تمارا الجلبي تعيد الاعتبار لقصر الأيل

تسرد المؤلفة سيرتها لأسرتها وما تلازم منها مع سيرة عراق مختلف

تمارا الجلبي
تمارا الجلبي
TT

تمارا الجلبي تعيد الاعتبار لقصر الأيل

تمارا الجلبي
تمارا الجلبي

وأنا ألتقيها للمرة الأولى مع والدها الراحل أحمد الجلبي، لم أجد فيها سوى ما يميز الأب سليل الأرستقراطية البغدادية، المتعاونة مع الأسرة المالكة منذ تتويج الملك فيصل الأول، حتى اللحظة الأخيرة من المصير المفجع للملك الشاب فيصل الثاني، ونهاية أسطورة نوري السعيد صاحب المقولة المشهورة: «بيت السيد مأمونة» التي لم تؤكدها الحياة.

أثناء ما كنت أتبادل مع أحمد الجلبي أطراف حديث جاد، كانت تمارا الجلبي تدخل على خط الحوار بعربية اغترابية كما لو أنها تتهجى المعاني. مظهرها الأرستقراطي مزيج من الحداثة والمحافظة، فلم يكن في ملابسها ما يخدش الحشمة، وإن لم يقلل ذلك من انسيابها الجمالي على حضورها.

غلاف الكتاب

لم يكن موقفي منها غير امتدادٍ سلبيٍ لتقييمي للراحل أحمد الجلبي الذي لعب دوراً خطيراً لم يقيّم موضوعياً حتى الآن. إذا ما تركنا جانباً نواياه «الإيجابية» المرتبطة برؤيته وقناعته للوسائل والأدوات الكفيلة بإنقاذ العراق من سطوة الموت البعثي، فإن نجاح مسعاه المتواصل لاعتماد الإدارة الأميركية للقرار المخاتل المسمى «قانون تحرير العراق» الذي صوّت عليه وأقرّه الكونغرس الأميركي عام 1998 في عهد الرئيس بيل كلينتون كان سيئاً. كان لاعتماد القانون المذكور، مع التشوهات التي رافقت تطبيقه، أوخم العواقب على مصائر العراق التي ما زالت تتفاعل باتجاه المزيد من التحلل والرثاثة والانحدار السياسي والتفسخ القيمي. هذا القانون وضع البلاد ومصائرها تحت الهيمنة الأميركية ضد الإرادة العراقية.

إن هذا التقييم يتطلب وقفة موضوعية عند المرحلة الممتدة منذ وثوب الديكتاتور إلى المركز الأول والانفراد المطلق بإدارة البلاد، مروراً بانتقال جميع التيارات والقوى العراقية إلى مواقع المواجهة مع نظام البعث وهيمنة صدام حسين على مقدرات البلاد ومصادرة إرادة العراقيين.

أياً كان ما سيُكتب عن المرحلة فإن وجهة نظري عن أحمد لم تعد كما كانت يوم التقيته في دمشق مع إطلالاته السياسية الأولى كناشط في إعادة النظر بتركيبة الأطر الحزبية للمعارضة ولمستقبل العراق الجديد. لقد صرت أرى فيه وطنياً لا مجال لمقارنة قامته بالفضلات غير القابلة للتدوير التي تسلّطت على العراق. وهذا التقييم تلازم مع التغييرات العاصفة التي اجتاحت العالم وأطاحت بنظمٍ وإمبراطوريات، كما فككت آيديولوجيات صار النوع الإنساني في مجراها مثاراً للتساؤل والشك. ولم تعد المعايير التي سادت مع صعود الحركات الثورية الرائدة ونمو الآمال بجنّاتٍ على الأرض تتساوق مع انطفاء الأمل وتحلل تلك الحركات لتسود البدائل المحشوة بالخرافات والجهل.

*******

في حوارٍ ممتع مع تمارا، بعد أن تغيّرت في نظري مع تقادم المعرفة وتآلف اللقاءات وتعدد ما كان يتجدد في الحديث الذي تناول الملكية والثورات والآيديولوجيات وما يجثم على صدورنا من آثارها، توقفنا عند كتابٍ لها يسرد سيرتها لأسرتها وما تلازم منها مع سيرة عراق مختلف. لقد وجدت تمارا أنه سيكون تحدياً للمدى أن تنشره، فهو يحمل آراء ووجهات نظر وتقييمات للمراحل الأولى لنشوء الدولة العراقية، وصعود الملكية باستيراد الملك فيصل الأول من قبل الإدارة المدنية للاحتلال البريطاني، صنيعة لورنس العرب والمس بيل، ليصبح وريث السلطنة العثمانية.

