التعددية اللغوية في الحالة المغربية

أستاذ لعلم الاجتماع يرى أنها لا تزال في حالة غير مكتملة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

التعددية اللغوية في الحالة المغربية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر أخيرا كتاب «من التعدد إلى التعددية... محاولة لفهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب»، للكاتب والباحث سعيد بنيس أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، ويقارب فيه الدينامية اللغوية والانتقال من التعدد كحالة طبيعية الى التعددية كفعل سياسي ومؤسساتي.

ويعالج بنيس في هذا الكتاب الواقع في 224 صفحة من الحجم المتوسط (الطبعة الأولى 2023)، من خلال فصول الكتاب الستة، «التعدد والتعددية» و«البيئة اللغوية بالمغرب» و«اللغة الأمازيغية والدينامية المجتمعية» و«التمظهرات اللغوية بالمغرب» فضلا عن «السياسة اللغوية والتعايش داخل المجتمع المغربي» و«الرهانات المستقبلية للسياسة اللغوية».

وفي معرض توصيفه ومقاربته للتعدد اللغوي في الحالة المغربية، يتناول الكتاب جانبين منفصلين، الأول يهم اللغة الواحدة، والثاني يتعلق بالنسيج اللغوي الذي يحكمه تفاعل لغات محلية وطنية وأخرى أجنبية دولية داخل التراب المغربي.

في هذا الصدد، ينطلق الكاتب من استنتاج رئيسي مفاده أن السياسة اللغوية التي تعتمد إستراتيجية التعددية اللغوية، تشكل أهم ضامن للهوية الثقافية والاجتماعية والحجر الأساس الذي يقوم عليه الرأسمال الاجتماعي المشترك، بعيدا عن كل أشكال الإقصاء والتهميش، لهذا فإن الكاتب يقر بأنه لا يمكن للسياسة اللغوية بكونها عنصرا من عناصر القوى الناعمة، أن يكون لها تأثير، في الوقت الذي فيه واقع التعددية اللغوية لا يزال في حالة غير مكتملة، وما زال بعيدا عن التفعيل الرسمي والمؤسساتي للثنائية اللغوية الدستورية.

في مستهل الكتاب، يوضح المؤلف أن التعدد اللغوي يعد حالة طبيعية لتعايش ووجود واستعمال لغات داخل نفس التراب، أما التعددية اللغوية فهي وضعية تنتج عن حاجيات ثقافية وهوياتية تستدعي نهج سياسة لغوية تنم عن إرادة سياسية ومجتمعية لتدبير الدينامية اللغوية، موضحا أن مداخل التعددية اللغوية ترتبط بالصيرورة الأحادية والتعدد في إطار مجالات وحقول تداولية تربط بين اللغات الرسمية والوطنية والجهوية والتنويعات الترابية في أفق استتباب الأمن اللغوي، ومقاومة العولمة والميز اللغوي، والهيمنة الرمزية لبعض المنظومات التعبيرية.

بيد أن بنيس يؤكد على أن البيئة اللغوية بالمغرب تشكل بيئة ملائمة للتعددية اللغوية من خلال تعدد داخلي يهم نفس المنظومة اللغوية، وتعدد خارجي يرتبط بالتقاء لغات مختلفة مثل الأمازيغية والعربية والفرنسية والإسبانية وكذلك الإنجليزية، مستخلصا أن ذلك ينتج عنه نوعان من الأسواق اللغوية: سوق لغوية واقعية، وسوق لغوية افتراضية تتعدد فيها الأنماط التعبيرية والتنويعات التواصلية. كما أن ترسيم اللغة الأمازيغية في علاقته بتفعيل التعددية اللغوية في إطار وحدة الانتماء للمملكة المغربية، لا يمكن أن يتم إلا بإقرار التنويعات اللغوية الترابية والتعبيرات الثقافية المجالية (الحسانية وتشلحيت والجبلية وتريفيت والعروبية وتمزيغت)، والبث فيها من طرف المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، حسب الكاتب الذي يطرح عدة تساؤلات منها، ما يتعلق بموقع نسق التعددية اللغوية في ضبط مكونات الهوية الوطنية بالنظر إلى مقتضيات الدستور المغربي الصادر عام 2011؟ وكيف يمكن فهم تمفصلات التنمية الديمقراطية وقيم الانتماء والعيش المشترك في علاقتها بآليات السياسة اللغوية ومبدأ الحياد اللغوي للدولة؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار تفعيل وأجرأة التعددية اللغوية عنصرا من عناصر الحداثة المغربية في صيغتها الترابية؟

