اشتباك الفلسفة مع السياسة والآيديولوجيا

خدمت أغراضاً مشخّصة في حقبة الحرب الباردة بخاصة

 كريستوف شورينغا
كريستوف شورينغا
TT

اشتباك الفلسفة مع السياسة والآيديولوجيا

 كريستوف شورينغا
كريستوف شورينغا

يمرُّ بي في قراءاتي اليومية المنتظمة حشدٌ من الأسماء في شتى الألوان المعرفية، ولو أردتُ الاستزادة في حقل من تلك الحقول المعرفية فلا بدّ من القراءة المعمّقة فيها. أوّلُ ما أفعله عند القراءة هو البحث في السيرة الخاصة بالكاتب. لو قرأتُ موضوعاً من غير معرفة مقبولة بكاتبه لما استساغت نفسي القراءة ولحسبتُها منقوصة وغير منتجة. المثيرُ أنني وجدتُ أنّ معظم من قرأت لهم -من علماء أو اقتصاديين أو سياسيين، إلخ- حازوا تدريباً فلسفياً -أو على الأقلّ ذائقة فلسفية رصينة- أعرف أنّها لن تكون مطواعة للمرء بغير كثير دراسة وقراءات متمرّسة. وكثيراً ما تساءلت: كيف للفلسفة التي يراها معظمنا حبّاً مجرّداً للحكمة أن تكون مطمحاً لكثيرين؟ ما سرُّها المكنون؟ كيف لهذا المنشط البشري المفترض فيه أن يتعالى عن الانشغالات العادية لمعظم البشر أن يكون جاذباً للدراسات الجامعية في عصر صارت الجامعات فيه تشكو قلّة تخصيصاتها المالية في حقل الإنسانيات عامةً وصارت منساقة لمتطلبات التقدم التقني الصارمة؟ بدا لي منذ زمن بعيد أن ثمّة قصوراً معرفياً مخفياً في فهمنا لكيفية تشغيل الماكينة الفلسفية في عصرنا. بعض أسباب هذا القصور قصديٌّ لا يُراد الكشف عنه لأنّه جزء من ألاعيب السياسة. نعم، الفلسفة ليست بنية فكرية معزولة عن السياسة والآيديولوجيا، وكثيراً ما خدمت أغراضاً مشخّصة في حقبة الحرب الباردة بخاصة.

لو استثنيْنا الجغرافيا الأميركية -بسبب خصوصية موضوعاتها ومقارباتها الفلسفية- من الخريطة الفلسفية العالمية فستكون الفلسفة متوزّعة بين اثنتيْن: الفلسفة القارية Continental Philosophy، والفلسفة التحليلية Analytic Philosophy. الفروقات بين الفلسفتيْن جليّة واضحة: الفلسفة القارية لها تقاليدها المطبوعة بمواريث الفلسفتين الألمانية والفرنسية، حيث يُسمعُ صدى الإبستمولوجيا (نظرية المعرفة) والميتافيزيقا والتمثلات الرمزية للمعرفة واضحاً؛ في حين أنّ الفلسفة التحليلية ادّعت -أو أراد لها آباؤها المؤسّسون- أن تكون الفلسفة الحقيقية، وكلّ ما سواها زيف ووهمٌ كبير. شاعت تقاليد الفلسفة التحليلية في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما زالت مواريثها فاعلة في المشهد الفلسفي العالمي حتى اليوم.

سعى الآباء المؤسسون للفلسفة التحليلية لتكون الفلسفةَ الطاغيةَ في جامعات العالم الأنغلوساكسوني كما في فضاء الثقافة العامة تحت مسمّيات شتى: الفلسفة الوضعية المنطقية - فلسفة التحليل اللغوي... إلى جانب تأكيد هؤلاء الآباء أنّ الفلسفة التحليلية هي الفلسفة الوحيدة التي تستحقُّ أن تكون فلسفة علمية (أو داعمة للعلم ومحفّزة للتفكير العلمي)؛ فقد ادّعوا أنّ تقاليد الفلسفة التحليلية متعالية على الواقع ومجاوزة له، وذات صبغة حيادية تجاه المتغيرات السياسية والاجتماعية؛ وبالتالي فهي خالدة وأبدية على العكس من الفلسفات الأخرى التي تنشأ من النزوعات الفردية أو التأمّلات الشخصانية أو الدوافع المصطبغة بلون آيديولوجي محدّد المعالم والتوجّهات. الفلسفة فوق السياسة والآيديولوجيا ومحايدة في التعامل معهما: هكذا ادّعت الفلسفة التحليلية على لسان مؤسسيها.

