رحيل الروائي السوري حيدر حيدر صاحب رواية «وليمة لأعشاب البحر»

الروائي السوري الراحل حيدر حيدر
الروائي السوري الراحل حيدر حيدر
TT

رحيل الروائي السوري حيدر حيدر صاحب رواية «وليمة لأعشاب البحر»

الروائي السوري الراحل حيدر حيدر
الروائي السوري الراحل حيدر حيدر

رحل الروائي السوري البارز حيدر حيدر عن عالمنا، فجر اليوم (الجمعة)، عن 87 عاماً، ونعته وزارة الثقافة و«اتحاد الكتاب العرب» والوسط الثقافي في سوريا.

وقال «اتحاد الكُتّاب العرب»، في بيان، إن حيدر «رحل بعد رحلة حافلة بالإبداع والنضال الثقافي والسياسي الوطني... بعد أن غدا أحد أعمدة الأدب السوري والعربي إضافة لكونه من مؤسسي (اتحاد الكتاب العرب) في دمشق».

وأكد «اتحاد الكتاب العرب» على «ضرورة الحفاظ على إرثه الثقافي والمعرفي الذي شكل إضافة نوعية للمكتبة العربية، كما أنه خلق حراكاً ثقافياً في المشهد الثقافي العربي».

وكتب ابنه الناشر مجد حيدر صاحب «دار ورد» على صفحته في «فيسبوك»: «الفهد غادرنا إلى ملكوته»، في إشارة لبطل روايته «الفهد»، التي صدرت عام 1968 وتحولت إلى فيلم سينمائي بالاسم نفسه للمخرج السوري الراحل نبيل المالح. كما نعى حيدر عدد من الكتاب البارزين في سوريا وخارجها، حسبما ذكرت «وكالة أنباء العالم العربي»، وكتب الروائي السوري خالد خليفة على صفحته الشخصية: «ترجل صاحب (الوليمة) و(الفهد)، وداعاً للمعلم الكبير»، في إشارة لروايتيه الشهيرتين «وليمة لأعشاب البحر» و«الفهد».

وُلِد حيدر حيدر عام 1936 في قرية حصين البحر بمحافظة طرطوس، وفيها عاش سنواته الأخيرة بعد كثير من التنقل. بدأ كتابة القصص في وقت مبكر خلال خمسينات القرن الماضي، ثم صدرت مجموعته «حكايا النورس المهاجر» في عام 1968. وفي العام نفسه شارك في تكوين «اتحاد الكتاب العرب» على مستوى الكتاب والهيئة التحضيرية، وانتخب أحدَ أعضاء مكتبه التنفيذي.

غادر إلى الجزائر عام 1970، حيث عمل مدرساً للغة العربية في حملة التعريب التي خاضها التعليم الجزائري، وعاد بعدها إلى دمشق، ثم سافر إلى بيروت واستقر فيها والتحق بفصائل المقاومة الفلسطينية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وعمل في إطار الإعلام الفلسطيني الموحد و«اتحاد الكتاب الفلسطينيين» في بيروت.

كتب حيدر مجموعة من الروايات التي أكدت حضوره في المشهد الروائي العربي، ومنها «الزمن الموحش» التي صدرت عن «دار العودة» في لبنان في عام 1973، وصُنفت في المرتبة السابعة في قائمة أفضل مائة رواية عربية، ثم أعقبها بروايات «التموجات» و«الوعول» و«الفهد» ومجموعة «حكايا النورس المهاجر» وغيرها.

* أزمة «وليمة لأعشاب البحر»

بعد رحيل المقاومة الفلسطينية عن بيروت في عام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي، استقر حيدر حيدر في قبرص مسؤولاً عن القسم الثقافي في مجلة «صوت البلاد» الفلسطينية. وفي عام 1984 صدرت له رواية «وليمة لأعشاب البحر» بطبعتها الأولى في قبرص.

