«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

عواطف عبد الرحمن تستعيد ذكريات الاعتقال في عهد السادات

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار
TT

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

«أوراق من سجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار

يتضمن كتاب «أوراق من سجن النساء» للأكاديمية وأستاذة الإعلام الدكتورة عواطف عبد الرحمن، تجربة فريدة تتمثل في استعادة ذكريات اعتقالات سبتمبر (أيلول) 1981 الشهيرة في مصر وكيف جمعتها زنزانة واحدة بعدد من المثقفات المصريات البارزات، مثل الكاتبة الدكتورة لطيفة الزيات، والأديبة الدكتورة نوال السعداوي، والناقدة صافيناز كاظم وأستاذة الأدب الفرنسي الدكتورة أمينة رشيد.

وتشير الدكتورة «عبد الرحمن» في كتابها الذي صدر حديثاً عن دار «العربي» بالقاهرة إلى أنها وأخريات كان نصيبهن الاعتقال والطرد من الجامعة بعد اتهامهن بالخيانة العظمى والتخابر مع الاتحاد السوفياتي، ولم تجرؤ السلطات على إبراز السبب الحقيقي لاعتقالهن، وهو اعتراضهن على معاهدة الصلح مع إسرائيل. وقد مكثن بالسجن مائة يوم إلى أن اغتيل الرئيس الراحل أنور السادات.

رحلة شاقة

تروي عواطف عبد الرحمن كيف أنها في يوم 28 أغسطس (آب) 1981 ذهبت إلى برلين الشرقية للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي عقدته الأمم المتحدة واستطاعت بالتعاون مع بعض الأصدقاء إقناع منظمي المؤتمر بإضافة بند عن «العنصرية الصهيونية» في فلسطين، وكان يصحبها ابنها هشام لأول مرة. وبعد انتهاء المؤتمر الذي استغرق ثلاثة أيام قررت الذهاب لزيارة الأديبة رضوى عاشور وزوجها الشاعر مريد البرغوثي في بودابست التي اختاراها آنذاك منفى مؤقتاً بعد توتر العلاقة بين المثقفين العرب وبين الرئيس السادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي أعقبت زيارته للقدس في نوفمبر (تشرين الثاني) 1977.

تركت «عبد الرحمن» هشام لدى الصديق نبيل السلمي وزوجته كاترين في برلين واستقبلها مريد ورضوى وابنهما تميم بترحاب شديد، ومكثت ثلاثة أيام في حوارات متصلة عن الأحوال في مصر وتداعيات اتفاقية الصلح التي أبرمها السادات مع إسرائيل. ويوم 3 سبتمبر استمعا إلى خطاب السادات الذي أعلن فيه عن اعتقال 1365 مواطناً من المعارضة، فصاحت رضوى في انزعاج إنه لم يستثنِ أحداً ولم يبقَ سوى أمي وأمها والمحتمل أن يتم اعتقالهما بالفعل. قررت «عواطف» العودة إلى برلين لإحضار ابنها والسفر إلى القاهرة وتوالت اتصالات الأصدقاء الهاتفية من باريس ولندن وألمانيا، أخبروها بأن قائمة المعتقلين تضم جميع الأسماء من أصدقاء مشتركين، ويتصدرهم عبد السلام الزيات، وفؤاد مرسي ولطيفة الزيات، وكان اسمها ضمن القائمة ونصحوها بعدم السفر إلى القاهرة، لكنها رفضت.

ودّعها مريد ورضوى في المطار. وصلت إلى برلين في المساء لتجد في انتظارها نبيل السلمي وفتحي عبد الفتاح وبعض الأصدقاء الذين كانوا يلحّون على ضرورة بقائها وعدم المجازفة بسفرها إلى القاهرة. أخبرتهم بأن بقاءها هناك يعني الضياع وأنها تفضل الذهاب إلى زنزانة الوطن فقد تكون أرحم لها وسط أهلها وناسها من البقاء في الغربة. كان إصرارها على العودة إلى مصر أقوى من إلحاحهم، وهيأت نفسها لأسوأ الاحتمالات وبدأت في الطائرة تحاول أن تهيئ ابنها هشام. فأخبرته عن تجربة ابنَي صديقتها الناقدة فريدة النقاش «رشا وجاسر» اللذين تحملا بشجاعة سجن أمهما فريدة وأبيهما الكاتب الصحافي حسين عبد الرازق.

