يقول المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي: «السينما ليست صناعة، وليست فناً، إنها أكبر من ذلك، هي طريقة جديدة للنظر إلى العالم»... ومن هذا المنطلق يتشعب كتاب «الطريق إلى السينما الكونية» للكاتب السعودي حسن الحجيلي، الصادر حديثاً عن دار «جسور الثقافة للنشر والتوزيع»، ويمكن القول إن هذا الإصدار هو الكتاب العربي الأول من نوعه الذي يتناول هذا المصطلح السينمائي بإسهاب شديد.
يأتي الكتاب في 207 صفحات، مقسمةً على ثلاثة فصول، تتضمن أقوال الأساسيين في الإخراج السينمائي، أمثال: «أيزنشتاين، وأوسون ويلز، وروبرت بريسون، ولويس بونويل، وتاركوفسكي»، ومن الفن التشكيلي بيكاسو. حيث يستفتح الفصل الأول بالمعنى والمفهوم، ثم ينتقل الفصل الثاني إلى قراءة تجربة طويلة وعميقة لأحد أبرز مخرجي السينما الكونية؛ باختيار المخرج الإسباني لويس بونويل، المشهور بسرياليته وبحضور الأحلام في أفلامه. في حين يفرد الفصل الثالث مساحة واسعة لرثاء المخرج الفرنسي غودار.
استهلال اصطلاحي
ومنعاً للبس الذي قد يقع فيه الكثيرون، يوضح الحجيلي الاختلاف بين مصطلحي «السينما الكونية» و«الأفلام العالمية» التي تحقق انتشاراً واسعاً، لأن هذه الأفلام تُعد نموذجاً من السينما العالمية لا السينما الكونية، مبيناً أنها «تُصنع بدوافع تجارية واستهلاكية، تفهم السوق ومتطلباته وسلوك الجمهور وتعدد هويات الشعوب وتعدد الثقافات واللغات والإثنيّات».
وتأتي أفلام «ديزني» أنموذجاً لذلك، بوصف أكثرها يعتمد على هذه العناصر لتقديم أفلام يسهل وصولها أولاً ثم يسهل مشاهدتها ثانياً. أما اللغة الكونيّة، فأبان الحجيلي أنها «شيء يدخل في جوهر الفن السينمائي، ولا تتطلب صناعتها مبالغ ضخمة لأغراض استهلاكية، بل حاجة داخلية في نفس الفنان، يُعبر عنها بالوسيط السينمائي، ولا يقدمها إلا أشخاص لديهم إدراك عميق بالوسيط الفني»
تجربة لويس بونويل
يرى الكاتب أن جوهر السينما الكونيّة يعتمد على المعاني بصفتها القيمة الكليّة للمضمون، ولا يقلل ذلك من أهمية الشكل والطريقة الفنية التي تُنفذ بها الأفلام، فلا بد من أن يمتلك المخرج قدرة مهنية عالية تجعله يستطيع أن يُوظّف الشكل لخدمة الموضوع. وهنا يأتي المخرج لويس بونويل باعتبار تجربته الأساس في هذا الكتاب، وعنه يقول الحجيلي: «هو أحد أعمدة السينما، ومن الجيل الذي اشتغل على صناعة الأفلام عندما كانت السينما صامتة في عشرينات القرن العشرين، وظل عطاؤه مستمراً حتى السبعينات».
أدرج الكاتب قائمة مختارة لبعض أفلام المخرج لويس بونويل التي قسمها لثلاثة أقسام: الشخصية الرئيسية، وعبارات ملهمة، وجمل ذات طابع كوميدي. مستفتحاً قائمة الأفلام بالفيلم القصير الأشهر لبونويل «كلب أندلسي»، تلته قائمة تشمل: «أرض من دون خبز»، و«سيمون الصحراء». ومن الأفلام الطويلة «العصر الذهبي»، ومن المرحلة المكسيكية - الإسبانية «المنسيون»، و«هذا الشغف غريب»، و«الملاك المدمّر» وغيرها.
رثاء غودار
ولأن الفصل الأخير جاء بعنوان «في رثاء غودار»، برر الكاتب ذلك بأن رحيله هو «رحيل حالة سينمائية كونية، ونهاية أهم مرحلة سينمائية على الإطلاق، وهي: الموجة الفرنسية الجديدة، التي ظلت جديدة حتى يوم موت جان لوك غودار الموافق 13 سبتمبر 2022». مشيراً إلى أن المفتاح الذي استخدمه غودار هو الجرأة الفنيّة على ممارسة الهدم وإعادة البناء، ولولا هذه القدرة لظلت السينما حبيسة الحدود السينمائية البدائية، والقواعد السردية الأولى، حسب توصيف الكاتب.
جدير بالذكر أن حسن الحجيلي نشر ثلاثة كتب سابقة تناولت عوالم السينما: الأول «السينما الجديدة: تأملات في موت السينما بعد سيطرة الثورة الرقمية»، تلاه كتابه الثاني «عين الآلة: استنطاقات هادئة حول النسويّة ورقمنة الإنسان والشاشات من منظور السينما»، ثم كتابه الثالث بعنوان «السينما اختراع بلا مستقبل».
ومن الحري بالقول إن كتابه «الطريق إلى السينما الكونية» جاء ضمن أحدث إصدارات الدورة التاسعة لمهرجان أفلام السعودية، التي أُقيمت مطلع شهر مايو (أيار) الحالي، حيث تبنى المهرجان برنامجاً دورياً لإنتاج الكتب، بُغية إخراج الصناعة السينمائية من دائرة الكتابة غير الاحترافية، إلى مستوى المهنية وعمق الاختصاص، ولتجاوز شُحّ الكتب العربية المتخصصة في المجال السينمائي.