لاقت هذه الرواية شهرة كبيرة على امتداد العالم العربي عقب الأزمة التي تفجرت حولها في مصر في فبراير (شباط) عام 2000 بسبب نشرها في طبعة شعبية عن «هيئة قصور الثقافة»، ضمن سلسلة «آفاق الكتابة»، التي أشرف عليها الكاتب الراحل إبراهيم أصلان.

وطالب عدد من الأزهريين بمصادرة الرواية، وخرجت مظاهرات طلابية تدعو لمحاكمة كاتبها، وإقالة فاروق حسني، وزير الثقافة آنذاك، استجابة لمقال كتبه الطبيب محمد عباس في «جريدة الشعب» التي كانت تصدر عن «حزب العمل» المعارض. وشكلت مصر لجنة من كبار النقاد لكتابة تقارير حول مضمونها الفني بعد بلاغات قُدمت إلى النائب العام تتهم الكاتب بالكفر والإلحاد، وتم التحقيق مع ناشرها، الكاتب إبراهيم أصلان، ومسؤولين بـ«هيئة قصور الثقافة». وانتهت لجنة النقاد إلى رفض الاتهامات الموجهة للرواية.

ونشر الناقد البارز رجاء النقاش كتاباً حولها صدر عن «دار الهلال» المصرية بعنوان «قصة روايتين... دراسة نقدية وفكرية لرواية (ذاكرة الجسد) ورواية (وليمة لأعشاب البحر)»، ورواية «ذاكرة الجسد» من تأليف الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي. وخلص النقاش إلى أن «وليمة لأعشاب البحر» ليس فيها موقف ضد الدين، ولكن فيها «فَلَتاناً» من المؤلف جعلها «تخرج على الذوق، وتجرح المشاعر، دون عائد فني أو فكري حقيقي». ولام حيدر على تشويه صورة المصريين ومخالفته للموضوعية الفنية تجاههم، مشيراً إلى أن الرواية «تسجل كل شيء، وتطارد كل لحظة وكل حادث، وتسجل كل خاطرة وكل فكرة بما لا يتيح للقارئ فرصة للتنفس الصحيح... بل إن القارئ أحياناً يصل إلى حد الاختناق والانفصال عن المشهد المادي الذي يطالعه».

واتفق معه الدكتور محمد الرميحي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت، في مقال نشرته جريدة «البيان»، بعنوان «وليمة غير دسمة للثقافة العربية»، حيث كتب: «أضعتُ وقتاً ثميناً أقلب في أوراق رواية حيدر دون أن أصل إلى ذلك السر الذي نجده دائماً في الروايات الكبيرة؛ سواء في الأدب الغربي أو العربي، وذهب سدى الجهد الذي صرفته في قراءتها».

لكن الدكتور جابر عصفور، الناقد والأمين العام لـ«المجلس الأعلى للثقافة» وقت الأزمة، دافع عن الرواية، وقال في تقريره إنها «من أفضل الروايات العربية المعاصرة على الإطلاق. ومَن يتهمونها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسي الذين يتقنَّعون تحت أقنعة دينية وهم يقرأون الأعمال الأدبية».

* عودة للقرية و«صيد البحر»

عقب الأزمة، زار حيدر حيدر مصر مرتين، حيث شارك في مؤتمر نظمته «مكتبة الإسكندرية» حول حرية التعبير، كما شارك في مؤتمر حول الرواية العربية. وخلال السنوات الأخيرة، دخل في عزلة طويلة وابتعد عن المجال العام، وتفرغ داخل بيته الريفي للكتابة. وتُرجِمَت له قصص إلى عدد من اللغات الأجنبية منها الألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والنرويجية، وغيرها.

وقال في أحد حواراته الأخيرة: «بعد عودتي من المنفى عشتُ 20 عاماً أصيد سمكاً في جزيرة النمل قبالة شاطئ طرطوس. الطبيعة جزء من حياتي مثلها مثل الكتابة والقراءة؛ فمثلما لا أستطيع النوم قبل ساعتين من القراءة، أيضاً لا أستطيع العيش من دون صيد، بعكس علاقتي مع المدن التي تسودها الضوضاء والعلاقات الإنسانية المزيفة.