عند وصولها إلى مطار القاهرة فوجئت بممدوح طه، والد ابنها، وكانا انفصلا منذ عشر سنوات، ينتظرها على باب الطائرة ممسكاً بصحيفة «الأهرام». انتحى بها جانباً وقبل أن يتحدث سألته في انزعاج هل مات أحد من أهلها، فقد نسيت تماماً موضوع الاعتقال. أخبرها أن الموضوع أخطر من الموت، ثم أطلعها على الصحيفة التي وجدت بها صورتها تتصدر الصفحة الأولى مع صور بقية المطلوب اعتقالهم. أطلعت الضابط على صورتها بالصحيفة وأبلغته أنها مطلوبة للاعتقال، ثم اتجهت نحو ابنها وعانقته محاولة إظهار تماسكها، لكن جسدها كان ينتفض حزناً وغضباً وحيرةً فلا تدري هل ستكون هذه هي آخر مرة تلتقي فيها بنجلها الوحيد؟!

صدمة اللحظات الأولى

تصور «عبد الرحمن» كيف كانت صدمة اللحظات الأولى في السجن، قائلة: «عندما وصلت إلى سجن النساء في القناطر وجدت بوابة حديدية هائلة وبها باب صغير، دخلت من الباب الصغير ورأيت السجّانات اللاتي نشاهدهن في السينما يعلقن المفاتيح في الحزام الجلدي، شكلهن مخيف جداً وغير مريح. وفجأة صفقت السجّانات ونادين على الست زينب سجّانة السياسيات؛ لأن هناك (إيراداً) جديداً عليه استلامه. استغربتُ جداً كيف يتحول الإنسان في لحظة مجرد شيء، خصوصاً أني قادمة من مؤتمر دولي أطالب فيه بحقوق الشعوب. كيف أتحول في نظرهم إلى (إيراد)، أي أن قيمتي انخفضت لتصيح مجرد شيء. وكان هذا الموقف أولى الصدمات وبعدها دخلت ساحة كبيرة تتوسطها شجرة علمت أنها الشجرة التي رسمتها الفنانة التشكيلية إنجي أفلاطون في لوحاتها؛ فهي سبقتنا إلى هذا السجن ومكثت فيه خمس سنوات».

لم تنم الليلة الأولى بسبب الأصوات المنبعثة من عنبر اللصوص المجاور لهن وعندما غفت عينها من الإرهاق، وجدت حشرة كبيرة وفزعت وقامت تنادي نوال السعداوي منزعجة: «يا نوال... يا نوال... إحنا في فندق إيه؟»؛ وهو ما أثار الضحك بشدة. سلمتها إدارة السجن جلبابين، واحد تغسله والآخر ترتديه. وبحكم خبرتها السابقة معتقلةً سياسية، اقترحت الدكتورة لطيفة الزيات تنظيم الحياة العامة في العنبر وتحديد مسؤولة عن نظافة المكان ومسؤولة عن الطعام، وهكذا. أيضاً لا يمكنها نسيان حملة التفتيش المفاجئة التي قلبت العنبر رأساً على عقب؛ لأنه بلغهم أن هناك أوراقاً وأقلاماً، وهي أخطر من أي سلاح!

