سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

ترفيهية ناجحة لكن نجومها محاصرين

من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)
من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)
TT

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)
من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)

فيلم فرنسيس فورد كوبولا الجديد «ميغالوبوليس»، الذي سيعرض خلال مهرجان تورنتو الحالي من 5 سبتمبر (أيلول) إلى 15 منه، ليس فيلماً سياسياً، بيد أنه يتضمن فكرة سياسية الجوهر، وهي أن أمام الولايات المتحدة مأزق مجتمعي خطر. الحبكة ذات العناصر الفانتازية من وجود حالم يريد إعادة بناء نيويورك فيواجه في ذلك مصاعب ومشكلات جمّة ليشهد انهيار حلمه، تنطلي على أميركا كحالة عامّة. ليس أن المخرج ابتكر معطيات فكرته، بل صاغ لها الجانب الخيالي الذي يمكن ترجمته بسهولة إلى واقع.

الجمهور لا يشتكي

فنياً هو فيلم العام حتى الآن بصرف النظر عن كيف استقبله نصف النقاد، وكيف سيستقبله المشاهدون حين يُباشر بعرضه تجارياً في الشهر المقبل. يقترح الواقع ولا يتبنّاه، بذلك لا يجب أن نحاكم الفيلم حتى على واقعية (أو عدم واقعية) نظرته. لكن «ميغالوبوليس»، في الوقت نفسه، ليس الفيلم الخيالي الجانح الوحيد. السينما الأميركية منذ أكثر من 20 سنة غيّرت اتجاهها المتنوّع وحصرت نفسها في مجموعات من المسلسلات الخيالية. حتى تلك التي تُنتج لجمهور أصغر حجماً، باتت في الكثير من الحالات، منفصمة عمّا يمكن أن نُسميه واقعاً. تحوم حول مواضيع صغيرة تترجمها إلى صور سهلة عوض التعمق في دلالاتها المختلفة. في الوقت نفسه، سقطت أفلام الرسوم بدورها في منهج المسلسلات وباتت جزءاً من الآلة غير الساعية للابتكار أو الاختلاف.

في 20 يوماً من العرض عالمياً، تخطّى فيلم الكوميكس «دَدبول ووولفرين» (Deadpool ‪&‬ Wolfverine) مليار دولار حول العالم. بحسبة تقريبية على أساس متوسط سعر التذكرة هذه الأيام، فإن عدد مشاهدي هذا الفيلم الخالي من أي قيمة تُذكر، لجانب تلبية هواة الترفيه بما يلزم من مشاهد تجنح للكوميديا، يتراوح ما بين 50 مليون و65 مليون شخص.

من «دَدبول وولڤرين» (مارڤل ستديوز)

ما يعنيه ذلك أن هناك هذا العدد من الأشخاص الذين اندفعوا لمشاهدة شخصيّتين من شخصيات «السوبر هيروز» ماثلتين أمامهم ليتعرّفوا على كيف سيتواجهان وكيف سيعملان معاً ضد أعدائهما. في سبيل ذلك عاش هؤلاء ساعتين من اللامعقول المحبّب. على عكس، «ميغالوبوليس»، الذي لن يجمع أكثر من 33 مليون مشاهد حول العالم إلا بأعجوبة، لا يحتوي «دَدبول ووولڤرين» على مفادات اجتماعية أو رموز تعكس رغبته في إثارة ما هو مهم حتى ولو من بعيد.

ليس أن الجمهور السائد يشتكي. في حوار مع عدد من المعجبين مؤخراً على صفحات الميديا الاجتماعية دافع غالبية المتحاورين عن هذا الفيلم وأمثاله بأنه يلبّي الرغبة في الترفيه وأن «الكوميكس» هو أدب من الخيال والخيال- العلمي الذي من قصر البصيرة انتقاده.

هذا صحيح. هو شكل أدبي من الخيال والخيال - العلمي، لكن بالمقارنة مع ما طُرح حتى في إطار سينما «الكوميكس» و«السوبر هيرو»، سابقاً، في أفلام مثل «سوبرمان» و«آيرون مان» و«باتمان»، يفتقر هذا الفيلم إلى الحد الأدنى من القيمة والذكاء.

