هل يُعيد ترمب مجد السينما الأميركية؟

ردود فعل متباينة لقرار رئاسي مفاجئ

سكارليت جوهانسون في «جوراسيك وورلد» بغابة آسيوية (أمبلين بيكتشرز)
سكارليت جوهانسون في «جوراسيك وورلد» بغابة آسيوية (أمبلين بيكتشرز)
TT

هل يُعيد ترمب مجد السينما الأميركية؟

سكارليت جوهانسون في «جوراسيك وورلد» بغابة آسيوية (أمبلين بيكتشرز)
سكارليت جوهانسون في «جوراسيك وورلد» بغابة آسيوية (أمبلين بيكتشرز)

أثار دونالد ترمب بلبلة كبيرة عندما قرَّر، قبل نحو أسبوع، أن الوقت حان لفرض رسوم على كل فيلم أميركي أو غير أميركي يُصوّر ويُنتج، كاملاً أو جزئياً، خارج الولايات المتحدة الأميركية.

كتب على موقع «Truth Social» أنه بصدد إصدار أمر بفرض تعرفة جمركية قدرها مائة في المائة على كل فيلم يصل إلى الشاشات الأميركية من الخارج. لماذا؟ قرّر أن السينما الأميركية «تموت» («وتموت سريعاً» كما كتب) و«نريد الأفلام أن تُصنع في الولايات المتحدة مرة أخرى».

القرار ليس اعتباطياً، لكنه ليس صحيحاً أيضاً. أو بالأحرى، يضرُّ بقدر ما ينفع. في كلمة مختصرة: قرار يصعب تطبيقه من دون أن يرتدَّ سلباً على من يُطبِّقه.

الأمثلة واضحة وأقربها إلينا فيلم (Mission: Impossible – The Final Reckoning) «مهمة: مستحيلة - الحساب الأخير 2» الذي سيُعرض في مدار الأسبوع المقبل بمهرجان «كان» السينمائي الدولي.

توم كروز في غابات تايلاند بالجزء الجديد من «المهمّة: مستحيلة» (باراماونت)

صُوِّر هذا الفيلم في 15 دولة من بينها جنوب أفريقيا، والنرويج، وبريطانيا. بدوره، انتقل فريق العمل إلى فيلم (Fantastic Four‪:‬ First Steps) «الرائعون الأربعة: الخطوات الأولى» الذي سيُعرض في 25 يوليو (تموز) في بريطانيا وإسبانيا ومدينة نيويورك. وفي الثاني من الشهر المذكور ستنطلق عروض (Jurassic World Rebirth) «جوراسيك وورلد: إعادة ولادة». هذا يتبع سلسلة معروفة يُنتجها ستيفن سبيلبرغ كلَّما شعر أن الوقت حان لإنجاز فيلم يعود إليه بنجاح مادي كبير. صُوِّر الفيلم في مالطا وبريطانيا وتايلاند. مثل سواه، ما صُوّر داخل الولايات المتحدة لا يتجاوز 30 في المائة من مدة عرض الفيلم الذي تزيد عن الساعتين بقليل.

«الرائعون الأربعة» صُوّر في بريطانيا وإسبانيا (ديزني)

إغراءات مادية

هناك أسباب عدّة تدفع هوليوود إلى التصوير خارج البلاد. نسبة الأفلام التي تُقدّم على ذلك لا تتجاوز ربع ما يُنتج فيها. غالبية الأفلام المنتجة لا تتطلب التصوير الخارجي وليس لديها من الميزانيات ما يسمح لها بذلك. لكن هذا الربع المصنوع خارج الولايات المتحدة هو من تلك الأفلام الكبيرة، أي تلك التي تحتوي على الفانتازيا، والبطولات الخارقة، والحكايات التي لا بد لها أن تقع خارج أميركا والمناظر الخلابة أو (على الأقل) التي تستدعي الانتباه.

سبب آخر للتوجه إلى آسيا وأوروبا للتصوير فيهما يكمن في المُغريات المادية. معظم الدول الغربية والآسيوية حالياً، تُؤمِّن حوافز مالية تتراوح ما بين 20 و42 في المائة، مما يغطي نفقات السفر والإقامة بالنسبة للشركات الأميركية.