تُعدّ المعتقلات السياسيات أخطر النزيلات في السجن... أما سجينات المخدرات فهن «وزيرات الاقتصاد» لأنهن ينفق على السجن

وزيرات اقتصاد

تُعدّ المعتقلات السياسيات أخطر النزيلات في السجن، أما سجينات المخدرات فهن «وزيرات الاقتصاد»؛ لأنهن ينفق على السجن، خصوصاً «الحاجة مناعة» التي كانت تُسجن وتخرج ثم تعود مرة أخرى، والسجن بالكامل يعرفها وكانت حجرتها مفروشة بالموكيت وبها تلفزيون. وعندما علمت بقدوم النزيلات السياسيات بعثت لهن بأقلام وورق وراديو. وكانت تبعث لهن كل يوم بالصحف في السر عن طريق إحدى السجينات التي كانت تخفيها في ملابسها. وكانت «الحاجة مناعة» تحظى بمعاملة استثنائية لتقديمها الرشى لصغار وكبار المسؤولين في السجن، بدءاً من السجاجيد وحتى السيارات.

أما أشرف العناصر في السجن، بناءً على أقوال السجانات ومأمور السجن، فهن القاتلات لأنهن «ارتكبن جرائمهن في لحظة غضب دفاعاً عن الشرف وعن الكرامة». وكان من بينهن مَن لم ترتكب أي جريمة على الإطلاق ولكنهن اعترفن بديلاً عن أزواجهن الذين ارتكبوا هذه الجرائم بالفعل، خصوصاً السجينات المنتميات إلى الصعيد. وكن يبررن تضيحاتهن بحرصهن على أن تظل بيوتهن مفتوحة، ولا يضيرهن أن يقترن أزواجهن بأخريات؛ فالمرأة الصعيدية السجينة تضحي بذاتها من أجل الجماعة ومن أجل العائلة ومن أجل التقاليد. ويأتي ترتيب اللصّات في ذيل قائمة السجينات؛ لأنهن موضع احتقار شديد داخل السجن ولا يمكن منحهن الثقة.

وتصف «عبد الرحمن» أجواء السجن، لافتة إلى أن الزنزانة لا تزيد مساحتها على متر واحد × متر ونصف المتر، أما التعذيب فلا يقتصر على العقاب الجسدي الذي يتمثل في الصعق بالكهرباء وتغطيس السجين في الماء الساخن والبارد، بل التعذيب النفسي وفرض العزلة، ومنع التواصل مع الآخرين، وهي الوسائل الأخطر تأثيراً على شخصية السجين.


مقالات ذات صلة

«اكتشاف إيران»... رحالة إسبانية لبلاد الحدائق والسجاد

كتب «اكتشاف إيران»... رحالة إسبانية لبلاد الحدائق والسجاد

«اكتشاف إيران»... رحالة إسبانية لبلاد الحدائق والسجاد

تسعى الرحالة والكاتبة الأكاديمية الإسبانية باتريثيا ألمارثيجي في كتابها «اكتشاف إيران»، إلى تقديم وجه آخر غير معروف لهذا البلد بعيداً عن السياسة وصخبها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب معاذ زيادي وناشرته (الشرق الأوسط)

ناشرة مغربية تترجم قصص مصورة عن الاحتباس الحراري للعربية

يجمع كتاب «عالم غير منتهٍ» بين العلم والأدب ويشرح مشكلات الاحتباس الحراري بأسلوب المحاورات والقصص المصورة وكانت الطبعة الفرنسية قد حققت رواجاً مدهشاً

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق بسام شبارو (موقع الدار العربية للعلوم ناشرون)

رحيل بسّام شبارو بعد مغامرة نصف قرن في الطباعة والنشر

غادرنا بسّام شبارو، رئيس مجلس إدارة «الدار العربية للعلوم - ناشرون»، أحد أكثر الناشرين حيوية وإنتاجاً في لبنان، والعصامي الذي لم ينطلق من إرث.

سوسن الأبطح (بيروت)
كتب خالد السلطاني

حداثةٌ وما بعد حداثة من بوّابة العمارة

لا يمكنُ للمشتغل في تاريخ الثقافة وفلسفات الحداثة وما بعد الحداثة في عالمنا العربي إلّا أن يدقق كثيراً وطويلاً في الحقيقة التالية....