فن وترفيه

السينما الأميركية، وفي كل بلد مكتظ بسكانه (مثل مصر والهند وفرنسا)، شهدت تقليداً متواصلاً من الأفلام التي لم تدّعِ أنها ذات مضامين فكرية أو تتناول الواقع على نحو أو آخر. لكن الفارق الأكبر بين سينما اليوم (في مجملها) وسينما الأمس، أن تلك كانت تتّسع لكل أنواع الأفلام بينها تلك الفانتازية عن «كابتن أميركا»، و«الشبح»، و«الظل»، و«كابتن مارڤل». روّاد الأمس، حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي كانوا يستطيعون مشاهدة إنتاجات رئيسية لعدة أنواع من الدراما إلى الكوميديا ومن البوليسي إلى الوسترن مروراً بأفلام الخيال-العلمي (الفعلية، أي تلك الخيالية المبنية على بعض العلم) والرعب والرومانسي والموسيقي والتاريخي والأعمال المقتبسة من الروايات الأدبية.

من «المحادثة» بعد 50 سنة (باراماونت بيكتشرز)

ليكون النموذج واضحاً، يمكن لنا أن نعود إلى عام 1974 (قبل 50 سنة من الآن) لنتعرّف على بعض ما أُنتج أميركياً آنذاك: «العراب 2» لفرنسيس فورد كوبولا، «غانغسترز» و«المحادثة» (لكوبولا أيضاً الذي يُطرح مجدداً حالياً بمناسبة مرور 50 سنة على إنتاجه)، و«تشايناتاون» لرومان بولانسكي (بوليسي)، و«مذبحة منشار تكساس» لتوب هوربي (رعب)، و«بارالاكس ڤيو» لألان ج. باكولا (تشويق سياسي)، و«احضر لي رأس ألفريدو غارسيا» لسام بكنباه (وسترن)، «ليني» (Lenny) لبوب فوسي (موسيقي). كل واحد من هذه النماذج استحق المكانة الفنية ولم يبخل على الجمهور السائد بالترفيه المعتاد.

القائمة تطول (تحتوي عشرات العناوين)، لكنها جميعها تشي بالرغبة في توفير التّنوع الذي كان ينجز نجاحات متعددة الرؤوس. كثير منها لم يهمل الترفيه، بيد أنه ربط ذلك بالمفادات المجتمعية.

قائمة أنجح 10 أفلام في تلك السنة ضمّت فيلم الكوارث «الجحيم البرجي» (The Towering Inferno) و«زلزال» (Earthquake)، وكلاهما من نوع سينما الكوارث المفقودة هذه الأيام والدراما الرياضية «الملعب الأطول» (The Longest Yard)، والدراما المضادة للعنصرية «محاكمة بيلي جاك»، والفيلم الساخر «فرانكنستين الشاب»، هذا بجانب «العرّاب 2» طبعاً.

نجوم ليوم وليلة

‫يشمل الوضع حقيقة أن الممثلين كانوا يجدون كثيراً من الأدوار المختلفة عوض اضطرارهم للالتصاق بنوع واحد تأميناً لنجاحهم كما حال كريس هيمسوورث (The Avengers)، وبول رود (Ant Man)، وسكارليت جوهانسون (The Avengers وBlack Widow)، وبيندكت كامبرباتش (Doctor Strange)، وتوم هولاند (Spider-Man)، وكريس إيڤانز (Captain America)، وروبرت داوني جونيور («آيرون مان» و«ذَ أفنجرز») حتى لا ننسى رايان رينولدز لاعباً شخصية دَدبول، لجانب عدد كبير من الممثلين الآخرين.‬

المؤسف هو أن هؤلاء غير قادرين على تغيير النوع صوب فيلم واقعي أو دراما فعلية لأن المحتم، غالباً، سقوط الممثل بسقوط فيلمه، وهذا يؤكد أن نجوم اليوم محكوم عليهم بسينما المؤثرات في حين أن الجمهور نفسه لا يكترث لهم إن حاولوا التغيير.


