شاشة الناقد: فيلمان يختلفان عن الأفلام الأميركية

«ثمانية مناظر من بحيرة بيوا» (أول فيلم)
«ثمانية مناظر من بحيرة بيوا» (أول فيلم)
TT

شاشة الناقد: فيلمان يختلفان عن الأفلام الأميركية

«ثمانية مناظر من بحيرة بيوا» (أول فيلم)
«ثمانية مناظر من بحيرة بيوا» (أول فيلم)

★★★ 8Views of Lake Biwa

حكاية إستونية مستوحاة من شِعرٍ ياباني

المصدر، في الأصل، كناية عن ثمانية أشعار يابانية مستوحاة من أشعار صينية بعنوان «ثمانية مناظر لبحيرة جياوجيانغ» وُضعت في القرن الحادي عشر ونُقلت إلى رسومات منذ ذلك الحين. تستوحي هذه الأشعار/ الرسومات، كلماتها من تلك الطبيعة متناولة الحياة على ضفاف تلك البحيرة وجماليات تلك الحياة (حسب كتاب عنوانه «Poetry and Painting in Song China» عن أشعار الصين القديمة وضعته ألفريدا مورك سنة 2000).

تأثير هذه الأشعار والرسومات انتقل إلى اليابان وكوريا في تلك الفترة الزمنية ووُضعت بعد ذلك، أشعارٌ كلماتها مختلفة. هذه النصوص بقيت حيّة بفضل تداولها في آداب آسيا الجنوبية، وانتشرت لاحقاً في الغرب تبعاً لاهتمام الثقافتين الصينية واليابانية على وجه التحديد. ما يقوم به المخرج الإستوني ماركو رات، هو نقلها إلى أحداث فيلمه من دون تجاهل المصدر الياباني الذي اعتمد عليه إيحاءً واشتغل عليه فيلماً.

حكاية فتاتين صديقتين شابتين في مرحلة انتقال عاطفي. إحداهما هي هاناكي (إلينا ماسينغ) الناجية الوحيدة من بين ركاب قارب غرق في بحيرة إستونية، حيث تقع الأحداث ولو أن بحيرة بيوا، التي في العنوان، هي بحيرة يابانية. كلتا الفتاتين الإستونيتين تعبّران عن رؤيتهما وتطلعاتهما في تلك القرية الصغيرة على ضفاف البحيرة. هاناكي تعيش اضطراباً وجدانياً بعد الحادثة. القصة، تمدّد هذه الحالة وتنقل المحيط المجتمعي البسيط حولها لنحو ساعتين. لكن ليس هناك ما يكفي من أحداثٍ تساند هذا التمدد. أيضاً، العلاقة بين الأشعار اليابانية (التي تظهر بوصفها فاصلاً بين الحين والآخر)، وبين ما يدور باهتاً وضعيفاً. يقسّم رات الفيلم إلى ثمانية أجزاء كلّ واحد منها يُشير إلى الأصل («ليلة ماطرة»، «عاطفة فوق معبد في الجبل»، «ثلج المساء»... إلخ) قبل أن يواصل الفيلم حكايته.

الناجح في فيلم رات هو تحويل عمله إلى حالة شعرية بدورها رغم العلاقة الباهتة مع الأصل. لقطاته الطويلة للمناظر الطبيعة الرمادية وللماء ودوره في حياة الذين يعيشون في تلك القرية كما الإيحاء، عبر الصورة بين عناصر أخرى، بغموض البحيرة يمنح الفيلم جمالياته ويفرض قدراً من المتابعة.

على صعيد الشخصيات يستبدل المخرج باللقطات البعيدة أُخرى قريبة وينقل أنثوية بطلتيه في تشكيلٍ درامي جيد. يستخدم الفيلم عنصر المناجاة. همسٌ دائمٌ تتبادله هاناكي مع صديقتها على غرار ما كان إنغمار برغمان يقوم به. في الواقع هناك ميلٌ برغماتيٌّ واضح في هذا الفيلم إن لم يكن لشيء فبسبب أسلوب التعبير الهامس لجوانيات بطلتيه.

* عروض: مهرجان روتردام وترشيح إستونيا لأوسكار أفضل فيلم أجنبي (2025).

