جان زيغلير: الجوع هو أحد أسلحة الدمار الشامل

الفيلسوف السويسري يهاجم الغرب والعولمة الرأسمالية

جان زيغلير
جان زيغلير
TT

جان زيغلير: الجوع هو أحد أسلحة الدمار الشامل

جان زيغلير
جان زيغلير

يعد جان زيغلير (المولود عام 1934) أحد المفكرين ذوي الضمائر الكبرى في عصرنا. وهو فيلسوف ومسؤول سياسي ونائب سويسري في آن معاً. كما أنه موظف عالمي كبير لأنه كان مقرر الأمم المتحدة لشؤون التغذية في العالم لمدة ثماني سنوات (2000-2008). وهو الآن نائب رئيس اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وكان قد نشر سابقاً عدة كتب لافتة للانتباه. نذكر من بينها: «الكتاب الأسود للرأسمالية»، «الجوع في العالم مشروحاً لابني»، «أسياد العالم الجدد وأولئك الذين يقاومونهم»، «إمبراطورية العار» (أي إمبراطورية الرأسمالية الغربية والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات التي تجوع سكان الجنوب وترهق دولهم بالديون وتركعهم تركيعاً)، و«حق الإنسان في التغذية»، و«لماذا يكره الآخرون الغرب؟»، و«أسلحة الدمار الشامل: جغرافية الجوع في العالم»، ثم «الرأسمالية مشروحة لطفلتي الصغيرة»، إلخ... مجموعة كتب أساسية تفضح حقيقة الرأسمالية المتوحشة وتشرح خريطة الجوع المجرم الذي يفتك بالعالم حالياً.

يقول لنا المؤلف إن هناك نظريتين متعاكستين عن الرأسمالية: نظرية المؤرخ الهولندي الشهير روتجير بريغمان ونظريته هو. فالمؤرخ الهولندي يدافع عن الرأسمالية قائلاً ما معناه: طيلة 99 بالمائة من تاريخ العالم كان 99 بالمائة من البشر فقراء مدقعين، جائعين، وسخين، أغبياء، قبيحين، مريضين... ولكن كل شيء تغير خلال القرنين الماضيين مع صعود الرأسمالية. فقد أصبح عدة مليارات من البشر بفضلها أغنياء، مرفهين طعاماً وملبساً، نظيفين، آمنين، وأحياناً جميلين!.. بل وحتى أولئك الذين ندعوهم بالفقراء أصبحوا يأكلون ويشربون ما يسد الرمق وما عادوا يموتون جوعاً. وهذا يعني أن النظام الرأسمالي هو أفضل نظام اقتصادي عرفه تاريخ العالم. لم يؤمن للبشرية فقط رفاهية العيش وإنما أمن لها أيضاً الحرية والليبرالية.

غلاف «الرأسمالية مشروحة لطفلتي الصغيرة»

كم هو عدد الذين يموتون جوعاً في العالم حالياً؟

لكن جان زيغلير يرد عليه قائلاً: هذه النظرية خاطئة تماماً، وذلك لأن العكس هو الذي حصل في ظل الرأسمالية. وأنا أقول بأن النظام الرأسمالي مسؤول عن جرائم لا حصر لها ولا عد. ففي كل خمس ثوان يموت طفل ما قبل العاشرة من الجوع. قلت كل خمس ثوان وليس كل خمس دقائق أو خمس ساعات. كل عام يموت ثلاثة ملايين ونصف المليون طفل جوعاً، أي بمعدل عشرة آلاف كل يوم. وكل أربع دقائق يعمى شخص ما بسبب انعدام فيتامين أ. وكل عام يموت ثلاثون مليون شخص من الجوع. ومئات الملايين الآخرين يعيشون على حافة الجوع: أي يعانون من سوء التغذية وقلتها. وكل ذلك يحصل في وقت لم تكن فيه البشرية مكتظة بالثروات مثلما هي عليه اليوم. هنا تكمن جريمة الرأسمالية الغربية أو العولمة الرأسمالية سمها ما شئت. فالمنظمة العالمية للتغذية قالت لنا بالحرف الواحد: ثروات العالم تستطيع حالياً أن تطعم 12 مليار شخص بكل سهولة. وبما أن عدد سكان العالم حالياً أقل من 8 مليارات آدمي فنحن نطرح على قادة العولمة الرأسمالية والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات السؤال التالي: لماذا تموت الملايين جوعاً، بخاصة في بلدان الجنوب؟ من المسؤول عن هذه الجريمة النكراء؟ لهذا السبب رفعنا الشعارات التالية: الجوع هو أكبر فضيحة في عصرنا. الجوع هو أحد أسلحة الدمار الشامل الكبرى التي لا يتحدث عنها أحد. الجوع جريمة ضد الإنسانية. والمسؤول عنها هو نظام العولمة الرأسمالية الذي يتحكم بالعالم حالياً. وقادة العالم حالياً هم رؤساء الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات. وهم أشخاص لا هم لهم إلا تراكم الأرباح والرساميل في جيوبهم. ولهم ممثلون مرتزقة يعششون في أوساط منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. وأنا كشفتهم شخصياً وفضحتهم وأعرفهم بالاسم بحكم تجربتي وموقعي في الأمم المتحدة.

