أفلام الرعب الحديثة تمنحنا شعوراً كاذباً بالأمان

أجودها قد يكون الأكثر ضرراً

«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)
«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)
TT

أفلام الرعب الحديثة تمنحنا شعوراً كاذباً بالأمان

«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)
«مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)

الفيلم الذي اعتلى القمّة هذا الأسبوع عنوانه «Terrifier 3»، وهو فيلم رعب عن قاتل يرتدي ثياب «سانتا كلوز» ويصطاد ضحاياه في «عيد الميلاد». في الجوار من بانكوك وحتى القاهرة، ومن أوسلو إلى طوكيو حفنة كبيرة من أفلام الرعب من بينها، على سبيل المثال فقط «لا تتكلم شراً» (Speak No Evil)، «ابتسم 2» (Smile 2)، «لا تدعه يفلت» (Never Let Go)، «رأس أبي» (Daddy‪’‬s Head)، و«بوغمان» (Bogman) من بين أخرى كثيرة. كل واحد من هذه الأفلام هو إما عن وحوش غير منظورة أو عن بشر مُصابين بعاهات نفسية خطرة.

من الطبيعي التساؤل عن السبب. ليس السبب في وجود هذا الكمّ الكبير من الأفلام المنتمية إلى هذا النوع (قرابة 90 فيلماً أميركياً يذهب معظمها إلى المنصّات إما مباشرة، أو بعد عروض سينمائية قصيرة) فهي متوفرة لأن هناك جمهوراً كبيراً لها، بل لماذا هذا الإقبال عليها.

أفلام الأذى

قبل سنوات قليلة كتب هذا الناقد جواباً على هذا السؤال مفاده أن الناس تحب أن تخاف لأنها تدرك أن ما يقع على الشاشة لا يمكن أن يؤذيهم. سيخيفهم، إذا كان الفيلم جيداً، لكن العنف والقتل والطعن (الذي هو أكثر عنفاً من القتل بإطلاق النار، لذلك لا نجد في هذه الأفلام وحشاً أو شريراً يقتل بمسدس) سيبقى على الشاشة ولن ينتقل إلى الجمهور الذي يشاهد وهو يتسلى بالـ«بوب كورن».

هذا كان صحيحاً ولا يزال. لكنَّ هناك أسباباً أخرى نشطة، وتلك الطمأنينة الطاغية ليست سوى حالة ظاهرة. هناك المزيد مما يجعل انجذاب الجمهور الذي لا يتجاوز الثلاثين سنة من العمر غالباً مشدوداً إلى هذه النوعية من الأفلام.

لكن قبل الخوض في ذلك، ليس هناك من فعلٍ بلا رد فعل. لذا يحمي المشاهد نفسه إما بوجبة طعام مع مشروب ما، أو تلجأ الفتاة إلى كتف صديقها حتى تحتمي به، مما يجعله يشعر بتفوّق ذكوري، أو يُغمض عينيه حتى لا يرى.

‫هذا من البديهيات. الأعمق إيذاءً هو الخروج من الأفلام (على تكرار مشاهدتها) بدرجة أقل من الثقة بالنفس وبالمحيط المجتمعي. الخوف من السير ليلاً، حتى في أحياء آمنة. الخوف من الغرباء حتى ولو كانوا مسالمين. الخوف من الوحدة أو اللجوء إليها، وكل ذلك وسواه تحسباً لأن يتكرّر ما شوهد في أفلام الرعب. في أسوأ الأحوال سيصبح أكثر انطواءً، كما في تفسير نشرته مجلة «Psychology Today» قبل عامين.‬

في أكثر من فيلم حديث يتلاعب الموضوع الماثل مع قناعتك

المجرم الذي عاد

حبكات مختلفة ومشاهد معيّنة تتوارد فيما لو كانت الأشجار القريبة تُخفي قاتلاً راصداً كما في (In a Violent Nature) «في طبيعة عنيفة» لكريس ناش. أو فيما لو ارتاب أحدنا بعائلة انتقلت إلى المنزل المجاور أو أخرى استضافته (Longlegs) «سيقان طويلة». القاتل المتسلسل الذي لا يعرف الرأفة قد يكون زميلاً في العمل أو شبحاً في الظلام (Oddity) «حادث غريب»، أو دمية تُبث فيها الروح.

حسب مجلة «The Scientist» (في عدد صدر هذا الأسبوع) تتأثر الأعصاب في جزءٍ من الدماغ مسؤول عن التصرف عدائياً من حيث لا يدرك المُشاهد. من صفات هذا التأثير أن يشعر المُشاهد المُدمن على هذه الأفلام بالتوتر والخوف والغبطة معاً.