مقالات ذات صلة

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

سينما «جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«حي الدّمج صمد أمام الجيش الذي لا يُقهر أكثر ممّا صمدت الجيوش العربية سنة 1967». ملاحظة يطلقها أحد المتحدّثين في فيلم محمد بكري الجديد «جَنين جِنين»

محمد رُضا‬ (لندن)
إعلام نجم مسلسل «فريندز» ماثيو بيري (أرشيفية - رويترز)

مساعد ماثيو بيري من بين 5 أشخاص متهمين في قضية وفاته

قال المدعي العام الأميركي إن خمسة أشخاص وُجهت إليهم اتهامات فيما يتعلق بوفاة الممثل ماثيو بيري بسبب جرعة زائدة من مادة الكيتامين العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق تصميم أزياء الأفلام يبدأ من مرحلة قراءة النص والاجتماع مع المخرج (الصورة من منسج)

الأزياء في الأفلام السعودية... مشاريع جديدة ببُعد سينمائي

الملابس ليست مجرد أشياء يرتديها الممثلون في الأفلام، وإنما هي لغة سينمائية بصرية في حد ذاتها، وهو ما تفطّنت له جهات سعودية واعدة.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق فيلم «داديو» من بطولة شون بن وداكوتا جونسون (سوني بيكتشرز)

«داديو»... 90 دقيقة سينمائية داخل سيارة أجرة

ثنائيّ سينمائي لا تتوقّعه العين ذاك الذي يشكّله الممثلان شون بن وداكوتا جونسون في فيلم «داديو»، والعمل عبارة عن محاولة غير مكتملة للغوص في الأعماق النفسية.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمود حميدة في برومو الفيلم (الشركة المنتجة)

مخرج «المُلحد» يتهم الرقابة بوقف عرض الفيلم

اتهم محمد العدل، مخرج فيلم «الملحد»، هيئة «الرقابة على المصنفات الفنية» في مصر بـ«الوقوف وراء منع عرض فيلمه، الأربعاء، كما كان مقرراً.

أحمد عدلي (القاهرة)

روبرت داوني جونيور يعلن عودته إلى أفلام «مارفل»

روبرت داوني جونيور يعلن عودته إلى أفلام «مارفل» للأبطال الخارقين (أ.ب)
روبرت داوني جونيور يعلن عودته إلى أفلام «مارفل» للأبطال الخارقين (أ.ب)
TT

روبرت داوني جونيور يعلن عودته إلى أفلام «مارفل»

روبرت داوني جونيور يعلن عودته إلى أفلام «مارفل» للأبطال الخارقين (أ.ب)
روبرت داوني جونيور يعلن عودته إلى أفلام «مارفل» للأبطال الخارقين (أ.ب)

أعلن الممثل الحائز جائزة أوسكار، روبرت داوني جونيور، عودته إلى أفلام «مارفل» للأبطال الخارقين، وذلك خلال حدث كان منتظراً ضمن ملتقى «كوميك كون» المُقام في كاليفورنيا، الذي يشكّل مهرجاناً رئيسياً للثقافة الشعبية.

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، سينضم هاريسون فورد، وبيدرو باسكال أيضاً إلى شركة «مارفل» التابعة لمجموعة «ديزني» التي أعلنت مساء السبت خططها لإحياء سلسلة الأبطال الخارقين المتعثرة، على الرغم من تحقيق إيرادات في شباك التذاكر بلغت 30 مليار دولار.

وسيعود روبرت داوني جونيور، الممثل البارز في عالم «مارفل»، المعروف بتأديته دور «آيرن مان» (الرجل الحديدي)، مع تولي شخصية مختلفة تماماً هي «دكتور دوم»، وهو شخص شرير مُستوحى من شرائط «مارفل» المصوّرة.

وظهر الممثل الذي حاز هذه السنة جائزة أوسكار عن دوره في فيلم «أوبنهايمر» للمخرج كريستوفر نولان، مساء السبت على مسرح «كوميك كون» محاطاً بمجموعة من الشخصيات التي كانت تضع أقنعة قبل أن يتقدّم ويعلن أمام حشد من الحاضرين عودته إلى أفلام «مارفل».