لقد بات من غير المقبول كذلك صنع فيلم مثل «المهمّة: مستحيلة» بالتقوقع محلياً. مما يشكل لهذه السلسلة ميزاتها ومعالمها هو انتقال حكاياتها (وبالتالي ضروريات تصويرها) ما بين عواصم ومدن غير أميركية. هذا كان ميزة المسلسل منذ أن أُنتج تلفزيونياً في الستينات. صحيح أن حكاياته كانت تُصوَّر كلها في استوديوهات هوليوود، غير أن القصص كانت غالباً ما تحتوي على مواقع دولية. عندما انتقل المسلسل من البيت التلفزيوني المحدود إلى الشاشة الكبيرة سنة 1996 تم تجاوز المعيقات المادية والانتقال إلى كل ما يأتي السيناريو على ذكره من عواصم ومدن: دبي، وموسكو، وباريس، وأثينا، ولندن، وغيرها.

تُصوّر هوليوود بعض أفلامها خارج البلاد لأسباب فنيّة ومالية، رغم أن معظم إنتاجها يبقى محليّاً

فكرة وطنية

قوبلت فكرة ترمب، التي لم تدخل حيِّز التنفيذ بعد، بردود فعل سلبية. فقد أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى تراجع في أسهم شركات مثل «والت ديزني»، وهي من أكثر الاستوديوهات الأميركية اعتماداً على التصوير خارج البلاد، بالإضافة إلى «وورنر» و«نتفليكس»، مما يعكس حالة من القلق بين المستثمرين والمتعاملين مع هذه الشركات.

في المقابل، جاءت ردود الفعل خارج الولايات المتحدة رافضة للقرار. فقد أعربت دول مثل نيوزيلندا، (هل يمكن لسلسلة «سيد الخواتم» أن تجد مواقع تصوير أفضل؟)، وأستراليا، وبريطانيا عن معارضتها للمقترح، مؤكدة دعمها الكامل لاستمرار تصوير الأفلام الأميركية على أراضيها.

هذا طبيعي لأن الإنتاجات الأميركية داخل الدول الآسيوية والأوروبية تمثل انتعاشاً كبيراً لليد العاملة في تلك البلدان، وهي عنوان جذبٍ لتلك البلدان. هذا بالطبع من دون أن نضيف أن اسم الدولة التي تم التصوير فيها يتحوَّل، حين ظهوره على الشاشة مصحوباً بالمناظر الطبيعية لمدنها أو لريفها، إلى نقطة جذب سياحي.

على أن ما سبق يجب ألَّا يُلغي حقيقة أن وراء هذه الخطوة تكمن إيجابية مهمة توازن الجانب السلبي لها. خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تراجع عدد العاملين في السينما الأميركية دون مستوى المدراء والفنانين وأصحاب المهن الرئيسية على نحو ملحوظ. حسب «إنترناشيونال ألايانس أوف ثيتريكال ستايج»، وجد 1800 شخص أنفسهم بلا عمل. هذا متصل بانحدار نسبة الأفلام التي تُصوّر إلى 22 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها في العام الماضي. هذا ليس فقط بسبب هجرة السينما الأميركية إلى خارج الوطن، بل - وعلى قدر مساوٍ في الأهمية - بسبب تفضيل صانعي الأفلام التصوير في ولايات أميركية أخرى أرخص تكلفة.

إيجازاً، هي فكرة وطنية بلا ريب لكنها تقف على خيط رفيع بين النجاح والفشل.


مقالات ذات صلة

عمرو يوسف: أراهن على دوري المختلف في «درويش» بموسم الصيف

يوميات الشرق عمرو يوسف في احد مشاهد فيلم "درويش"  (الشرق الأوسط)

عمرو يوسف: أراهن على دوري المختلف في «درويش» بموسم الصيف

يخوض الفنان المصري عمرو يوسف سباق موسم الصيف السينمائي بفيلم «درويش»، الذي عدَّه من الأفلام الصعبة إنتاجاً وتنفيذاً.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة الفرنسية جولييت بينوش في كان (أ.ف.ب)