‫كل هذا يؤدي بنا إلى إعادة البحث عن الأسباب. هنا لن نجد أسباباً لها علاقة بالفن على الرغم من أن كثيراً منها جيد التنفيذ (وكلما كان جيد التنفيذ ازداد خطره)، كما الحال في «The Shining»، أو «In a Violent Nature»، أو «‬‪28 ‬»، و‫حتى سلسلتي «هالووين»، و«كابوس شارع إيلم»، (Nightmare at Elm Street).‬

هناك احتمال أن بعض المدمنين على هذه الأفلام لديهم خلفيات مريعة وقعت لهم تركتهم غير قادرين على نسيانها ما يدفعهم للانتقال إليها مجدداً (على طريقة «المجرم الذي لا بد أن يعود إلى مكان الجريمة»).

الشعور بأن هناك مسافة آمنة يجعل البعض الآخر يُقبل على تلك الأفلام ليشعر بالثقة. الحالة هنا تُشبه حالة أحدنا إذا ما وقف أمام قفصٍ فيه حيوان مفترس، وهذا قفز فجأة كما لو كان يريد الوصول إليه مخترقاً القضبان. في الوهلة الأولى سيقفز الشخص إلى الوراء غريزياً لأنه يريد أن يحمي نفسه تماماً. بعد ذلك سيبتسم مستعيداً ثقته بأن لا شيء سيحدث له ما دام الخطر موجوداً داخل القفص وليس خارجه.

الخوف هو رد فعلٍ طبيعي. دائماً ما نحاول درء أي خطرٍ محدق. قد نتعرض له.

في أكثر من فيلم حديث يتلاعب الموضوع الماثل مع قناعتك. تهز إيمانك الروحاني (The Omen)، تحذّرك من طفل يسكنه شيطان، أو من قوى غيبية ترصد أنفاسك (Quiet Place‪:‬ Day One). تقترح عليك أن الدنيا ليست آمنة والمستقبل كذلك.


مقالات ذات صلة

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)
يوميات الشرق صناع الفيلم بعد العرض الأول في المهرجان (القاهرة السينمائي)

مخرج مصري يوثّق تداعيات اعتقال والده في الثمانينات

يوثق المخرج المصري بسام مرتضى في تجربته السينمائية الجديدة «أبو زعبل 89» مرحلة مهمة في حياة عائلته.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين

يسري نصر الله: أفلامي إنسانية وليست سياسية

قال المخرج المصري يسري نصر الله، إنه لم يقدم أفلاماً سياسية في مسيرته سوى فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» الذي تحدث عن العيش والحرية والكرامة.

انتصار دردير (القاهرة )

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
TT

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)

يُقيم «مهرجان القاهرة» الذي بدأ دورته الـ45 يوم أول من أمس، ندوة خاصة عن المخرج والمنتج مصطفى العقاد الذي كان رحل في مثل هذه الأيام ضحية عملية إرهابية في عمّان قبل 19 سنة.

مُخرج «الرسالة»، عن نشأة الإسلام، و«عمر المختار»، عن مناضل في سبيل استقلال بلاده، كانا، ولا يزالان، أكبر إنتاجين عربيين- عالميين عرفته السينما.

المناسبة تستحق الاهتمام أولاً لإعادة التّذكير بمخرج عربي اخترق الجدار الصّامت حول تاريخ العرب والإسلام في فيلميه «الرسالة» (1976)، و«أسد الصحراء» (1980). وثانياً، لأنه المخرج العربي الوحيد الذي نجح في تحويل أحداث تاريخية عربية إلى الشاشة بنظام 70 مللم بانافيجين كما أفلام البريطاني ديڤيد لين، وفي مقدّمتها «لورنس العرب» (1962) الذي جمع ممثلين عالميين (أنطوني كوين، وبيتر أو تول، وأليك غينس، وجاك هوكينز، وكلود رينز) إلى جانب عمر الشريف وجميل راتب من مصر.

بعد عرضه الخاص في «مهرجان القاهرة» سينطلق في عروض عربية عديدة في جدّة، والدوحة، ودبي، والقاهرة والسعي جارٍ لتوسيع الرقعة عربياً وعالمياً.

مصطفى العقاد يتوسط عبد الله غيث وأنطوني كوين خلال تصوير «الرسالة» (فالكون إنترناشيونال)

خبرات ومواهب

لم يكن سهلاً على الممثلين الذين ظهروا في فيلمي العقاد تسليمَ مقادير مهنتهم آنذاك لمخرج عربي غير معروف، كلّ ما كان لديه لتقديمه - لجانب طموحه - أنه اشتغل مساعد إنتاج وإخراج في بعض المحطات التلفزيونية الأميركية. لكن العقاد فاز بالثقة سريعاً مع احتمال أن يكون الموضوعان المثاران في هذين الفيلمين عنصرَي جذب إضافي. الأول دار حول رسالةٍ (عن الدين الإسلامي) لم يتعرّف عليها الغرب في فيلم سابق، بل بقيت مودوعة في دراسات أكاديمية وكتب. الثاني ثورة ليبية ضدّ الاستعمار الإيطالي صاغها العقاد بعناية وتوازن. وراعى فيه جودة التقديم أيضاً.