لطفية الدليمي
كتب غلاف كتاب «نحو تفكير كردي جديد»

«نحو تفكير كردي جديد»

صدر حديثاً عن «دار الزمان» كتاب جديد للباحث الكردي السوري حواس محمود بعنوان «نحو تفكير كردي جديد».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تهميش تاريخ القبيلة العربية

علي الوردي
علي الوردي
TT

تهميش تاريخ القبيلة العربية

علي الوردي
علي الوردي

لعلنا لا نشتطّ في الدعاوى إذا قلنا إن القبيلة العربية هي التي جعلت الشرق شرقاً عربياً كما نعرفه متصلاً بعضه ببعضه الآخر من نجد إلى ليبيا، بعيداً عن الحديث عن دورها من جهة التطور أو محاربته. عندما تنظر في كتابات عالم كبير مثل علي الوردي ستجد أنه جعل القبيلة ثالثة الأثافيّ التي أضرت بالعراق، بالإضافة إلى الفرس والترك، لكننا لن نتحدث في هذا الموضوع الآن.

والقبيلة العربية تعني أيضاً الشعب العربي الذي عايش تصحر جزيرة العرب التي كانت خضراء وذات أنهار وبساتين في الأحقاب القديمة. وقد كافح ذلك الشعب ما حدث من تحول بيئي قاسٍ فتكيف معه ودمج حياته فيه على الصورة التي نعرفها. والقبيلة العربية تعني بصورة أخص المملكة العربية السعودية، أي ذلك التمدد في المراعي الخصيبة وبث العنفوان وروح الحرية التي لم تعرف الاستبداد قط، كما أنها لم تعرف أي نوع من أنواع الإقطاع. في هذه المساحة التي همشها المؤرخون لفترة طويلة تأسست حضارات مستقرة ومتعاقبة.

ولم تحصر القبيلة العربية نفسها في الجزيرة، بل انسابت وصعدت شمالاً بحيث أصبحت هي النسيج الذي تكونت منه النزوحات التاريخية الكبرى خارج جزيرة العرب منذ الأزمنة البعيدة، حين تكونت الحضارات والدول التاريخية في بلاد الرافدين والهلال الخصيب، بل وأبعد من ذلك، إلى المغرب العربي والأندلس.

وإذا عدنا لاستعراض تاريخ قبيلة الجزيرة السياسي فسنقول إن القبائل لم تخضع قط إلا لدولتين؛ دولة الخلافة الراشدة والدولة السعودية، ولعل خروج الخليفة الرابع علي بن أبي طالب من المدينة إلى الكوفة هو بداية التهميش الذي حدث فيما بعد. لم تعد الجزيرة مركزاً للدولة، حتى حين. خروج المركز أدى إلى بقية أنواع التهميش، ولم يعد بالإمكان الحديث عن حضارة. بقيت مكة والمدينة بسبب مكانتهما الدينية بحيث تحرص الدول المتعاقبة على ضمهما إلى الدولة بالقوة، ومع ذلك لم تكونا مركزاً سياسياً، بل بقي من يحكمهما تابعاً لدولة خارج الجزيرة؛ الأمويون ثم العباسيون ثم الأيوبيون ثم المماليك ثم العثمانيون.

وفي نظري أن عرب الجزيرة يخضعون فقط للزعيم الذي يكون منهم ويقيم معهم، ولذلك لم تخضع القبيلة العربية في نجد لأحد من الممالك القديمة والدول المتعاقبة، ولذلك كان السلاطين يتصالحون مع القبيلة بأن يتركوا لها المراعي الخصيبة، في مقابل أن تحصُل من القبائل على نوع من الحلف في وقت الحاجة، وهو حلف لم يكن يدوم على كل الأحوال، وكانت القبيلة تستفيد أيضاً من هذا الحلف، أعني حصولها على غنائم من الغزو، ولم تكن تتضرر كثيراً من هزيمة جيش الدولة الحليفة.