وانطلاقا من مرتكزات السياسة اللغوية بالمغرب، يطرح المؤلف تساؤلات أخرى في مقدمتها، كيف يمكن تفعيل آليات التعددية في علاقتها بالتمكين الهوياتي والشعور المواطناتي والتحدي التنموي؟ ما طبيعة العناصر والأسس التي سيعتمدها المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية للبث في مصفوفة التنويعات اللغوية والتعبيرات الثقافية الترابية؟ وما المنطلقات التي سيتم اعتمادها لمقاربة منظومة الانتقال اللغوي في ارتباطها بالقانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟ وبالنظر إلى رهانات السياسة اللغوية بالمغرب، إلى أي حد يمكن للتدبير الرسمي للثنائية اللغوية الرسمية أن يوازي بين التمكين الهوياتي من خلال مبدأ الشخصانية والتوطين الثقافي واللغوي؟ وإلى أي مدى يمكن للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أن يستجيب لطبيعة الدينامية اللغوية ويحدد آليات التعددية اللغوية ويغطي مكونات السوق اللغوية ويرقى بالتوجهات الإستراتيجية؟

بطء تفعيل الثنائية اللغوية الرسمية في الحياة العامة يمكن أن يؤدي إلى بيئة لغوية هجينة

الإجابة عن مختلف هذه التساؤلات، تتضمنها الفصول الستة التي تضمنها الكتاب، الذي يؤكد مؤلفه على أن من شأن تفعيل مأسسة الأمازيغية الإجابة عن مطلب الثنائية الرسمية والمساواة الثقافية والعدالة اللغوية في أفق إرساء مفهوم التصالح الهوياتي، وترسيخ الحق في اللغة، وضبط ملامح سياسة لغوية تتلاءم مع منظومة تمغربيت، في الوقت الذي من الملاحظ كذلك أنه لا يمكن فهم التداعيات الهوياتية إلا من خلال اقتراح ملامح سياسة لغوية تمكن من الانتقال من مقولة الاختلاف الإثني إلى جدلية التعددية اللغوية، وكذلك الارتكاز على التحول من جهوية إدارية إلى جهوية لغوية. لكن بنيس يعبر عن اعتقاده الراسخ بأن بطء تفعيل الثنائية اللغوية الرسمية في الحياة العامة يمكن أن يؤدي إلى بيئة لغوية هجينة، ستقوض خصوصيات النموذج المغربي للتعددية اللغوية وتفضي إلى اختلالات في مقولتي التنوع الثقافي والتعدد اللغوي واحتباس لغوي على المديين المتوسط والبعيد. كما أن من بين النتائج التي خلص إليها الكتاب من خلال اقتراح سياسة لغوية تعترف بجهوية تتأسس على التنوع الثقافي والتعدد اللغوي، هو أن شرط الترابية يمثل أساس مقومات الحداثة المغربية، بالرغم من تعدد المشاريع في هذا المضمار، ما يستدعي بناء سياسة لغوية من داخل فلسفة حداثة ترابية ترتكز على خصوصيات وفرادة المملكة المغربية.


مقالات ذات صلة

روايات رومانسية سريعة الاحتراق

ثقافة وفنون روايات رومانسية سريعة الاحتراق

روايات رومانسية سريعة الاحتراق

تميل الرومانسية إلى بناء نتائج إيجابية من قرارات فظيعة. وتدور رواية «الحقيقة وفقاً لأمبر» التي كتبتها دانيكا نافا حول بطلة تتخذ المزيد من القرارات السيئة

أوليفيا وايت
ثقافة وفنون سيرة أول امرأة سعودية تتخصص في عِلم الأنثروبولوجيا

سيرة أول امرأة سعودية تتخصص في عِلم الأنثروبولوجيا

في كتابها «حياتي كما عشتها: ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا»، تطرح الدكتورة ثريا التركي سؤال الهُوية والثقافة

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون «حكايا لبنانية في الأزمة»... وباء وأوجاع وفواجع لكن أيضاً قوارب نجاة

«حكايا لبنانية في الأزمة»... وباء وأوجاع وفواجع لكن أيضاً قوارب نجاة

بدأت الحكاية في أبريل (نيسان) 2020. كان زمن الحَجْر وغلبة العزلة، حين لمحت الصحافية اللبنانية جودي الأسمر تجّاراً في منطقتها يدّعون الالتزام بالإغلاق العام

فاطمة عبد الله (بيروت)
الولايات المتحدة​ وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون على خشبة المسرح في قمة المرأة في العالم بحي مانهاتن في نيويورك 6 أبريل 2017 (رويترز)

هيلاري كلينتون تنتقد نتنياهو وطلاب جامعة كولومبيا في كتاب جديد

في كتابها الجديد، انتقدت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتَحَمُّله «صفر مسؤولية» عن هجوم 7 أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
كتب مايا ويند

كيف تنخرط الجامعات الإسرائيلية في حرب إلغاء الفلسطينيين؟

ساهمت التظاهرات الطلابيّة التي شهدتها جامعات ومؤسسات تعليمية في دول الغرب احتجاجاً على العدوان المستمر على قطاع غزّة في إلقاء الضوء على نكبة الفلسطينيين

ندى حطيط

دراسات في متغيرات العراق السكانية... والهجرات القسرية

غلاف كتاب «العراق دراسات في المتغيرات السكانية»
غلاف كتاب «العراق دراسات في المتغيرات السكانية»
TT

دراسات في متغيرات العراق السكانية... والهجرات القسرية

غلاف كتاب «العراق دراسات في المتغيرات السكانية»
غلاف كتاب «العراق دراسات في المتغيرات السكانية»

صدر حديثاً للباحث الدكتور هاشم نعمة فياض، كتاب بعنوان «العراق دراسات في المتغيرات السكانية»، عن دار «أهوار» للنشر والتوزيع في بغداد، وهو يقع في 400 صفحة من القطع الكبير.