‫ Handling the Undead ★★★☆‬

الرقص مع الموتى

هذا الفيلم النرويجي هو الروائي الأول لمخرجته ثيا هفيستندال (والفيلم الطويل الثاني لها بعد عملها التسجيلي The Monkey and the Mouth) متصل بخيط غير واهٍ مع فيلم رُعب قصير حققته في 2019 بعنوان «children of heaven». كلاهما فيلم ينقر على باب أفلام الرّعب بالهدوء والرزانة غير المتوقعة. هناك خوفٌ دائم وتوقّع للأسوأ، لكن المخرجة لن تهدف إلى تسريع الإيقاع بحيث تنجز هذا الهدف. بذلك، الرّعب الذي يتمحور في بعضه عن العائدين من الموت («زومبيز» أو خلافهم) والذي تتعامل وإياه في الفيلم هو رعب الإيحاء والتوقعات وليس رعب المشاهد. حتى الموتى- الأحياء، لا يشبهون أولئك الذين نشاهدهم في أفلام أميركية. لا يمدّون أيديهم إلى الأمام ويسحلون أقدامهم سعياً وراء طريدة.

«التعامل مع غير الموتى» (أنونيموس كونتاكب نوردِك)

في «التعامل مع غير الموتى» ثلاث حكايات متفرّقة ينتقل بينها الفيلم بتلقائية: لدينا آنا (ريناتا راينسڤي) تفقد ابنها. ديڤيد (أندرز دانيلسن لي) يفقد زوجته إيڤا (باهار بارس)، والعجوز تورا تفقد شريكتها إليزابيث (أولغا داماني). كل واحدٍ من هؤلاء المفقودين توفي في أوقات مختلفة، وكلٌ منهم عاد إلى الحياة على نحوٍ لم يتوقعه أحد، ناهيك عن أنه ليس سبباً معروفاً.

تدعم المخرجة هذه المفارقات بظواهر غريبة مثل انقطاع الكهرباء وانطلاق صفارات إنذار السيارات من بين أخرى. تصويرها للمدينة داكن كالحياة التي تعيشها شخصيات الفيلم. لكن ما هو أساسي هنا حقيقة، أن الفيلم يتناول وحدة المُتّصلين بالموتى. بالنسبة لآنا وديڤيد هو موت مفاجئ يتركهما في أسى بالغ. بالنسبة لتورا، هو موت حدث قبل حين قريب. الثلاثة مصدومون بالغياب المفاجئ وبالعودة منه. تَفرِد المخرجة تيا مشهداً معبّراً لتيا وصديقتها الصامتة إليزابيث، وهما ترقصان على أنغام أغنية نينا سايمون «Ne me quitte pas» التي كان جاك بريل أطلقها سنة 1959.

ليس فيلم الموتى- الأحياء الذي في بال المُشاهد، بل هو نظرة فاحصة للفعل ورد الفعل حيال الغياب والحضور. وهذا كلّه ضمن ألوان شاحبة وإضاءة مبتسرة ما يخلق جوّاً بارداً كبرودة الموتى فعلاً. بعد حين سيبحث المُشاهد عن الحدث وليس عن الإيحاء، وهذا ما تؤخّره المخرجة لثلث الساعة الأخيرة أو نحوها من دون أن ينجح الفيلم في تأمين موازاة بين الغموض والتشويق. إدارتها للفيلم جيّدة في المعالجة الفنية. أقلّ من ذلك بقليل درامياً.

* عروض: مهرجان صندانس.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

أفلام الرعب الحديثة تمنحنا شعوراً كاذباً بالأمان

سينما «مخيف 3»: الوحش في ثياب سانتا كلوز (سينيڤيرس إنترتايمنت)

أفلام الرعب الحديثة تمنحنا شعوراً كاذباً بالأمان

في أكثر من فيلم حديث يتلاعب الموضوع الماثل مع قناعتك. تهز إيمانك الروحاني (The Omen)، تحذّرك من طفل يسكنه شيطان، أو من قوى غيبية ترصد أنفاسك (Quiet Place‪:‬ Day One). تقترح عليك أن الدنيا ليست آمنة والمستقبل كذلك.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق آل باتشينو ونور الفلاح (أ.ف.ب - إنستغرام)

آل باتشينو يستمتع بالأبوة في سنّ الـ84

يستمتع آل باتشينو (84 عاماً) بالأبوّة في وقت متأخر من حياته، إذ أصبح أباً للمرة الرابعة، بعد أن رُزق بصبي في العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ‎⁨«تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأفلام» قدّمها أندري كوزيكوف (هيئة الأفلام)

الذكاء الاصطناعي والإنتاج الافتراضي... نقاش تحوّلات صناعة الأفلام في الرياض

ناقش خبراء عالميون متخصّصون في التقنية وصناعة الأفلام مستقبل السينما في عصر الذكاء الاصطناعي والواقع المعزِّز، وتقنيات الإنتاج الافتراضي.

