شاشة الناقد: حروب وتهجير

«الفتى من نهر درينا» (رَف كات برودكشنز)
«الفتى من نهر درينا» (رَف كات برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: حروب وتهجير

«الفتى من نهر درينا» (رَف كات برودكشنز)
«الفتى من نهر درينا» (رَف كات برودكشنز)

THE BOY FROM THE RIVER DRINA

★★★★

* إخراج: زياد إبراهيموڤيتش

* سويسرا | تسجيلي (2025)

* عروض مهرجان سولوثوم (جنيف).

زياد إبراهيموڤيتش مخرج بوسني كان فرّ مع عائلته، من البوسنة سنة 1992 خلال الحرب البوسنية - الصربية. نجا من الموت أو من هجرة من إقليم مشتعل إلى آخر واستقر في بلدة تيسينو في جنوب سويسرا. فيلمه الأول «حرّاس الحرب» (Gatekeepers of War) عُرض سنة 2009 في «مهرجان ييهالاڤا» في جمهورية التشيك. موضوع ذلك الفيلم يلتقي مع موضوع الفيلم الجديد من حيث أن كليهما يدور حول عودة نازح كان فرّ من الحرب إلى البوسنة لمواجهة أشباح ذكرياته عنها.

«الفتى من نهر درينا» يُتابع رجلاً من منطقة درينا اسمه إرفنغ موييتش كان هرب من الحرب التي خسر فيها والده وعدداً من أقاربه. لجأ إلى إيطاليا وعاش فيها السنوات التي تبعت الحرب البوسنية (1992-1995). المنطقة المذكورة تحتوي على نهر كبير شهدت الغابة الواقعة على ضفافه مذبحة جماعية قام بها الصرب، وذهب ضحيتها نحو 900 شخص وأدّت إلى نزوح باقي سكان قرى المنطقة هرباً من المصير نفسه.

يصوّر إبراهيموڤيتش الشخص موضوع الفيلم وهو يتحدَّث عن تلك الفترة، ويصوّره وقد عاد إلى بيته المهدّم ليبنيه من جديد ملاحظاً أن القرى المحيطة، التي كانت مسكناً لألوف، باتت شبه خاوية منذ ذلك الحين.

في متابعة المخرج لإرڤن يتدفق الشعور بالمأساة الإنسانية التي هي واحدة من المآسي التي لا تُحصى. هذا الشخص يصبح رمزاً لتاريخ من المذابح قامت بها شعوب ضد أخرى، وصولاً إلى ما يحدث الآن في فلسطين. تحيلنا المشاهد في فيلم إبراهيموڤيتش إلى حالة إنسانية فردية وجَماعية لا تُنسى سريعاً. هو ليس عن إرڤن وحده بل عن حيواناته الأليفة (جياد وقطط وكلاب)، وعن غابة خريفية نصفها مقطوع ومرمي على الأرض، وجاره أمين العجوز الذي عاد ليبني حياته في تلك القرية من جديد. نهر درينا يأخذ حيّزاً من الظهور والذكرى، كذلك أنهر صغيرة أخرى.

على الرغم من حزن موضوعه ولون الحياة الشاحبة، هناك قوّة إيجابية تحرّك إرڤن لاجتياز الخط بين ما حدث بالأمس وما يريد أن يبنيه للغد.

MR‪.‬ NOBODY AGAINST PUTIN

★★

* ديڤيد بورنستين، باشا تالانكن

*‫ جمهورية التشيك، دنمارك|تسجيلي ‬(2025)

* عروض مهرجان «صندانس» (الولايات المتحدة)

من جملة المناهج الجديدة في السينما التسجيلية تحقيق المخرجين أفلاماً عن أنفسهم أو عن أقاربهم أو إسناد مهمّة الإخراج إلى آخر، لكن بالمشاركة معه (كحال هذا الفيلم) مع ضمان أن يتواصل الماثل أمام الكاميرا مع مشاهديه بصفة شخصية. صفة أنا أتحدث إليكم، طبقاً للموضة السائدة هذه الأيام، حين يصبح المخرج هو الموضوع الطاغي، وما يتحدّث فيه يصير تعبيراً عن رؤيته وليس تحليلاً لوضع ما. الأميركي مايكل مور أجاد هذا النوع أكثر من سواه منذ فيلمه «Bowling for Columbine» سنة 2002 لأنه لم يتجاهل أهمية التعبير عن جوهر القضايا التي يطرحها في أفلامه جاعلاً من ظهوره أمام الكاميرا كشرفة يطل منها على ما هو أهم.

