جيمس بوند أمام مصير غامض

حفلة وداعٍ لأمس مزدهر وترحيب بمستقبل مجهول

دانيال كريغ في آخر بوند: «لا وقت للموت» (إم جي إم)
دانيال كريغ في آخر بوند: «لا وقت للموت» (إم جي إم)
TT

جيمس بوند أمام مصير غامض

دانيال كريغ في آخر بوند: «لا وقت للموت» (إم جي إم)
دانيال كريغ في آخر بوند: «لا وقت للموت» (إم جي إم)

من تابع توزيع أوسكارات 2025 على الإنترنت (بثّتها قناة Hulu) فُوجئ بظهور جيمس بوند على المسرح بشخص المنتجين الدائمين مايكل جي. ويلسون وباربرا بروكولي، حيث احتُفي بهما ومُنحا جائزة تقدير عن أعمالهما في عالم هذا الجاسوس العالمي الأشهر. هذا إلى جانب تقديم استعراضٍ موسيقيٍّ لبعض الأغنيات التي ظهرت في مقدمات أفلام بوند. مع تقديم الممثلة هالي بيري، التي لعبت البطولة النسائية في فيلم بوند «Die Another Day» في 2002، هذا الجزء من حفل الأوسكار.‬

قبل كل ذلك، كان قد أُعلن رسمياً قبيل نهاية الشهر الماضي، بأن جيمس بوند، انتقلت شخصيته، إنتاجاً وتاريخاً ومستقبلاً، من أيدي منتجيه باربرا بروكولي (التي تسلمت زمام الأمور من بعد رحيل والدها المؤسس ألبرت بروكولي سنة 1986) ومايكل جي. ويلسون إلى يد شركة أمازون الأميركية. بذلك ستختفي، ملاحظة أولى، الهوية البريطانية للإنتاج كاملاً بعدما كانت مُمثَّلة على نحو غالب بوصفها صناعة بريطانية مع قيام شركة «مترو غولدوين ماير» الأميركية بمهمّة التوزيع.

شون كونيري في أول بوند: «دكتور نو» (إم جي إم)

إيرادات مذهلة

التَّخطيط لهذه الصفقة هو جزء من عملية أكبر، حين رَمَت شركة «أمازون» شباكها واشترت «مترو غولدوين ماير» بمبلغ 8 مليارات و500 مليون دولار سنة 2022. شملت الصفقة كل تاريخ الشركة المشهورة، (تأسَّست سنة 1924)، من الأفلام والعقود وجيمس بوند كان من بينها. المقابل المادي المدفوع لبروكولي- ويلسون غير معروف بعد، بيد أن «أمازون» لم تكن لتدفع كل تلك المليارات من الدولارات من دون أن تحسب للكيفية التي ستستطيع عبرها وضع اليد على شركة «Eon» المنتجة لأفلام بوند التي يملكها الثنائي بروكولي- ويلسون. في العام الماضي، وخلال زيارة باربرا بروكولي إلى نيويورك حُدِّد موعد لبعض كبار مديري «أمازون» معها. خلال عشاء استمعت باربرا إلى أفكار هؤلاء ورغبتهم في امتلاك حقوق بوند كاملاً. تمنّعت بروكولي عن التجاوب مع الطروحات، بيد أن الاتصالات ومحاولات الإقناع استمرت ومن ثَمّ أثمرت.

تشمل الصفقة كل أفلام جيمس بوند الماضية وكل مشروعات هذه الشخصية المقبلة، مقابل مبلغ غير معروف بعد. وعلى ما يبدو فإن العنصر الرئيس في موافقة بروكولي وويلسون على الصفقة، هو حقيقة أن العالم تغيّر على نحو اختلف كثيراً عمَّا كان عليه في الستينات والسبعينات عن آخر بوند أنتجته الشركة وهو «لا وقت للموت» (No Time to Die) سنة 2021. أحد العوامل الذي ساعد «أمازون» على إبرام الصفقة، هو أن السينما في كليّتها تغيّرت بوصفها صناعة في عصر البثِّ الأثيري وفنون الديجيتال، وعلى بوند بالتالي، أن يتغيَّر لما وراء قدرات بروكولي- ويلسون على المواكبة.

هذا التحذير أدّى إلى قرار الشريكين الموافقة على التخلي عن «بوندهما» وإسدال ستارة الوداع على حياكة مغامراته. بيد أن تقارير خرجت تتحدث عن أن بعض البنود تمنح الثُّنائي حق إبداء ملاحظات ولو من دون التزام «أمازون» بها.