بعد أن قُدمت لي مطالعة الخبير المعتمد عن الكتاب، لازمني الشك بشأن مدى مصداقية ما كُتب، لكنها في الوقت نفسه رجّحت أن المدى ستتردد في قبول مغامرة نشر كتاب يميل ويتعاطف مع النظام الملكي.

******

تبدأ تمارا حكايتها من بواكير انهيار الإمبراطورية العثمانية واندثار خلافتها. جاء السرد ملضوماً دون إقحاماتٍ مخلة، منذ محاولتها خلق مناخات ملائمة للتلازم بين مقدمات نشوء الدولة العراقية وتكوين أسرتها كظاهرة اجتماعية متصاعدة مع متكآت نفوذها وامتداداتها المتشابكة من حيث العرق والطائفة والانحدار. وابتداءً من لحظة التلازم تلك يظهر التناقض بوضوح بين انتماء الأسرة الجلبية للمذهب الاثني عشري، وميلها للاندماج الاختياري في مجتمع متعدد، وبين الميل الشيعي للعزلة والقاضي بعدم التعاون مع خيار تشكيل الدولة ومؤسساتها وفقاً لما قررته إدارة الاحتلال البريطاني، باعتماد الركائز المؤسساتية للسلطة الجديدة على القيادات والكوادر السنية المتأهلة في عاصمة الخلافة العثمانية، وبالترابط مع فتوى المرجعية الشيعية العليا في النجف الأشرف بتحريم التعامل مع إدارة الاحتلال والانخراط في تشكيلات الحكومة.

أحمد الجلبي

ولم يكن خيار عبد الحسين الجلبي عميد الأسرة أن يغرد خارج السرب السياسي، بانضمامه كطرف شيعي في دعم خيار إدارة الاحتلال وربط مصيره بالنظام الملكي هيّناً عليه شخصياً، ولا على أسرته ومصائرها عبر التغيّرات العاصفة التي شهدتها الملكية في أيامها الأولى، ثم في المراحل اللاحقة التي تسللت فيها الهشاشة في تركيبتها، لتنهار تحت وقع النضالات الشعبية وخاتمتها ثورة 14 يوليو (تموز).

استَلّتْ تمارا بذكاءٍ كشف موهبتها كحكّاءَة ذات نزعة روائية، قصر الأيّل رمزاً لمكانة الأسرة ليكون محور السيرة، محولة إياه إلى عراق مصغر تدور فيه وحوله حكاية الأسرة وهي تنمو وتتغير وتتمحور فيها التناقضات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مراحل تطور العراق وانتكاساته. كان تحدي الوجيه الشيعي أحد الأعمدة الاجتماعية لأهل مدينة الكاظمية مثيراً للالتباس وانقسام وجهاء الكاظمية من الموالين للمرجعية وغيرهم ممن لم يختلفوا رفضاً لمرجعية النجف، وإنما وجدوا في العزلة التي تؤدي إليها فتوى المرجع إضراراً بالطائفة وتكريساً لنمط من الانفراد بالحكم لطائفة يؤدي في نهاية المطاف إلى تشويه التركيبة السياسية للدولة، وتحويل ما رفضته المرجعية إلى واقع معيش، وهو ما جرى تكريسه بالفعل وأدى إلى تجاذبات وصراعات لم تنته حتى يومنا هذا.

تكتب تمارا باللغة الإنجليزية، وتفكر بها. لكن الترجمة الباذخة المنسابة لعلي بدر تعكس دون شك ثقافة الكاتبة وطاقتها الإبداعية وتنوع معرفتها بجماليات اللغة ومفرداتها المعبرة عما تريد دون إفاضة مخلة.

كان الكاتب المبدع بدر التقى تمارا وحاورها معرفياً، وبات بعد اللقاء أكثر قناعة بطاقة الكاتبة وسعة ثقافتها.

ربما هي المرة الأولى التي أتعرض فيه لعمل إبداعي عراقي يجمع بين الاجتماعي والثقافي على متكآت سياسية تناصر الملكية.

