صلاح الدين... القائد الذي راوغ التاريخ!

بين النص الإنجليزي والترجمة العربية الجديدة قرن وربع القرن

صلاح الدين... القائد الذي راوغ التاريخ!
TT

صلاح الدين... القائد الذي راوغ التاريخ!

صلاح الدين... القائد الذي راوغ التاريخ!

لم يزل كتاب المستشرق ستانلي لين بول «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» المصدر الأهم في التأريخ العسكري والدبلوماسي لفترة الحروب الصليبية، ولشخصية القائد صلاح الدين الأيوبي.

بين الأصل الإنجليزي المنشور عام 1898 والترجمة التي صدرت عن «الدار المصرية اللبنانية» بالقاهرة مطلع هذا العام مدة قرن وربع القرن، وهذا في حد ذاته أمر غريب في وجود هذا العدد الضخم من مؤسسات الترجمة العربية. توجد ترجمة سابقة للكتاب بتوقيع فاروق سعد أبو جابر، وهي الأخرى حديثة نسبياً (عام 1998) على نفقة المترجم، مطبوعة في «مطابع الأهرام».

تكشف الترجمة الجديدة عن مترجم وباحث من الطبقة الأولى ولعاً وإتقاناً، هو علاء مصري النهر، الذي كانت رسالتا ماجستيره والدكتوراه عن حقبة الحروب الصليبية، وقد خرجت الترجمة في ضعف حجم الكتاب الأصلي، بما أضافه النهر من هوامش وتوضيحات وإضافات كلما كانت هناك حاجة إلى إضاءة ما ورد بالنص الإنجليزي اقتضاباً، عائداً إلى المصادر العربية الأصلية. كما اجترح علاء النهر لنصه لغة عربية كلاسيكية تضاهي كلاسيكية لغة لين، كما ضمَّن مقدمته ثبتاً بكل ما كُتب عن صلاح الدين تأريخاً أو تخييلاً روائيّاً في الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والروسية، المعرّب منها وغير المعرب.

الممثل السوري غسان مسعود في دور «صلاح الدين» بفيلم «مملكة السماء»

يقع السِفر الجديد في 672 صفحة من القطع الكبير، وتسبق مقدمة المترجم مقدمتان أخريان؛ إحداهما للدكتور أيمن فؤاد سيد، والثانية للدكتور أحمد سالم سالم الذي سبق أن قدَّم عن الدار نفسها عام 2014 الكتاب بالغ الشهرة «تاريخ مصر في العصور الوسطى» للمؤلف ذاته، ولم تزل طبعاته تتوالى، وهو من حفَّز النهر على ترجمة الكتاب الثاني «صلاح الدين» الذي «لم يُكتب فيه حرف واحد بشكل عشوائي، بل استند في تأليفه إلى خبرة ووعي كبيرين بأحداث وشخصيات ومصادر تلك الحقبة المفصلية؛ لا أقول في تاريخنا، بل في تاريخ العالم».

من المهد التكريتي إلى اللحد الدمشقي

يقسم لين كتابه إلى خمسة أجزاء، تحيط بحياة صلاح الدين وعصره: التمهيد، والديار المصرية، والإمبراطورية، والجهاد، وريتشارد وصلاح الدين. وكل جزء ينقسم إلى فصول عدة تغطي من ميلاده في تكريت حتى المواجهة مع الملك ريتشارد واسترداد القدس بعد تسعين عاماً من الاحتلال الصليبي، وانتهاءً بموته في دمشق.

تبدو صفحة صلاح الدين ونصر حطين (583هـ ـ 1187م) واحدة من الصفحات المضيئة في تاريخنا، يعرفها قطاع واسع من المثقفين، كما ساهمت السينما في المعرفة الشعبية الواسعة بالحروب الصليبية ومحرر بيت المقدس العظيم. ويمكنننا القول إن صلاح الدين خرج من الأفلام العربية والغربية ليمشي في الشارع، تماماً مثلما ترجل «سي السيد» من ثلاثية نجيب محفوظ، فأصبح نمطاً اجتماعيّاً تعرفه أغلبية لم تقرأ الرواية!

قداسة صلاح الدين العربية الإسلامية تُختبر بين الحين والحين إذا ما اقترب منه أحدهم بالذم، والغريب أن أسطورته في الغرب أضعاف حجمها عندنا. ويكفي أن كتاب ستانلي بول لين قد صدر للمرة الأولى في «سلسلة أبطال الأمم»، التي لم تصطفِ من عظماء الإسلام سوى النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ثم صلاح الدين (وفق المترجم).