«الرسالة» تم بنسختين منفصلتين واحدة عربية أمّ تمثيلها بعض أفضل الخبرات المصرية والمغاربية والسورية واللبنانية، وواحدة بالإنجليزية وكلاهما كانا نجاح عمل مدروس رغم صعوبة تنفيذه.

الفيلم الثاني حكى أن هناك ثورات أخرى وقعت خلال احتلال أجزاءٍ من العالم العربي وأن الموت الجماعي حاذى سواه ممّا حول العالم.

ما إن وقّع أنطوني كوين وإيرين باباس على العقد المبرم لهما، حتى تداعى الآخرون أمثال مايكل أنسَارا وداميان تومس ومايكل فورست.

لاحقاً، عندما خرج «الرسالة» إلى عروض عالمية شملت بلداناً عربية وغربية عديدة، حتى صار من الأسهل جذب نجوم آخرين تقدَّمهم، مرّة ثانية، أنطوني كوين في دور عمر المختار. حينها قال كوين لهذا الناقد في مقابلة: «لم أكن أعرف شيئاً عن التاريخ العربي. العقاد فتح عينيّ على هذا التاريخ المجهول بفيلميه، وبرؤية ثاقبة، وكيفية إنتاج مناسب لفيلم تاريخي كبير. بصفتي ممثلاً أرى أن كلّ شيء كان في مكانه الصحيح».

«المسألة الكبرى» (المؤسسة العامة للسينما والمسرح)

محاولات غير مجزية

لا يمكن إغفال حقيقة أن الأفلام التاريخية - الدينية العربية كان لها حضور سابق لـ«الرسالة». نتحدّث عن «واإسلاماه» للأميركي أندرو مارتون الذي أُنتج في مصر سنة 1961 وخاض بطولته كلٌ من لبنى عبد العزيز (في دور شجرة الدر)، وأحمد مظهر ورشدي أباظة ويوسف وهبي ومحمود المليجي وكاريوكا وعماد حمدي وفريد شوقي.

قبله بعشر سنوات أقدم إبراهيم عز الدين على تحقيق «ظهور الإسلام» بإمكانات محدودة مع كوكا وعماد حمدي وأحمد مظهر وسراج منير بين آخرين. ثم بعد 10 سنوات على ظهور «واإسلاماه» أنجز صلاح أبو سيف «فجر الإسلام». الذي استفاد من خبرة أبو سيف ولو أنه في النهاية بقي إنتاجاً محلياً للسوق العربية.

هناك أيضاً «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين (1963)، الذي وظّف فيه المخرج أفضل طاقاته وطواقمه ما ساهم، بجانب اسمه المعروف، في انضمام هذا الفيلم إلى باقي ما ذُكر في عالمٍ عربيٍّ كان يتطلّع إلى مثل هذه الأفلام الترويجية لموضوعاتها باهتمام كبير يناسب كل ذلك الجهد الذي شهدته هذه الأعمال.

أدركت السينما العراقية أن هناك طريقاً لإنتاجات تصبو للعالمية بموازين ونُظم إنتاج برهن العقاد أنها ممكنة. في هذا الصّدد حقّق المخرج صلاح أبو سيف «القادسية» في عام 1981 بطلب من الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية. الفيلم جاء كبير الإنتاج كما أُريد له أن يكون، ركيكاً في نواحيه الفنية، ودعائياً فيما تبقى.

مؤسسة السينما العراقية التي أنتجته كانت التفتت سنة 1980 إلى المخرج المصري الآخر توفيق صالح، وأصرّت على أن يُنجِز «الأيام الطويلة»، الذي عاد إلى تاريخٍ أقرب ليسرد جزءاً من سيرة حياة الراحل صدّام حسين.

في عام 1983 حقّق العراقي محمد شكري جميل «المسألة الكبرى» (1983) عن ثورة العراقيين ضد الاحتلال البريطاني. جلب المخرج مدير التصوير جاك هيلديارد، الذي كان عمل مع العقاد على فيلميه، والممثل أوليڤر ريد الذي كان اشترك في بطولة «أسد الصحراء»، لكن هذه الأفلام بقيت محدودة الانتشار ولم تتجاوز حدود العرض في بعض الدول العربية.

ما حدّ من انتشار هذه الأفلام عالمياً هو معضلة إنتاجات عربية كثيرة حينها، هي سطو «القضية» على المعالجة الفنية، هذا إلى جانب أن العقاد فَهِم وهضم قواعد الإنتاجات العالمية أكثر من سواه.