«السيد لا أحد ضد بوتين» (مايد إن دنمارك)

باشا تالانكِن أستاذ مدرسة روسي يعيش ويعمل في بلدة كاراباش التي يبلغ معدل الأعمار فيها 35 سنة بسبب التلوّث. مباشرة، ومن دون قصد، نتابع مشهداً نجد فيه أناساً تجاوزوا الخمسين ما قد يثير، بعد ربع ساعة من بداية الفيلم، الرَّيبة، في حين يتولّى المقدّم وشريك الإخراج تالانكِين قوله حباً في التكّلف.

زبدة الفيلم هي إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتِين الحرب على أوكرانيا، وفرض منهج تعليم سياسيٍّ على المدارس، فيقفع تالانكِين مُعارضاً. بصرف النظر عن رأيه في بوتِين، ما يتبدّى على مدى ساعة ونصف الساعة، هو شخص المتحدّث مباشرة إلى الكاميرا وهو يوزّع معلومات تحتاج إلى براهين ومواقف شخصية لا تكوّن في الواقع أي قيمة سياسية. أسلوب العرض الحيوي يُوفِّر سرعة السَّرد والإيقاع، لكن لا شيء كافٍ لتجنّب البروباغاندا بوصفها هدفاً. لا يهمّ إذا كان الفيلم مع أو ضد أي أحد، لأن هذا النوع من الأعمال لا حياة له من دون فن وسبب.

في الصالات

* Parthenope ★★ ‫- تتذكر بارثنوبي (ستيفانيا سندريلي) أيام شبابها وعشّاقها في فيلم جديد للمخرج باولو سرنتينو (The Great Beauty). للفيلم بصرياته الممتعة ولا شيء آخر.‬

* Captain America‪:‬ Brave New World ★★ - يخلف أنتوني ماكي من سبقه في هذا الدور السوبر هيرو المعروف. يلتقي برئيس الجمهورية (هاريسون فورد) ويجد نفسه في مأزق. ميكانيكي مع حكاية مفتعلة غالباً.

* Becoming Led Zepplin ★★★ - تسجيليٌّ عن فرقة الهارد روك البريطانية من بداياتها إلى وصولها للشهرة العالمية. أخرجه برنارد ماكماهون بشغف الهاوي للغناء وللتاريخ وبأسلوب بصريٍّ لاقط.

* The Witcher‪:‬ Sirens of the Deep ★ - صراعٌ بين صياد الوحوش ذا ويتشر ومخلوقات غير آدمية، في هذا الأنمي الذي لا يناسب الصّغار لعنفه. التنفيذ آلي لحد الملل لوجوه تتحرك شفاهها من دون ملامح معبّرة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

فيلمان جديدان عن أعتى الوحوش... فرانكنشتاين يعود في الخريف والربيع

يوميات الشرق من «فرانكنشتاين» لغييرمو ديل تورو (نتفليكس)

فيلمان جديدان عن أعتى الوحوش... فرانكنشتاين يعود في الخريف والربيع

فرانكنشتاين ووحشه عائدان بقوّة، والصرخة التي أيقظت هوليوود نتج عنها فيلمَان جديدَان سيُطلقان خلال الأشهر المقبلة.

محمد رُضا (لندن)
سينما من «قرار تنفيذي» (ناشيونال جنرال بيكتشرز)

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

استجابة لأمرٍ تنفيذيٍّ أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رُفعت السرية عن الوثائق المتعلّقة باغتيال ثلاثة من السياسيين الأميركيين وهم جون كيندي وشقيقه روبرت....