هالي بيري في «مت في يوم آخر» (إم جي إم)

نجوم بوند

‫انطلقت السِّلسة بنجاح كبير من الفيلم الأول «دكتور نو» سنة 1962؛ حينها كان المؤلف إيان فليمنغ ما زال حياً وسعيداً باقتباس السينما أعماله التي احتوت أيضاً على «من روسيا مع الحب»، و«غولدفينغر»، و«ثندوبرول»، و12 اقتباسات أخرى حتى نفدت روايات فليمنغ. آخر فيلم من تلك الروايات‬ كان (The Living Daylight) سنة 1966 بعد عامين من وفاة فليمنغ.

حينها اختير كُتَّاب آخرون لمواصلة مغامرات جيمس بوند مثل، كريستوفر وود، وريموند بنسون، وكينغسلي أميس وكلهم من كتاب الرواية البوليسية.

كان بروكولي وويلسون يُدركان جيداً قيمة هذا الكنز فأحكما القبضة عليه؛ والنتيجة أن حصيلة الأفلام الـ25 التي أنتجاها تجاوزت بسعر دولار اليوم أكثر من 19 مليار دولار.

إلى ذلك، صنعت السلسلة نجوماً كباراً من الممثلين قادهم شون كونيري (لعب الدور 7 مرات بالإضافة إلى مرّة ثامنة لحساب إنتاجٍ منفصلٍ)، تَبِعه روجر مور (7 مرّات)، وتيموثي دالتون (مرّتان)، ومن ثَمَّ بيرس بروسنان (4 مرّات)، فدانيال كريغ (5 مرات).

في عام 1967 أعلن شون كونيري رغبته في الاعتزال، فعُيِّن الممثل الأسترالي جورج لازنبي لبطولة «في خدمة صاحبة الجلالة»، 1969 (On Her Majesty‪’‬s Secret Service)، وكان الوحيد الذي لعب شخصية بوند مرّة واحدة. بناء على نجاح محدود لهذا الفيلم أقنع ألبرت بروكولي الممثل كونيري بالعودة ولو إلى فيلم واحد، وتم ذلك سنة 1971 بفيلم «الماس للأبد» الذي أخرجه غاي هاملتون (عاد إلى السلسلة بدوره بعد أن أخرج سنة 1964 «غولدفينغر»).

أسئلة

‫انتقال ملكية بوند من أيدي المؤسِّسين إلى مؤسسة من حصاد سنوات الأثير والديجيتال أمر يُثير أسئلة عدّة عن واحدٍ من أهم 5 مسلسلات سينمائية أُنتجت في تاريخ السينما.‬

أسئلة من نوع: كيف ستكون شخصية بوند الجديدة؟ ما الذي سيبقى منه وما الذي سيُضاف إليه؟ هل سيتحوّل إلى نسخة من مسلسلات السوبرهيروز المنتشرة أو كيف سيبقى متميّزاً؟

ومن ثَمّ، من سيكون جيمس بوند الجديد؟ واحدٌ من الممثلين السابحين في فضاء أفلام اليوم أو وجه جديد؟

ومن سيكونون أعداء بوند في هذه المرحلة السياسية الراهنة، حيث الأوراق مختلطة ومعقّدة؟

حتى الآن، لم يجرِ اختيار الممثل الذي سيخلف من سبقه في هذا الدور، ولا المخرج، ولو أنه من المتوقع أن تكون «أمازون» تسلمت عشرات الترشيحات. فرصة كهذه لا تُعوّض وقد تعني عقوداً مقبلة من هذه الأفلام أو توقفها بعد سنوات قليلة. يتوقف ذلك على توجهات بوند الجديد.


مقالات ذات صلة

فيلمان جديدان عن أعتى الوحوش... فرانكنشتاين يعود في الخريف والربيع

يوميات الشرق من «فرانكنشتاين» لغييرمو ديل تورو (نتفليكس)

فيلمان جديدان عن أعتى الوحوش... فرانكنشتاين يعود في الخريف والربيع

فرانكنشتاين ووحشه عائدان بقوّة، والصرخة التي أيقظت هوليوود نتج عنها فيلمَان جديدَان سيُطلقان خلال الأشهر المقبلة.

محمد رُضا (لندن)
سينما من «قرار تنفيذي» (ناشيونال جنرال بيكتشرز)

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

استجابة لأمرٍ تنفيذيٍّ أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رُفعت السرية عن الوثائق المتعلّقة باغتيال ثلاثة من السياسيين الأميركيين وهم جون كيندي وشقيقه روبرت....