ثم يضيف الفيلسوف السويسري الشهير قائلاً: ينبغي أن يعلم الجميع الحقيقة التالية: هناك أكثر من 8 مليارات شخص على وجه الأرض حالياً: ثلثاهم يعيشون في بلدان الجنوب الفقيرة عموماً قياساً إلى بلدان الشمال الأوروبي – الأميركي المكتظة بالثروات الفاحشة. هناك حوالي الـ5 مليارات شخص يعيشون هناك في الجنوب. من بينهم يعيش مئات الملايين تحت خط الفقر المدقع. إنهم يعيشون في ظروف مرعبة لا تليق حتى بالبهائم. الأمهات خائفات يومياً من عدم القدرة على طبخ أي شيء لأطفالهن. إحدى الأمهات في دولة فقيرة كانت تطبخ البحص وتعلل أطفالها به ساعة بعد ساعة وهي تبكي! وهم ينتظرون الطعام ولا يعرفون أنها تطبخ البحص! وهي تراهن على أنهم سوف ينعسون وينامون في نهاية المطاف. ولكن كيف ينام من هو يتضور جوعاً؟ الجوع كافر. هذه أشياء ينبغي أن تقال حتى ولو كانت تمزقك من الداخل تمزيقاً. شكراً للبروفيسور جان زيغلير وألف شكر. إنه حفيد جان جاك روسو حتماً. وهو على أي حال سويسري مثله. وأما الرجال أو الآباء فلا يجدون عملاً. ولذلك يشعرون بالخجل أمام زوجاتهم وأطفالهم. يشعرون بالخجل والعار لأنهم في حالة بطالة دائمة. يشعرون بأنهم فقدوا كل قيمتهم كرجال... الخلاصة: لقد خلقت الرأسمالية نظاماً حيوانياً مفترساً آكلاً للحوم البشر. فالثروة من حظ سكان الشمال أو أغلبيتهم، وأما البؤس المدقع القاتل فمن حظ الأكثرية العائشة في بلدان الجنوب إلا من رحم ربك..

مدح الرأسمالية بعد ذمها!

على الرغم من كل هذه الحملة الشرسة على الرأسمالية إلا أن فيلسوفنا السويسري يعترف لها بميزة واحدة: وهي أن نظام الإنتاج الرأسمالي هو بدون أدنى شك النمط الأكثر ديناميكية، والأكثر إبداعاً وابتكاراً في تاريخ البشرية. لقد ولدت الرأسمالية طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين عدة ثورات رائعة متتالية كالثورة الصناعية والعلمية والتكنولوجية. وتوجت أخيراً بالثورة المعلوماتية الإلكترونية من إنترنت وسواه. وأمنت هذه الثورات رفاهية حقيقية لأغلبية سكان الشمال، ولكن فقط للطبقات القائدة والعليا في الجنوب. وكل المخترعات الطبية والصيدلية تحققت بفضل الرأسمالية. بل وحتى اكتشاف أجواز الفضاء وأعماق البحار... إلخ. لقد جيشت الرأسمالية المواهب الإبداعية في كل المجالات. كما لعبت على وتر المنافسات والمسابقات بين البشر لكي يعطوا أفضل ما عندهم. وخلق نظام الإنتاج الرأسمالي ثروات هائلة لم تكن تحلم بها البشرية من قبل مجرد حلم. كل هذا صحيح. ولكن المشكلة ليست هنا. المشكلة هي أن هذه الثروات محتكرة من قبل أوليغارشية مصرفية صغيرة (الأوليغارشية تعني حكم القلة أو الأقلية). يضرب الفيلسوف السويسري على ذلك المثل التالي: هناك 500 شركة عالمية عابرة للقارات. وقد سيطرت عام 2017 على أكثر من نصف الإنتاج الخام للبشرية كلها. إن أرباب هذه الشركات العملاقة يتمتعون بسلطة هائلة تفوق سلطة الأباطرة والملوك والبابوات سابقاً. وأمامهم ينحني رؤساء الدول وزعماء العالم. إنهم قادة العولمة الرأسمالية الظافرة والجائرة. لقد أسست هذه الأوليغارشية الرأسمالية المعولمة نظاماً جائراً آكلاً للحوم البشر. ولو كان فيهم ذرة أخلاق أو أدنى نزعة إنسانية لما قبلوا بأن يجوع ويهان ربع سكان العالم تقريباً. وكل ذلك يحصل تحت سمعهم وبصرهم ولكنهم لا يرون ولا يبالون بعد أن ماتت فيهم الأحاسيس والضمائر. إنها رأسمالية باردة صقيعية مفرغة من كل شعور أو حرارة إنسانية. ولا سميع لمن تنادي. وهنا يكمن أكبر نقص في الحضارة الغربية الحالية.

يقول لنا البروفيسور زيغلير: هناك ألف ملياردير في العالم حالياً أو أكثر قليلاً مقابل 25 مليارديراً فقط عام 1991. وهناك من بينهم 8 مليارديرات يمتلكون ثروة هائلة ذات أرقام فلكية. وهي تعادل ثروة 4 مليارات شخص تقريباً. تصوروا الوضع: ثمانية أشخاص مقابل أربعة مليارات شخص! أو بكلمة أخرى: أربعة مليارات آدمي مقابل ثمانية حرامين فقط! كيف يمكن لهذا العالم ألا ينفجر؟ ما حاجة هؤلاء «التماسيح» لكل هذه المليارات؟ هل سيحملونها معهم إلى قبورهم؟ أين هي الفلسفة الأخلاقية؟ أين هي القيم الروحية والمثالية العليا؟ كيف يمكن لحضارة كهذه أن تستمر؟ وأصلاً هل من المعقول والمقبول أن تُدعى حضارة؟ لا حضارة بدون نزعة إنسانية تضامنية تحترم آلام الشعوب وترفض تجويعها حتى الموت!



أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