قرأت دون توقف حكاية عائلة لعبت دوراً سياسياً ممالئاً للنظام الملكي انتهت عند حفيدها أحمد الجلبي الذي دخل عالم السياسة بعد نكبة نشاطه المالي بانهيار بنك البترا في الأردن، ليقوم بدورٍ شديد الخطورة على مصائر العراق والمنطقة بأسرها، دون أن يسمح له توازن القوى من لعب دور مقرر على رأس السلطة بعد الاحتلال وإسقاط نظام صدام. والحال لم تكن عضويته في مجلس الحكم سوى واجهة شكلية تنفيذية بلا إرادة قرار وطني.

أهمية حكاية هذه الأسرة أنها تعكس سيرة نشوء الدولة العراقية بكل تناقضاتها وعثراتها وتمزقاتها وبنيتها المشوّهة، حتى وهي تولد بعملية قيصرية على يد دايتها الخاتون مس بيل، وبرعاية بريطانية غير منزهة كانت قد وضعت في قاعدتها قنبلة تتفجر متى ما تشاء هي أو من يتسيد على القرار الأممي عنوةً بعد أن تغيب الشمس عن سماء الإمبراطورية العجوز. كما أن أهمية الحكاية تتأتى من كونها تسرد تطور المجتمع العراقي وتبلور طبقاته وما يرتبط به من عادات وتقاليد، وبوجه خاص الطبقة الوسطى، إزاء تعقد المشهد السياسي ونمو الوعي الوطني والطبقي وتصاعد دور الأحزاب وتوسع الحراك الشعبي.

في قصر الأيّل وحواليه وفي جواره تدور حكاية العراق، وتنعكس في سيرة أفرادها بميولهم ونزعاتهم واهتماماتهم بما يدور في مجتمع يتطور، منتزعاً نفسه من رثاثة الإلحاق القسري بالخلافة العثمانية إلى إطار الدولة، محاوِلة الحفاظ على مخلفات نظام آفل متخلف ودمجها بتحديثٍ يقصي الطبقات والفئات الفقيرة لصالح الإقطاعيين والملاكين والكمبرادور.

قد لا تقصد الكاتبة ذلك، وهي تؤشر إلى مرحلة جديدة من تكريس نظام الحكم الملكي على قاعدة طائفية، حين كتبت عن إحساس عميد الأسرة الجديد هادي الجلبي بضرورة نقل قصر الأيّل من جوار الكاظمية إلى مدينة الأعظمية معقل الطائفة السنية وقياداتها الحاكمة وأبرز مثقفيها.

لم تكن تلك الانتقالة مجرد تغيير للمكان، كما أكد ضمنياً سيد الأسرة، إذ انتقل ثقل النشاط السياسي والاقتصادي إلى بغداد، وبات البقاء في زاوية ضيقة على أطراف الكاظمية يعني القبول بدور محدود، والتخلف عن متابعة التطورات في المشهد السياسي الحكومي والحراك النخبوي والشعبي، خاصة بعد أن صار عبد الهادي وآخرون من الأسرة مشاركين في الحكومة وجزءاً من النشاط الاجتماعي للأسرة المالكة والفريق الحاكم. كان الانتقال، بمعنى ما، رفض الاستسلام لطبيعة تركيب السلطة المتأطر بتمثيل مذهبي واحد، وإن لم يكن يمثل الأغلبية السكانية، بل يعكس تمييزاً طائفياً كرس انقساماً ظل بالغ التأثير على مصائر العراق حتى يومنا هذا. انطوى الانتقال بمعنى معين على السعي السياسي والاجتماعي لفرض واقع متغير يعزز دور الطائفة الشيعية في مفاصل الدولة والحكومة بالتفاعل المباشر.

تمارا الجلبي تحاول في سرديتها أحياناً تجاوز انحيازها الفطري لميولها العائلية السياسية، بتأكيد التزامها موضوعياً وهي تتقصى حقائق جوهرية في حركة التطور وما يتطلبه ذلك من توصيف وتسميات متجنبة التأثر بكتاباتٍ شعبوية تنطلق من الكراهية والعداء الآيديولوجي. هذا يُحسب لها ولجهدها الأكاديمي المتشبع بالقيم الموضوعية.