إنني شخص عفوي، لا أحب الأشياء المصطنعة المعقدة. ومع التقدم في العمر بدأتُ أشعر بالندم على طرائدي؛ فألغيت صيد البَر من ذاكرتي، وأبقيتُ على صيد البحر. لقد فقدتُ اللذة أخيراً بقتل طير جميل، أو صيد أرنب وديع، وكتبت عن ذلك قصة هي بمثابة إدانة للصياد والقاتل بعنوان (البومة الذهبية)، وشرعتُ في تدجين الجانب الوحشي من شخصيتي.

لكن، مهلاً، حتى الطيور والأسماك غادرت سوريا بالمعنى المجازي، ولو أتيح للبحر أن يغادر هذه البلاد لغادرها. أنظر إلى الموت هنا، إلى الحرائق التي تلتهم الغابات السورية القديمة، إلى الأنهار التي جفت، والبحار التي تلوثت. اليوم صار لدي يمامات أطعمها بيدي، وهن صديقاتي اللواتي كنتُ في سالف الأيام أطلق النار عليهن، ربما كان ذلك انعكاساً للنزعة التشاؤمية، للعالم الفاسد الذي أصبح خواء مِن حولنا».



«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة
TT

«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

«منازل العطراني»... سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة

رواية «منازل العطراني» للروائي جمال العتابي، الصادرة عام 2023، سيرة ذاتية بنكهة الرواية الحديثة؛ إنها تحاول أن تلملم خيوط حكايةٍ بطلُها «محمد الخلف» الذي هرب من السجن وراح يرسم خطة دقيقة للوصول إلى ملاذ آمن في قريته «العطرانية» في منطقة الفرات الأوسط. ونكتشف أن بطل الرواية كان سجيناً من سجناء الرأي بعد عام 1960، إذ أُحيل بتهمة كيدية ملفقة إلى المحكمة العسكرية التي حكمت عليه بالسجن، وأودع سجن الكوت. وعندما حدث انقلاب الثامن من فبراير (شباط) 1963 الفاشي، نجح السجناء، ومنهم بطل الرواية، بالتعاون مع أبناء المدينة، في كسر أبواب السجن، وإطلاق سراح السجناء الذين اتخذوا طرقاً مختلفة للوصول إلى بيوتهم أو البحث عن ملاذات آمنة.

والرواية بكاملها عبارة عن مونولوغ داخلي طويل، من وجهة نظر بطل الرواية، يتحدث فيه عن حياته الجديدة المجهولة تماماً:

«أين المسار، بعد أن بِتَّ ليلتك في بيت أحد أصحابك المعلمين في الكوت؟ أصبحت طليقاً الآن، قالها «محمد الخلف»، وبحيرة وذهول: ما زلت بملابس السجن»، (ص 5).

وهكذا تتشكل البنية السردية للرواية، بوصفها بنية بحث عن ملاذ آمن، وبنية مطاردة، مرئية وغير مرئية، من أجهزة الأمن الديكتاتورية آنذاك. وتتحول قرية «العطرانية» وهي سكن العائلة والعشيرة في منطقة الفرات الأوسط إلى بنية مكانية مولدة، تحرك الأحداث، وتستحضر الذكريات المغيَّبة، وتقدم مراجعة نقدية ذاتية لتجربة الحركة الوطنية طوال نصف قرن، وتعيد تشكيل صورة البنية السردية بكاملها.

فعندما وصل «محمد الخلف» إلى قرية «العطرانية» أطلق عليه «نوار الناهض»، زوج شقيقته الذي رافقه إلى قرية «العطرانية» في قلعة سكر بالناصرية، لقب «محمد العطراني»، ووفَّر له ملاذاً آمناً:

«ها هو مخبؤك، بعيدٌ عن أعين الرقباء، تستعيد فيه ملامح الماضي»، (ص 29).

