كتاب جديد يوثق لسيرة الدبلوماسي السعودي حمزة غوث

كتاب جديد يوثق لسيرة الدبلوماسي السعودي حمزة غوث
TT

كتاب جديد يوثق لسيرة الدبلوماسي السعودي حمزة غوث

كتاب جديد يوثق لسيرة الدبلوماسي السعودي حمزة غوث

سيرة مهمة لدبلوماسي سعودي من الرعيل الأول يوثقها الكاتب والمؤرخ السعودي محمد السيف، رئيس تحرير «المجلة العربية» في كتابه «حمزة غوث... سياسي دولتين وإمارة» الصادر حديثاً عن دار «جداول ببيروت». يتناول الكتاب بأسلوب شيق يجمع بين التاريخي التوثيقي والإنساني سيرة المستشار السياسي حمزة غوث؛ أحد أبرز مستشاري الملك عبد العزيز، ومندوبه إلى الكويت وسفيره في العراق وإيران.

‏ يضم الكتاب مجموعة من الوثائق تنشر لأول مرة ويقع في 700 صفحة، ويعد إضافة إلى فئة كتب السيرة في المكتبة العربية، وهو الإصدار الثالث للسيف في هذا السياق بعد كتابين بارزين من كتب السيرة، أرّخ فيهما لسيرة عبد الله الطريقي وناصر المنقور، سارداً من خلالهما صفحات من التاريخ الاجتماعي والسياسي الحديث للمملكة العربية السعودية.

ولد حمزة غوث عام 1297هـ - 1882م في حي الساحة غرب المسجد النبوي، وتلقى تعليمه في المدرسة الإعدادية بالمدينة المنورة، وكانت تضم آنذاك أعلى مراحل التعليم الرسمي بالمدينة. كما التحق أيضاً بالمسجد النبوي ودرس على يد كل من الشيخ عبد القادر الطرابلسي، والشيخ محمد العمري والشيخ عبد الحافظ المصري ممن كانت لهم شهرة علمية واسعة في المدينة المنورة في ذلك العهد، كما تلقى دراسة متخصصة في اللغة التركية.

وعرف غوث مبكراً طريقه للعمل الصحافي، فكان أول صحافي من أبناء المدينة المنورة مارس الصحافة، حيث تولى إدارة ورئاسة تحرير جريدة «الحجاز» عام 1334هـ - 1916م، وكانت أول جريدة يومية سياسة أدبية اقتصادية اجتماعية صدرت في المدينة المنورة. وفي عام 1335هـ - 1917م تولى رئاسة بلدية المدينة المنورة حتى نهاية مراحل التهجير القسري الجماعي إلى الشام وغيرها في عهد فخري باشا الحاكم العسكري أو ما يعرف بـ«سفر برلك».

ويوضح الكتاب أن سيرة غوث برزت في عمله السياسي إبان العهد العثماني وفي إمارة آل رشيد، وكان مفاوضاً يشهد له بالبنان سواء مع الإنجليز أو مع أمراء وملوك الأقطار العربية، ويسجل الكتاب أبرز المحطات في رحلة غوث الدبلوماسية التي تكشف عن وقائع تاريخية لم تسجل من قبل.

استغرق السيف سنوات من البحث والتنقيب عن كل ما يخص حمزة غوث وما نشر عنه في الصحف، وعن صولاته وجولاته السياسية والصحافية وارتباطها بتاريخ المنطقة العربية. ويشير إلى أن سيرة غوث طبعت قرناً عربياً بأكمله، في كل تحولاته السياسية وتبدلاته، فقد كان شاهداً على حدثين سياسيين مهمين في مطلع القرن العشرين؛ الأول تداعي وانهيار الدولة العثمانية، والآخر تنامي وصعود الدولة السعودية، وما بينهما كان انهيار إمارة آل رشيد في حائل.

يذكر الكتاب أنه في خضم الأحداث السياسية المتلاحقة في القرن العشرين، كان غوث شاهداً وفاعلاً، منذ انضمامه كغيره من الطلائع العربية المثقفة إلى جمعية الاتحاد والترقي، وعمله رئيساً لبلدية المدينة، ورئيساً لتحرير جريدة «الحجاز»، التي قادها بضراوة في مواجهة جريدة «القِبلة»، الناطقة باسم الثورة العربية، وباعثها الملك حسين، ليلاحقه ويهاجمه ويُصدر أمراً بإعدامه.

بعد ذلك انتقل غوث ضمن عملية «سفر برلك» إلى الشام، ملتحقاً بجبهة الجهاد الإسلامي، المجاهد أحمد السنوسي، تحت راية مصطفى كمال أتاتورك لتقوده الأقدار للعمل في إمارة آل رشيد في حائل، مستشاراً سياسياً، ومفوَّضاً لها في بغداد وبيروت والقاهرة ودمشق. وما كان له، وهو السياسي المحنك، الذي يرى بزوغ وتألق نجم «ابن سعود»، إلا أن ينتقل للعمل معه وفي ظله، وقد أصبح محط الآمال وموطن التطلعات للعرب كافة، فجاء عمله في العهد السعودي ليكون قمة العطاء والإخلاص في كل المسؤوليات والمهمات التي أسندها إليه الملك عبد العزيز - رحمه الله -، في الداخل والخارج.

بعد تقاعده عن العمل قضى بقية حياته في بستانه المعروف بحدائق الزهور على ضفاف وادي العقيق بالمدينة المنورة، ودُفن بها بعد أن وافته المنية مساء يوم الاثنين الثاني من شهر شوال عام 1390هـ الأول من ديسمبر (كانون الأول) 1970م عن عمر ناهز الثالثة والتسعين عاماً.

يقول السيف: «كان حمزة غوث ذا اعتدادٍ كبير بنفسه وبرأيه؛ مما أكسبه صلابة في الرأي، قادته إلى النجاح كثيراً، وإلى الصدام في لحظاتٍ ومواقف وليس ذلك بغريب على مَنْ سار فوق أشواك السياسة. لقد سلك طريقاً شديدة الوعورة، عاش فيها لحظاتٍ حافلة بالأمل كما الإحباط، وبالإنجازات كما هي الانكسارات إلى أن ابتسمت له الأقدار في الرياض».


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