الكتب القديمة تنفض ترابها في مصر أمام ارتفاع أسعار الجديدة

سور الأزبكية في القاهرة حيث باعة الكتب القديمة (الشرق الأوسط)
سور الأزبكية في القاهرة حيث باعة الكتب القديمة (الشرق الأوسط)
TT

الكتب القديمة تنفض ترابها في مصر أمام ارتفاع أسعار الجديدة

سور الأزبكية في القاهرة حيث باعة الكتب القديمة (الشرق الأوسط)
سور الأزبكية في القاهرة حيث باعة الكتب القديمة (الشرق الأوسط)

يتردد الكاتب الصحافي والروائي المصري روبير الفارس، مثله مثل غالبية المؤلفين، على أسواق الكتب القديمة والمستعملة في الأزبكية ومنطقة أبو الريش قرب السيدة زينب وعند سور جامعة القاهرة، كما يتردد على باعة الكتب المنتشرين حول محطات مترو الأنفاق في مناطق وسط القاهرة.

يلحظ الفارس رواجاً وانتعاشاً في تلك الأسواق، وتراجعاً في الإقبال على شراء الكتب الجديدة. ويُرجع السبب إلى ارتفاع سعر الدولار بقوة في الآونة الأخيرة، مما رفع معه أسعار الكتب.

فصناعة النشر في مصر تعتمد على استيراد الورق وأغلب خامات الطباعة، ومع تضاعف سعر الدولار أمام العملة المحلية في بضعة شهور قفزت أسعار الكتب الجديدة، وهو ما أدى إلى عزوف القراء عن شرائها.

وأمام هذا العزوف عن اللهث وراء الإصدارات الجديدة، انتعشت أسواق الكتب القديمة والمستعملة، وبصورة ربما تهدد استمرار صناعة النشر في المستقبل.

يقول الفارس، لوكالة أنباء العالم العربي، إن «تراجُع القوة الشرائية للجنيه المصري جرَّاء التعويم أدى إلى ارتفاع تكلفة بيع الكتب الجديدة بنسبة تقارب 300 في المائة، مقارنة بما كانت عليه في العام السابق».

ويلاحظ أن تجار الكتب القديمة رفعوا أسعارهم أيضاً وبنسبة تقارب مائة في المائة، ومع هذا يراها أسعاراً «لا تزال مقبولة، خاصة المجلات القديمة التي لم تعد موجودة في الأسواق الأخرى».

أسواق رحيمة

تاريخياً، تحظى أسواق الكتب القديمة بحضور واسع في ذاكرة كبار أدباء مصر والعالم العربي. وأشاد نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وبهاء طاهر ويوسف إدريس في أحاديث مرئية ومسموعة بالدور الذي لعبه سور الأزبكية في تكوينهم الإبداعي. وطالبوا مراراً بالحفاظ عليه واستمراره.

وقبل نحو عامين أعلن حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان القاسمي استعداده لتحمل تكلفة تطوير سور الأزبكية لكي يسترد مكانته سوقاً رائجة شهيرة للكتب المستعملة.

يقول روبير الفارس: «أسواق الكتب القديمة لا تزال رحيمة بالقارئ»، على عكس عمليات تسويق وبيع الكتب على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي يرى أنها «تستهدف قارئاً آخر يكون غالباً من خارج مصر ويتعجل الحصول على الكتب لأغراض البحث وليس القراءة».

وتلاحظ رنا نصر، وهي موزعة كتب وتدير صفحة لبيع الكتب من خلال «فيسبوك»، أن النصف الأول من هذا العام شهد زيادة واضحة في معدلات بيع الكتب القديمة مقابل تراجع حاد في بيع الكتب الجديدة. وتعزو هي الأخرى ذلك إلى ارتفاع أسعار «الجديد» بعد زيادة سعر صرف العملات الأجنبية وتراجع القوة الشرائية للجنيه المصري.

وتضيف: «يعلن الزبائن أنهم على استعداد لشراء أي كتاب مستعمل، لكنهم يفكرون عشرات المرات قبل شراء الجديد، بل يفضل بعضهم الانتظار حتى يتوفر بعد فترة استعمال ليصبح السعر ملائماً».

وعلى رصيف محطة مترو جمال عبد الناصر في منطقة الإسعاف بوسط القاهرة، يجلس رامي حلمي يبيع الكتب في سوق للكتب المستعملة تشهد إقبالاً واسعاً يوم الأحد من كل أسبوع. يقول إن أسعار هذه السوق لا تزال مقبولة، وبالتالي فإن جمهوره لم يتأثر أو يتراجع. ويضيف: «يتراوح سعر الكتاب الواحد ما بين 5 جنيهات و20 جنيهاً، أي أقل من نصف دولار أميركي».