وكان هذا المخبأ حقاً فرصة مناسبة لـ«محمد الخلف»، لمراجعة صفحات حياتية بعين نقدية فاحصة ونقد ذاتي سياسي وشخصي للسنوات الماضية. والرواية، من جانب آخر، تفضح مظاهر العنف والاستبداد التي تمارسها الأنظمة الديكتاتورية، وبشكل خاص نظام البعث وأجهزة أمنه ومخابراته، كما تنطوي الرواية على مراجعة لتاريخ العراق السياسي طيلة نصف قرن، وتحديداً منذ ثورة الرابع عشر من يوليو (تموز) عام 1958 حتى الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. كما تكشف الرواية عن استيعاب دقيق لطبيعة الحياة اليومية وتفاصيلها في الأرياف والأهوار. ويمكن القول إن معظم شخصيات الرواية الثانوية هي من شريحة الفلاحين الكادحين، باستثناء نماذج تنتمي إلى شريحة المثقفين والمتعلمين في مقدمتهم بطل الرواية «محمد الخلف»، وولده «خالد»، فضلاً عن «نوار»، زوج شقيقته الكبرى الذي رافقه إلى ملاذه الأخير. وتُختتم الرواية بقرار الحكومة بإخلاء السجون والعفو عن المحكومين والسجناء والهاربين وإطلاق سراحهم، وذلك الإجراء كان إجراء استباقياً لاحتمال احتلال البلاد وغزوها بعد أن راحت الحشود العسكرية الأجنبية تقف على الحدود لاحتلال البلاد خصوصاً بعد احتلال النظام الصدامي لدولة الكويت الشقيقة:

«الغاية واضحة، النظام أقدم على الإجراء قبل أن يتداعى وينهار، أمام حشود العساكر التي تنتظر في الحدود لاحتلال البلاد وغزوها»، (ص 252).

وتكشف الرواية، من الناحية السردية، عن نزعة ميتاسردية واضحة، تتمثل في رغبة بطل الرواية «محمد الخلف» في كتابة مذكراته، ومنها الأوراق السبع التي كتبها والمؤرَّخة في: «22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 – العطرانية»، (ص 120). فضلاً عن وجود إشارات إلى أنه ترك فصولاً من مذكراته عن سيرته الشخصية بعنوان «مذكرات عطراني»، (ص 120). وهناك من بين مذكراته فصل أفرد له عنواناً باسم «سردياته» يتحدث فيه عن حياته عندما كان معلماً في الأربعينات، بعد أن نُقل إليها من «الدواية» عام 1951، وفيها وصفٌ شامل لحياة الناس والقرية والمدرسة، وبشكل خاص لمعلميها وطلابها، (ص 123).

وكانت الأم، زوجة «محمد الخلف»، رمزاً للمرأة العراقية المكافحة والصابرة التي تحملت كل المآسي والخسارات التي مرت بالأسرة والمجتمع:

«امرأة عاشت عمراً كاملاً من الأحزان والمرارة، مع ذلك ظلت شامخة كنخلة راسخة في الأرض»، (ص 250).

ونجد مظاهر واضحة للكوميديا السوداء في كثير من صفحات الرواية، وهي تسخر من أنظمة الاستبداد والديكتاتورية، وتكسر جدار الخوف الذي يمنع المواطن من مقاومتها، وربما تتجلى هذه الظاهرة في السخرية من استثمار لافتات النظام الديكتاتوري التي تحمل شعارات الحزب الحاكم (الحرية والاشتراكية) لعمل ملابس داخلية للأطفال، وكما قال أحد الأشخاص ساخراً: «تسترون مؤخراتكم بعبارات التحدي والنصر القادم!»، (ص 248). وكما قال «محمد الخلف» لأحد أشخاص الرواية:

«كان علينا أن نشملك بهذه (المكرمة) بالعيد، ربما وجدت عند خصيتيك شعارات (الحرية والاشتراكية). الأحفاد كذلك، نالوا حصتهم من (المكارم)، تلك ألبستهم الداخلية زاهية بشعارات تمجّد الأمة، خصوصاً إذا كان القماش ملوناً أصلاً»، (ص 248).