يعتمد ستانلي لين بول؛ الذي كان ضليعاً في العربية، بشكل أساسي على «كتاب الروضتين في أخبار الدولتين» لأبي شامة، و«وفيات الأعيان» لابن خلّكان، و«مفرج الكروب في أخبار بني أيوب» لابن واصل، كما يشيد بالقاضي بهاء الدين أبو المحاسن صاحب «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» وقد ولاه صلاح الدين القضاء وكان صديقاً ملازماً له في السنوات الخمس الأخيرة من حياته، وقد كان شاهد عيان على حصار عكا من أوله إلى آخره، ويعدّه أبعد من أن ينافق مليكه؛ بل كتب ما أراد بصدق، وإن كان هناك منْ أثر لإعجاب بقائده فهناك المرجع الضد، وهو ابن الأثير الذي لديه كل سبب سياسي للانتقاص من صلاح الدين مغتصب إرث أسياده المحليين، ونقف عنده على واحد أو اثنين من الاتهامات الخطرة. هذا الذي يجمله ستانلي لين يوضحه علاء النهر في هوامشه، فقد شكك ابن الأثير في براعة صلاح الدين العسكرية بانسحابه من أمام أسوار صور، كما انتقده لأنه كره أن يقطع الخطبة للفاطميين ليكونوا احتياطاً في مواجهة نور الدين، وللسبب ذاته انسحب من أمام حصن الشوبك بعد أن حاصره وكاد يستولي عليه، حتى لا يتعاون مع نور الدين الذي كان قد توجه لدخول بلاد الفرنجة من جهة أخرى.

موضوعية ستانلي لين

المفارقة أن توخي ستانلي لين الدقة لم يضمن تفلت صلاح الدين من التاريخ، فبقيت شخصيته جانحة نحو الأسطورة، من لحظة صعود نجم آل أيوب التي جاءت مصادفة، ففي يوم الخميس؛ ثاني عشر شهر ربيع الآخر لسنة 526هـ (1132م)، وصل إلى الضفة اليسرى من نهر دجلة القائد عماد الدين زنكي مهزوماً بعد أن قصد مع السلطان السلجوقي مسعود بن محمد بن ملك شاه حصار بغداد على خلافة المسترشد بالله. وقد أقام دزدار (والي) قلعة تكريت، معبرةً عبر عليها القائد الهارب (تحتمل أن تكون مراكب) ووفر له المأوى بالقلعة مع ما تبقى من جنوده، ولم يكن هذا الدزدار سوى أيوب المُلقَّب «نجم الدين»، وعندما عاد نجم «زنكي» للصعود لم ينس الرجل الذي آواه (أيوب المعروف بنور الدين) والذي فتح الطريق لأبنائه، وبينهم «يوسف» المُلقَّب صلاح الدين.

التوازن الذي كتب به ستانلي لين بول عن صلاح الدين ومعاركه ومفاوضاته لم يشفع له لدى قطاع عريض من الدارسين الذين جاءوا بعده، إذ عدّوه منحازاً للقائد العربي. وهو ما يرفضه دارس جديد هو ديفيد نيكول في مقدمته لطبعة 2002 الإنجليزية من كتاب لين بول. وقد تواصل معه المترجم العربي وحصل على مقدمته وألحقها بالطبعة العربية. يكتب نيكول: «لا أعتقد أن احترام لين بول وتقديره صلاح الدين ـ كما هو بادٍ في كتابه ـ قد طغت عليه المثالية أو عبادة البطل. فمن منطلق أنه كاتب سيره اعترف بأن السلطان لم يكن قديساً، عدّ صلاح الدين ـ بكل وضوح ـ رجلاً جيداً جداً وعظيماً جداً. يقدم لين بول الحاكم المسلم على أنه سياسي ماهر؛ عنيف بين الفينة والأخرى».

ويرى ديفيد نيكول أن ما يُميز لين بول عن كتاب عصره الأوروبيين هو تخففه من عنصرية عصره، بفضل حياته في المشرق العربي ومعرفته العميقة به. ومع ذلك يعدّ الكتاب «التاريخ الأصلي قبل المنقح عن حياة صلاح الدين» ومن باب الإعجاب يسجل نيكول أن لين بول اعتمد على مصادر أقل من المتاح في هذه الأيام، ومع ذلك لم يتغير ميزان الأدلة.

مقاومة التاريخ

في الفصل الختامي يرصد ستانلي لين بول حضور صلاح الدين الأسطوري في الرواية الأوروبية، متتبعاً جذور الأسطورة إلى رواية ريتشارد قلب الأسد القروسطية التي يعتقد أنها أخذت شكلها الحالي في فاتحة القرن الرابع عشر. في هذه الرواية المنظومة، نرى ريتشارد طريح الفراش أمام عكا يطلب بإلحاح لحم خنزير، وخدمه في حالة يأس من الحصول على لحم الخنزير في بلد مسلم، فيلجأ فارس داهية إلى قتل مسلم فيجد فيه ريتشارد «لحم خنزير شهيّاً». وبكرم الضيافة يجرب اللحم على أسراه المسلمين، فيدعوهم إلى مائدة رسمية، حيث يزين كل طبق برأس صديق حميم!

