10 مفاتيح من أجل بسط الحكمة في حياتنا

تتصدرها اليقظة الروحانية وعدم فقدان الحس النقدي

10 مفاتيح من أجل بسط الحكمة في حياتنا
TT

10 مفاتيح من أجل بسط الحكمة في حياتنا

10 مفاتيح من أجل بسط الحكمة في حياتنا

في ظل هذا العالم الذي أصبح قرية كونية، حيث بدأت الحدود تتضاءل وتنفتح بين المجتمعات البشرية، بدأ الإنسان المعاصر يشعر أنه يعيش في عالم يتغير باستمرار، وأخذ يتساءل حول مصيره ومصير الجماعة التي ينتمي إليها، كما بدأ يتساءل حول معنى الحياة الفردية في ظل سيطرة البنى الشمولية والأفكار وطرق الحياة والثقافات المختلفة التي تجتاح الكون وتتجاوز الحدود الوطنية بفضل ثورة وسائل التواصل والإعلام. وبالفعل، جعل هذا الواقع حياة الأفراد محكومة بآليات وبأنماط مفروضة من قبل السلطات المسيطرة على إنتاج أنماط العيش المتناسبة مع شروط القوى المسيطرة على الأسواق العالمية. وأمام هذا الوضع الخاضع للتغير بتغير القوى المسيطرة على إنتاج الحياة المادية والاجتماعية، ماذا على الفرد أن يفعل وكيف يستطيع التعايش مع هذا العالم الذي يتغير باستمرار؟ وفي سبيل الإجابة عن هذا السؤال خصصت المجلة الفرنسية «سؤال في الفلسفة» (Question de philo) في عددها الصادر صيف هذا العام 2023 محوراً خاصاً حول هذا الموضوع بعنوان «عشرة مفاتيح من أجل بسط الحكمة في حياتنا». لكن المدخل الأساسي لفتح هذه الطريق يكمن في اليقظة الروحانية، على أنها قد تحدث عند الإنسان في أي مرحلة من حياته. فما هذه المفاتيح العشرة التي تساعدنا على التوفيق بين الحكمة واليقظة الروحانية في حياتنا اليومية؟ سنحاول هنا شرح هذه المفاتيح بإيجاز قدر الإمكان:

المفتاح الأول يكمن في طرح أسئلة لا تنتظر إجابات واضحة وأكيدة. فعندما نلتزم البحث عن يقظة روحانية، فهذا لأننا وجدنا أنفسنا أمام أسئلة ليس لها أي جواب، وذلك يربك طريقة عملنا. وهذه الأسئلة غالباً ما تكون فلسفية أو دينية أو علمية أو نفسية. لذلك هناك أسئلة كبرى يمكن أن تبقى بعيدة المنال، لكنها مع ذلك تبقى جوهرية. على سبيل المثال: «ما الحياة؟» أو «ما الخير والشر؟»، «ما معنى حياتي؟»، و«كيف يمكن ألا أكون مهتماً بالموت؟». الجدير بالذكر هنا، أن الروحانية في زمننا ليست مرتبطة بالدين ولا بالمعتقدات؛ فهناك كثير من الميادين تتقاطع معها، ومنها علم اللاهوت.

المفتاح الثاني يتمثل بمحاولة البحث عن المطلق، وذلك يأخذ أشكالاً مختلفة كلياً. والملاحَظ هنا أن بعض الذين يتخذون هذا المنحى يكونون في مرحلة الشباب. على سبيل المثال: إن الالتزام الديني، مهما كان، هو بالفعل ممكن بالنسبة إلى الشخص الذي يتمتع بهذا الميل.

المفتاح الثالث يتمثل في مبادرة الانفتاح الفكري أو الذهني. فإذا كانت عملية أو مبادرة اليقظة الروحية تصيب كل شخص مهما كانت بيئته ومكانته في المجتمع أو أصوله؛ فمن الواضح أن ذلك يتطلب معرفة معينة بالطريقة التي يتبناها، وكذلك مستوى جيداً من الحس السليم.

المفتاح الرابع يتمثل في عدم التسرع في أخذ الوقت اللازم للقيام بخطوة معينة في الحياة. وذلك لأن الأسئلة المعقدة كتلك المطروحة في هذا المجال يمكن أن تنتظر طويلاً من دون إجابة. من الأفضل إذن الانتظار إلى حين التمكن من الحصول على قدرة استكشاف السبل الممكنة المقترحة، وكذلك استشارة أصدقاء سبق لهم أن اختاروا تلك الطريق. لا شيء يدعو إلى التسرع ولا شيء يضغط لاختيار طريق غير آمنة.

المفتاح الخامس يتمثل في اختيار الطريق السليمة. ومن أصعب الأمور في هذا المجال هو بالطبع اختيار الطريق الصحيحة المفروض تبنيها. وإذا كان ذلك واضحاً بالنسبة إلى البعض منذ البداية، ولكنه غير متوفر للبعض الآخر. إذن، فإن ذلك يأخذ بعض الوقت قبل أن يتمكنوا من تحقيق دخولهم هذا الباب، وخصوصاً إذا لم يكن هناك من يساعدهم في هذا البحث أو المسعى. وفي هذا المجال يبقى الخيار فردياً، ومن الممكن عدم الوصول إلى الطريق الفضلى بشكل مباشر.

