شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)
«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)
TT

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)
«بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

BEETLEJUIC BEETLEJUICE

(وسط)

* إخراج: تيم برتون | بطولة: مايكل كيتون، كاثرين أوهارا، وينونا رايدر (خارج المسابقة، الولايات المتحدة)

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات وليس بعيداً عن موجة قصيرة المدى حين كان التلفزيون يعرض حلقات مُعادة من «عائلة أدامز» التي نُقلت إلى الشاشة الكبيرة في عام 1991، وبنجاح أيضاً.

جمهور اليوم شاهد كثيراً من الأفلام التي عنت حينها أكثر ما تعنيه للجيل الجديد، وهذا الفيلم واحد منها. يعمد إلى التركيبة نفسها، ورسم الشخصيات نفسها، بل يضيف إلى كل ذلك المزيد من الغرابة الدّاكنة والشخصيات ذات النوازع الغريبة حتى عندما تبدو كما لو كانت طيبة في مكان ما من القلب.

قبل 36 سنة لعبت ليديا (وينونا رايدر) دور فتاة صغيرة. الآن نراها كبرت ولديها برنامج تلفزيوني، لكنها ليست بالضرورة سعيدة كونها ترى أمواتاً بينهم معجب سابق يتواصل معها ذهنياً. المعجب الآتي من بعيد هو بيتلجوس (مايكل كيتُون) الذي يقرر إدخال الرّعب والتفرقة بين عائلة ليديا حال عودتها إلى البيت المهجور الذي شهد أحداث الفيلم السابق.

الفكرة وراء العودة هي الرغبة في بيع المنزل الذي ترعرعت فيه ليديا ووالدتها. لقد توفي والدها ولم يعد هناك داع للاحتفاظ بالمنزل، لكن البيت ما زال يُثير الوحشة والمخاوف وتزوره أرواح شريرة.

فكرة هذا الفيلم تصل شبه ميّتة بسبب أن الجديد المروي هنا ليس مثيراً بحد ذاته، والحكاية تتعرض لالتواءات وتقاطعات تجعل متابعة الفيلم مثل فرض مدرسي على المشاهد حِفظُه. ينتقل بلا تردد بين أحداث ومفارقات متوالية بحيث يسبب وجود كثيرٍ من الأحداث تدور في وقت واحد دون أن يجد الفيلم محوراً يجمعها ويرويها بقدر أقل من التقاطعات.

المشكلة الناتجة عن كل ذلك أن الفيلم مشغول بخطوطه القصصية المتعارضة، وعليه توفير عدد كاف من المشاهد ليوفي شخصياته حقها. هذا ما يجعل العمل أقرب إلى «استكشات» منه إلى قصّة ذات سرد متواصل.

كلّ ما سبق لا يمنع أن للفيلم نبرة كوميدية سوداء من تلك التي اشتهر بها المخرج برتون في أفلامه السابقة مثل «فرانكنويني» (Frankenweenie) 1984، و«عروس الجثة»، (Corpse Bride) 2005.

«بيتلجوس بيتلجوس» (بلان ب إنترتايمنت)

‫NONOSTANTE

(وسط)

* إخراج وبطولة: فاليريو ماستندريا | إيطاليا (مهرجان ڤينيسيا، قسم آفاق).

‫«بالرغم من» (أو «أشعر بتحسن»، (Feeling Better) كما عنوانه المختار للتسويق عالمياً) فيلم ثاني للمخرج المتحوّل من التمثيل فاليريو ماستندريا الذي لديه شعبية لا بأس بها في موطنه الإيطالي بين هواة الأفلام الكوميدية.

هذا الفيلم لديه اتجاهان مجتمعان: معالجة كوميدية وموضوع جاد عن النائمين في «كوما» في أحد المستشفيات.

ليس سهلاً معالجة هذا الموضوع إلّا من خلال مفتاح خاص يستطيع دخول تلك الشخصيات ورؤاهم. بطل الفيلم لوي (ماستندريا) وباقي «النائمين» ليسوا بالفعل في سبات عميق. نراهم يعيشون حياة موازية. هم في الظاهر نائمون دائمون وفي الغيب أحياء طبيعيون. وضعٌ يُشبه التقمّص كما لو أن كل واحد من هؤلاء يستغلّ سباته ليحلم بأنه ليس محكوماً عليه، وحتى حين، بالنوم المتواصل.

يقترح الفيلم أن سباتهم ذاك هو نعمة، فهم متحرّرون من مسؤوليات الحياة وواجباتها وما زالوا يستطيعون بناء حياة جديدة. لوي في الواقع يجدها فرصة فريدة للوقوع في الحب من جديد. لكن الأمور ليست دائماً كما يحب أن تكون حتى في تلك الحياة الموازية. في أحد المشاهد يتحوّل لقاؤه بالمرأة التي تعرّف إليها (تؤديها الأرجنتينية دولوريس فونزي) يتحوّل اللقاء إلى عاصفة من الجدال الغاضب. إنه أحد أفضل المشاهد أداءً.

الحبكة التي يحملها الفيلم أثقل من أن تمكّن ماستندريا من الوصول إلى نهاية الفيلم بعد 90 دقيقة من دون تعب. صعب تركيب حكاية كوميدية ودرامية معاً تدور حول حياة مزدوجة وصولاً لنهاية ذات معنى. لكن حسنة الفيلم توحيد الموضوع المطروح مع بصرياته وألوانه، ولو أن ذلك ليس كافياً للارتفاع به صوب وضع مهم على صعيد ما.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز