‪شاشة الناقد: شؤون عائلية في فيلمين عربيين جديدين

«شكراً لأنك تحلم معنا» (مؤسسة آفاق)
«شكراً لأنك تحلم معنا» (مؤسسة آفاق)
TT

‪شاشة الناقد: شؤون عائلية في فيلمين عربيين جديدين

«شكراً لأنك تحلم معنا» (مؤسسة آفاق)
«شكراً لأنك تحلم معنا» (مؤسسة آفاق)

شكراً لأنك تحلم معنا‬ ★★★★

* إخراج: ليلى عبّاس

*‫ لبنان - فلسطين‫ | دراما | ألوان (92 د)

‫* عروض 2025: ‬جوائز السينما العربية

للفيلم عنوانان، يختلف كل منهما عن الآخر. الأجنبي (Thank You for Banking with Us) مأخوذ من عبارة شائعة توجهها المصارف إلى أصحاب الودائع وفاتِحي الحسابات. أما العنوان العربي، فهو بعيد عن هذا المعنى، ويصلح لأن يعبِّر عن تمنيات أي فرد أو مؤسسة. فيه نَفَسٌ حالم ودعوة للمشاركة.

كلا العنوانين لا بأس بهما، رغم أنهما لا يلتصقان تماماً بمضمون الفيلم؛ لأن الموضوع يتمحور حول كيفية تمكُّن شقيقتين من الاستحواذ على ميراث والدهما المتوفى، لحل جميع المعضلات والأزمات المعيشية. تجتمعان بعد قطيعة، وتتردد إحداهما في الموافقة، في حين تنبري الأخرى للمهمة، فتزوِّر صكًا باسم والدهما للحصول على المبلغ كاملاً. وعندما يطلب المصرف من المودع الاتصال به لتأكيد العملية، تُضطر الشقيقتان إلى البحث عمَّن يُمثِّل صوت الأب لإتمام العملية.

هذه واحدة من مفارقات عدّة، من بينها وجود شقيق ثالث لهما يعيش ويعمل في الولايات المتحدة، تحاولان تجنّب إشراكه في الميراث وفقاً للشريعة، واقتسام الإرث بينهما لأنهما «أحق» به.

السرد جيد، والمعنى عميق، والأداء التمثيلي لبطلتي الفيلم ممتاز. الحوار بينهما كاشف وذكي، (سيناريو المخرجة نفسها). لقطات الفيلم (تصوير كونستانتين كرونينغ) مُحكمة التأطير، وتوزيعها يتم في الوقت المناسب، بلا تطويل، وبأسلوب اقتصادي من دون أن يكون حاداً أو باتراً.

الصف الأول‬ ★★

‫* إخراج: مرزاق علواش

*‫ الجزائر ‬| كوميديا | ألوان (86 د)

‫* عروض 2025: ‬جوائز السينما العربية

يمكن تقسيم المسيرة المهنية للمخرج الجزائري مرزاق علواش إلى 3 مراحل، شملت حتى الآن 26 فيلماً.

المرحلة الأولى بدأت عام 1977، وشملت أفلاماً مثل «عمر قتلاتو»، و«مغامرات بطل»، و«باب الواد سيتي». كانت أفلاماً جزائرية الطابع، تحمل أسلوباً منتعشاً، بعيداً عن الكلاسيكيات السابقة التي سادت ما بعد الاستعمار. المرحلة الثانية شهدت انتقال المخرج إلى باريس، حيث أنجز معظم أعماله، بما في ذلك، تلك التي انتقدت التطرُّف الإسلامي في وطنه. المرحلة الثالثة، وهي الحالية، اختار فيها الابتعاد عن النقد وتوفير كوميديا جزائرية خالية لا أنياب لها، مثل فيلم «العائلة» قبل 4 سنوات، ويتكرَّر النهج اليوم في فيلم «صف أول».

يتناول الفيلم قصة أمّ تصطحب عائلتها باكراً إلى الشاطئ، لحجز مكان في الصف الأول المطل على البحر. لكن سرعان ما تصل عائلات أخرى وتتمركز أمامهم، لتحجب عنهم الرؤية، مما يضطر الأم (فتيحة عويرض) إلى الجلوس في الصف الثاني. تدور الحبكة حول هذا الموقف، وتنتج عنه بعض المشادات والمفارقات الكوميدية الباهتة. في الواقع، هناك خيط درامي وحيد وغير كوميدي يتعلّق في الزوج الذي اختار البقاء في المنزل، وهو ما كان يستحق أن يُبنى عليه فيلم كامل.

Accountant 2 ★★★

* إخراج: كيڤن أوكونور

*‫ الولايات المتحدة ‬ | تشويق | ألوان (132 د)‪.‬

*‫ عروض 2025: تجارية‬

«المحاسب 2» هو عودة لفيلم أخرجه كيڤن أوكونور سنة 2016، وشارك فيه بن أفليك وجون برنثال. تشويق جيِّد لعالِم حسابات يجيد النفاذ من الفخاخ المنصوبة أمامه.

بن أفليك وجون برنثال في «المحاسب 2» (أمازون/ أم جي أم)

مقارنة مع الجزء الأول، يرى الناقد كاتب هذه السطور، أن الفيلم السابق امتاز ببساطة التكوين، وبراعة التنفيذ، وحداثة السرد. هذا الفيلم يحافظ على هذه الحداثة ويُغيّر ما عداها. في الواقع تكوينه يميل إلى شبكة معقدّة من الحسابات كما لو أن الفيلم لا بد له أن يُماثل مهنة بطله البارع في هذا العِلم. ‬المونتاج جيّد في منواله لكنه مُستخدم لتفعيل الانتقال ما بين المشاهد بحدّة أعلى مما يرغب بعضنا.

تنطلق الأحداث متفاعلة ومثيرة: هناك قتلة وضحايا منذ البداية، ما يقود المحققة الفيدرالية مادينا (أداي روبنسون) للتواصل مع كريستيان (أفلك) لطلب المساعدة، مما يستدعي تدخل شقيقه براكستن (جون برنثال). لكن هناك متاعب بين الثلاثة.

عند هذا الحد، والفيلم ما زال في الثلث الأول منه، نتابع شروحاً وافية لنظريات علينا انتظار أن تتحوّل إلى وقائع، وهي تفعل ذلك في النصف الثاني، وهو النصف الذي سينتبه فيه الأشرار إلى هذا الفريق الثلاثي وسيحاولون القضاء عليه.

ينتهي الفيلم كما هو متوقع من فيلم يقوده بطل دائماً ما يتفوّق على أعدائه مهارة وذكاء. لكن الأحجية التي عالجها الفيلم منذ البداية، والتي تدور حول جريمة قتل فردية، تأتي أبسط مما توقعنا. التشويق هنا كان يحتاج إلى إحكام قبضة، لكن ما يجذب لحدٍّ كافٍ هو التداخل بين الشخصيات والتنفيذ التقني من سرد ومواقع أحداث.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

عمرو يوسف: أراهن على دوري المختلف في «درويش» بموسم الصيف

يوميات الشرق عمرو يوسف في احد مشاهد فيلم "درويش"  (الشرق الأوسط)

عمرو يوسف: أراهن على دوري المختلف في «درويش» بموسم الصيف

يخوض الفنان المصري عمرو يوسف سباق موسم الصيف السينمائي بفيلم «درويش»، الذي عدَّه من الأفلام الصعبة إنتاجاً وتنفيذاً.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة الفرنسية جولييت بينوش في كان (أ.ف.ب)

رئيسة لجنة مهرجان «كان» توجه تحية لمصورة فلسطينية قُتلت في غزة

وجهت رئيسة لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائي الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، الثلاثاء، في افتتاح هذا الحدث، تحية إلى روح المصورة الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق هيفاء وهبي ممنوعة من الغناء في مصر (حسابها على فيسبوك)

هيفاء وهبي مهددة بالمنع من التمثيل في مصر

تصاعدت أزمة منع الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي من العمل في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
سينما المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

يعدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان غوتز فاليان (غيتي)

غوتز فاليان... الديناصور الأخير في غابة السينما اليدوية

على مدار أكثر من 30 عاماً، ظلَّ الفنان النمساوي المولد، يعتاش من رسم بوسترات الأفلام الضخمة يدوياً، لتزيِّن أعرق دور العرض السينمائية في العاصمة برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
TT

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يعَدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور وتراهن على شباك التذاكر، ويرى نصر الله أنه مخرج «أفلام شعبية»؛ فجميع الموضوعات التي تناولها من البيئات الشعبية وتعبر عن طبقات شعبية.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث يسري نصر الله عن «صناعة السينما باعتبارها الهاجس الأكثر أهمية وإلحاحاً لديه»، ويقول صاحب «مرسيدس» و«سرقات صيفية» و«صبيان وبنات» و«احكي يا شهرزاد» إن «السينما تنهار»، ووصف السينما التجارية التي تراهن على شباك التذاكر بأنها «على كف عفريت».

وقال إن «السينما تحتاج إلى شيء جوهري، وهو عودة الجمهور إلى دُور العرض، هذه العادة اختفت، ولم يعد هناك مشوار السينما المعتاد، مثلما كانت في الحي الذي تسكن فيه. السينما الآن في المولات، وتحتاج إلى سيارة لتذهب إليها، والتذكرة تصل إلى 250 جنيهاً، وأقل تذكرة بـ100 جنيه، وهذا مبلغ كبير»، وحكى نصر الله عن موقف شاهده وهو ذاهب لرؤية فيلم لمحمد سعد في السينما، حيث سأله شاب: «أيهما أفضل الصالة أم البلكون؟ ما يعني أن ثقافة السينما ومعرفة الجمهور والأجيال الجديدة بدور العرض وارتباطهم بها؛ كلها أمور أصبحت غائبة تماماً عنهم الآن».

الملصق الدعائي لفيلم «احكي يا شهرزاد» (سينما. كوم)

وقبل عام تقريباً شارك نصر الله في مهرجان «كان» بصفته رئيس لجنة تحكيم لمسابقة الأفلام القصيرة، وقبل أيام شارك في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بصفته رئيس لجنة تحكيم مسابقة الاتحاد الأوروبي للفيلم الأورومتوسطي، وعن أفلام المهرجانات يقول: «هناك أفلام جيدة جداً، لكن الرهان هل هذه الأفلام تحفز الجمهور ليذهب إلى السينما؟ المشكلة التي عرفتها أن دور العرض لا تستغل المهرجانات، خصوصاً التي تقام في الأقاليم بعيداً عن مركزية العاصمة القاهرة، بطريقة جيدة لجذب الجمهور واستعادة ثقافة دخول السينما».

وعن تأثير المنصات الجديدة على ذهاب الجمهور للسينما، قال: «بالطبع تؤثر سلباً، فالمستقبل للمنصات، ونلاحظ أن سينمات الأحياء تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى».

ورداً على سؤال حول طبيعة سينما يسري نصر الله التي تهتم بالجماليات الفنية أكثر من البحث عن الجمهور أو الرهان على شباك التذاكر، قال: «أنا أصنع الفيلم كما يجب أن يكون في تصوري»، مضيفاً: «أقدم أفلاماً شعبية، حين أقدم فيلم (صبيان وبنات) في نزلة السمان هو موضوع شعبي، وكذلك (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وغيرهما من الأفلام. الفيلم الذي قد يبدو صعباً هو (جنينة الأسماك)؛ حيث إن الصعوبة هي الرهان على الموضوع. فقد صنعت (سرقات صيفية) من دون نجوم، وعبلة كامل وقتها لم تكن نجمة، ورغم ذلك حقق الفيلم نجاحاً لافتاً، البعض كان يرى فيلم (مرسيدس) صادماً، لكن مع الوقت اختلفت الرؤية، والبعض يتعامل معه الآن على أنه فيلم كوميدي؛ فالأجيال الجديدة تشاهده وتضحك».

