المثقفون والرأسمالية: حبٌّ أم كراهية؟

بعد أن أصبحت عرضة لهجمات التقنية الرقمية

المثقفون والرأسمالية: حبٌّ أم كراهية؟
TT

المثقفون والرأسمالية: حبٌّ أم كراهية؟

المثقفون والرأسمالية: حبٌّ أم كراهية؟

سمعنا وسنسمع كثيراً عن موت الرأسمالية مثلما ماتت الاشتراكية السوفياتية قبلها. المسوّغات متعدّدة والخلفيات الفكرية متباينة: هناك مَنْ يبشّرُ بهذا الموت القريب تناغماً مع رؤية رغبوية انتقامية لما حصل مع التجربة الاشتراكية العالمية، وهناك من يعتمد رؤية الحتمية التاريخية (Historical Inevitability) التي جوهرُها أنّ أي نسق فكري لا بد من أن ينتهي إلى زوال لتبدأ من نقطة الزوال انطلاقة جديدة لنسق جديد. إنها نسخة آيديولوجية محدّثة من الديالكتيك الهيغلي الممتد من القرن التاسع عشر.

لنبتعدْ عن الحروب الآيديولوجية الساخنة ولنقصرْ حديثنا على الفضاء الثقافي والمثقفين (Intellectuals). لم يكن المثقفون بعيدين عن الحفر العميق في جوهر الرأسمالية ومتبنياتها الفكرية وإسقاطاتها الحادة على طبيعة المعيش اليومي للبشر، وهم متباينون في رؤاهم تبايناً كبيراً ينعكس في القطبية المتنافرة لما يكتبونه بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وهذا أمرٌ متوقّعٌ من المثقفين. الناسُ في العادة تحاكم الأنساق الفكرية بمقدار انعكاسها المباشر في تحسّن حياتها اليومية؛ لكنّ المثقفين يُظهِرون عنتاً في القبول الميسّر بالأفكار؛ بل يميلون في العادة لمساءلة الأنساق والحفر العميق فيها بعيداً عن السطوح التي تكمن فيها المنافع الميسّرة سريعة المنال.

واجهة لعرض الموقف

الكتبُ هي البضاعة الأهم للمثقفين. هناك المنشورات والأفلام السينمائية والبحوث والدراسات والفن والتشكيل؛ لكن تبقى الكتب المستودعات الأهم والأكثر تداولاً للأنساق الفكرية. تعكس المنشورات الحديثة من الكتب رؤى متباينة نحو الرأسمالية من جانب مثقفين من شتى الألوان الفكرية والفضاءات المعرفية. سأذكر عيّنات فحسب من الكتب التي اطلعتُ على بعض تفاصيلها.

هناك أولاً كتاب «قوة الرأسمالية» (The Power of Capitalism) للمؤرخ والسوسيولوجي الألماني راينر زيتلمان (Rainer Zitelmann). من المثير معاينة العنوان الثانوي في الكتاب: «الرأسمالية هي الحل وليست المشكلة!» ربما سيقودنا العنوان الثانوي إلى توقّع نمط من القناعة المدفوعة بضغط آيديولوجي للرأسمالية في فكر المؤلف ورؤيته، وسيتعزّز هذا الرأي لو علمنا أنّ الكتاب المذكور أعلاه نُشر عام 2024 بعد سنة واحدة فحسب من نشر كتاب سابق له بعنوان «دفاعاً عن الرأسمالية» (In Defense of Capitalism).

هذا في الجانب المناصر للرأسمالية؛ أما في الجانب المناهض لها (والراغب في موتها ربما) فهناك كتاب مثير منشور حديثاً عام 2024 عنوانه «رأسمالية النسور» (Vulture Capitalism) لمؤلفته غريس بلاكلي (Grace Blakeley). تصمُ المؤلفةُ الرأسماليةَ -كما ينبئنا عنوان الكتاب- بسلسلة لا تنتهي من الشرور والجرائم؛ بل حتى نهاية الحرية الحقيقية للإنسان، وهذا ما يلمحه القارئ من العنوان الثانوي للكتاب أيضاً. لعلّ القارئ سيخمّن أنّ الكاتبة ذات توجهات يسارية أصولية عنيفة؛ حدّ أنها تنتمي لسلالة أحد مؤسسي الشيوعية السوفياتية. أبداً؛ ليس الأمر على هذا النحو. بلاكلي خريجة جامعة أكسفورد البريطانية العريقة، وكانت الأولى على دفعتها في التخصص الثلاثي الشهير بجامعة أكسفورد المسمّى «PPE» (الفلسفة، السياسة، الاقتصاد). القضية ليست آيديولوجيا خالصة، أو تصفية حسابات تأخرت وحان أوان تسديد فواتيرها المتراكمة. المثقفون لهم مواقف متباينة تجاه الرأسمالية؛ فهم يحبونها أو يكرهونها وليس ثمة من موقف موحّد لهم إزاءها.