صلاح الدين في تلك الرواية، ينازل ريتشارد فينهزم ويولي هارباً إلى القاهرة، لكنه يجرؤ على العودة ويتحدى ريتشارد في نزال فردي. وهنا ترد باختلافات القصة عن الجواد الذي بعث به صلاح الدين إلى ريتشارد لما رآه يقاتل مترجلاً بيافا. يستدعي صلاح الدين منجمه البارع في السحر فيستحضر اثنتين من الأرواح الشريرة في شكل حصانين يمنح ريتشارد أحدهما، وبهذا يضمن أن يتجه به الحصان إلى قرينته (الفرس التي يمتطيها صلاح الدين) فيقع في الشرك في اللحظة الحاسمة، لكن ريتشارد يروض هذا السحر!

جاءت الترجمة ضعف حجم الكتاب الأصلي بما أضافه المترجم من هوامش وتوضيحات وإضافات كلما كانت هناك حاجة... عائداً إلى المصادر العربية الأصلية

وفي الروايات الفرنسية مخزون وافر من الأساطير حول صلاح الدين، ففي «حكايات منشد ريميس ـ 1876» كثير من المشهيات الإيروتيكية، حيث يضرب المنشد عرض الحائط بوقائع التاريخ ويجعل لصلاح الدين مغامرات مع إليناور دوقة آكيتاين، التي أصبحت فيما بعد زوجة هنري الثاني وأم ريتشارد الأول، لكنها في وقت القصة كانت زوجة لويس الشاب ملك فرنسا، وكان صلاح الدين صبيّاً.

في روايات القرون الوسطى تعميد مسيحي لصلاح الدين وأوقاف أوقفها لدير مسيحي، ولا يستبعد ستانلي لين بول أن يكون السير والتر سكُوت؛ صاحب رواية «الطلسم ـ 1835»، قد قرأ تلك الروايات ذات الخيال المجنح على الرغم من أنه لم يترك نفسه تماماً لها، وتتسم روايته بتحريف أقل، وإن بدا أن صاحب الطلسم لم يعرف أن صلاح الدين وريتشارد لم يلتقيا مطلقاً وجهاً لوجه رغم متانة العلاقة بينهما سواء أكانت عدائية أم دبلوماسية. مع ذلك؛ فصورة صلاح الدين مرسومة ببراعة ودقة فريدة، ولتلك الرواية يدين صلاح الدين باختصار اسمه الذي صار معتمداً في الأدبيات الغربية «Saladin»؛ اسماً ذائع الصيت لا يحتاج صاحبه إلى تعريف.

ويتعجب سكُوت من أن الشرق، الذي كان مصدراً لكثير من الحكايات الجذابة، يكاد يكون قد أهمل صلاح الدين كليّاً في أدبه الروائي، على الرغم من أن «ألف ليلة وليلة» لا تستخف بالقصص الصليبية، والشاهد على ذلك «حكاية الملك عمر بن النعمان وولديه شركان وضوء المكان». وحكاية الملك عمر النعمان، التي يشير إليها ستانلي لين بول، من أطول حكايات «الليالي»؛ تحتل «الليالي» من الرابعة والأربعين حتى الليلة السابعة بعد المائة، وتتناول حروباً بين ذلك الملك وولديه مع النصارى، ما بين القسطنطينية ودمشق وبغداد، وتتسع حركة الأبطال لتشمل الحجاز والقدس. أسباب الحروب في القصة أعمال قرصنة وخطف لبنات الملوك وليست حروب عقيدة، وإن وردت العقيدة في الخلفية، ويقول الراوي في بدايتها إنها وقعت قبل زمن عبد الملك بن مروان، بينما ترد في سياق القصة حكايات عن شخصيات من زمن تالٍ مثل أحمد بن حنبل وبشر الحافي، وهذا دأب «ألف ليلة وليلة» في مراوغة التاريخ.

إلا إن اسم صلاح الدين لا يرد ولو مرة واحدة في «الليالي»، ويعد الإهمال أكثر غرابة إذا ما عرفنا أن «الليالي» أخذت صيغتها الأخيرة في القاهرة، حيث كان منشئ القلعة دائماً بطلاً محبوباً. ويعلل ذلك بأن المسلمين معجبون بانتصارات صلاح الدين، بينما كان كرم الشخصية، وليس نجاح المسيرة، هو الذي أسر الأوروبيين. ربما نستطيع أن نضيف هنا تكهناً آخر، إلى تكهن لين بول، وهو أن سيرة السلطان انسجمت مع رواية الفروسية التي كانت جنساً أدبيّاً أوروبيّاً مسيطراً في ذلك الوقت.


مقالات ذات صلة

كتب شركة ناشئة تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

وسط اعتراض كتّاب ودور نشر… شركة ناشئة تسعى لإنتاج 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي

ينتقد كتّاب وناشرون إحدى الشركات الأميركية الناشئة التي تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».