محمد رُضا (لندن)
سينما «عندما يومض البرق فوق البحر» (مهرجان برلين)

شاشة الناقد: فيلمان في «مهرجان برلين»

«عندما يومض البرق فوق البحر» مأخوذ من عبارة لصبي ترد قبل نهاية الفيلم، يصف بها أحلامه في بلدة أوديسا غير البعيدة عن لهيب الحرب بين أوكرانيا وروسيا.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الدشاش» شهد عودة محمد سعد إلى السينما بعد سنوات (الشركة المنتجة)

إيرادات هزيلة للسينما المصرية خلال موسم رمضان

طقوس موسم رمضان واجتذاب المسلسلات للناس وراء هذا الانخفاض الملحوظ في الإيرادات السينمائية، والذي يُتوقّع استمراره حتى موسم عيد الفطر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق محمد سامي (فيسبوك)

المخرج المصري محمد سامي يعلن اعتزاله... ومطالبات بتراجعه

أعلن المخرج المصري محمد سامي، اليوم (الخميس) اعتزاله الإخراج التلفزيوني بعد رحلة استمرت نحو 15 عاماً، قدم خلالها العديد من الأعمال الفنية الدرامية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
TT

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)

استجابة لأمرٍ تنفيذيٍّ أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رُفعت السرية عن الوثائق المتعلّقة باغتيال ثلاثة من السياسيين الأميركيين وهم جون كيندي وشقيقه روبرت، والداعية مارتن لوثر كينغ (لا شيء حتى الآن عن مالكوم إكس).

أشهر هذه الشخصيات (وكلّها مشهورة) هو جون كيندي الرئيس الأميركي الـ35 الذي اغتاله لي هارڤي أوزوالد أثناء مرور الرئيس مع زوجته جاكلين، في سيارة مكشوفة خلال استعراضٍ في أحد شوارع مدينة دالاس بولاية تكساس في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1963.

كلينت إيستوود «في خط النار» (كولمبيا)

أسئلة ساخنة

اغتيل جون كيندي بعد 62 عاماً على آخر اغتيال تعرض له رئيس أميركي، ففي 14 سبتمبر (أيلول) سنة 1901 اغتيل الرئيس ويليام مكينلي. قبله اغتيالان، الأول والأهم اغتيال إبراهام لينكولن (سنة 1865)، والثاني اغتيال الرئيس جيمس غارفيلد (سنة 1881). في حين لم يثبت أن دوافع قتل مكينلي وغارفيلد كانت سياسية، فإن اغتيال لينكولن كان سياسياً بامتياز كونه كَسِب حرب تحرير العبيد التي دامت 4 سنوات (1861-1865) مما جلب عليه احتجاجات عديدة من مصادر مختلفة.

بيد أن اغتيال كيندي حمل ألغازاً وتفسيرات واتهامات عدّة: من وقف وراء الجريمة؟ من دفع لاغتيال أوزوالد؟ هل صحيح أن أوزوالد لم يكن وحده وربما لم تكن الرصاصات القاتلة من بندقيَّته؟ من وقف وراء الجريمة: «إف بي آي»؟ «سي آي إيه»؟ دولة عميقة؟ دولة أجنبية؟ ومن ثَمَّ بالطبع لماذا؟

هذه كلها موضوعات لم يكن من الممكن أن تمرَّ عليها السينما من دون أن تفيها حقها عبر أعمال تسجيلية ودرامية بلغ عددها منذ ذلك الحين أكثر من 30 فيلماً.

دونالد سذرلاند وكيڤن كوستنر في «جي أف كي»‫ (وورنر)‬

مؤامرات عديدة

أشهر هذه الأفلام هو «JFK» الذي حققه أوليڤر ستون في عزِّ شهرته ونشاطه سنة 1991. هو فيلم يطرح بأسلوب تقريري احتمالات ونظريات مؤامرة عبر تحقيقات المدّعي العام جيم غاريسُن الذي لعب دوره كيڤن كوستنر. نيَّة المخرج هي ألا يوجِّه إصبع اتهام لأحد بمفرده، لذلك جاء الفيلم بجملة من نظريات المؤامرة وكل منها قابل للنقاش إن لم نقل قابل للتصديق. لكن شيئاً واحداً يبرز من خلال كل ذلك وهو أن التحقيق الرسمي المُعلن أخفى أكثر مما أظهر، لذلك لا يمكن الوثوق به.

