ديفيد دامروش يطوف العالم عبر ثمانين كتاباً

بينها «ألف ليلة وليلة»، و«ليالي ألف ليلة» لمحفوظ، و«سيدات القمر» لجوخة الحارثي

ديفيد دامروش يطوف العالم عبر ثمانين كتاباً
TT

ديفيد دامروش يطوف العالم عبر ثمانين كتاباً

ديفيد دامروش يطوف العالم عبر ثمانين كتاباً

كتاب «حول العالم في ثمانين كتاباً» من تأليف ديفيد دامروش

David Darmosh

أستاذ ورئيس قسم الأدب المقارن بجامعة هارفارد الأميركية. والكتاب صادر في سلسلة بليكان عام 2021، وهو رحلة بين الأمكنة والأزمنة والشعوب، وعنوانه يذكّر بعنوان رواية الأديب الفرنسي جول فيرن «حول العالم في ثمانين يوماً» (1873).

يتألف الكتاب من مقدمة عنوانها «الرحلة إلى الخارج» (وهو عنوان أول رواية للروائية الإنجليزية فرجينيا ولف)، ومن فصول عن مدن وبلدان العالم كما تتجلى في روايات وأقاصيص وأشعار بأقلام كتّاب مختلفي الجنسيات، وهكذا فإننا نرى مثلاً لندن بعيني تشارلز ديكنز، وباريس بعيني مارسيل بروست، وإيطاليا بعيني بوكاشيو، ونيجيريا بعيني تشنوا أنشبي، وشيراز بعيني حافظ الشيرازي، والهند بعيني طاغور، واليابان بعيني يوكو ميشيما، ونيويورك بعيني سول بيلو، وهكذا.

وقد اخترت أن أتوقف هنا عند ثلاثة فصول ألصق بنا، هي الفصول الخاصة بالقاهرة وبغداد ومسقط، حيث نلتقي بكتاب «ألف ليلة وليلة»، ورواية نجيب محفوظ «ليالي ألف ليلة»، ورواية جوخة الحارثي «سيدات القمر».

وقبل ذلك، نورد قول المؤلف في مقدمته عن تجربته في القراءة، لقد قرأ في سن الخامسة عشرة رواية «حياة السيد ترسترام شاندي وآراؤه» لروائي آيرلندي من القرن الثامن عشر هو لورنس سترن. وقادته هذه الرواية إلى قراءة «جار جانتوا وبانتا جرول» للكاتب الفرنسي رابليه، ورواية «دون كيشوت» للكاتب الإسباني ثربانتس، ثم انفتحت أمامه أبواب القراءة بلا نهاية.

كتاب «ألف ليلة وليلة»

يجمع كتاب «ألف ليلة وليلة» حكايات سومرية وآكادية ومصرية وإغريقية وتركية وفارسية. وكان أثره في الأدب العالمي شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً، أثراً عميقاً ومتصلاً فصّل القول فيه ماهر البطوطي في كتابه «الرواية الأم: ألف ليلة وليلة والآداب العالمية» (مكتبة الآداب، القاهرة 2005)، والباحث والمترجم الهولندي رتشارد فان أوين في كتابه (باللغة الإنجليزية) «ألف ليلة وليلة والقصة في القرن العشرين. قراءات تناصية» (دار بريل للنشر، لايدن 2018).

يقول دامروش إن الكتاب وصلنا في مخطوطات مختلفة، ومن ثم اختلفت تفسيرات الدارسين له. إن أصل الحكايات من فارس (يفترض في شهريار أنه ملك ساساني)، ولكن أغلب الأحداث تدور بين دمشق والقاهرة. وعلى إمعانها في الخيال فإنها تضرب بجذورها في الواقع. وقد وضع عدداً من هذه الحكايات في القاهرة ودمشق في أثناء فترة الحكم العثماني. وهكذا فإنه في قصة حمال بغداد والصبايا الثلاث (في الليلة التاسعة) نجد أن ما يقدم في المأدبة يضم تفاحاً شامياً وسفرجلاً عثمانياً وخوخاً عمانياً وياسميناً حلبياً وخياراً نيلياً وليموناً مصرياً، وذلك قبل أن يطرق على باب الحمال والصبايا الخليفة هارون الرشيد ووزيره جعفر وسيّافه مسرور، متنكرين في زي تجار. وكل أصناف الطعام المذكورة هنا كان يمكن شراؤها في أسواق القاهرة آنذاك.

«ليالي ألف ليلة» (1982)

هذه رواية من تأليف نجيب محفوظ (1911 - 2006) الذي قال، في خطاب تلقيه جائزة «نوبل» للأدب عام 1988، إن الفائز الحقيقي بالجائزة هو اللغة العربية. وذكر أنه ابن حضارتين: الحضارة الفرعونية والحضارة الإسلامية. وقد أضاف إليهما فيما بعد نهله من حياض الثقافة الغربية.

ويقول الدكتور رشيد العناني في كتابه (باللغة الإنجليزية) «نجيب محفوظ: حياته وعصره» (مطبعة الجامعة الأميركية بالقاهرة 2007) إن رواية محفوظ هذه - إلى جانب رواية «الحرافيش» - كانت آخر عمل كبير لمؤلفها، وهي تمثله في قمة نضجه. إنه يختار ثلاث عشرة حكاية، لا رابطة بينها (كما أنه لا رابطة بينها في الأصل) ويحورها باستخدام تقنيات حداثية من نوع الرمزية والموتيفات المتواترة وتيار الوعي والواقعية السحرية. وتجسد هذه الصياغة الجديدة عدداً من اهتمامات محفوظ التقليدية: الشرور الاجتماعية، والزمن، وعلاقة الإنسان بالمطلق. وقصة شهرزاد وشهريار هي الإطار الذي ينتظم هذا كله.