ويمكن ملاحظة ذلك في توصيف أحداث كبرى جرى تشويهها بعد ثورة 14 تموز 1958، كذلك اتخاذ موقف عدم رضا من ممارسات سياسية للنظام الملكي وإدانتها. وفي تصدّيها لأحداث ومراحل من التطور ينعكس هذا النهج بقدر متفاوت من الوضوح.

ولا بد من الانتباه عند قراءة الكتاب إلى أنه مكتوب باللغة الإنجليزية، ولغير القراء باللغة العربية، ما يتطلب الالتزام بمعايير لا تقبل التساهل والعبث باستخدام المفردات والمصطلحات في غير مواقعها وخارج سياقاتها.

قصر الأيّل عمارة سردية يمكن أن تكون رواية، وتصلح أن تكون أساساً لبناء سيناريو مُعزز لمسلسل يحكي سيرة عراق ينزف ويتطلع للمجهول!


مقالات ذات صلة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية
TT

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام (1931- 1987) والذي يتناول التأثير اللافت لهذا المفكر النمساوي على الفلسفة المعاصرة.

وُلد فتجنشتاين في فيينا لأسرة صناعية ثرية ومثقفة، ثم اتجه إلى دراسة هندسة الطيران في مدينة «مانشستر» الإنجليزية، قبل أن يتخلى عن هذا الاتجاه ويتحول تماماً إلى المنطق والرياضيات في جامعة «كامبريدج» متأثراً بالمفكر البريطاني برتراند راسل الذي أشرف على دراسته للفلسفة. تطوع في جيش بلاده خلال الحرب العالمية الأولى وأمضى فترة معلماً في قرية نمساوية، ثم عاد لاحقاً إلى بريطانيا كأستاذ.

ويعد كتابه «رسالة فلسفية منطقية» أبرز مؤلفاته والذي نُشر لأول مرة عام 1921 ويذهب فيه إلى أن حدود اللغة هي حدود عالمنا، وما لا يمكن التعبير عنه بها يجب الصمت عنه، أما «تحقيقات فلسفية» فنشر بعد وفاته عام 1951 ويؤكد فيه على أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت، وهي الفكرة التي كان لها تأثير بالغ على مجلات أخرى كالأدب وعلم النفس.

ويشير المؤلف إلى أنه حصل على أطروحة الدكتوراه في فلسفة المفكر النمساوي لأن أفكاره كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفكر الفلسفي الحديث ويرجع ذلك إلى أهمية المنهج الذي تبناه، وهو المنهج التحليلي المنطقي، يتناول عبارات اللغة التي نصوغ فيها الأسئلة والمشكلات الفلسفية، حيث أثبت أن معظم هذه المشكلات ليست بمشكلات حقيقية وأنها لم تنتج إلا عن سوء استخدام اللغة.

أصبح إسهام فتجنشتاين أشبه ما يكون بالثورة الهادئة على الفلسفة التقليدية، وذلك لأنها غيرت من مفهومها ومجالها ووظيفتها فأصبحت الفلسفة لديه عبارة عن تحليل للغة وانتقل مجال البحث فيها من البحث في الأشياء في ذاتها كالوجود من حيث هو موجود أو العلة أو المطلق أو الجوهر أو اللامتناهي أو العدم إلى البحث في العبارات والألفاظ التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ما له معنى منها وما لا معنى له، أو لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي المنطقي. ومن ثم تغيرت مهمة الفلسفة فأصبحت تنصب على تحليل مشكلات الفلسفة بدلاً من إقامة أنساق فكرية أو ميتافيزيقية جديدة. وتأثر بأفكاره بشدة عموم التيار الفكري الوضعي التحليلي.

واعتمد المؤلف في دراسته لفلسفة فتجنشتاين على مؤلفاته نفسها فضلاً عن بعض محاضراته بالجامعة، وكذلك محاضراته الخاصة التي نشرت في الكتابين «الأزرق» و«البني»، وأيضاً ملاحظاته عن المنطق والرياضيات كما رجع كذلك إلى ما نشر من رسائله إلى براترند راسل، ولم يكن ذلك بالمهمة اليسيرة نظراً لصعوبة كتاباته وتعقيداتها حتى إن كثيرين من تلامذته والباحثين عموماً كانوا يصفونه بـ«الفيلسوف المتعب للغاية».

