رواية أميركية بطلها «أخطبوط مشاكس» تكسب قلوب الملايين

عادت إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بعد عام ونصف العام من صدورها

رواية أميركية بطلها «أخطبوط مشاكس» تكسب قلوب الملايين
TT

رواية أميركية بطلها «أخطبوط مشاكس» تكسب قلوب الملايين

رواية أميركية بطلها «أخطبوط مشاكس» تكسب قلوب الملايين

في العام قبل الماضي، أثناء ذروة عروض خصومات موسم العطلات، بدأت بيث سيوفر باس تتلقى طلبات غير عادية من العملاء في «Bookmarks» وهي مكتبة مستقلة، كارولاينا الشمالية، الولايات المتحدة. تقول باس: «لقد كان سؤال القراء هو دائماً: هل لديك ذلك الكتاب الخاص بالأخطبوط؟».

وكانت باس تعرف بالضبط أي كتاب يقصدونه، إذ كانوا يقصدون رواية «مخلوقات مشرقة بشكل ملحوظ» لشيلبي فان بيلت، وهي رواية تتحدث عن أخطبوط غريب الأطوار.

لم تكن الزيادة في حجم الطلب على الرواية متوقعة، وذلك لأنها كانت قد صدرت في ربيع عام 2022، والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن المبيعات استمرت في الزيادة بشكل كبير بعد انتهاء موسم العطلات من ذلك العام أيضاً، وحتى شتاء وربيع عام 2023. ولم تتراجع أبداً منذ ذلك الحين. وكانت هذه الرواية هي الأكثر مبيعاً على موقع مكتبة «Bookmarks» لعام 2023، وقد زادت طلبات الحصول عليها مرة أخرى في موسم العطلات الحالي أيضاً.

تقول باس، التي قدمت الرواية لاثنتين من قريباتها في عيد الميلاد: «لا أعتقد أن مبيعات هذه الرواية ستنخفض، لأن كل من يقرأها يريد أن يقرأها أشخاص آخرون أيضاً، وبغض النظر عن مزاجك أو ما تمر به، يمكنني أن أضع هذا الكتاب بين يديك».

وفي بيئة البيع بالتجزئة التي لا يمكن التنبؤ بها، والتي غالباً ما يتم تصنيف الكتب الأكثر مبيعاً فيها من خلال منشورات تطبيق وسائل التواصل الاجتماعي «تيك توك» التي تنتشر بشكل كبير، تعد رواية «مخلوقات مشرقة بشكل ملحوظ» واحدة من قصص النجاح النادرة، فهي تعكس اتجاهاً أدبياً غريباً يجري لأول مرة بدعم محبي القراءة وتوصيات القراء.

وحتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي بيعت 1.4 مليون نسخة من الرواية، وهو إنجاز مثير للإعجاب لرواية يكون الراوي فيها لأول مرة أخطبوطاً مشاكساً، كما تجاوزت المبيعات في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي أيضاً مبيعات موسم عطلات العام الذي سبقه، وعادت الرواية إلى الظهور مؤخراً في قائمة صحيفة «نيويورك تايمز» للكتب الأكثر مبيعاً.

وفي حين أن العديد من العوامل التي تدفع زيادة الطلب على رواية «مخلوقات مشرقة بشكل ملحوظ» تبدو فريدة من نوعها، فإن هذا المسار الجديد يعكس أيضاً تحولاً مستمراً في تجارة الكتب، مع تجاوز مبيعات الكتب القديمة لتلك الجديدة، فمن بين أكثر 50 رواية مبيعاً للبالغين لعام 2023، تم نشر 16 رواية فقط في 2023، بينما كانت البقية روايات قديمة، وفقاً لشركة «Circana BookScan»، التي تتتبع مبيعات المطبوعات.

وكانت بعض الروايات الأدبية الأكثر مبيعاً العام الماضي، بما في ذلك رواية غابرييل زيفين «غداً وغداً وغداً» و«دروس في الكيمياء» لبوني غارموس، قد ظلت خارج القائمة منذ عام ونصف العام تقريباً، لكنها حققت مبيعات أعلى في 2023 من العام السابق.

وقد فاجأ الاستمرار غير العادي للطلب على رواية «مخلوقات مشرقة بشكل ملحوظ» ناشرها «إيكو»، إذ إنه عادة ما تكون مبيعات الكتب أقوى في الأسابيع الأولى التي تلي النشر مباشرة، عندما تكون هناك موجة من الاهتمام الإعلامي والتقييمات ثم تتضاءل المبيعات شيئاً فشيئاً، ولكن بعد فترة هدوء قصيرة في صيف عام 2022، انتعشت مبيعات الرواية ثم ازدادت بشكل كبير مع الوقت، مما أعادها إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في 2023، وحتى الآن، طلبت «إيكو» 28 نسخة مطبوعة منها.

تقول كريستين ماكلين، العاملة في شركة «Circana BookScan»: «يبدو أن الأمر يتضمن جميع السمات المميزة للشكل الطبيعي للترويج للروايات، إذ إننا عدنا إلى التوصيات الشفهية القديمة من بائعي الكتب، أو الأصدقاء».