يعترف رامي أن باعة الكتب القديمة اضطروا إلى مضاعفة الأسعار منذ أوائل العام، معتبراً أنها قرارات ملزمة لأنها تأتي من تجار الجملة الذين يوفرون كميات الكتب.

ويتابع: «غالبية هؤلاء التجار من قدامى تجار الكتب بالأزبكية، ومطالب رفع الأسعار كانت متوقعة في ظل ارتفاع السلع كافة».

ذوق العابر

بحسب رامي، «يفرق الباعة بين الزبون العابر والعميل الدائم الذي يحظى بسعر خاص لأنه يشتري كميات كتب في المعارف التي يهتم بها».

ويكشف أن الطلب في فرشات الكتب مختلف عن المكتبات، «فالعابرون يختارون الكتب الدينية والروايات والتنمية البشرية. أما القارئ الدائم، فغالباً ما تكون لديه قائمة لكتب الفلسفة وعلم النفس والكتب السياسية أو الأدب العالمي».

وينوّه أحمد سيد، وهو تاجر كتب قرب محطة جمال عبد الناصر، بأن نسب الإقبال في بيع الكتب القديمة تتراجع صيفاً على عكس حركة البيع في المكتبات، وذلك نتيجة ارتفاع درجات الحرارة التي ربما تجعل الوقوف في الشارع صعباً. كما تؤدي إجازات الجامعات لغياب أسواق كانت حول جامعة القاهرة، وهي أسواق نشطة جداً.

ويدافع سمير أبو العلا، وهو أحد أقدم تجار الكتب القديمة، عن سياسات التسعير الجديدة، معتبراً أنها لا تزال أقل سعرا. ويقول: «نتعامل مع زبائن من شرائح الطبقة الوسطى المنهارة اقتصادياً، لكننا نلبي حاجاتهم قدر الإمكان، على الرغم من أن الكتب ليست سلعة رئيسية».

ويوضح أن أسواق الكتب المستعملة تشهد قفزات في المبيعات، ويلاحظ «تراجع وجود الكتب المزورة بسبب الكشف عن عيوبه الفنية، فضلا عن زيادة وعي القراء بمخاطره على الصناعة وبداية اللجوء للمنصات الرقمية».

يدلل أبو العلا على وجود أزمة لدى باعة الكتب الجديدة، مشيراً إلى أن دور نشر نشأت في السنوات الخمس الأخيرة «لكنها اضطرت إلى بيع كتبها المكدسة في المخازن، ونقوم نحن ببيعها بأسعار المستعمل».

ويقول الدكتور خالد عزب، محرر تقرير حال النشر في العالم العربي، الذي أصدره اتحاد الناشرين العرب العام الماضي، «هناك اتجاه عالمي لشراء الكتب القديمة على صعيد المؤسسات والأفراد، وذلك قبل أن تصبح سلعة نادرة في ظل تحول غالبية المكتبات الكبرى للحفظ الرقمي».

ويضيف: «من المتوقع خلال العشر سنوات المقبلة زيادة معدلات النشر الرقمي، مما يهدد بندرة بعض العناوين، لذلك تسعى مكتبات وأفراد من هواة الاقتناء لتأمين احتياجاتهم واستكمال المجموعات الأرشيفية لتأمين أرصدة المكتبات».

ويرى عزب أن انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين يقلص مبيعات الكتب الجديدة «لأن الكتاب لا يزال سلعة ترفيهية، مما يضطر القارئ للقراءة على المنصات الرقمية أو اللجوء لأسواق الكتب القديمة».


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي
TT

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

صدر العدد الجديد (الحادي عشر من مجلة «الأديب الثقافية» - شتاء 2025)، وهي مجلة ثقافية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم.

تناولت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير «مدن المستقبل: يوتوبية أم سوسيوتكنولوجية؟».

كما تبنى العدد محور «نحو يسار عربي جديد»، وقد تضمّن مقدمة كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي» للمفكر اللبناني الراحل الدكتور كريم مروة، وفيها دعوة جديدة لنهوض اليسار العربي بعد هزائم وانكسارات ونكبات كبرى أعقبت تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهيار الاشتراكية في العالم، وقد عدَّت مجلة «الأديب الثقافية» - المقدمة نواة لمشروع نهضوي جديد لمستقبل اليسار العربي، بعد أن تجمّد عند حدود معينة من موته شبه السريري.