إيمان الخطاف (الرياض)
يوميات الشرق واكيم فينكس وليدي غاغا في مشهد استعراضي (وورنر)

«جوكر: مجنونان»... حكاية رجل يبحث عمن يكون

‫أحد الأسباب التي لم تساعد «جوكر: مجنونان» على إنجاز ما حققه الجزء الأول من حكاية آرثر فلَك من نجاح (أنجز الفيلم لحين كتابة هذه الكلمات 155 مليون دولار عالمياً…

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق مشهد من الفيلم المصري «دراكو رع» (صفحة خالد منصور في «فيسبوك»)

«دراكو رع»... رهان سينمائي يتجدد على الكوميديا الفانتازية

جدد إطلاق الشركة المنتجة لفيلم «دراكو رع» التيلر الدعائي عبر صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، الرهان على الكوميديا الفانتازية في دور العرض المصرية والعربية.

داليا ماهر (القاهرة )

سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي بدأ عربياً وأجنبياً

«الرحلة 404» اشتراك مصري لهاني خليفة (فيلم كلينيك)
«الرحلة 404» اشتراك مصري لهاني خليفة (فيلم كلينيك)
TT

سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي بدأ عربياً وأجنبياً

«الرحلة 404» اشتراك مصري لهاني خليفة (فيلم كلينيك)
«الرحلة 404» اشتراك مصري لهاني خليفة (فيلم كلينيك)

لم تتقدّم بعد أي دولة عربية بفيلم لها في غمار سباق أوسكار «أفضل فيلم عالمي» (أفضل فيلم أجنبي)، وسيكون من الملاحظ أن الزحام الذي حدث في العام الماضي، عندما وجدنا 9 دول تقدّمت بتسعة أفلام في هذا السباق، قد لا يحدث هذا العام بالحجم ذاته.

مشاركات عربية

الدول العربية التي تقدّمت بأفلامها قبل نهاية عام 2023 لسباق سنة 2024 كانت السعودية (لأول مرّة بفيلم «الهامور ح.ع» لعبد الله القريشي)، ومصر (عبر «فوي! فوي! فوي!» لعمر هلال)، والعراق («جنائن معلّقة» لأحمد ياسين الدراجي)، والأردن («إن شاء الله ولد» لأمجد الرشيد)، والمغرب («كذب أبيض» لأسماء المدير)، وفلسطين («باي باي طبريا» للينا سويلم)، والسودان («وداعاً جوليا» لمحمد كوردفاني)، وتونس («بنات ألفة»)، واليمن («المرهَقون» لعمرو جمال).

هذا العام، وحتى اليوم، فإن الدول العربية المتقدّمة لأوسكار أفضل فيلم عالمي، يصل عددها إلى ست فقط مع احتمال غياب إنتاجات تونسية وسودانية ولبنانية وهي: الجزائر (فيلم بعنوان «الجزائر» لشكيب طالب بن دياب)، ومصر («الرحلة 404» لهاني خليفة)، والعراق («ميسي بغداد»، وهو فيلم كردي لسهيم عمر خليفة)، والأردن (عبر فيلم ناطق باللغة الأرمينية لسارين هربديان عنوانه My Sweet Land)، والمغرب («الجميع يحب تودة» لنبيل عيوش)، وفلسطين («قصص غير محكية من غزة من المسافة صفر» من إخراج 22 فرداً).

ليس من بين هذه الأفلام ما شُوهد باستثناء «الرحلة 404»، الذي هو جهد واضح لتقديم المختلف، لكن ذلك لا يضمن له الترشح رسمياً لأن المختلف هو قاسم مشترك لمعظم الأفلام التي تم ترشيحها حتى الآن والتي تبلغ 69 فيلماً من 69 دولة.