كريستوف شورينغا Christoph Schuringa، بروفسور الفلسفة في جامعة نورث إيسترن في لندن، والمختصّ بالفلسفة الألمانية والدراسات الهيغلية، لا يتّفق مع رؤية الآباء المؤسسين للفلسفة التحليلية، وسعى لتفنيد رؤيتهم في كتاب حديث له نشرته دار نشر Verso عام 2025 بعنوان تاريخ اجتماعي للفلسفة التحليلية: A Social History of Analytic Philosophy.

يعلن شورينغا في مقدّمة كتابه أنّ هدفه ينطوي على فحص الكيفية التي تطوّرت بها الفلسفة التحليلية لا من الزاوية الفكرية فحسب بل من سياقاتها الاجتماعية والسياسية. بكلمات أكثر تأكيداً ووضوحاً: سعى شورينغا لبيان كيف أنّ الفلسفة -التي كثيراً ما تُقدّمُ على أنها محايدة أو «خارج التاريخ» أو «خارج السياسة» لا يمكن فهمها إلا في علاقاتها بالمؤسسات، وبالهجرة، وبالسلطة، وبالآيديولوجيا -أي في سياق الحراك الاجتماعي والفعالية السياسية، وليست تمثلاً لنزوعات فكرية خالصة.

***

كثيرةٌ هي الأفكار الجوهرية التي يسعى شورينغا لتأكيدها في كتابه هذا. منها أنّ الفلسفة التحليلية ليست غير سياسية Apolitical؛ إذ يؤكّد شورينغا أنّ الفلسفة التحليلية كانت دوماً متأثرة بالقوى الاجتماعية والسياسية حتى لو حاولت الفلسفة التحليلية أن تظهر بمظهر الاكتفاء الذاتي. مثلاً، بعد الحرب العالمية الثانية، ومع فترة صعود المكارثية في الولايات المتحدة، تراجعت الأشكال السياسية والحركات اليسارية داخل الفلسفة التحليلية بسبب الخوف من الملاحقة أو الانتقام السياسي. الفكرة التالية هي أنّ أصول الفلسفة التحليلية مختلطة ومتعددة المصادر، ونتاج حركات مختلفة، ومؤثّرات متعددة -أوربية بالتحديد- قبل أن تتوحّد في شكل تقريبي لتشكّل ما تُعرف اليوم بـ«الفلسفة التحليلية» كتيار مهيمن. هذه الحركة نحو التوحيد حصلت بعد الحرب العالمية الثانية.

الفكرة الثالثة التي يؤكّدها شورينغا هي دَوْرُ المؤسسات التعليمية والمؤسسات البحثية والدور الأكاديمي للجامعات في تعزيز وإشاعة سطوة الفلسفة التحليلية، حيث أصبح هذا التيار الفلسفي جزءاً من النخبة الأكاديمية في البلدان الناطقة بالإنجليزية (العالم الأنغلوساكسوني). هكذا صار التيار الفلسفي التحليلي لا يُطرح فقط على أنه موقف فكري بل بوصفه تشكيلاً مؤسساتياً راسخاً للقوة المعرفية. ثمّ يوردُ شورينغا فكرة أخرى هي خصيصة ملازمة للفلسفة التحليلية، وتكمن في قوة الاستمرارية والتجديد الفلسفي؛ ممّا جعل هذه الفلسفة قوية وقادرة على (إعادة اختراع نفسها). ليس بالضرورة أن يحصل هذا الأمر بإطلاق تيارات جديدة شامخة؛ بل بإعادة تأطير المشكلات، وبإدخال مناهج جديدة، أو بالانفتاح على التيارات الأخرى مع المحافظة على البنية المعرفية التأسيسية الأولى. بعد هذه الأفكار يشير شورينغا إلى فكرة أساسية مفادُها أنّ الفلسفة التحليلية خدمت كآيديولوجيا الوضع الراهن Status Quo Ideology؛ بمعنى أنّ التيار الفلسفي التحليلي يخدم -إلى حد كبير- النظام السياسي القائم من خلال طريقة تفكيره، وتركيب مؤسساته، وسلطته المعرفية؛ إذ إنه غالباً ما يميل إلى دعم الواقعيات السياسية والفكرية الليبرالية بوصفها (الافتراض الطبيعي المقبول والمفيد). هذا يعني بالضرورة استبعاد -أو على الأقلّ تهميش- التيارات السياسية النقدية أو الراديكالية كالماركسية مثلاً. تحصل المقاربة التهميشية عبر المبضع التحليلي من خلال إعادة دراسة هذه التيارات السياسية لتصبح أقلّ راديكاليةً لدى الجمهور العام. الفكرة الأخرى التي يؤكّدها شورينغا في كتابه (وقد تبدو غريبة بعض الشيء) تكمنُ في أنّ الفلسفة التحليلية، بفضل هيمنتها، تمارس دور استعمارٍ معرفي؛ أي عندما تدخلُ المناهج النقدية مثل: الغزو الاستعماري، والعدالة الاجتماعية، ونظرية العرق، والتأريخ الاستعماري، فإنها تتعرض لتأطير أو إعادة تكييف بحيث لا تهدّد الأسس الفكرية للنظام السياسي القائم.