أما دامروش فيقول إن محفوظ يمزج هنا بين فانتازيا قروسطية وواقع معاصر على نحو ما يفعل الروائي الإيطالي إيتالو كالفينو في كتابه «مدن غير مرئية». إن أحداث الرواية تبدأ في الليلة الثانية بعد الألف، والوزير دندان متجه إلى قصر الملك شهريار قلقاً على مصير ابنته شهرزاد وعلى مآل المملكة. وحين يهنئها على نجاتها من المصير الدامي يجدها ملأى بالمرارة تقول: «ضحيت بنفسي لأوقف شلال الدم، وتنعى كل العذارى اللواتي قتلهن شهريار».

وتضم الرواية خليطاً سيريالياً من الشخصيات تلتقي في مقهى الأمراء: إبراهيم العطار، وعجر الحلاق وابنه علاء الدين، ورجب الحمال وزميله سندباد، والرواية تأمل فيما يقدر فن القص على تحقيقه وما لا يقدر عليه.

«سيدات القمر» (2010)

رواية من عمان من تأليف جوخة الحارثي (ولدت في 1978)، وهي روائية وأستاذة للأدب العربي بجامعة السلطان قابوس في مسقط. وقد ترجمت الرواية إلى اللغة الإنجليزية وفازت مؤلفتها (مع المترجمة مارلين بوث) بجائزة «مان بوكر» لعام 2019.

يقول دامروش إن «سيدات القمر» مروية من منظورات سردية متعددة كما في بعض أعمال الروائي التركي أورهان باموق. إنها تتألف من 58 فصلاً قصيراً، وتدور حول ثلاث شقيقات وعائلاتهن. وهؤلاء النساء، كالصبايا في حكاية حمال بغداد، قويات الشخصية ولكن أحلامهن تظل في نطاق الفانتازيا، وقلما تخرج إلى حيز الواقع. والإطار الذي تتحرك فيه الحارثي - كالأطر التي يتحرك فيها محفوظ وباموق - محلي وعالمي معاً. إن شخصياتها تنشد أبياتاً لأمرئ القيس ومحمود درويش، ولكن أغلب المحيطين بها لم يسمعوا بهذين الشاعرين. وحين يقع الأب في حب بدوية ينشد أبياتاً للمتنبي عن ظباء الفلاة.

بعد وباء «كورونا» يتعين علينا أن نتعهد حديقتنا بالرعاية، وأن نطوف بالعالم من غرفتنا

الكتاب الواحد والثمانون

ويتساءل دامروش في ختام كتابه: «إلى أين نمضي من هنا؟» ويجيب: «إننا نستطيع أن نقرأ المزيد من أعمال الكتّاب الذين اجتذبونا». وهكذا ننتقل من رواية فولتير «كنديد» (لها ترجمة عربية للمترجم الفلسطيني عادل زعيتر) إلى «الأعمال الكاملة» لفولتير في 62 مجلداً نشرت في الفترة 1775 - 1790 وتشمل شعراً هجائياً ساخراً ودراسة تاريخية لعصر الملك لويس الرابع عشر ومراسلات مع الإمبراطورة الروسية كاثرين ومسرحيات.

ومهما يكن من أمر ما نختاره، فإننا لا يمكن أن نقنع بثمانين كتاباً. إن جول فيرن (الذي تحولت روايته «حول العالم في ثمانين يوماً» إلى فيلم سينمائي في 1956) لم يقنع بأن يرسل أبطاله حول الكرة الأرضية في ثمانين يوماً، وإنما أرسلهم كذلك إلى سطح القمر أو غاص بهم عشرين ألف فرسخاً تحت الماء. إن قائمة وجهات الأدب بلا نهاية. وبعد وباء «كوفيد» يتعين علينا - بتعبير فولتير في ختام رواية «كنديد» - أن نتعهد حديقتنا بالرعاية، وأن نطوف بالعالم من غرفتنا.

حول العالم في ثمانين كتاباً

Around the World in 80 Books

المؤلف: ديفيد دارموش

David Darmosh


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية
TT

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات... سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري رفعت إسماعيل بوعساف، الصادر، أخيراً، عن دار «ميتافيرس برس» للنشر. ويعرض المؤلِّف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات، موضحاً أهم المقومات التي امتازت بها وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، وتمسك قادة الإمارات بالقيم الإنسانية، وسماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، والمشروعات والمبادرات النوعية الكفيلة بترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، وبيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، والمعهد الدولي للتسامح، والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).

يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، على أربعة أبواب رئيسية، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب كثيرة شاملة يُجمل فيها بوعساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهلّ إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذه الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية... وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب الأجانب حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولون أمريكيون، ونجم الكرة الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا، والروائي البرازيلي باولو كويلو، ونجم بوليوود شاروخان، وعالم النفس والباحث الكندي البروفسور إدوارد دينر. كما يُفرد الكتاب محطات موسَّعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، التي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطول أصقاع الأرض قاطبةً ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.

ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم «حوارات وسيمفونية»، بحوارات وأحاديث مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف كثيرة، بشأن التسامح وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة هؤلاء المحاورين: أحمد الحَدَّاد، مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، وبول هيندر، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، وراجو شروف، رئيس معبد «سندي غورو دربار» الهندوسي، وحمّود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وسوريندر سينغ كاندهاري، رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، وعشيش بروا، مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، وإيان فيرسرفيس، الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، وزليخة داود، أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، وبيتر هارادين، الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، وراميش شوكلا، أحد أقدم المصورين في الإمارات.