بالنسبة للاشتراك الفلسطيني فإنه لم يسبق لدولة ما أن تقدّمت باشتراك واحد يحتوي على 22 فيلماً قصيراً. هذه تذكرة فورية لإغفال هذا الفيلم كذلك حقيقة أن مثل هذه المجموعة من الأفلام لا بدّ أن تحتوي على أعمال بمستويات مختلفة ما يزيد صعوبة قبول هذا الاشتراك أساساً.

آسيويات وأوروبيات

بالنسبة للاشتراكات العالمية، فإن ما شوهد منها يمنحنا فرصة، ولو مبدأية ومبكرة، لقراءة ما يمكن أن يصل منها بالفعل إلى الترشيحات الرسمية الخمسة.

هناك، الفيلم الأرجنتيني «اقتل الجوكي» (Kill the Jockey)، الذي شوهد في «ڤينيسيا» مؤخراً، يبدأ لافتاً وعلى قدر من الإبهار لكنه لا يحافظ على هذه الميزة طويلاً.

في الجوار الفيلم البرازيلي «أنا ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here)، وهو فيلم العودة للمخرج وولتر سايلس بعد طول غياب. دراما سياسية عن الفترة التي تسلّم فيها اليمين المتطرّف الحكم في البلاد، والأزمة الصعبة التي تمر بها عائلةٌ بعد القبض على رب الأسرة وإعلان موته لاحقاً.

هذان الفيلمان يمكن توقع دخولهما القائمة الرسمية.

ألمانيا تقدّمت بفيلم للإيراني محمد رسولوف «بذرة شجرة التين المقدّسة»، الذي موّلت معظم تكلفته. أما إيران نفسها فتبرّعت بفيلم «أذرع الشجرة» لباباك لطفي خاجاباشا.

هناك أفلام آسيوية عدّة تستحق لفت الانتباه إليها أحدها هو الفيلم القرقزستاني «الجنة تحت أقدام الأمّهات» لرسلان أكون، وهو عن رجل في الـ35 من عمره توقف نموّه الذهني عند سن الثامنة، يصاحب والدته سيراً على الأقدام صوب مدينة مكّة المكرّمة لأداء فريضة الحج.

الفيلم البريطاني «سانتوش» (أم كَ. فيلمز)

من إندونيسيا نجد «نساء من جزيرة روت» لجيرمياس نيانغون وفيه حكاية عن الهجرة والعودة منها لامرأة تعرّضت لاعتداء جنسي. إنه الاشتراك الإندونيسي الـ25 وكان حظي بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان «نيويورك للأفلام الآسيوية» العام الحالي.

الفيلم الياباني «غيمة» (Cloud) لكيوشي كوروساوا كان شُوهد في مهرجان «ڤينيسيا» الأخير خارج المسابقة وحكى قصّة شابٍ يمر في سلسلة من الأحداث الغامضة التي تهدّد حياته.

الجارة الكورية الجنوبية اختارت «12:12: اليوم» لكيم سونغ-سو الذي تناول أحداثاً وقعت سنة 1979 عندما سعى القائد العسكري تشون دو-هوان للقيام بانقلاب عسكري في البلاد.

بطبيعة الحال، تتقدم الدول الأوروبية بثقة صوب هذا المضمار المثير وبحضور كبير يتألف حتى الآن من 35 دولة من بينها دول يتكرّر حضورها في كل سنة مثل بريطانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا والسويد وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وبولندا والدنمارك.

الفيلم الدنماركي «الفتاة ذات الإبرة» (ماتش فاكتوري)

هذه الأخيرة تعرض فيلماً حققه مانغوس ڤون هورن بالأبيض والأسود بعنوان «الفتاة ذات الإبرة» (The Girl With the Needle) ويدور حول أحداث وقعت فعلياً ما بين 1913 و1920.

وفي حين تبنت الأردن فيلماً أرمينيّ اللغة، وألمانيا فيلماً فارسياً، نجد بريطانيا تتقدّم بفيلم هندي سبق ونال تقديراً نقدياً بعنوان «سانتوش»، تقع أحداثه في الهند على خلفية حققته سانديا سوري (Suri)، وشهد عرضه العالمي الأول في قسم «نظرة ما» في مهرجان «كان» العام الحالي.