***

بعد مقدمة مكتنزة بالمعرفة وممهّدة للكتاب، يقدّم شورينغا في الفصل الأوّل مسحاً تاريخياً لبدايات وأصول الفلسفة التحليلية؛ فيؤكّد أنّ هذه الفلسفة لم تولَد كتيار متجانس بل من جذور أوروبية متفرقة (فريغه، وراسل، وفيتغنشتاين، وتيّار الوضعية المنطقية). ثمّ حصل مع الحرب العالمية الثانية أن هاجر الكثير من الفلاسفة (وبخاصة من فيينا وألمانيا) إلى بريطانيا وأميركا؛ الأمر الذي ساعد على انتشار هذا النمط من التفكير الفلسفي. النقطة الأساسية في هذا الفصل هي أنّ الهجرة السياسية غيّرت الخريطة الفلسفية.

يتناول شورينغا في الفصل الثاني المعنون «الفلسفة والسلطة بعد الحرب» كيف أصبح التيار التحليلي عقب نهاية الحرب العالمية الثانية هو المسيطر في الجامعات الأنغلوساكسونية، كما حصل ترسيخٌ لفكرة أنّ الفلسفة التحليلية «محايدة» و«علمية»؛ لكن هذه الحيادية نفسها كانت خياراً سياسياً لتجنّب الصراع الآيديولوجي وتحييد الماركسية. اختار شورينغا للفصل الثالث عنوان «المؤسسات الأكاديمية»، وأوضح فيه أنّ هيمنة الفلسفة التحليلية لم تكن مجرد تفوق فكري بل نتيجة بنية جامعية. الأفكار (الفلسفة، لا فرق) لا تعيش بغير دعم مؤسساتي راسخ وبنية أكاديمية متقدّمة. ركّزت أقسام الفلسفة في بريطانيا وأميركا على التحليل اللغوي والمنطقي، وهذا بدوره عزّز سلطة النخب الأكاديمية، وأقصى التيارات الأخرى (مثل الفلسفة القارية، والماركسية، والفلسفة النقدية). بمعنى آخر: المؤسسات كرّست «الاحتكار» الفكري للفلسفة التحليلية.

الفلسفة التحليلية غالباً ما خدمت النظام الليبرالي القائم لأنها تتعامل مع مشكلات معرفية وتقنية أكثر من قضايا اجتماعية ــ سياسية

في الفصل الرابع المسمّى «الاستمرارية وإعادة الاختراع» يؤكّد شورينغا استمرارية التقاليد الفلسفية التحليلية الكلاسيكية؛ لكنّه يؤكّد في الفصل الخامس -الذي اختار له عنواناً كاشفاً (الآيديولوجيا المستترة)- أنّ الفلسفة التحليلية غالباً ما خدمت النظام الليبرالي القائم لأنها تتعامل مع مشكلات معرفية وتقنية أكثر من قضايا اجتماعية-سياسية مركّبة مثل العدالة أو السلطة، ولأنّها تعطي صورة أنّ «الموضوعية» هي الحل، مما يُضعف النقد الراديكالي للمنظومة السياسية.

أما الفصل السادس والأخير في الكتاب فقد خصّصه شورينغا لمعالجة موضوعات كثيرة تقع في نطاق الاستعمار المعرفي الذي كرّسته الفلسفة التحليلية.

***

كتاب شورينغا نمطٌ من المصنّفات الفلسفية التي أتمنّى أن تشيع بدلاً من الاكتفاء بالقراءات الكلاسيكية المعهودة التي تتناول تاريخ الفلسفة في ترتيب تحقيبي زمني أو موضوعاتي أو جغرافي. ذكّرني كتابُ شورينغا بالمقولة الشائعة بأنّ الفلسفة تحرّضُ على التفكير النقدي Critical Thinking. هذا صحيح في سياق الفكرة العامة؛ ولكن ماذا لو علّمك الفلسفة في المدرسة مدرسٌ غارق في الأصولية الآيديولوجية؟ الأمر رهنٌ بكل فرد منّا في نهاية المطاف، وهو وحده من يستطيعُ تحديد شكل القراءات التي تصنَّفُ أنّها «خارج صندوق» المشغل الفلسفي الكلاسيكي. هكذا تتضح الرؤية، وترتقي الذائقة الفلسفية ويصبح المرء جزءاً فاعلاً في الحراك الفلسفي العالمي.


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».