علاقة طويلة ملتبسة

قبل تناول موضوعة علاقة المثقفين بالرأسمالية، من المهم تشخيص أيّ مثقف هو المعني بهذه العلاقة، وما الرأسمالية المقصودة في هذه العلاقة؟

المثقف هو المشتغل في حقل إنتاج الأفكار ومساءلتها ومداولتها والتعليق على مآلاتها ومفاعيلها المجتمعية والفردية. المثيرُ أنّ كثرة من كبار المثقفين أبدوا ميلاً فكرياً تجاه نوعٍ من الرأسمالية المهذّبة (أو الاشتراكية المطعّمة بحس إنساني، لا فرق!). فلاسفة من طراز برتراند راسل مثلاً صرّحوا عن ميولهم المتناغمة مع جهود الجمعية الفابية (Fabian Society) التي سعت لاعتماد حركية هادئة مسالمة نحو نمط من الاقتصاد التشاركي، المدعم بمظلة دولة الرعاية الاجتماعية (Welfare State). هؤلاء الفلاسفة والمثقفون لم يكونوا يساريين مكرّسين، ولا معنى أصلاً في توصيفهم آيديولوجياً بأنهم يساريون؛ لأنهم كتبوا بقسوة وبالضد من التجربة الشيوعية التي رأوا فيها تكريساً للسلطة الشمولية. هم أرادوا موازنة معقلنة -مقبولة من الوجهة الأخلاقية وممكنة من الوجهة العملية- بين الرغائب الفردانية وسلطة الدولة في منع الاستغلال وحماية مصالح الفرد.

الفكرة الجوهرية لدى هؤلاء المثقفين، هي أنّ الرأسمالية ليست آيديولوجيا أنيقة بقدر ما هي منهج عملي، حتى وإن اتسم أحياناً بشيء من القسوة والحزم، ومنع مظاهر التبطّل والتكاسل، والاتكاء على المعونات من جانب الدولة أو المؤسسات غير الحكومية. من جانب آخر، رأى هؤلاء في الماركسية -وهي الضد النوعي للرأسمالية- نسقاً فكرياً أنيقاً؛ لكنه لا يعمل بكفاءة بما يقود لنتائج فاعلة. ربما أرادوا نوعاً من المزاوجة والتعشيق بين الماركسية والرأسمالية، وهذا ما نجد له صدى داخل القلاع الرأسمالية ذاتها (وأهمها أميركا) بدأ يتعاظم بخاصة بعد الأزمة المالية المدمّرة عام 2008.

هذا عن المثقفين؛ أما بشأن الرأسمالية فثمة تباينات كثيرة أيضاً. ما هي الرأسمالية المقصودة بأن تكون هدفاً لحُبّ المثقفين أو كراهيتهم؟ الرأسماليات أنواع شتى. وجدت الرأسمالية الأولى في البروتستانتية جذراً فكرياً وأخلاقياً لأطروحتها الاقتصادية: على الفرد أن يعمل بكلّ قواه العقلية والجسدية لينال مكانته المرغوبة في المجتمع. حصلت الانتقالة الكبرى في الرأسمالية مع مقدم السياسات النيوليبرالية في حقبة الثاتشرية البريطانية والريغانية الأميركية، عندما ارتدّت الرأسمالية عن أساسها الأخلاقي لكي تصبح تغولاً اقتصادياً صارت بموجبه الحكومات مجرّد لاعب مسلوب القوى في تنظيم آليات السوق. السوق صارت هي اللاعب الأعظم، والأصول المالية الحقيقية صارت مشتقات مالية تعبّر عنها مجموعة أرقام فحسب.

حُبٌّ أم كراهية؟

قلت سابقاً إنّ الماركسية لها أناقتها الفكرية وجاذبيتها الأخلاقية؛ لذا من المتوقّع أن تستميل كثيراً من المثقفين؛ غير أنّ عقوداً من التطبيقات العملية أبانت أنّ الرأسمالية كانت أكثر كفاءة في الوفاء بحاجات الناس ورغائبهم. المرء لن يعتاش على الأفكار عندما تكون معدته خاوية وصحته معتلة، وحاجاته الأساسية منقوصة أو غائبة. الوقوف في طوابير من أجل بعض الزبدة أو اللحم ليس بالتجربة الطيبة التي تدعم أي نسق اقتصادي، مهما كانت خلفيته الفكرية أنيقة ومتّسمة بالرفعة الأخلاقية.