وقال الممثل الذي انسحب من عالم «مارفل» عام 2019 بعد أن أدّى دور «الرجل الحديدي» على مدار 9 أفلام، «قناع جديد. المهمة نفسها. ماذا قلت لكم؟ أحب تأدية شخصيات مركّبة».

وافتُتحت أمسية «مارفل» مع عشرات المغنيين والراقصين الذين كانوا يرتدون أزياء باللونين الأحمر والأصفر للأبطال الخارقين في فيلم «ديدبول آند ولفيرين» الذي بدأ عرضه خلال نهاية عطلة الأسبوع الحالية، ويُتوقع أن يدرّ إيرادات قياسية.

وقد هيمن عالم «مارفل» إلى حد كبير على هوليوود خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبلغ ذروة نجاحه عام 2019 مع فيلم «أفنجرز: إندغيم» (Avengers: Endgame)، الذي أصبح لفترة وجيزة الفيلم الأكثر درّاً للإيرادات على الإطلاق، محققاً أكثر من 2.79 مليار دولار في العالم.

لكن يبدو أنّ الجمهور قد سئم هذا العالم المستوحى من الشرائط المصوّرة، مع حبكاته المتكررة ومجموعته المعقدة من الشخصيات، فعدد كبير من أفلام «مارفل» الأخيرة فشل تجارياً.

3 أفلام في العام المقبل

انطلق ملتقى «كوميك كون» (الخميس) مع عرض خاص لفيلم «ديدبول آند ولفيرين»، بحضور الممثلَين راين رينولدز، وهيو جاكمان اللذين استقبلهما نحو 6 آلاف شخص، كان عدد كبير منهم يرتدون أزياء الأبطال أو الأشرار.

ومن بين كل الفعاليات المخطط لها حتى اليوم (الأحد)، كان الحدث الخاص بـ«مارفل» الأكثر متابعةً، إذ اصطفّ محبو هذا العالم في طوابير لساعات حتى يتمكّنوا من حضور الحدث.

وقد اهتزّت «مارفل» أيضاً بعد رحيل شخصيات شهيرة في أفلامها، على غرار «الرجل الحديدي» الذي يؤدي دوره روبرت داوني جونيور، بالإضافة إلى استبعاد جوناثان ميجورز من دور الشرير الجديد بعد إدانته بالعنف المنزلي.

لكنّ مسألة بديله تم حلها بشكل واضح (السبت) مع إعلان عودة روبرت داوني جونيور.

وسيعود أيضاً إلى عالم «مارفل» الأخوان جو وأنتوني روسو اللذان أخرجا فيلم «أفنجرز: إندغيم» عام 2019. وسيتوليان إخراج «أفنجرز: دومزداي» الذي سيصدر في مايو (أيار) 2026، و«أفنجرز: سيكرت وورز» المرتقب بدء عرضه في 2027.

وفي العام المقبل، سيتم إطلاق 3 أفلام هي «كابتن أميركا: برايف نو وورلد»، مع هاريسون فورد في دور ثاديوس روس، وهو رئيس أميركي، الذي يتحول إلى شخصية حمراء، و«ثاندربولتس»، و«ذي فنتاستيك 4: فرست ستيب». وهذه الأفلام مرتقبة في مايو ويوليو (تموز) 2025.

وفي وقت سابق من السبت، عرض استوديو «وارنر» المنافس لشركة «ديزني» مقتطفات من «ذي بنغوين» من بطولة كولين فاريل، وهو مسلسل مستوحى من عالم باتمان سيبدأ عرضه في 19 سبتمبر (أيلول) على شبكة «إتش بي أو».

وبعيداً عن هذا السيل الترويجي، يبقى ملتقى «كوميك كون» قبل كل شيء فرصة لآلاف من محبي الثقافة الشعبية لارتداء أزياء شخصيات «ديزني» أو بزات ساموراي، ولمقابلة مهووسين آخرين وتبادل شرائط مصوّرة معهم.