رئيسة لجنة مهرجان «كان» توجه تحية لمصورة فلسطينية قُتلت في غزة

وجهت رئيسة لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائي الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، الثلاثاء، في افتتاح هذا الحدث، تحية إلى روح المصورة الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق هيفاء وهبي ممنوعة من الغناء في مصر (حسابها على فيسبوك)

هيفاء وهبي مهددة بالمنع من التمثيل في مصر

تصاعدت أزمة منع الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي من العمل في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
سينما المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

يعدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان غوتز فاليان (غيتي)

غوتز فاليان... الديناصور الأخير في غابة السينما اليدوية

على مدار أكثر من 30 عاماً، ظلَّ الفنان النمساوي المولد، يعتاش من رسم بوسترات الأفلام الضخمة يدوياً، لتزيِّن أعرق دور العرض السينمائية في العاصمة برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
TT

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يعَدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور وتراهن على شباك التذاكر، ويرى نصر الله أنه مخرج «أفلام شعبية»؛ فجميع الموضوعات التي تناولها من البيئات الشعبية وتعبر عن طبقات شعبية.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث يسري نصر الله عن «صناعة السينما باعتبارها الهاجس الأكثر أهمية وإلحاحاً لديه»، ويقول صاحب «مرسيدس» و«سرقات صيفية» و«صبيان وبنات» و«احكي يا شهرزاد» إن «السينما تنهار»، ووصف السينما التجارية التي تراهن على شباك التذاكر بأنها «على كف عفريت».

وقال إن «السينما تحتاج إلى شيء جوهري، وهو عودة الجمهور إلى دُور العرض، هذه العادة اختفت، ولم يعد هناك مشوار السينما المعتاد، مثلما كانت في الحي الذي تسكن فيه. السينما الآن في المولات، وتحتاج إلى سيارة لتذهب إليها، والتذكرة تصل إلى 250 جنيهاً، وأقل تذكرة بـ100 جنيه، وهذا مبلغ كبير»، وحكى نصر الله عن موقف شاهده وهو ذاهب لرؤية فيلم لمحمد سعد في السينما، حيث سأله شاب: «أيهما أفضل الصالة أم البلكون؟ ما يعني أن ثقافة السينما ومعرفة الجمهور والأجيال الجديدة بدور العرض وارتباطهم بها؛ كلها أمور أصبحت غائبة تماماً عنهم الآن».

الملصق الدعائي لفيلم «احكي يا شهرزاد» (سينما. كوم)

وقبل عام تقريباً شارك نصر الله في مهرجان «كان» بصفته رئيس لجنة تحكيم لمسابقة الأفلام القصيرة، وقبل أيام شارك في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بصفته رئيس لجنة تحكيم مسابقة الاتحاد الأوروبي للفيلم الأورومتوسطي، وعن أفلام المهرجانات يقول: «هناك أفلام جيدة جداً، لكن الرهان هل هذه الأفلام تحفز الجمهور ليذهب إلى السينما؟ المشكلة التي عرفتها أن دور العرض لا تستغل المهرجانات، خصوصاً التي تقام في الأقاليم بعيداً عن مركزية العاصمة القاهرة، بطريقة جيدة لجذب الجمهور واستعادة ثقافة دخول السينما».

وعن تأثير المنصات الجديدة على ذهاب الجمهور للسينما، قال: «بالطبع تؤثر سلباً، فالمستقبل للمنصات، ونلاحظ أن سينمات الأحياء تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى».

ورداً على سؤال حول طبيعة سينما يسري نصر الله التي تهتم بالجماليات الفنية أكثر من البحث عن الجمهور أو الرهان على شباك التذاكر، قال: «أنا أصنع الفيلم كما يجب أن يكون في تصوري»، مضيفاً: «أقدم أفلاماً شعبية، حين أقدم فيلم (صبيان وبنات) في نزلة السمان هو موضوع شعبي، وكذلك (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وغيرهما من الأفلام. الفيلم الذي قد يبدو صعباً هو (جنينة الأسماك)؛ حيث إن الصعوبة هي الرهان على الموضوع. فقد صنعت (سرقات صيفية) من دون نجوم، وعبلة كامل وقتها لم تكن نجمة، ورغم ذلك حقق الفيلم نجاحاً لافتاً، البعض كان يرى فيلم (مرسيدس) صادماً، لكن مع الوقت اختلفت الرؤية، والبعض يتعامل معه الآن على أنه فيلم كوميدي؛ فالأجيال الجديدة تشاهده وتضحك».