ولد لودفيغ يوهان فتجنشتاين في السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1889 وكان والده مهندساً مرموقاً يشغل منصباً قيادياً في صناعة الحديد والصلب بالنمسا، كما كان لأم فتجنشتين أثر بالغ في خلق الميل الفني القوي في الأسرة، فقد كانت هي وزوجها موسيقيين من الدرجة الأولى حتى لقد أصبح المنزل في وقت ما مركزاً لحياة موسيقية جميلة وخاصة حينما كان يتردد عليهم صديق الأسرة الحميم يوهان برامز، الموسيقار العالمي الشهير.

اهتم فتجنشتاين أثناء دراسته في «كامبريدج» بالفلسفة وبأسس الرياضيات الحديثة اهتماماً كبيراً كما استفاد من النشاط الفكري الضخم الذي كان موجوداً في الجامعة قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ كان راسل في أوج تفكيره الفلسفي والمنطقي وأخرج هو وألفريد نورث هوايتهد كتابهما «مبادئ الرياضيات» الذي يعد أحد العلامات المميزة في تاريخ المنطق.

على الرغم من اكتساب فتجنشتاين في إنجلترا للجنسية الإنجليزية، فإنه لم يكن معجباً بأساليب الإنجليز في الحياة كما كان يكره الجو الأكاديمي في كامبريدج في ذلك الوقت وحينما انتهت مدة زمالته في كلية ترينتي عام 1930 فكر في زيارة الاتحاد السوفياتي وزاره بالفعل مع أحد أصدقائه. وحين توفي في 29 أبريل 1951 في منزل الطبيب الذي كان يعالجه في بريطانيا، كانت آخر عبارة قالها لزوجة الطبيب: «قولي لهم إنني قد عشت حياة رائعة».

مال إلى البساطة في كل شيء وكان ذلك واضحاً من ملابسه ومن أثاث حجراته في الجامعة، فلم يكن يتمسك في ملابسه بالطريقة التقليدية مثل الأساتذة بل كان يرتدي دائماً بنطلوناً خفيفاً وقميصاً مفتوح الصدر بلا رباط عنق. وتكشف طريقته في إلقاء محاضراته عن أكثر من جانب من جوانب شخصيته، مثل البساطة والجدية والإخلاص للعمل والحب الشديد للحق وأحياناً الخشونة والجفاء والقسوة.

يؤكد فتجنشتاين أن المعنى الحقيقي للكلمات يكمن في سياقها الاجتماعي وليس في مدلولها الاصطلاحي البحت

لم تكن محاضراته تأخذ الطابع التقليدي، وإنما كانت أشبه باجتماعات برغم إصراره على تسميتها بالمحاضرات. كان يتكلم بلغة إنجليزية وبلهجة الرجل الإنجليزي المثقف وكان صوته رناناً عالي النبرة، وإن لم يكن منفراً، ولم تكن الكلمات تخرج من فمه متدفقة، بل بعد جهد كبير. وجهه كان سريع الحركة بطريقة ملحوظة كما كان معبراً جداً أثناء الحديث وكانت عيناه عميقتين، وغالباً ما كانتا تحملان شيئاً من القسوة في التعبير.

لم تكن مؤلفات فتجنشتاين كثيرة متعددة حتى إنه لم ينشر في حياته إلا كتاباً واحداً هو «رسالة منطقية فلسفية» ومقالاً له بعنوان «بعض ملاحظات على الصورة المنطقية» وبقية ما نشر عدا ذلك كان كله بعد وفاته.

وأهم ما يلاحظ في كتاباته خلوها تماماً من كل زخرفة أدبية أو رطانة في الأسلوب، فنجدها بسيطة قوية تعتمد على خصوبة الخيال، وهو ما تأثر بها كثير من الأدباء لاحقاً. استخدم التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية، فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم إلى مجموعة من الوقائع أو رد اللغة إلى عدة قضايا أو رد المعنى إلى طريقة استخدامنا للألفاظ، إنما هو يستخدمه لكي يوصله إلى غاية أبعد من ذلك، وهي توضيح المشكلات الفلسفية التي إذا ما وضع معظمها تحت مجهر التحليل زال عنها كل غموض، واتضح أنها مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلاً، على حد تعبيره.

وقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً دقيقاً بقوله: «إن معظم القضايا والأسئلة التي كُتبت عن أمور فلسفية ليست كاذبة، بل هي خالية من المعنى، فلسنا نستطيع إذن أن نجيب عن أسئلة من هذا القبيل، وكل ما يسعنا هو أن نقرر عنها أنها خالية من المعنى، فمعظم الأسئلة والقضايا التي يقولها الفلاسفة إنما تنشأ عن حقيقة كوننا لا نفهم منطق لغتنا، فهي أسئلة من نوع السؤال الذي يبحث فيما إذا كان الخير هو نفسه الشيء الجميل على وجه التقريب، وإذن فلا عجب إذا عرفنا أن أعمق المشكلات ليست في حقيقتها مشكلات على الإطلاق».


«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية
TT

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل في حياة ومسيرة عدد من المبدعين والمفكرين والفنانين المؤثرين في مجالاتهم، مستخدماً الصورة القلمية في رسم ملامحهم الثقافية والشخصية، مازجاً المعلومة بالتأويل، ومطوفاً حول عدد من الرموز الثقافية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين، في مجالات معرفية مختلفة، كنوع من التحية لهم ولمنجزهم وتراثهم، الذي يمثل زاداً ثقافياً مهماً لمن جاء بعدهم من أجيال لاحقة، حتى لو اختلفوا مع تلك المنجزات.

الكتاب الصادر في القاهرة عن «دار المعارف» يبتعد فيه مؤلفه عن الكتابة الأكاديمية والنقدية التي يتوقعها القارئ من ناقد وأكاديمي، مفضلاً أن يقدم أسلافه عبر لغة رشيقة ومكثفة، لا تخلو من التقدير والإعجاب والتأثر بهؤلاء الرموز، لكن دون تقديس، يقول في المقدمة: «لم يتحمس الكتاب للشخصيات وإن لم ينكر محبتها، ولم يرتد ثوب الدفاع عنها، وإن اعترف بوجود مثالب فيها، وتعامل مع العيوب والنقائص بوصفها جزءاً من طبيعتها البشرية، وركز على أبعاد الإنجاز لديها، واعتبرها مكمن التميز وسط أمواج من العاديين»، فقد حاول الجابري رسم صور لشخصيات احتلت في قلوب الأجيال وعقولها مكانة رائقة، لاستكشاف مفتاح كل شخصية.

يقدم الكتاب بورتريهات عن 16 شخصية ثقافية شهيرة، هم: أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، وعاطف الطيب.

يبدأ الكتاب ببورتريه عن الصحافية المصرية الرائدة، والناشطة النسوية، أمينة السعيد، التي كانت ضمن أول دفعة جامعية تضم فتيات، والتي ترأست دار الهلال العريقة، فكانت أول امرأة تترأس مؤسسة صحافية، وتولت رئاسة تحرير مجلة «حواء»، كما كانت وكيلة نقابة الصحافيين في سابقة لا تتكرر كثيراً. وبعيداً عن الصحافة، كتبت القصة القصيرة، وكانت في أعمالها الأدبية تركز على المثالب الاجتماعية ونقد المجتمع ومشكلاته ومناقشة عاداته المتجمدة وعيوبه الداخلية. ويركز المؤلف على علاقتها بأبيها الذي أصر على أن تكمل دراستها الجامعية ولا تتزوج قبل إنهائها، وكان هذا وعدها له، ثم علاقته بزوجها بعد ذلك، ويرى الجابري أنه بسبب هذه العوامل «لا تجد عند أمينة السعيد نزق النسويين الجدد، أو كراهية مخبوءة للرجل دون داع».

وينتقل الكتاب إلى مي زيادة، وأثرها في الحياة الثقافية العربية، رغم محاولة حبسها في الرسائل المتبادلة بينها وبين العديد من المثقفين، ويرى المؤلف أن مي «لم يجن عليها شيء مثل انفتاحها على الآخرين فتعددت صورها، حتى لم يبق إلا ظلال لا تعكس شيئاً قاطعاً، فمي التي رسمها العقاد تختلف عن التي رسمها شبلي شميل، عن صورتها لدى الأب أنستاس الكرملي، عنها لدى الرافعي وطه حسين وسلامة موسى ولطفي السيد وولي الدين يكن وأنطون الجميل وغيرهم. لقد اقتربوا جميعاً منها، وكل منهم رآها من وجهة نظره هو، فظن أن روايته هي الزاوية الفاصلة الحقيقية الوحيدة، حتى كأن الإنسانة ليس لها وجود، وإنما هناك وجود لظلالها، وانعكاسات لرسمها، وأشكال لسطورها على الورق».