وكانت قد خطرت لفان بيلت، وهي مستشارة مالية سابقة، الفكرة التي تحولت إلى هذه الرواية لأول مرة عام 2013، عندما شاركت في ورشة عمل حول الكتابة الخيالية في جامعة إيموري في أتلانتا، وكانت إحدى المهام هي كتابة قصة قصيرة من منظور غير عادي، وتوصلت حينها إلى شخصية أخطبوط لاذع يشعر بالملل والإحباط بسبب حبسه في حوض للسمك، وحينها سحبها معلمها جانباً واقترح عليها بناء شيء أكبر حول هذه الشخصية، وبالفعل بدأت في كتابة مقالات قصيرة عن هذا الأخطبوط.

وفي البداية، لم تقلق بيلت كثيراً من أنها كانت تخوض مخاطرة إبداعية من خلال كون الراوي والبطل أخطبوطاً ذكياً للغاية، لأنها لم تعتقد أن عملها سيتم نشره على الإطلاق، إذ تقول: «لم أكن أفكر كثيراً في الأمر، وكنت أتساءل: هل ما أكتبه يمكن بيعه؟ وذلك لأنني لم أعتقد قط أن أحداً سيقرأ ما أكتبه».

وواصلت بيلت اللعب بالشخصية ورأت في النهاية إمكانية كتابة رواية، لكنها أدركت أنه سيكون من الصعب كتابة كتاب كامل من منظور الأخطبوط وحده، وحينها توصلت إلى شخصية توفا، وهي أرملة تبلغ من العمر 70 عاماً ولها ماض مؤلم وتعمل عاملة نظافة في مركز ترفيهي لأحواض السمك، وتدور أحداث القصة في مدينة خيالية في شمال غربي المحيط الهادي؛ حيث نشأت فان بيلت، أما شخصية توفا فهي مستوحاة من جدتها السويدية.

وفي الرواية تطور توفا علاقة ودية مع مارسيلوس، وهو أخطبوط المحيط الهادي العملاق المقيم في حوض سمك داخل المركز الذي تعمل فيه. وضمن تطور الأحداث تبدأ توفا تثق بمارسيلوس، وتبدأ تشكو له ماضيها، حيث تشعر بالألم بسبب اختفاء ابنها منذ عقود، كما تشعر بالقلق بشأن مستقبلها الغامض كامرأة مسنة تعيش بمفردها، ومع نمو علاقتهما، تساعد مارسيلوس في العثور على بعض الحرية، حيث يهرب من مكان إقامته كل ليلة للتجول في أحواض السمك والاستمتاع بوقته مع الكائنات البحرية الأخرى في المركز الترفيهي.

أمضت فان بيلت عدة سنوات في إعادة كتابة الفصول القليلة الأولى، حتى توصلت هي وشريكتها في الكتابة إلى اتفاق لإنهاء كتابهما، وكتبت الجزء الأكبر من العمل عام 2020 في ذروة وباء فيروس «كورونا المستجد»، عندما كانت في المنزل مع طفليها، اللذين كانا يبلغان من العمر حينها 4 و6 سنوات.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، راسلت العديد من الوكلاء بشأن الرواية، وردت إحداهن، كريستين نيلسون، على الفور، وتتذكر نيلسون قائلة: «تواصل معي مساعدي حينها وقال: خطر لي هذا السؤال اليوم: إنه إما عمل رائع أو مجنون، فهو يدور حول أخطبوط ناطق».

ودفعت الرواية للنشر بعد وقت قصير من إصدار الفيلم الوثائقي الذي نال استحسان النقاد «معلم الأخطبوط الخاص بي»، والذي ركز على العلاقة غير العادية التي تنشأ بين رجل وأخطبوط، وتقول فان بيلت: «لم يكن بإمكاني التخطيط للأمر بشكل أفضل».

وعندما سمعت هيلين أتسما، ناشرة «إيكو» فكرة الكتاب، انبهرت بها، ولكنها كانت متشككة بعض الشيء، إذ إنها كانت قد شاهدت فيلم «معلم الأخطبوط الخاص بي»، وكان لديها فضول لرؤية تمثيل خيالي لما يدور بعقل الأخطبوط، لكنها تساءلت عما إذا كان الأمر سينجح، قائلة: «كنت أرى أن الأمر سيكون صعباً، وأتذكر أنني كنت أحدث نفسي قائلة إن الأمر إما سيكون جيداً حقاً، أو أنه لن ينجح على الإطلاق». وقد اشترت «إيكو» الرواية في مزاد بمبلغ مكون من ستة أرقام، ووضعتها كواحدة من أهم إصداراتها الأولى عام 2022.

وكانت للرواية بداية قوية في شهر مايو (أيار) من ذلك العام، مع طلبات كثيرة من متاجر مستقلة مثل «Target» و«Barnes».

*خدمة» نيويرك تايمز» كتبت شيلبي فان بيلت الجزء الأكبر من العمل عام 2020 في ذروة وباء «كورونا» عندما لازمت المنزل مع طفليها



قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.