يتميز كتاب «اكتشاف اليابان»، الصادر عن «دار العربي» بالقاهرة، للكاتبة والرحالة الإسبانية المعروفة باتريثيا ألمارثيجي بطابعه العفوي وحسه التلقائي غير المحدد سلفاً في رصد مشاهد من الحياة اليومية بعدد من المدن اليابانية المختلفة، وفق أسلوب أدبي لا يغفل أهمية التفاصيل الصغيرة، كما يليق بفن اليوميات، كما تميز بترجمة سلسلة للمترجمة آية عبد الرحمن أحمد.
كانت السماء تمطر برفق في كيوتو، حين تساءلت المؤلفة: «لماذا يقولون إن اليابان هي بلد التزاحم والمساحات الصغيرة»، فيما كان هناك رجل ينهي تقليم شجرة صنوبر حيث يستخرج بعناية فائقة الصنوبر من الفروع لكي يزرع شجرة «بونساي».
علقت صديقتها «ميلا» بأن الدول الغنية فقط هي التي يمكنها توظيف سكانها في مهن نادرة ومتنوعة، وعقبت باتريثيا بأن علاقة الغرب بالطبيعة ضعيفة للغاية، ولم تزدهر إلا في عصر الرومانسية واتسمت بالحزن كما ظهر في الآداب والفنون.
بخلاف الدول الأخرى، لا تمتلك اليابان حصراً رسمياً لمعدلات الفقر ولا يمكن معرفة عدد الأشخاص الذين يعانون منه بدقة، ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009 نشرت وزارة العمل تقريراً يقول إن 22 مليون شخص يعانون من الفقر. وكشفت دراسة أخرى أن واحدة من كل ثلاث نساء يابانيات تتراوح أعمارهن بين 20 و64 عاماً تعيش وحيدة وبائسة. ووفقاً لتقرير اليونيسف فاليابان تعاني من أعلى معدلات الفقر لدى الأطفال في العالم المتقدم.
وتلاحظ المؤلفة أنه في طوكيو لا تنبعث روائح من سوق الأسماك الذي يجب النهوض باكراً لزيارته. كان عليها تفادي الناس عند خروجها من الفندق. كانوا عائدين إلى منازلهم بعد التسوق، كما اكتظت مطاعم «السوشي» بالزبائن الذين يتناولون وجبة الإفطار، وقد تناقض الضجيج مع هدوء سوق الأسماك حيث كان كل صف مخصصاً لنوع معين من السمك.
كانت هناك قشريات وأصناف من البحريات لم ترها من قبل في أحواض زجاجية شفافة ومربعة بين الفقاقيع، لكن الباعة طلبوا منها أن تنتبه وهى ترمقهم بأجسادهم الكبيرة ولحاهم المعتنى بها ورؤوسهم العريضة المكشوفة.
لم يتبق سوى القليل من الناس وقد أصبح المكان النظيف مظلماً، وجدت سمك التونة في نهاية السوق مرصوصاً بعناية ونظيفاً كأنه كنز، فيما تمثل سمكة «الشبوط» الخيال الياباني. شاهدتها لأول مرة في طبق رائع في متحف الفنون الآسيوية «غيميه» في باريس، كما توجد صورة لها بغرفتها من عصر «ماروياما أوكيو» في القرن الثامن عشر. ترمز سمكة الشبوط إلى المثابرة والنجاح، حيث تسبح ضد التيار وتصعد بإعجاز، كما تلاحظ المؤلفة وهي تتأملها في معبد «نايكو» بمدينة «إيسي» بأنها تتحرك في بركة صغيرة متعددة الألوان، وكان بها بقع برتقالية وبقع أخرى حمراء وبيضاء بالإضافة إلى بقع ذات ألوان أخرى.
كانت هناك واحدة ذهبية اللون كبيرة ومتموجة تتحرك بجرأة وتتمايل فهي تعرف جمالها واختلافها وعندما كانت تسبح بالقرب من الأسماك التي تحمل الألوان الأخرى، كان يتبدى جمال هندسي، ولكن عندما كانت تسبح بالقرب من الأسماك البيضاء، كانت تبدو نسخة من الإبداع الياباني عبر الخزف وصالونات الشاي والبرونز والفضة وأعمال الخيزران والأقمشة وتنسيق الحدائق.
وفي أحد المطاعم ذات ليلة، أصبح الوقت متأخراً وكان يوم الغد عطلة وكل الأماكن مليئة بالناس، بالإضافة إلى الضوضاء والدخان والألوان والليل حتى إن المؤلفة ظنت أنهم ربما لن يحضروا لها العشاء. حاولت الذهاب لأماكن عدة ولكنها كانت ممتلئة أيضاً. رأت إعلاناً أصفر اللون عن طعام ما، فدخلت المصعد الذي انفتح على صالة يابانية مزدحمة تديرها امرأة نحيفة وبيضاء ورجل يبدو أنه متسلط. كان الناس يقرعون كؤوس البيرة ببعضها البعض وقد ضرب رجل شخصاً آخر على ظهره فاصطدمت رأسه بالطاولة، ما جعلها تسعى لمغادرة المكان سريعاً.