فيلم «باب الشمس» من إخراج يسري نصر الله (سينما. كوم)

وعن ابتعاده عن السينما التجارية، قال: «لم يحدث أن تعرض منتج للخسارة من أفلامي، لكن للأسف السينما بشكل عام تعاني، ولم تعد صناعة السينما صحية». وتابع: «اليوم لدي صعوبة في صناعة أفلامي؛ لأن السينما انهارت في حد ذاتها، حتى ما يطلق عليه البعض سينما تجارية أصبحت (على كف عفريت)، البعض يصنع أفلاماً لأسواق بعينها، وهذا ليس سيئاً؛ فالمهم أن تستمر صناعة السينما... حين يصنعون فيلماً مثل (الحريفة) وينجح يكررون التيمة (الحريفة 2) وهكذا، ولكن لا يوجد تيار أو خطة تضمن استدامة هذه السينما»، وتابع: «حين كانت لدينا سينما تجارية حقيقية، كان الجميع يستطيع العمل مثل محمد خان وحسن الإمام وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، كان لهم مكان ويحققون أرباحاً، لكن الآن دُور العرض فارغة، وتذكرة السينما وصلت إلى 250 جنيهاً (الدولار يساوي 50.64 جنيه مصري) فكيف تصبح السينما تجارية؟ كيف تجذب الجمهور البسيط من الشارع للصالات؟ هذه الثقافة لم تعد موجودة للأسف».

وعن رؤيته لصناعة السينما في السعودية خلال الفترة الأخيرة، قال: «السعودية بها أكبر سوق للفيلم المصري، وأرى لديها إمكانيات لصناعة سينما حقيقية، وهناك مخرجون سعوديون رائعون يعبرون عن قضايا وموضوعات المجتمع السعودي بشكل رائع، ويستطيعون الاستعانة بنجوم من مصر، لكن لا أعتقد أنني بصفتي مخرجاً مصرياً أستطيع تقديم فيلم عن السعودية؛ فلديهم مخرجون قادرون على فعل ذلك أفضل مني، وقد شاهدت أكثر من فيلم سعودي جيد جداً، وبهذه الأفلام هامش حرية أكبر بكثير من المتاح في مصر»، وتابع: «لكن إذا أتيح لي صناعة فيلم مصري في السعودية سأفعل ذلك، بحيث يكون الموضوع مصرياً وكذلك الأبطال، وتم تصويره غالباً في مصر، وإذا تعثرت في مصر وعُرض علي استخدام الاستوديوهات والإمكانيات الموجودة في السعودية سأفعل ذلك».

وأضاف نصر الله: «منذ سنوات ونحن نطالب بانفتاح مصر على تصوير الأفلام العالمية، وللأسف هذا لا يتم رغم ما لدينا من إمكانيات».

ولصناعة أفلام قادرة على الاستمرار، قال صاحب «باب الشمس»: «على كل مخرج أن يعيش عصره، أفلامي وأفلام محمد خان ويوسف شاهين وغيرها تعيش حتى الآن لأنها عاشت حاضرها، واستمتعت بهذا الحاضر، وتعبر عنه، حتى لو عبرت عنه بلؤم، فمثلاً فيلم (سيكو سيكو) أراه فيلماً رائعاً، لأنه يعبر عن عصره صناعه، فعلاقة الأجيال الجديدة بالدنيا تجعلهم يشاهدون أشياء ربما لا نستطيع فهمها، وحين يصنعون أفلاماً ستكون من بعدٍ مختلف، لا يمكن أن يصنعوا أفلاماً تشبه أفلامنا، ولا أنا أستطيع صناعة فيلم يشبههم، المهم صناعة فيلم جيد، ومعنى فيلم جيد هنا هو أن يعبر عن علاقة صانعي الفيلم بالعالم في لحظته الراهنة، ومن ثم يصل إلى وجدان المتلقي».