ومن الضروري الإشارة إلى وجود تنوع في أنماط السرد. على الرغم من هيمنة بنية المونولوغ الداخلي، التي تستبطن لا وعي بطل الرواية «محمد الخلف». فهناك فصول ومقاطع تكشف عن بنية السرد كلي العلم، وأخرى تعتمد على بنية المشهد الروائي، كما تشغل الحوارات الخارجية موقعاً خاصاً في البنية السردية، ولا يمكن أن نتجاهل الطبيعة البوليفونية متعددة الأصوات في السرد والتي تمنح الفرصة لعدد من الشخصيات الروائية لتقديم منظوراتهم ووجهات نظرهم السردية.

ففي الفصل السابع والعشرين يعتمد السرد إلى درجة كبيرة على بناء المشهد:

«عندما ينام الجميع، يبقى محمد مستيقظاً تحت الضوء الشاحب، المنسكب من السقف»، (ص 142).

كما نجد مظاهر للسرد كلي العلم، وهو سرد خارجي تقريري:

«كان محمد الخلف قد رسم له مسالك الطريق من ساحة الأمين إلى الكاظمية ثم إلى مدينة الحرية في الشارع المقصود في أول مظلة»، (ص 36).

ويتكرر توظيف بنية المونولوغ الداخلي في حوارات عدد من الشخصيات الروائية، منها منولوغات «نوار»:

«أذهب إلى الفراش كي أستريح، أصبح النوم صعباً، كم أيقظتني الكوابيس!»، (ص 32).

أو كما نجد الابن خالد في هذا المونولوغ عقب زيارته لوالده في السجن:

«كنت أوجه كلامي لأبي، ولا أعرف بالضبط لماذا انصرفت إلى رصد حالات الانفعال في وجوه السجناء ووجوه عوائلهم»، (ص 9).

الرواية لم تسقط في التسجيلية والوثائقية وبقيت أمينة على شروط السرد والتخييل

ونلاحظ أن عنوان الرواية «منازل العطراني» بوصفه عتبة نصية أولى بتعبير الناقد الفرنسي جيرار جنيت، ينطوي على دالّين سيميائيين: الأول دالٌّ مكاني هو «منازل» وهو الملاذ الذي اتجه إليه بطل الرواية «محمد الخلف» في هروبه والذي يشير إلى قرية «العطرانية» في الفرات الأوسط. أما الدال الثاني (العطراني) فيشير إلى شخصية بطل الرواية «محمد الخلف». وبهذا فالرواية تتحول جزئياً إلى رواية عن المكان، بوصفه مولداً للسرد، ورواية شخصية مركزية من جهة أخرى.

لكن الرواية في مجملها تظل رواية شخصية (Personality Novel) لأنها تتمحور، كما أشرنا سابقاً، حول سيرة بطلها ومعاناته داخل السجن وخارجه، حيث تتشكل الشخصية وبناؤها عبر أكثر من مستوى من مستويات السرد. فهناك سرد «بيوغرافي» يقدمه البطل نفسه من سلسلة مونولوغاته، التي تشكل القسم الأعظم من البنية السردية، كما تسهم تعليقات وأحكام أفراد أسرة البطل وأصدقائه في إضاءة جوانب مختلفة من شخصيته. وبهذا، فالشخصية الروائية تتحول إلى بؤرة مركزية تتوجه إليها جميع أنماط السرد، لتعلن في النهاية عن تكامل شخصية بطل الرواية «محمد الخلف»، كما رسمها الروائي.

وكما أشرنا سابقاً، فالرواية لم تسقط في التسجيلية والوثائقية، وبقيت أمينة على شروط السرد والتخييل، من خلال خلق شخصية روائية افتراضية، وورقية إلى حدٍّ كبير، بتعبير رولان بارت، لكنها لم تقطع جذورها بالأرض والحياة والواقع.