يقول المؤلف في تقديمه: «شهد المجتمع العراقي تحولات عميقة في بنيته الديموغرافية، ارتباطاً بما شهده البلد من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحروب داخلية وخارجية طيلة العقود الماضية وإلى الوقت الحاضر. وإسهاماً في رصد هذه التحولات ووتيرتها واتجاهاتها ومكوناتها وأسبابها ونتائجها وآفاقها؛ اخترنا تقديم خمس دراسات أكاديمية عالجت هذه المتغيرات في فصول الكتاب».

يبحث الفصل الأول في تطور نمو السكان الحضر في العراق زمانياً ومكانياً، ومهّد فياض لذلك بخلفية نظرية تخص التحضر الهامشي وعلاقته بتوسع النظام الرأسمالي، ويتناول الفصل أيضاً توزيع السكان الحضر على مستوى المحافظات، ويحلل مكونات النمو الحضري، خصوصاً الهجرة الريفية - الحضرية إلى المدن الكبيرة مثل بغداد، ومدى مساهمتها في تضخم عدد سكانها، ويدرس الهجرة القسرية. ويتوقف المؤلف عند التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت من نمو السكان الحضر وما أفرزته من مشكلات كبيرة على مستوى أزمة السكن، خصوصاً السكن العشوائي والفقر والبطالة، ومساهمة ذلك بعد عام 2003 في تغذية الموقف السلبي من قِبل الشباب تجاه الأحزاب الدينية والسياسية الحاكمة، وعلاقة ذلك باندلاع «انتفاضة تشرين 2019». كما يعالج الفصل إشكالية هيمنة المدن الكبيرة على الشبكة الحضرية ونتائجها.

وفي الفصل الثاني، نقرأ تحليلاً للتغيرات التي حدثت في مستوى الخصوبة السكانية زمانياً ومكانياً خلال العقود الأخيرة؛ هذا فضلاً عن البحث في المتغيّرات المتبادلة التأثير، التي حددت سلوك الخصوبة. ويقصد الباحث بذلك المتغيرات الديموغرافية؛ التي تشمل الزواج، والبنية العمرية، والهجرة، والوفيات، والسياسة السكانية. وكذلك المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، التي تندرج تحتها المتغيرات الفرعية التالية: حجم الأسرة، ووضعية المرأة، والتعليم، والمهنة، والدين، والحروب.

يحاول الفصل الثالث استكشاف مراحل هجرة اللاجئين العراقيين إلى أوروبا، وتحديداً إلى هولندا، والأوضاع التي ارتبطت بها، وأهم سمات البنية الاجتماعية - الاقتصادية لهؤلاء اللاجئين. ويعمل على الإجابة عن بعض التساؤلات، من قبيل: هل أنّ تباين هذه السمات يعدّ معوقاً لاندماجهم في المجتمع الهولندي المضيف؟ أم أنّ تقارب هذه السمات مع مرور الوقت يسهّل عملية الاندماج؟ ويبحث في الدوافع القسرية التي تجعل العراقيين يطلبون اللجوء في أوروبا عموماً، وفي هولندا خصوصاً، والمراحل التي مرّ بها هذا النمط من الهجرة، وتطور أعدادهم على مستوى أوروبا وهولندا، وسماتهم الاجتماعية - الاقتصادية في هولندا، بما في ذلك البنية العمرية والعائلية والخصوبة السكانية والبنية التعليمية والسكان النشيطون اقتصادياً، والبطالة ومستوى الدخل والبنية الإثنية والدينية وازدواج الجنسية وسياسة الهجرة، والاندماج في المجتمع الهولندي.

ونظراً إلى ما شهدته هجرة الكفاءات العراقية من تطورات دراماتيكية طيلة العقود الماضية، وإلى الوقت الحاضر، يتناول الفصل الرابع حجم هذه الهجرة وأنماطها واتجاهاتها، واستعراض تطورها، وتحليل البنية التعليمية للعراقيين في بلدان المهجر، والتحري عن أسباب الهجرة وأضرارها، وفي الأخير تقترح الدراسة عدداً من المعالجات لهذه الظاهرة للحد منها أو تخفيفها وعكس اتجاهها.

يكشف الفصل الخامس حجم الهجرة القسرية التي أعقبت غزو الكويت في 2 أغسطس (آب) 1990؛ إذ يبيّن أن هذه الهجرة تمثل واحدة من أكبر الهجرات السكانية القسرية في العصر الحديث، إذا قورنت مع مجموع لاجئي الحرب العالمية الثانية.