فيلم «باب الشمس» من إخراج يسري نصر الله (سينما. كوم)

وعن ابتعاده عن السينما التجارية، قال: «لم يحدث أن تعرض منتج للخسارة من أفلامي، لكن للأسف السينما بشكل عام تعاني، ولم تعد صناعة السينما صحية». وتابع: «اليوم لدي صعوبة في صناعة أفلامي؛ لأن السينما انهارت في حد ذاتها، حتى ما يطلق عليه البعض سينما تجارية أصبحت (على كف عفريت)، البعض يصنع أفلاماً لأسواق بعينها، وهذا ليس سيئاً؛ فالمهم أن تستمر صناعة السينما... حين يصنعون فيلماً مثل (الحريفة) وينجح يكررون التيمة (الحريفة 2) وهكذا، ولكن لا يوجد تيار أو خطة تضمن استدامة هذه السينما»، وتابع: «حين كانت لدينا سينما تجارية حقيقية، كان الجميع يستطيع العمل مثل محمد خان وحسن الإمام وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، كان لهم مكان ويحققون أرباحاً، لكن الآن دُور العرض فارغة، وتذكرة السينما وصلت إلى 250 جنيهاً (الدولار يساوي 50.64 جنيه مصري) فكيف تصبح السينما تجارية؟ كيف تجذب الجمهور البسيط من الشارع للصالات؟ هذه الثقافة لم تعد موجودة للأسف».

وعن رؤيته لصناعة السينما في السعودية خلال الفترة الأخيرة، قال: «السعودية بها أكبر سوق للفيلم المصري، وأرى لديها إمكانيات لصناعة سينما حقيقية، وهناك مخرجون سعوديون رائعون يعبرون عن قضايا وموضوعات المجتمع السعودي بشكل رائع، ويستطيعون الاستعانة بنجوم من مصر، لكن لا أعتقد أنني بصفتي مخرجاً مصرياً أستطيع تقديم فيلم عن السعودية؛ فلديهم مخرجون قادرون على فعل ذلك أفضل مني، وقد شاهدت أكثر من فيلم سعودي جيد جداً، وبهذه الأفلام هامش حرية أكبر بكثير من المتاح في مصر»، وتابع: «لكن إذا أتيح لي صناعة فيلم مصري في السعودية سأفعل ذلك، بحيث يكون الموضوع مصرياً وكذلك الأبطال، وتم تصويره غالباً في مصر، وإذا تعثرت في مصر وعُرض علي استخدام الاستوديوهات والإمكانيات الموجودة في السعودية سأفعل ذلك».

وأضاف نصر الله: «منذ سنوات ونحن نطالب بانفتاح مصر على تصوير الأفلام العالمية، وللأسف هذا لا يتم رغم ما لدينا من إمكانيات».

ولصناعة أفلام قادرة على الاستمرار، قال صاحب «باب الشمس»: «على كل مخرج أن يعيش عصره، أفلامي وأفلام محمد خان ويوسف شاهين وغيرها تعيش حتى الآن لأنها عاشت حاضرها، واستمتعت بهذا الحاضر، وتعبر عنه، حتى لو عبرت عنه بلؤم، فمثلاً فيلم (سيكو سيكو) أراه فيلماً رائعاً، لأنه يعبر عن عصره صناعه، فعلاقة الأجيال الجديدة بالدنيا تجعلهم يشاهدون أشياء ربما لا نستطيع فهمها، وحين يصنعون أفلاماً ستكون من بعدٍ مختلف، لا يمكن أن يصنعوا أفلاماً تشبه أفلامنا، ولا أنا أستطيع صناعة فيلم يشبههم، المهم صناعة فيلم جيد، ومعنى فيلم جيد هنا هو أن يعبر عن علاقة صانعي الفيلم بالعالم في لحظته الراهنة، ومن ثم يصل إلى وجدان المتلقي».