ويبدأ بورتريه جمال الدين الأفغاني بمشهد شديد الجدة، وهو مشهد أحفاده وهم يتعلقون بالطائرة الأميركية هرباً مما يخشون منه في بلادهم، ورغبة في الهرب منها فوق طائرة المستعمر، في حين كان جدهم الأفغاني يحمل على عاتقه طوال مسيرته مناهضة الاستعمار، وانتقل بين مصر والهند وعدة دول أخرى منادياً بالتحرر من الاستعمار، ويعرج المؤلف على جهوده في الصحافة والفكر والتجديد، وعلاقته بتلاميذه مثل الإمام محمد عبده وغيره، وكراهية الحكام له، وطرده من أكثر من بلد، لأنه كان مصدر خطر لكثير منهم، ويرتابون في وجوده في بلادهم.

ينتقل الكتاب بعد ذلك للناقد والصحافي المصري رجاء النقاش، المعروف عنه أنه كان مكتشف الأصوات الإبداعية الجديدة، فقد كتب عن الطيب صالح ومحمود درويش في بداياتهما، وكانت كتابته النقدية نموذجاً للتوسط بين الأكاديمية الجافة والتغطية الصحافية السريعة، وكتب عن الشعر والقصة والرواية والمسرح، وقد ترأس مجلتي الهلال والكواكب في مصر، و«الراية» و«الدوحة» في قطر، وتنقل بين صحف ومجلات روزاليوسف والأخبار، وأحيا الصحافة الثقافية بعد ركودها لفترة.

وفي بورتريه عن الأكاديمية والناقدة سهير القلماوي، يرصد الجابري مواطن رياداتها المتعددة وقتالها على جبهات لا تنتهي، فقد كانت أول فتاة تحصل على الماجستير تحت إشراف طه حسين في جامعة القاهرة، فكانت تلميذته النجيبة، وسافرت إلى فرنسا لإعداد رسالتها للدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة»، وقد كافحت للاعتراف بالأدب الشعبي إلى جوار الآداب الرسمية، كما كانت أول أستاذة في جامعة القاهرة وأول امرأة تتولى رئاسة قسم اللغة العربية، وأول رئيسة للهيئة العامة للكتاب، وهي التي أطلقت معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، كما كانت لها الريادة في أدب الأطفال، والكتابة فيه، والمطالبة بالاهتمام به، فضلاً عن حضورها الثقافي خارج جدران الجامعة، ومحاولة مواكبة أحدث المناهج النقدية التي كانت جديدة آنذاك.

ويرسم الكتاب صورة للكاتبة والمترجمة والمناضلة اليسارية الدكتورة لطيفة الزيات، التي «جسدت حياتها مرحلة من الجهد النسائي، حتى شكلت حضوراً طاغياً لوجوهها المتعددة؛ مناضلة سياسية أو مترجمة أو أستاذة جامعية أو مبدعة سرد من عيار فريد»، ويتوقف عند أهمية عدد من أعمالها الأدبية والسيرية مثل «الباب المفتوح» و«الشيخوخة» و«حملة تفتيش» و«أوراق شخصية» و«صاحبة البيت» و«الرجل الذي عرف تهمته»، وكذلك عند منهجها في النقد.

وعن يحيى حقي، الموظف ذي الأصول التركية والهوى الصعيدي، يقول إنه خرج من تجربة عمله في وزارة الخارجية برؤية أكثر اتساعاً، فزار تركيا وإيطاليا وفرنسا والسعودية، بما أتاح بعداً إنسانياً واضحاً لتجربته، تجاور فيها الغربي مع غيره من التأثيرات، هذا الخليط الذي جمع المتفرقات، فتعلم التركية والألمانية والإيطالية، مضيفاً إلى الموروث المصريٍ نظيره العربي، الذي يحل بالقوة داخل الوعي المصري وظواهره، وكلك أثر الثقافة العربية على سواها.