رحلة ستون تمرُّ بكل هذه المحطات كما لو أنه يريد الإيعاز بغياب الحقيقة ما يؤيد منحاه من أن التقارير الرسمية حول الحادث لم تكن كافية وبالتالي صادقة.

في كل الأحوال جهد كبير ذاك الذي قام به المخرج حاشداً في ثلاث ساعات وربع الساعة، كل استنتاج ممكن وكل احتمال وارد من دون تحبيذ نظرية على أخرى.

قبل هذا الفيلم، حقّق ديڤيد ميلر فيلماً بعنوان «قرار تنفيذي» (Executive Action) سنة 1973. فيه لم يحاول المخرج الالتفاف على الموضوع، بل سبر غور حكاية تتحدث عن أن الاغتيال كان تنفيذاً لجهات سياسية حكومية أرادت التخلّص من كيندي لمآربها السياسية الخاصّة.

الاتهام نفسه قاد فيلم «ج ف ك: قضية المؤامرة» (JFK‪:‬ The Case for conspiracy) سنة 1993. هذا فيلم تسجيلي حقَّقه روبرت ج. غرودن تتبّع خطوات النائب العام غاريسُن في احتمال أن الاغتيال كان مؤامرة حكومية نُفِّذت بدقة ونجاح. الجيد هنا أن الفيلم يقرأ لنا فقرات من التقرير الرسمي الذي صدر عن الحادثة ويبحث في حقيقتها مناوئاً إياها أو، في مشاهد معيّنة، باعثاً الريب فيما تدَّعيه.

محاكمة افتراضية

في «محاكمة لي هارڤي أوروالد» (The Trial of Lee Harvey Oswald) لديڤيد غرين (1977) خطوة صوب الافتراض بكل مشهد في الفيلم. هذا لأن غرين يتحدث عن محاكمة لم تقع لأوزوالد أساساً، إذ اغتيل قبل أن يُحاكم. ما يقوم به الفيلم هو تخيّل ما الذي كان الوضع عليه لو قُدّم أوزوالد للمحكمة. ما كان سيُدلي به وكيف كان سيعترف بما قام به والجهات التي أوعزت له بذلك.

كون هذا الفيلم خيالي بالكامل لم يدفعه لتبوأ مكانة خاصة بين الأفلام التي دارت حول هذا الموضوع، بيد أن هذه الخاصية له هي نفسها موقع قوّته لأن الفيلم يُدلي - عبر أوزوالد - بما كان متوقعاً أن يقوله مفجِّراً حقائق مخفية.

جاك روبي، الذي صفّى أوزوالد، كان بدوره موضوع فيلمين على الأقل هما، «روبي وأوزوالد» لميل ستيوارت (1978) و«روبي» لجون ماكنزي. هذا الثاني يفتح صفحة جديدة حول الموضوع من حيث إنه يدور حول من صفّى أوزوالد وأسباب ذلك. في مجمله دفاع عن (ج ف ك)، لكنه لا يدور فعلياً عن الرئيس الأميركي بل عن روبي الذي كان يعرف أوزوالد من قبل اغتيال الرئيس.

ماكنزي آخر (ديڤيد ماكنزي) أخرج في 1999 فيلماً مختلفاً عن تلك الأفلام السابقة بعنوان «The Secret KGB‪:‬ JFK Assassination Files»، وما يعرضه هو الإيحاء بأن المخابرات الروسية هي من وقفت وراء عملية الاغتيال.

هذا يناوئ فيلماً لروب راينر حققه سنة 2016 عنوانه «LBJ» يوحي بأن الرئيس الذي خلف كيندي، ليندون ب. جونسون، كان على خلاف دائم مع جون كيندي مفترضاً أنه قد يكون متورِّطاً بدوره في عملية التخلص منه.

بعيداً عن كل ذلك، ولمن يرغب في تنشيط ملكية الخيال أخرج الألماني وولغانغ بيترسن «In the Line of Duty» (في خط الواجب)، 1993. ليس عن جون كيندي بل عن أحد حراسه (كلينت إيستوود) الذي يُعدُّ نفسه أخفق في حماية الرئيس كيندي إذ كان أحد المكلّفين بحراسته بصفته أحد رجال الأمن الخاص. الآن هناك خطّة أخرى لقتل رئيس جديد وعليه أن ينبري لينجز بما لم يستطع القيام به من قبل.