المفتاح السادس يتمثل في حرية التغيير. عندما ننطلق في تجربة روحانية لا يجب علينا أن نضع لأنفسنا سقفاً محدداً للوقت الواجب لهذه التجربة، بل علينا أن نتقبل بأن الخيار الأول الذي ننفذه قد لا يتناسب مع ما كنا ننتظره. هنا ليس المطلوب أن نغير من أجل التغيير أو بسبب مجرد فضول ذهني، وذلك لأن الرغبة هنا ليست بالفعل مجرد اغتناء فكري، بل الوصول إلى حالة من الراحة الروحية ومرتبة أفضل في الحياة. إذن، يجب الشعور كلياً بحرية التغيير وبالتراجع من أجل استكشاف مناطق أو مسارات أخرى.

المفتاح السابع يتمثل في عدم فقدان الحس النقدي، وذلك لأن الالتزام في طريق اليقظة الروحانية لا يعني التمسك بإيمان معين وقبول كل ما يقال فيه، بل يجب أن يبقى الحس النقدي لدينا في حالة اليقظة. في هذه الحال يمكن للتجربة وللتربية وللثقافة العامة حماية حرية التفكير، فضلاً عن المساهمة بطريقة ما في إعادة النظر ببعض طرائق التعليم التي تبدو غير قابلة للفهم أو غير متكيفة مع العصر. ولكن المهم في ذلك هو الحفاظ على حرية التفكير واختيار الأشخاص المناسبين لهذه الوظيفة.

المفتاح الثامن يتمثل في الاعتياد والألفة مع التأمل كونهما شرطين أساسيين لنجاح هذه التجربة. ويمكن أن يقتضي الأمر تأملاً خالصاً، أو لحظات تأمل، أو صلاة، أو حتى بعض الرؤى. ولكن المطلوب التصرف بطريقة إرادية والانغماس في هذا التعلم من دون خلفيات فكرية مسبقة، لأن الوصول إلى حالة التأمل يمكن أن يأخذ وقتاً معيناً، ولذلك من الملائم الحفاظ على إيقاع معين، فالتأمل يلعب دوراً مهماً حتى من الناحية الجسدية، كما برهنت على ذلك بعض الأبحاث التي بيّنت دوره في تقوية نظام المناعة، وذلك بشرط ممارسته يومياً.

المفتاح التاسع يتمثل بمسار غير محدود، فعندما تبدأ عملية التوفيق بين اليقظة الروحانية والحكمة، يجب ألّا تتوقف وألّا توضع حدود لها، لأن حالات التقدم في هذا المجال هي ذاتية جداً وفردية. لكن ما يجب أن نعرفه هو أن المسار الروحاني ليس له أي حدود حقيقية؛ إذ إنه يستمر من دون توقف من خلال تقنيات مختلفة وجديدة كالاسترخاء والسوفرولوجيا التي تعزز الصحة الجسدية والنفسية من خلال تحسين النوم، ومعدل التركيز، وتخفيف التوتر. ويبقى أن الهدف الأساسي من كل ذلك هو تحسين الحال والسكينة وتفضيل القيم الإيجابية، ومن أهمها المحبة. وهذه الطريق لا حدود لها، وتكفي المثابرة عليها للحفاظ على جمالية المبادرة.

أما المفتاح العاشر والأخير فيتمثل في التفكير بالجسد. من المعروف أنه في القارة الآسيوية يشارك الجسد في التوازن بين النفس والجسم، وفي الهند هناك تمارين خاصة تساهم في إعادة التوازن بين الجسد وبين ذكرياته، ولكل شخص أسلوبه الخاص فيما يتعلق بالطاقة والحيوية، ويمكن له إذن أن يختار النشاط الجسدي في العملية. وهناك من يفضل التأمل سيراً على الأقدام.

وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن الدخول في عملية أو مبادرة روحانية في سبيل اكتساب مزيد من الحكمة لا يعني أبداً أنه يجب إهمال الجسد؛ ذلك لأن الجسد هو أيضاً يشكل جزءاً أساسياً من كينونتنا؛ فنحن لا يمكننا جميعاً أن نصبح على مثال المتصوف أو الزاهد، أو أن نصوم أربعين يوماً. فاليوغا مثلاً يمكنها تفعيل الجانبين. أضف إلى ذلك أنه ليس هناك أي إلزام للاختيار بينهما. إن من يريد الخوض في هذه التجربة ليس ملزماً أن يختار، بل هو تبعاً لطبيعته ولمزاجه سوف يتمكن من اختيار السبل التي توحّد بين الجسد والروح، بدلاً من أن يلجأ إلى خيارات ذهنية حصراً.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.