وتتوالى البورتريهات التي تحاول التقاط ما هو جوهري في كل شخصية من التي يتناولها الكتاب، بعناوين تحاول تلخيص روح كل شخصية، مثل «عبد الحميد جودة السحار... حتمية التقاء السينما بالأدب»، و«عبد الرحمن شكري... الرائد المنسي والمنسحب النبيل»، و«أحمد أمين يسدد الكثير من ديون التراث»، و«الإمام محمد عبده الإصلاحي الذي رحل سريعاً»، و«جورجي زيدان أو الناهض للتحيزات»، و«أسامة أنور عكاشة... سيناريست بدرجة مناضل»، و«سعد الله ونوس... أمواج مسرحية وموسيقار كبير»، و«ميخائيل نعيمة والتمرد على النمط»، و«عاطف الطيب... العزف بالكاميرا».


صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر
TT

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض، عن الغياب والبحث عن الحكايات التي تقال، وتلك التي تظل مدفونة في الحجر والجسد والخرائط القديمة، عبر سرد يمتزج فيه التاريخ بالأسطورة، والسياسة بالروح، والقرية بالميناء، في نسيج سردي نابض بالحياة، ويلامس أسئلة الإنسان الكبرى: عن العدالة والخلاص والمعنى.

في مصر أثناء القرن التاسع عشر، بين انتشار الطاعون، والصراع الخفي بين الإمبراطوريات، يصل الطبيب الإنجليزي كامبل إلى الإسكندرية، باحثاً عن رائحة الأرض الحقيقية، وحقيقة نفسه الممزقة بين الحنين والخسارة، إذ تلاحقه ذكرى ابنته «ليزا» التي اختفت مع أمها، ويقوده قدره إلى أعماق مجتمع مكلوم، تتشابك فيه خرافات الخلاص مع يقين العلم، وتلتبس فيه المعجزة بالداء. وفي قلب هذا العالم، يقف الروزنامجي، كاتب الضرائب الذي يعرف كيف تباع القرى وتوزع الأحلام، ليسجل بأمانة زائفة تقسيم البلاد والعباد.

الرواية حافلة بالشخصيات مختلفة المرجعيات الثقافية والاجتماعية والعرقية والدينية، بما يجعلها ساحة للحوار والجدل الثقافي والسياسي، خصوصاً في لحظات سياسية مأزومة، ووباء يطارد الجميع، فضلاً عن الأزمات الشخصية والوجودية لكل منهم، وتساؤلاته الروحية العميقة، وتتوزع الأحداث على خمسة فصول رئيسة، كل منها له عنوان، وهي: كامبل الإنجليزي، حياة النفوس، دلال الحبشية، المتصاحبون، الروزنامجي. وعلى مدار هذ الفصول يتنامى الصراع على السلطة والوجود والأفكار والمكتسبات، بل على الحياة، إذ تفتتح الرواية أحداثها على الوباء وانتشاره، واحتجاز الناس في محجر صحي انتظاراً للموت الذي يفتك بهم، دون العثور على دواء مناسب يعطي بعضاً من الأمل، وفي ظل هذه الأجواء يتصارع الوعي الخرافي والعقل العلمي.

يذكر أن هشام البواردي روائي مصري، من مواليد 1977 بمحافظة المنصورة، شمال القاهرة، وحاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الأزهر عام 2000، وحصل على المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية عن روايته «الحياة عند عتبات الموت»، كما وصلت روايته «الرجل النملة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الأدبية عام 2017.

من أجواء الرواية: «تحولت الأمتعة والملابس إلى كتلة من رماد أسود، يعبث به الهواء ويطير، أمرهم كامبل ألا يدخلوا الدير مرة أخرى، وألا يقربوه، وألا يقيموا حتى صلواتهم على عتباته، وأن يتفرقوا في الأرض لو أحبوا. فزعوا من طلبه، وجُنُّوا حين طالبهم بإحضار الجير والتحاريق حتى يطهر الدير. فتح حقيبته وبحث عن قلم، عن دهان، عن لون يرسم به العلامة النكدة على بابه، وأخبرهم أن المكان موبوء، ويجب فعل هذا حفاظاً على الإنسان والحياة. اندفع الرهبان، جميعهم، ناحية كامبل، وحملوه، وقذفوا به بعيداً عن باب الدير. وتسلح كل واحد منهم بكل ما استطاع من أسلحة للاعتداء عليه لو نهاهم، وقالوا في نفس واحد: من أنت حتى تحظر بيت الرب وتمنع الخراف من دخوله؟! لم تقدر على فعل شيء للخادم أيها العاجز، فلتفعل شيئاً يُذهب الطاعون، لو تقدر».