لكن في الوقت ذاته، أبدى بعض المثقفين امتعاضاً مبدئياً تجاه الرأسمالية. هم لم ينكروا بعض مزاياها؛ لكنهم رأوا أنّ هذه المزايا جاءت باهظة التكلفة من الناحية الإنسانية، وقد تعاظم هذا الامتعاض لديهم عقب تغوّل السياسات الثاتشرية والريغانية في المد النيوليبرالي الذي حصل في بداية ثمانينات القرن العشرين. لم يستأنس هؤلاء المثقفون أبداً بفكرة السوق الحرّة المحكومة بآليات العرض والطلب والمتفلتة من كلّ تنظيم قانوني، وقبل هذا لم يستأنس هؤلاء أن تكون الرأسمالية سبباً ووسيلة لتركيز الثروة في يد ثلّة من الرأسماليين الذين لم تُعْرَفْ عنهم مناقب ثقافية مشخّصة. صارت مسألة ثنائية «العقل– المال» تحتلُّ في زمننا المعاصر مكانة مركزية شبيهة بمعضلة «العقل- الجسد» في القرون السابقة، وراحت الكتب تترى في كيفية ترويض العقل والنفس لكي يتحوّلا إلى آلة تعرف كيف تقتنص المال من غير أي معوّقات نفسية أو ذهنية.

لنتأملْ مثلاً كم يكسب أستاذ فلسفة أو أدب أو سوسيولوجيا أو علم نفس في جامعة هارفارد سنوياً؟ ولنقارنْ هذا مع ما يكسبه مارك زوكربرغ مثلاً سنوياً؟ لا مجال للمقارنة. هذا المثال يكفي لبيان أحد أسباب كراهية المثقفين للرأسمالية، رغم أنهم يعترفون بأنها وفّرت لهم عيشاً طيباً. يمكن أن نقرأ بكيفية مسهبة عن تفاصيل مثل هذه في كتب كثيرة، منها: «العقل في مقابل المال» (Mind vs. Money) لمؤلفه آلان إس. كاهان (Alan S. Kahan). العنوان الثانوي للكتاب كاشف عن الطبيعة المباشرة لموضوعه: «الحرب بين المثقفين والرأسمالية».

مراوغات جديدة

اختلفت الحال النوعية في علاقة المثقفين بالرأسمالية في القرن الحادي والعشرين. الثقافة الكلاسيكية صارت أقلّ طهرانية، وأقرب لمفهوم خلق الثروة الحقيقية، ومغادرة مفهوم الاشتغال في نطاق العوالم الرمزية. صار معظم المثقفين يسعون لاقتطاع حصتهم التي يرونها مشروعة من الثروة العالمية. الرأسمالية كذلك صارت عُرْضة لهجمات التقنيات الرقمية التي جعلت من الرأسمالية الرقمية مفهوماً يختلف عن الرأسمالية الكلاسيكية، وليس محض امتداد له.

لم يكتف المثقفون في أيامنا هذه بإبداء مظاهر الامتعاض من الرأسمالية أو مناصرتها. أستاذ الفلسفة في «هارفارد» اليوم لم يعُد يكتفي بمرتبه السنوي؛ بل صار يسعى لنشر كتب ذات محتوى مرغوب عالمياً، تحت إشراف دور نشر عالمية تجيد صنعة الترويج والإشهار. لم يكتفِ الأستاذ في الثقافة الكلاسيكية بنشر كتب تلقى رواجاً؛ بل هو في الغالب صاحب «Podcast» ومدوّنة إلكترونية تدعم مسعاه الترويجي وجهده في كسب مزيد من المال. لم يقتصر الأمر على أعالي الثقافة الكلاسيكية (الفلسفة والأدب مثلاً)؛ بل إن كثرة من علماء الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والأدب انخرطوا في لعبة كسب المال عبر النشر المكثف. قلّما تمرّ سنة دون أن ينشر هؤلاء كتاباً لهم.

إنها لغة المال التي تفرض سطوتها في نهاية الأمر، وليس الحب أو الكراهية إلا تمثلات نفسية لمقدار حصة المثقف من المال. هذه بعض طبيعة البشر، وعلينا القبول بها وترويضها بقدر الممكن للصالح العام والفردي معاً. هذا أقصى ما يمكن فعله.


مقالات ذات صلة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».