفع بالأحداث في مسار حلزوني يشبه الدوّامة. وفي الوقت نفسه، تفتح الرواية باباً للانفراجات، وتترك نهايتها مواربة ليشارك القارئ في إنتاج معنىً موازٍ للنص.
جاءت الرواية في مجموعة من الوحدات السردية، كل واحدة منها تحمل عنواناً دالّاً، على غرار أولى تلك الوحدات، التي حملت عنوان: «شمس الضَّاحية»، ومنها نقرأ:
«عاد المتقاعد العسكريُّ خالد إبراهيم بشريط ذكرياته إلى الوراء؛ حين تردَّد في اتِّخاذ قراره بالرَّحيل إلى ضاحية الرَّشيد منذ عشرين عاماً، وقلقه من عدم التَّأقلم والتَّعايش مع أُناس يفتقرون إلى الألفة والتَّقارب، واهتمام السُّكَّان بجيرانهم، وانصهارهم في قالب من الوحدة والتَّضامن. خاف حينها أن يندم إن غمره شعور بالفقدان والحنين إلى الحميميَّة الدَّافئة الَّتي يمتاز بها بيته الشَّعبيُّ في عمَّـان الشَّرقيَّة، حيث تتلاصق في أحيائها البيوت العتيقة والجدران، وتنطوي ألفتها على الحارات المزدحمة، والشَّوارع الفرعيَّة، والأزقَّة الضَّيِّقة. تنبض بروح سكَّانها البسطاء، وتربط بينهم علاقات اجتماعيَّة وثيقة. تفوح من كلِّ بيت فيها روائح الطَّبخ والزَّعتر والميرميَّة، وتحيط بطرقاتها الأشجار المعمِّرة الَّتي تشاركهم تفاصيل حيواتهم، وتشاطرهم الذِّكريات!
ارتسمت على شفتيه ابتسامة فخر ورضا عندما تذكَّر أنَّه من أطلق مسمَّى (شمس الضَّاحية) على المبنى الَّذي رحل إليه مع زوجته وابنته جمانة؛ لأنَّ الشَّمس تشرق من خلف مبناهم، ويلمحونها تغيب على استحياء خلف المباني المقابلة له، تعلوها حمرة الخجل كعذراء في مخدعها، تودِّع الأفق الأحمر الموشَّح بالأرجوان في لحظات صمت، تخطف الأنفاس، لكنَّه الآن يعتبر نفسه محظوظاً بشراء هذه الشَّقَّة الأرضيَّة قبل أن توضع لبنة الأساس الأولى في المبنى واستقراره فيها. بينما تعرَّضت الشُّقق الثَّلاث الَّتي تعلوها إلى الاستئجار مراراً من مُلَّاكها، حتَّى استقرَّت الشَّقَّة في الطَّابق الثَّالث والأخير مع (الرُّوف) على رجل في مقتبل العمر، تزوَّج حديثـاً؛ فاشتراها وأجرى الصِّيانة اللَّازمة لها، ثمَّ سافر مع زوجته إلى دبيٍّ للإقامة والعمل. ومنذ عامين، تخرَّجت ابنة أخيه سديم في الجامعة، وحلَّت ضيفة دائمة، للمكوث فيها طوال فترة غيابه، والاهتمام بها في أثناء بحثها عن وظيفة مناسبة لها في عمَّـان، في حين استأجرت السَّيِّدة أمُّ يامن إحدى الشُّقق منذ صيف العام الماضي.
صرَّحت أمُّ يامن بأنَّها اختارت الشَّقَّة في الطَّابق الثَّاني؛ لأنَّها الأقلُّ قسطاً في الإيجار، وقد أثقل الهمُّ كاهلها بعد أن سافر زوجها، مخلِّفاً وحيدهما برفقتها. أمّا شقَّة الطَّابق الأوَّل، فما زالت معروضة للإيجار، تعاني بلا مالك يسكنها أو مستأجر! وبحكـم الشَّهامة والمروءة، رأى السَّيِّد خالد نفسه مسؤولاً عنهنَّ في (شمس الضَّاحية) وكان اهتمامه النّابع من أبُّوَّته ونبل أخلاقه محطَّ ترحيب لدى الجميع! خصوصاً سديم، الَّتي عهد بها عمُّها أمانةً عنده ليعتني بها، كأنَّها ابنته!».
تقع الرواية في 260 صفحة من القطع المتوسط، وهي العمل الروائي الأول لصفاء الطحاينة، بعد إصدارها مجموعتين قصصيتين وكتاباً تربوياً حول القيادة.