محمد رُضا (لندن)
سينما «عندما يومض البرق فوق البحر» (مهرجان برلين)

شاشة الناقد: فيلمان في «مهرجان برلين»

«عندما يومض البرق فوق البحر» مأخوذ من عبارة لصبي ترد قبل نهاية الفيلم، يصف بها أحلامه في بلدة أوديسا غير البعيدة عن لهيب الحرب بين أوكرانيا وروسيا.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الدشاش» شهد عودة محمد سعد إلى السينما بعد سنوات (الشركة المنتجة)

إيرادات هزيلة للسينما المصرية خلال موسم رمضان

طقوس موسم رمضان واجتذاب المسلسلات للناس وراء هذا الانخفاض الملحوظ في الإيرادات السينمائية، والذي يُتوقّع استمراره حتى موسم عيد الفطر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق محمد سامي (فيسبوك)

المخرج المصري محمد سامي يعلن اعتزاله... ومطالبات بتراجعه

أعلن المخرج المصري محمد سامي، اليوم (الخميس) اعتزاله الإخراج التلفزيوني بعد رحلة استمرت نحو 15 عاماً، قدم خلالها العديد من الأعمال الفنية الدرامية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
TT

أفلام عن جون كيندي تناولت اغتياله

من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)
من «قرار تنفيذي» (ناشونال جنرال بيكتشرز)

استجابة لأمرٍ تنفيذيٍّ أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رُفعت السرية عن الوثائق المتعلّقة باغتيال ثلاثة من السياسيين الأميركيين وهم جون كيندي وشقيقه روبرت، والداعية مارتن لوثر كينغ (لا شيء حتى الآن عن مالكوم إكس).

أشهر هذه الشخصيات (وكلّها مشهورة) هو جون كيندي الرئيس الأميركي الـ35 الذي اغتاله لي هارڤي أوزوالد أثناء مرور الرئيس مع زوجته جاكلين، في سيارة مكشوفة خلال استعراضٍ في أحد شوارع مدينة دالاس بولاية تكساس في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1963.

كلينت إيستوود «في خط النار» (كولمبيا)

أسئلة ساخنة

اغتيل جون كيندي بعد 62 عاماً على آخر اغتيال تعرض له رئيس أميركي، ففي 14 سبتمبر (أيلول) سنة 1901 اغتيل الرئيس ويليام مكينلي. قبله اغتيالان، الأول والأهم اغتيال إبراهام لينكولن (سنة 1865)، والثاني اغتيال الرئيس جيمس غارفيلد (سنة 1881). في حين لم يثبت أن دوافع قتل مكينلي وغارفيلد كانت سياسية، فإن اغتيال لينكولن كان سياسياً بامتياز كونه كَسِب حرب تحرير العبيد التي دامت 4 سنوات (1861-1865) مما جلب عليه احتجاجات عديدة من مصادر مختلفة.

بيد أن اغتيال كيندي حمل ألغازاً وتفسيرات واتهامات عدّة: من وقف وراء الجريمة؟ من دفع لاغتيال أوزوالد؟ هل صحيح أن أوزوالد لم يكن وحده وربما لم تكن الرصاصات القاتلة من بندقيَّته؟ من وقف وراء الجريمة: «إف بي آي»؟ «سي آي إيه»؟ دولة عميقة؟ دولة أجنبية؟ ومن ثَمَّ بالطبع لماذا؟

هذه كلها موضوعات لم يكن من الممكن أن تمرَّ عليها السينما من دون أن تفيها حقها عبر أعمال تسجيلية ودرامية بلغ عددها منذ ذلك الحين أكثر من 30 فيلماً.

دونالد سذرلاند وكيڤن كوستنر في «جي أف كي»‫ (وورنر)‬

مؤامرات عديدة

أشهر هذه الأفلام هو «JFK» الذي حققه أوليڤر ستون في عزِّ شهرته ونشاطه سنة 1991. هو فيلم يطرح بأسلوب تقريري احتمالات ونظريات مؤامرة عبر تحقيقات المدّعي العام جيم غاريسُن الذي لعب دوره كيڤن كوستنر. نيَّة المخرج هي ألا يوجِّه إصبع اتهام لأحد بمفرده، لذلك جاء الفيلم بجملة من نظريات المؤامرة وكل منها قابل للنقاش إن لم نقل قابل للتصديق. لكن شيئاً واحداً يبرز من خلال كل ذلك وهو أن التحقيق الرسمي المُعلن أخفى أكثر مما أظهر، لذلك لا يمكن الوثوق به.