وربما تمردت القبيلة العربية على دولة الخلافة في البداية ورفعوا شعار:

أطعنا رسول الله إذ كان بيننا

فيا لعباد الله مالِ أبي بكرِ

أيورثها بكراً إذا مات بعده

وتلك لعمر الله قاصمة الظهرِ

إلا أنها عادت وخضعت للراشدين لأنها رأت أنها في ظل دولة عربية قبائلية تعرف طبيعة القبيلة. القبائل العربية أو الأعراب أو البدو هم «أصل العرب ومادة الإسلام»، حسب تعبير عمر بن الخطاب (جامع البخاري، حديث رقم 3700) وهو من هو في معرفته وخبرته بالقبيلة العربية وحميّتها، ولذلك كان حريصاً على كل العهود التي قُطعت لهم، وألا تُمس أموالهم، وإن كان للدولة حق في حواشي أموالهم، فقد كانت تُردّ على فقرائهم هم، وألا تُنقل القبيلة إلى مكان آخر، لأن هذا قد يؤدي إلى شعورها بأن ثروتها من الإبل تُغتصب. هكذا كانت القبيلة العربية التي شكَّلت روح الفروسية العربية والرومانسية العربية. وقد كانت الجسد الرئيسي الفاعل في معارك الدفاع والهجوم التي قادها العرب بعد الإسلام فهزمت معظم الممالك التي كانت سائدة في ذلك الزمان.

ومع الدولة السعودية التي نشأت أصلاً في حضن القبيلة وبنت ذاتها من نسيج ذلك الحضن، لم يكن ثمة إشكال فيما يتعلق بولاء القبيلة السياسي، وإن كانت القبيلة قد تمردت، على سبيل المثال في معركة السبلة التي كان النصر فيها للملك عبد العزيز، إلا أن معظم القبائل والإمارات القبلية كانت مع الملك وضد المتمردين.

كان جُل إنتاج عرب الجزيرة الثقافي -سواء التاريخي أو الأدبي– شفهياً لا يعتمد على الكتابة إلا نادراً

يغلب على ظني أن أهل الجزيرة العربية شاركوا في محاربة المغول والصليبيين مع إخوانهم أهل الشام والعراق ومصر، لكنَّ هذا التاريخ لا يبدو جلياً، فكما أسلفت، عانى عرب الجزيرة من التهميش عبر القرون المتعاقبة. بالنسبة إلى القرون القريبة الأمر واضح، ثمة تهميش مريع ومكتمل الجوانب. ولا شك أن عرب الجزيرة يُلامون بدورهم لأنهم لم يصنعوا مؤرخيهم الخاصين بهم ولم يكتبوا تاريخهم، وإن وجدت كتب تاريخ فهي كتب تؤرِّخ لسير رجال الدين والفقهاء ولا تتحدث عما هو حضاري ومن نتاج الإنسان العادي. وكان جُلُّ إنتاجهم الثقافي -سواء التاريخي أو الأدبي– شفهياً لا يعتمد على الكتابة إلا نادراً. تاريخ ما قبل الإسلام دونه الشعراء الفحول ورواة الشعر من أمثال المفضَّل الضَّبِّي والأصمعي وغيرهما ممن بذلوا جهوداً لتثبيت السرديات التي تصف مناسبات القصائد والوقائع والمعارك التي صاحبتها. كما أن الإشارة إلى تلك القصائد في كتب من الأمهات ككتاب «الأغاني» أدى إلى مزيد من السرد والتاريخ. ومع ذلك فقد جرى، بالإضافة إلى التهميش، شيء من التشويه.

لقد حظيت بغداد ودمشق والقاهرة وبلاد المغرب العربي والأندلس بمن حفظوا تاريخ مدن العرب الكبرى هذه، لكن الجزيرة لم تحظَ في الزمن القديم بشيء من هذا، وهذا أمر قد يكون إصلاحه على درجة كبيرة من الصعوبة لو قررنا أن نعيد كتابة تاريخ هذا الجزء من العالم الآن بعد قرون طويلة من موت كل الشهود وغياب المراجع الموثوقة.

* كاتب سعودي