وأسهم في هذا المحور السياسي والطبيب المغترب الدكتور ماجد الياسري، بدراسة هي مزيج من التحليل والتجربة السياسية والانطباع الشخصي بعنوان «اليسار العربي - ما له وما عليه»، وقدّم الناقد علي حسن الفوّاز مراجعة نقدية بعنوان «اليسار العربي: سيرة الجمر والرماد»، تناول فيها علاقة اليسار العربي بالتاريخ، وطبيعة السياسات التي ارتبطت بهذا التاريخ، وبالمفاهيم التي صاغت ما هو آيديولوجي وما هو ثوري.

أما الكاتب والناقد عباس عبد جاسم، فقد كتب دراسة بعنوان «إشكاليات اليسار العربي ما بعد الكولونيالية»، قدم فيها رؤية نقدية وانتقادية لأخطاء اليسار العربي وانحراف الأحزاب الشيوعية باتجاه عبادة ماركس، وكيف صار المنهج الماركسي الشيوعي لفهم الطبقة والرأسمالية في القرن الحادي والعشرين بلا اتجاه ديالكتيكي، كما وضع اليسار في مساءلة جديدة: هل لا تزال الماركسية صالحة لتفسير العالم وتغييره؟ وما أسباب انهيار الفكر الشيوعي (أو الماركسي) بعد عام 1989؟ وهل نحن نعيش «في وهم اللاجماهير» بعصر ما بعد الجماهير؟ وفي حقل «بحوث»، قدّمت الناقدة والأكاديمية هيام عريعر موضوعة إشكالية مثيرة لجدل جندري متعدّد المستويات بعنوان «العبور الجنسي وحيازة النموذج»، وتضمَّن «قراءة في التزاحم الجمالي بين الجنسين».

ثم ناقشت الناقدة قضايا الهوية المنغلقة والأحادية، وقامت بتشخيص وتحليل الأعطاب الجسدية للأنوثة أولاً، وعملت على تفكيك الهيمنة الذكورية برؤية علمية صادمة للذائقة السائدة، وذلك من خلال تفويض سلطة الخطاب الذكوري.

وقدّم الدكتور سلمان كاصد مقاربة بصيغة المداخلة بين كاوباتا الياباني وماركيز الكولومبي، من خلال روايتين: «الجميلات النائمات»، و«ذكريات غانياتي الحزينات» برؤية نقدية معمّقة.

واشتغل الدكتور رشيد هارون موضوعة جديدة بعنوان «الاغتيال الثقافي»، في ضوء «رسالة التربيع والتدوير للجاحظ مثالاً»، وذلك من منطلق أن «الاغتيال الثقافي هو عملية تقييد أديب ما عن أداء دوره الثقافي وإقعاده عن المضي في ذلك الدور، عن طريق وسائل غير ثقافية»، وقد بحث فيها «الأسباب التي دفعت الجاحظ المتصدي إلى أحمد عبد الوهاب الذي أطاح به في عصره والعصور التالية كضرب من الاغتيال الثقافي». وهناك بحوث أخرى، منها: «فن العمارة بتافيلالت: دراسة سيمائية - تاريخية»، للباحث المغربي الدكتور إبراهيم البوعبدلاوي، و«مستقبل الحركة النسوية الغربية»، للباحث الدكتور إسماعيل عمر حميد. أما الدكتورة رغد محمد جمال؛ فقد أسهمت في بحث بعنوان «الأنساق الإيكولوجية وسؤال الأخلاق»، وقدمت فيه «قراءة في رواية - السيد والحشرة».

وفي حقل «ثقافة عالمية» قدّم الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد ترجمة لثماني قصائد للفنان كاندنسكي بعنوان «أصوات». وفي حقل «قراءات» شارك الدكتور فاضل عبود التميمي بقراءة ثقافية لرواية «وجوه حجر النرد» للروائي حسن كريم عاتي. وفي حقل «نصوص» قدَّم الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين قصيدة بعنوان: «السجدة الأخيرة».

وفي نقطة «ابتداء» كتبت الناقدة والأكاديمية، وسن عبد المنعم مقاربة بعنوان «ثقافة الاوهام - نقد مركب النقص الثقافي».

تصدر المجلة بصيغتين: الطبعة الورقية الملوَّنة، والطبعة الإلكترونية.