رحلة ستون تمرُّ بكل هذه المحطات كما لو أنه يريد الإيعاز بغياب الحقيقة ما يؤيد منحاه من أن التقارير الرسمية حول الحادث لم تكن كافية وبالتالي صادقة.

في كل الأحوال جهد كبير ذاك الذي قام به المخرج حاشداً في ثلاث ساعات وربع الساعة، كل استنتاج ممكن وكل احتمال وارد من دون تحبيذ نظرية على أخرى.

قبل هذا الفيلم، حقّق ديڤيد ميلر فيلماً بعنوان «قرار تنفيذي» (Executive Action) سنة 1973. فيه لم يحاول المخرج الالتفاف على الموضوع، بل سبر غور حكاية تتحدث عن أن الاغتيال كان تنفيذاً لجهات سياسية حكومية أرادت التخلّص من كيندي لمآربها السياسية الخاصّة.

الاتهام نفسه قاد فيلم «ج ف ك: قضية المؤامرة» (JFK‪:‬ The Case for conspiracy) سنة 1993. هذا فيلم تسجيلي حقَّقه روبرت ج. غرودن تتبّع خطوات النائب العام غاريسُن في احتمال أن الاغتيال كان مؤامرة حكومية نُفِّذت بدقة ونجاح. الجيد هنا أن الفيلم يقرأ لنا فقرات من التقرير الرسمي الذي صدر عن الحادثة ويبحث في حقيقتها مناوئاً إياها أو، في مشاهد معيّنة، باعثاً الريب فيما تدَّعيه.

محاكمة افتراضية

في «محاكمة لي هارڤي أوروالد» (The Trial of Lee Harvey Oswald) لديڤيد غرين (1977) خطوة صوب الافتراض بكل مشهد في الفيلم. هذا لأن غرين يتحدث عن محاكمة لم تقع لأوزوالد أساساً، إذ اغتيل قبل أن يُحاكم. ما يقوم به الفيلم هو تخيّل ما الذي كان الوضع عليه لو قُدّم أوزوالد للمحكمة. ما كان سيُدلي به وكيف كان سيعترف بما قام به والجهات التي أوعزت له بذلك.

كون هذا الفيلم خيالي بالكامل لم يدفعه لتبوأ مكانة خاصة بين الأفلام التي دارت حول هذا الموضوع، بيد أن هذه الخاصية له هي نفسها موقع قوّته لأن الفيلم يُدلي - عبر أوزوالد - بما كان متوقعاً أن يقوله مفجِّراً حقائق مخفية.

جاك روبي، الذي صفّى أوزوالد، كان بدوره موضوع فيلمين على الأقل هما، «روبي وأوزوالد» لميل ستيوارت (1978) و«روبي» لجون ماكنزي. هذا الثاني يفتح صفحة جديدة حول الموضوع من حيث إنه يدور حول من صفّى أوزوالد وأسباب ذلك. في مجمله دفاع عن (ج ف ك)، لكنه لا يدور فعلياً عن الرئيس الأميركي بل عن روبي الذي كان يعرف أوزوالد من قبل اغتيال الرئيس.

ماكنزي آخر (ديڤيد ماكنزي) أخرج في 1999 فيلماً مختلفاً عن تلك الأفلام السابقة بعنوان «The Secret KGB‪:‬ JFK Assassination Files»، وما يعرضه هو الإيحاء بأن المخابرات الروسية هي من وقفت وراء عملية الاغتيال.

هذا يناوئ فيلماً لروب راينر حققه سنة 2016 عنوانه «LBJ» يوحي بأن الرئيس الذي خلف كيندي، ليندون ب. جونسون، كان على خلاف دائم مع جون كيندي مفترضاً أنه قد يكون متورِّطاً بدوره في عملية التخلص منه.

بعيداً عن كل ذلك، ولمن يرغب في تنشيط ملكية الخيال أخرج الألماني وولغانغ بيترسن «In the Line of Duty» (في خط الواجب)، 1993. ليس عن جون كيندي بل عن أحد حراسه (كلينت إيستوود) الذي يُعدُّ نفسه أخفق في حماية الرئيس كيندي إذ كان أحد المكلّفين بحراسته بصفته أحد رجال الأمن الخاص. الآن هناك خطّة أخرى لقتل رئيس جديد وعليه أن ينبري لينجز بما لم يستطع القيام به من قبل.